المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كشف شبهات الشيخ ربيع في مقال هل يجوز أن يرمى بالإرجاء من قال أن العمل أصل والعمل كمال


كيف حالك ؟

أبو أسامه الشامي
04-30-2007, 01:12 PM
بحث مهم في رد شبهات الشيخ ربيع التي نقلها في مقاله
هل يجوز أن يرمى بالإرجاء من يقول ان العمل أصل والعمل كمال

نرجوا عرضه على الشيخ فالح الحربي


التلازم بين الظاهر والباطن
ونقولات مهمة لشيخ الإسلام وابن القيم


التلازم بين الظاهر والباطن ، ونقولات مهمة لشيخ الإسلام وابن القيم

ينبغي أن يعلم أن الاعتراف بهذا التلازم وفهمه والقول بموجبه ، هو ما يميز السني من المرجيء ، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ، وبين أن المرجئة يرون العمل ثمرة ، لا لازما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عندما تكلم على وجوه غلط المرجئة في الإيمان كما الفتاوى ج 7 ص 204 :
( الثالث : ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له ; والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ; ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب مثل أن يقولوا : رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر وهو لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ويزني بأمه وأخته ويشرب الخمر نهار رمضان ; يقولون : هذا مؤمن تام الإيمان فيبقى سائر المؤمنين ينكرون ذلك غاية الإنكار . } أ . هـ

فتأمل قول شيخ الإسلام : (( ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له)) .
فهذا فرقان ما بين المرجئة والسنة . وسيأتي بيان المراد بإيمان القلب التام.

وقال شيخ الإسلام في بيان هذا التلازم مجموع الفتاوى ( 7 / 541) :
( وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما فى القلب ولازمه ودليله ومعلوله كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضا تأثير فيما فى القلب فكل منهما يؤثر فى الآخر لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له والفرع يستمد من أصله والأصل يثبت ويقوى بفرعه ).


والآن أسوق إليك مواضع مهمة من كلام شيخ الإسلام وغيره

1- بيان شيخ الإسلام أن مقتضى التلازم انعدام الإيمان بانعدام هذه الأعمال :
قال شيخ الإسلام ( 7/577)
(وقيل لمن قال : دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز نزاعك لفظي ; فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن فإذا اعترفت بهذا كان النزاع لفظيا. وإن قلت : ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه من أنه يستقر الإيمان التام الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفر وترك جميع الواجبات الظاهرة قيل لك : فهذا يناقض قولك إن الظاهر لازم له وموجب له بل قيل : حقيقة قولك إن الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى فليس بلازم له ولا موجب ومعلول له ولكنه دليل إذا وجد دل على وجود الباطن وإذ عدم لم يدل عدمه على العدم وهذا حقيقة قولك).

فانظر قوله : كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم.
وقوله : فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن.
وقوله مبينا ما يترتب على القول بعدم التلازم : وإذ عدم لم يدل عدمه على العدم .
فيا عجبا من إخواننا الذين يقرون بالتلازم ، ثم يقولون إن عدم الظاهر لا يدل على عدم الباطن! .


2- تصريح شيخ الإسلام بأن من لم يأت بعمل الجوارح فهو كافر :
قال في شرح العمدة ج2 ص 86
في معرض تقريره لكفر تارك الصلاة :
(و أيضا فان الإيمان عند أهل السنة و الجماعة قول و عمل كما دل عليه الكتاب و السنة و اجمع عليه السلف و على ما هو مقرر في موضعه فالقول تصديق الرسول و العمل تصديق القول
فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا.
و القول الذي يصير به مؤمن قول مخصوص و هو الشهادتان فكذلك العمل هو الصلاة ... وأيضا فإن حقيقة الدين هو الطاعة و الانقياد و ذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط ، فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ، و من لا دين له فهو كافر " انتهى .


3- تصريحه بأن انتفاء أعمال الجوارح مع التمكن والعلم بها لا يكون إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح :
قال في مجموع الفتاوى 7/616
( وهذه المسألة لها طرفان : أحدهما : في إثبات الكفر الظاهر . والثاني : في إثبات الكفر الباطن . فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الايمان قولا وعملا كما تقدم ، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا ايمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج الى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا الا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع ايمان صحيح ).


4- تصريحه بأن الرجل لا يكون مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي اختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم.
(7/621 ) : ( وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا غير ذلك من الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة و يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد ).

5- نقله عن أبي طالب المكي – وإقراره له – أن من لم يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفرا لا يثبت معه توحيد: قال أبو طالب ، كما نقله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 7/333)
( الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر فهما كشيء واحد لا إيمان لمن لا إسلام له ; ولا إسلام لمن لا إيمان له ؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه - ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان ; واشترط للإيمان الأعمال الصالحة فقال في تحقيق ذلك { فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه } وقال في تحقيق الإيمان بالعمل : { ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا }.
فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد ; ومن كان مؤمنا بالغيب مما أخبرت به الرسل عن الله عاملاً بما أمر الله فهو مؤمن مسلم ).


6- نقله عن أبي طالب المكي- وإقراره - أن في سقوط عمل الجوارح ذهاب الإيمان :
مجموع الفتاوى لابن تيمية (7 / 334)
(لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقد ومَثَلُ ذلك مَثَلُ العمل الظاهر والباطن أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنما الأعمال بالنيات } أي لا عمل إلا بعقد وقصد لأن { إنما } تحقيق للشيء ونفي لما سواه فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات وعمل القلوب من النيات ، فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام الا بهما لأن الشفتين تجمع الحروف واللسان يظهر الكلام وفى سقوط أحدهما بطلان الكلام وكذلك فى سقوط العمل ذهاب الإيمان ).
فلا إيمان إلا بعمل ، كما أنه لا عمل إلا بعقد ، وفي سقوط العمل ذهاب الإيمان.

7- نقله عن أبي طالب- وإقراره – أن أعمال القلوب لا تنفع إلا مع صالح أعمال الجوارح :
مجموع الفتاوى ( 7/334)
( ومثل الإيمان و الإسلام أيضا كفسطاط قائم فى الأرض له ظاهر و أطناب وله عمود فى باطنه ن فالفسطاط مثل الإسلام له أركان من أعمال العلانية والجوارح وهو الأطناب التى تمسك أرجاء الفسطاط، والعمود الذى فى وسط الفسطاط مثله كالإيمان لا قوام للفسطاط إلا به فقد احتاج الفسطاط اليها اذ لا قوام له ولا قوة إلا بهما، كذلك الاسلام فى أعمال الجوارح لا قوام له إلا بالإيمان والإيمان من أعمال القلوب لا نفع له إلا بالاسلام وهو صالح الأعمال ).


8- تصريح شيخ الإسلام بأنه إذا انتفت أعمال الجوارح لم يبق في القلب إيمان :
قال شيخ الإسلام : 7/202
( وللجهمية هنا سؤال ذكره أبو الحسن في كتاب " الموجز " ؛ وهو أن القرآن نفى الإيمان عن غير هؤلاء كقوله : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ولم يقل : إن هذه الأعمال من الإيمان . قالوا : فنحن نقول : من لم يعمل هذه الأعمال لم يكن مؤمنا لأن انتفاءها دليل على انتفاء العلم من قلبه . والجواب عن هذا من وجوه : أحدها :
أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب ; وبعد هذا فكونها لازمة أو جزءا نزاع لفظي . الثاني : أن نصوصا صرحت بأنها جزء كقوله ...).الخ
فتأمل قوله : أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب .
فهذا هو مقتضى التلازم عند شيخ الإسلام .


9- تصريحه بأن قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن ممتنع :
مجموع الفتاوى (7/556) قال :( و أيضا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضا وهذا باطل قطعا فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطعا بالضرورة، وان أدخلوا أعمال القلوب فى الإيمان أخطأوا أيضا لإمتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن وليس المقصود هنا ذكر عمل معين بل من كان مؤمناً بالله ورسوله بقلبه هل يتصور إذا رأي الرسول وأعداءه يقاتلونه وهو قادر على أن ينظر إليهم ويحض على نصر الرسول بما لا يضره هل يمكن مثل هذا فى العادة إلا أن يكون منه حركة ما إلى نصر الرسول فمن المعلوم أن هذا ممتنع ).

10- تصريحه بأن انتفاء اللازم الظاهر دليل على انتفاء الملزوم الباطن:

قال ( 7/554) (و المرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان ; فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضا وجعلها هي التصديق فهذا ضلال بين ومن قصد إخراج العمل الظاهر قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن فبقي النزاع في أن العمل الظاهر هل هو جزء من مسمى الإيمان يدل عليه بالتضمن أو لازم لمسمى الإيمان .)

وقال في الجواب الصحيح ( 6/487 ):
( وقد بسطنا الكلام على هذه في مسألة الإيمان ، وبيَّنا أن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم ، لابد أن يظهر على الجوارح وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت ، صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب } وكما قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمن رآه يعبث في الصلاة : { لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه }….. فإن الإرادة التي في القلب مع القدرة توجب فعل المراد ).

11- تصريحه بأن انتفاء العمل يكذب أن في القلب إيمانا :
قال في ( 7/294)
(وقوله : ليس الإيمان بالتمني - يعني الكلام - وقوله : بالتحلي . يعني أن يصير حلية ظاهرة له فيظهره من غير حقيقة من قلبه ومعناه ليس هو ما يظهر من القول ولا من الحلية الظاهرة ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا وإذا لم يكن عمل كذب أن في قلبه إيمانا لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر . وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم .).

12- تصريحه بأن وجود إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع : (مجموع الفتاوى (7/616) :
(فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة فى هذا الباب وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل أو يقتل مع إسلامه فإنه دخلت عليه الشبهة التى دخلت على المرجئة والجهمية والتى دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم فى مسألة الإيمان وأن الأعمال ليست من الإيمان
وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءاً من الإيمان كما تقدم بيانه)
والمقصود بإيمان القلب التام : الإيمان الصحيح ، لا الكامل ، كما ظنه البعض ، ومما يؤكد هذا قوله :
مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 553
(وأما إذا قرن الإيمان بالإسلام فإن الإيمان في القلب والإسلام ظاهر كما فى المسند عن النبي أنه قال الاسلام علانية والإيمان فى القلب والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره ومتى حصل له هذا الإيمان وجب ضرورة أن يحصل له الإسلام الذي هو الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج لأن إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله يقتضي الإستسلام لله والانقياد له والا فمن الممتنع أن يكون قد حصل له الإقرار والحب والإنقياد باطنا ولا يحصل ذلك فى الظاهر مع القدرة عليه كما يمتنع وجود الإرادة الجازمة مع القدرة بدون وجود المراد.
وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانا جازما امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم إنتفاء الإيمان القلبي التام وبهذا يظهر خطأ جهم ومن إتبعه فى زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع فى الآخرة فإن هذا ممتنع إذ لا يحصل الإيمان التام فى القلب إلا ويحصل فى الظاهر موجبه بحسب القدرة فان من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبا جازما وهو قادر على مواصلته ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك).
فانظر قوله : (فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبى التام) فهل يصح حمل قوله ، على الإيمان الكامل ، مما يعني صحة إيمان من ترك الشهادتين مع القدرة !!!! وقد حكى شيخ الإسلام الإجماع على كفر من هذا حاله ، ظاهرا وباطنا. قال في ( 7/609 ) (فأما " الشهادتان " إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين وهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها).

وقال ( 7/302 )
( وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر ).


13- تصريحه بأنه لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح
مجموع الفتاوى (7/198)
(وذلك لأن أصل الإيمان هو ما فى القلب والأعمال الظاهرة لازمة لذلك لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذى فى القلب فصار الإيمان متناولا للملزوم واللازم وإن كان أصله ما فى القلب ).
وقال ( 7/621) :
( ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات ، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له ، أو جزءا منه ، فهذا نزاع لفظي ، كان مخطئا خطأ بينا ، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها ، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف ، والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها).
فإذا عدمت أعمال الجوارح بالكلية ، لم يتصور وجود الإيمان الواجب في القلب .
وعلى فرض أن شيخ الإسلام يريد بالإيمان الواجب هنا ما زاد على أصل الإيمان الصحيح المجزيء ، فإن هذا لا ينافي عباراته الماضية التي يصرح فيها بأنه لم يبق في القلب إيمان ، بل الكفر والزندقة.
ولكني لا أرى ما نعا من تفسير هذه العبارة على أنها في الإيمان الواجب ، بمعنى : الصحيح اللازم للنجاة. والدليل على ذلك أن شيخ الإسلام يستعمل هذا اللفظ ( الإيمان الواجب في القلب ) في مواطن لا يصح فيها إلا هذا المعنى ( الإيمان الصحيح ).
قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 188
(فإذا لم يتكلم الإنسان بالإيمان مع قدرته دل على أنه ليس فى قلبه الإيمان الواجب الذي فرضه الله عليه).
فحمله على ما زاد على أصل الإيمان هنا باطل قطعا . إذ يعني هذا أن من لم يتكلم مع القدرة معه إيمان صحيح . وهذا باطل كما سبق .
وانظر قوله – أيضا –
في مجموع الفتاوى ج: 18 ص: 53
(وقد لا يحصل لكثير منهم منها ما يستفيد به الإيمان الواجب فيكون كافرا زنديقا منافقا جاهلا ضالا مضلا ظلوما كفورا ويكون من أكابر أعداء الرسل ومنافقى الملة من الذين قال الله فيهم وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين ).
فقوله : فيكون كافرا ... الخ ، دليل على أن مراده بالإيمان الواجب الإيمان الصحيح وأصل الإيمان.
وانظر قوله :
في مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 584
(و سادسها: أنه يلزمهم أن من سجد للصليب والأوثان طوعا وألقى المصحف فى الحش عمدا وقتل النفس بغير حق وقتل كل من رآه يصلى وسفك دم كل من يراه يحج البيت وفعل ما فعلته القرامطة بالمسلمين يجوز أن يكون مع ذلك مؤمنا وليا لله إيمانه مثل إيمان النبيين والصديقين لأن الإيمان الباطن إما أن يكون منافيا لهذه الأمور وإما أن لا يكون منافيا فإن لم يكن منافيا أمكن وجودها معه فلا يكون وجودها إلا مع عدم الإيمان الباطن. وإن كان منافيا للإيمان الباطن كان ترك هذه من موجب الإيمان ومقتضاه ولازمه فلا يكون مؤمنا فى الباطن الإيمان الواجب إلا من ترك هذه الأمور فمن لم يتركها دل ذلك على فساد إيمانه الباطن).

ومع هذا أقول : ربما جاءت هذه العبارة لشيخ الإسلام بمعنى ما زاد على أصل الإيمان ، وحينئذ نقول: حملها – في المواضع التي استشهدنا بها- على أصل الإيمان أو الإيمان الصحيح هو الموافق لعباراته الأخرى الذي يجزم فيها بامتناع وجود إيمان صحيح في القلب بدون عمل الجوارح ، وأنه لا يوجد ثم إلا الكفر والزندقة.
وإن قيل : إنها عبارة محتملة استعملها شيخ الإسلام في معنيين . قلنا : في عباراته الصريحة الواضحة غنية وكفايه والحمد لله .
مع أنه لا تعارض بين المعنى الذي يذهبون إليه ، وبين العبارات الصريحة السابقة ،
فذهاب الأعمال الظاهرة يعني انتفاء الإيمان الباطن ، وأنه لا يبقى في القلب إيمان ، وأنه ليس ثم إلا الكفر والزندقة ، وأن هذا ممتنع لا يصدر من مؤمن بالله ورسوله ... وهو أيضا دال على عدم وجود الإيمان الواجب - بمعنى ما زاد على أصل الإيمان - من باب أولى .
ولشيخ الإسلام كلام مستفيض في بيان حقيقة التلازم بين الظاهر والباطن ، ولعل ما ذكرته في كفاية ، وقد أعود إلى نقل المزيد منه إن شاء الله.


14- تصريح ابن القيم بأن تخلف العمل الظاهر دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان:
قال في الفوائد ص 117
( الايمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية .
ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان.
ونقصه دليل نقصه.
وقوته دليل قوته. فالإيمان قلب الإسلام ولبه ، واليقين قلب الإيمان ولبه. وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول)
وقال أيضا :
الفوائد :
(فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن. وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت ، فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه ذلك من النار كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان لم ينجه من النار ) . انتهى.
وربما تسرع متسرع فقال : لم يقل إنه كافر ، وإنما قال : لم ينجه من النار .
فنقول : حسبك أنه جعله ، كمن قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان . وكلاهما في النار" إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار".


15- تصريح ابن القيم بأن من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية قال في ( الصلاة وحكم تاركها ) ص 35 عند ذكر الدليل العاشر من القرآن على كفر تارك الصلاة :
( على أنا نقول : لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها أصلا ، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب ، وهو مع ذلك مصر على تركها ، هذا من المستحيل قطعا ، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا ، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها ، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الايمان ، ولا تصغ الى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها.
وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفى على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية ... ). إلى أن قال (فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما اعتقاد الصدق، والثاني محبة القلب وانقياده ولهذا قال تعالى لإبراهيم :(يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) وإبراهيم كان معتقداً لصدق رؤياه من حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي، وإنما جعله مصدقاً لها بعد أن فعل ما أمر به وكذلك قوله: " والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" فجعل التصديق عمل الفرج ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل. وقال الحسن : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. وقد روى هذا مرفوعاً ، والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة. الوعد على فعلها والوعيد على تركها. ( كذا ) وبالله التوفيق .

وقال ابن القيم في كتاب الصلاة وحكم تاركها ص 46
(وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولا سيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح ،إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان.فإن الإيمان ليس مجرد التصديق - كما تقدم بيانه - وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو معرفته المستلزم لاتباعه والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقاً فليس هو التصديق المستلزم للإيمان. فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته) انتهى كلام ابن القيم.




بقية البحث يأتي

أبو أسامه الشامي
04-30-2007, 01:16 PM
أولا : توضيح ما نقل عن الإمام ابن مندة رحمه الله


قال الإمام ابن مندة في كتابه الإيمان(1 / 331 ) بعد ذكر مذاهب الطوائف في الإيمان : ( و قال أهل الجماعة : الإيمان هي الطاعات كلها بالقلب و اللسان و سائر الجوارح غير أن له أصلاً و فرعاً . فأصله المعرفة بالله و التصديق له و به بما جاء من عنده بالقلب و اللسان مع الخضوع له و الحب له و الخوف منه و التعظيم له ، مع ترك التكبر و الاستنكاف و المعاندة فإذا أتى بـهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ، ولا يكون مستكملاً له حتى يأتي بفرعه ، وفرعه المفترض عليه أو[ كذا ، ولعل الصواب : أداء ] الفرائض واجتناب المحارم).
والجواب عليه من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن هذا النقل لو أفاد الاقتصار على هذا " الأصل " المكون من : قول السان وتصديق القلب ، وعمل القلب ، في حصول النجاة ، لكان قولا خاطئا ، مسبوقا بالإجماع الذي نقله الشافعي رحمه الله .
الوجه الثاني : أنه لا منافاة بين كلامه رحمه الله ، وبين ما سبق تقريره .
فقوله : ( فإذا أتى بـهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ).
صحيح ، بل نحن نقول : من آتي بمجرد القول : فقد دخل في الإيمان ، ولزمه اسمه وأحكامه ، فكل خطاب موجه باسم المؤمنين فهو داخل فيه .
أما قوله ( ولا يكون مستكملاً له حتى يأتي بفرعه ، وفرعه المفترض عليه)
فهذا حق أيضا ، فلن يستكمل الإيمان إلا بأداء الفرائض واجتناب المحارم .
لكن هل في كلام ابن مندة أنه لو اكتفى ( بالأصل ) المذكور أنه يظل مؤمنا مسلما ؟! وأنه ينجو بذلك يوم القيامة ؟
هذا ما لا ذكر له في كلامه رحمه الله .
فإن قيل : يفهم ذلك من تعبيره بالأصل وبالفرع ، ومن قوله مستكملا له .
قلنا : إطلاق ( الفرع ) على عمل الجوارح لا إشكال فيه ، وقد أطلقه شيخ الإسلام مع قوله إنه لازم لإيمان القلب ، وأن زواله يعني أن ليس في القلب إيمان . انظر : 7/ 186 ، 187 ، 198 ، 202 ، 263 ، وغير ذلك من المواضع السابقة.
وقد يقول العالم : الإيمان أصله التصديق والإقرار ، وفرعه العمل . ثم تجده يقول بعدها : والإسلام أصله العمل وكماله ما في القلب !!!! كما فعل شيخ الإسلام ويأتي لفظه .
وأما التعبير بالكمال ، فهو حق كما سبق ، فلا يستكمل الإيمان إلا بالإتيان بجميع ما أمر وترك ما نهي عنه .
وتأمل قول شيخ الإسلام عن الإيمان ( وأصله القلب وكماله العمل الظاهر ) 7/637 فقد استشهد بها من يرى نجاة تارك العمل ، محتجا بلفظ بالكمال !
لكن قال شيخ الإسلام عقبها مباشرة : ( بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر وكماله القلب ) .
فهل يصح أن يفهم أحد من لفظ الكمال هنا أنه لو خلا القلب من الإيمان فهو مسلم ؟!
وقد يقول العالم : ولا يكمل الإيمان إلا بالقول والتصديق والعمل .
أو : من استكمل ذلك كان مؤمنا .... مع قوله : إنه لو ترك العمل لم ينفعه القول والتصديق . كما سبق في كلام الآجري رحمه الله .
وسيأتي مزيد إيضاح لمعنى الكمال ، عند الكلام على كلام المروزي رحمه الله.
والحاصل أن ابن مندة رحمه الله لم يتعرض لحكم تارك عمل الجوارح في الدنيا ، ولا لنجاته في الآخرة .
الوجه الثالث : أن ابن مندة رحمه الله يقول بكفر تارك الصلاة ، فكيف يفهم من وصفه لأعمال الجوارح بأنها فرع : أنه لا يكفر تاركها بالكلية ؟
وكيف ينسب إليه القول بنجاة تارك أعمال الجوارح ؟!
[ إن من يقول بكفر تارك الصلاة ، فهو قائل – ولابد – بكفر تارك جميع أعمال الجوارح ، فلا يجهدن أحد نفسه في الاستدلال بكلامه في مسألتنا هذه ].
قال رحمه الله : في الإيمان 2/382
( ذكر ما يدل على أن مانع الزكاة وتارك الصلاة يستحق اسم الكفر ).
وقال في الإيمان 2/362
( وترك الصلاة كفر ، وكذلك جحود الصوم والزكاة والحج ).
فهذا " كفر أكبر " كما ترى .

أبو أسامه الشامي
04-30-2007, 01:18 PM
ثانيا : توضيح ما نقله الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله عن طائفة من أهل الحديث


قال في تعظيم قدر الصلاة 2/519نقلا عن طائفة من أهل الحديث في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " حيث رأت هذه الطائفة أنه يزول عنه اسم الإيمان ، ويبقى له اسم الإسلام ، وأضافوا مع ذلك أنه يكون كافرا ، لا كافرا بالله ولكن كافرا من طريق العمل . أي كفرلا ينقل عن الملة .
وحين أُلزم هؤلاء بأنهم إذا سموه كافرا لزمهم أن يحكموا له بحكم الكافرين بالله أجابوا بالآتي :
( فإنا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا ، ولكنا نقول : للايمان أصل وفرع ، وضد الايمان الكفر في كل معنى.
فأصل الايمان : الاقرار ، والتصديق .
وفرعه : إكمال العمل بالقلب والبدن .
فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان : الكفر بالله وبما قال ، وترك التصديق به وله.
وضدّ الإيمان الّذي هو عمل وليس هو إقرار كفرٌ ليس بكفر بالله ينقل عن الملّة ولكن كفر يضيع العمل ، كما كان العمل إيمانا وليس هو الإيمان الذي هو إقرار بالله ، فكما كان من ترك الإيمان الّذي هو إقرار بالله كافراً يُستتاب ، ومن ترك الإيمان الّذي هو عمل مثل الزّكاة والحجّ والصّوم أو ترك الورع عن شرب الخمر والزّنا فقد زال عنه بعض الإيمان ولا يجب أن يُستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل السّنّة وأهل البدع ممّن قال : إنّ الإيمان تصديق وعمل إلاّ الخوارج وحدها ، فكذلك لا يجب بقولنا كافر من جهة تضييع العمل أن يُستتاب ولا يزول عنه الحدود ، وكما لم يكن بزوال الإيمان الذي هو عمل استتابة ولا إزالة الحدود عنه ، إذ لم يزل أصل الإيمان عنه ، فكذلك لا يجب علينا استتابته وإزالة الحدود والأحكام عنه بإثباتنا له اسم الكفر من قبل العمل إذ لم يأت بأصل الكفر الذي هو جحد بالله أو بما قال.

قالوا : ولما كان العلم بالله ايمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض ايمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر ، وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ولم يعلموا الفرائض التى افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا
وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر.
قالوا : فمن ثمّ قلنا : إنّ ترك التّصديق بالله كفرٌ به ، وإنّ ترك الفرائض مع تصديق الله أنّه أوجبها كفرٌ ليس بكفر بالله ، إنّما هو كفر من جهة ترك الحق ، كما يقول القائل : كفرتني حقّي ونعمتي ، يريد ضيّعت حقّي وضيّعت شكر نعمتي.
قالوا : ولنا فى هذا قدوة بمن روي عنهم من أصحاب رسول الله والتابعين إذ جعلوا للكفر فروعا دون أصله لا ينقل صاحبه عن ملة الإسلام كما أثبتوا للإيمان من جهة العمل فروعا للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام). انتهى كلام المروزي .
قلت : اعتمد على هذا الكلام الأخ أحمد الزهراني في حواره مع الأخ العبد الكريم ، في منتدى الفوائد ، واقتصر على ذكر بعضه .

وليس في هذا الكلام ما يصلح مستندا لمن يرى نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية ، وبيان ذلك من وجوه :

الأول : أني قدمت أن (الأقوال المخالفة لهذا الإجماع لا تخرج عن واحد من أربعة أمور)
وذكرت منها : (الثالث : أن يكون قولا نتفق نحن والمخالف على خطئه ، فلا يجوز له الاحتجاج به .)
فإذا اعتمد المخالف على وصف هذه الطائفة لعمل الجوارح بأنه فرع ، وأن ضده كفر ليس ينقل عن الملة .
قلنا : قد وصفوا عمل القلب أيضا بأنه فرع ، وأن ضده كفر ليس ينقل عن الملة ، وأنتم لا تقولون بذلك ، فوجب اطراح هذا القول ، واعتباره خطأ ، والبحث عن وجه لتأويله.
ولهذا حين نقلت " مجلة الأصالة " في عددها 25 ، 26 هذا النقل علقت على قولهم " وفرعه إكمال العمل بالقلب " بقولها : انظر ما يوضحه ص 101 - 102 .
لكننا لم نجد توضيحا !!!
الثاني : وإن احتج المخالف بقول الطائفة : " ومن ترك الإيمان الّذي هو عمل مثل الزّكاة والحجّ والصّوم أو ترك الورع عن شرب الخمر والزّنا فقد زال عنه بعض الإيمان ولا يجب أن يُستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل السّنّة)
فالجواب : أن محل نزاعنا هو فيمن ترك أعمال الجوارح بالكلية ، لا فيمن ترك الزكاة والحج والصوم ، فإن النزاع في تكفير تارك هذه المباني معروف بين السلف .
الثالث : وإن احتج المخالف بقولهم : " وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر ، وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر"
وقولهم : " فمن ثمّ قلنا : إنّ ترك التّصديق بالله كفرٌ به ، وإنّ ترك الفرائض مع تصديق الله أنّه أوجبها كفرٌ ليس بكفر بالله ، إنّما هو كفر من جهة ترك الحق ، كما يقول القائل : كفرتني حقّي ونعمتي ، يريد ضيّعت حقّي وضيّعت شكر نعمتي".
فالجواب : أن القول إذا كان خطأ ، فلا يلتفت إلى ما تفرع عنه وانبنى عليه .
وقد رأيت أن هذه الطائفة ترى أن الكفر الأكبر لا يكون إلا في مقابل الإقرار والتصديق ، وأن ترك عمل القلب يقابله كفر لا ينقل عن الملة .
وهذا مخالف لما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من أن زوال عمل القلب يزول به الإيمان .
وأيضا : فإن المراد بترك الفرائض عندهم ما سبق ذكره : (مثل الزّكاة والحجّ والصّوم أو ترك الورع عن شرب الخمر والزّنا )
وعلى فرض أن المراد أعم من ذلك ، فهو خارج عن محل النزاع ، الذي هو ترك عمل الجوارح بالكلية ، فرضا أو واجبا أو نفلا. والله أعلم.
وبكل حال : فقولهم مخالف لإجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة .
ومخالف لإجماعهم على أنه لا يجزي قول بلا عمل .

أبو أسامه الشامي
04-30-2007, 01:21 PM
رابعا : واحتج المخالف بقول المروزي رحمه الله

( تعظيم قدر الصلاة 2/713)
( فقد كان يحق عليهم أن ينزلوا المؤمن بهذه المنزلة فيشهدوا له بالإيمان إذ أتى بإقرار القلب واللسان ، ويشهدوا له بالزيادة كلما ازداد عملا من الأعمال التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم شعبا للإيمان ، وكان كلما ضيع منها شعبة علموا أنه من الكمال أنقص من غيره ممن قام بها فلا يزيلوا عنه اسم الإيمان حتى يزول الأصل ) .
والجواب :
أن هذا داخل في قولي : (الثالث : أن يكون قولا نتفق نحن والمخالف على خطئه ، فلا يجوز له الاحتجاج به .)
فالمخالف يصرح بأن في زوال عمل القلب ذهاب الإيمان .
وكلام المروزي هنا مصرح بأنه لا يزول اسم الإيمان حتى يزول الأصل الذي هو الإقرار بالقلب واللسان كما ذكر في مواضع من كتابه.
وأقول : لقد اضطررت لقراءة كتاب المروزي كله للوقوف على مراده بأصل الإيمان ، وعلى منزلة عمل القلب عنده ، وأحب أن أسجل هنا :
أنه ليس من موضع يمكن أن يحتج به على إسلام تارك عمل الجوارح ، إلا ويحتج به أيضا على نجاة تارك عمل القلب .
وقد سبقت الإشارة إلى أن المروزي رحمه الله يرى كفر تارك الصلاة ، فلا يمكن أن ينسب له نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية ، وينبغي أن يفهم في ضوء هذا تعبيره بالأصل والفرع .
وقد قال في مناقشته للمرجئة حول الإقرار والمعرفة : 2/778
( وقيل لهم : إبليس إنما كفر بترك الفرع ، ولم تنفعه المعرفة ، وليس القول من المعرفة في شيئ ، لأنه فرع مضاف إليها بالاسم ، لا من جنسها ، وإنما الإقرار باللسان يكون عنها ، وليس هو بها ، ولا من جنسها ؛ لأن الأصوات والحروف والحركات ليست من جنس الضمير في شيء .
وإن كان الإيمان لا يتم إلا بفرع عن المعرفة ، وليس من جنسها ، فما أنكرتم على من زعم أن الإيمان لا يتم إلا بالصلاة ، وليست هي من جنس المعرفة ، ولكن عنها يكون).

وتكفير المروزي لتارك الصلاة ، انظره في ( 1/132، 133 ، 2/925 ، 1002 ، 1009 ) وغيرها ، وانظر مقدمة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله.
فإن قيل : سلمنا بأن المروزي لا يقول بما ذهبنا إليه من نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية ، لمنافاته لمذهبه في ترك الصلاة ، لكنا نقول : إن هذا مذهب طائفة من أهل الحديث على ما نقله المروزي عنهم .
فالجواب : أن المروزي نقل عن طائفة من أهل الحديث ما يؤيد مذهبكم ، لكن اتفقنا وإياكم على بطلان كلامهم لتضمنه الحكم بنجاة تارك عمل القلب أيضا ، كما سبق.
وقد نقل المروزي عن طائفة أخرى أن العمل تحقيق للتصديق ، وأن من تركه كان كمن جحده معنى .
قال المروزي حكاية لقولهم : ( 2/516)
( والإيمان أصله التصديق والإقرار ، يُنتظر به حقائق الأداء لما أقر والتحقيق لما صدق.
ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل ، فسأل أحدهما حقه ، فقال : ليس لك عندي حق ، فأنكر وجحد ، فلم تبق له منزلة يحقق بها ما قال إذ جحد وأنر [ وأنكر]
وسأل الآخر حقه فقال : نعم لك علي كذا وكذا
فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه ، وهو منتظر له أن يحقق ما قال إلا بأدائه ، ويصدق إقراره بالوفاء.
ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه كان كمن جحده في المعنى ؛ إذ استويا في الترك للأداء ، فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه ، فإن أدى جزءا منه حقق بعض ما قال ووفى ببعض ما أقر به . وكلما أدى جزءا ازداد تحقيقا لما أقر به ، وعلى المؤمن الأداء أبدا لما أقر به حتى يموت ، فمن ثم قلنا : مؤمن إن شاء الله ، ولم يقل : كافر إن شاء الله).
ونقل عن جماعة من أهل السنة قولهم : ( 2/696 )
( فشهد على قلوبهم [ بعض اليهود ] بأنها عارفة عالمة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وما أنزل إليه أنه الحق من عند الله ثم أكفرهم مع ذلك ، ولم يوجب لهم اسم الإيمان بمعرفتهم وعلمهم بالحق إذ لم يقارن معرفتهم التصديق والخضوع لله ولرسوله بالتصديق له ، والطاعة ، لأن من صدق قلبه ، ومن خضع قلبه أقر ، وصدق بلسانه وأطاع بجوارحه ).

أبو أسامه الشامي
04-30-2007, 01:23 PM
توضيح ما اعتمدوا عليه من كلام ابن رجب الحنبلي رحمه الله


1- قال ابن رجب رحمه الله :
(ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان ، وبـهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة ) فتح الباري ( مكتبة الغرباء الأثرية ، 1/ 121 ) .
2- وقال بعد أن ساق حديث الشفاعة :
( والمراد بقوله " لم يعملوا خيراً قط " من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ، ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيراً قط غير التوحيد ...ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال : " فأقول يارب ائذن لي فيمن يقول : لا إله إلا الله فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال : لا إله إلا الله " خرجاه في الصحيحين وعند مسلم " فيقول ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك " وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط بجوارحهم ) كتاب التخويف من النار طبعة دار الإيمان الباب الثامن والعشرون ص285 .
النقل الأول استشهد به عدنان عبد القادر في كتابه ص 62 ، والزهراني في حواره مع الأخ العبد الكريم - في منتدى الفوائد-.
والنقل الثاني ذكره عدنان في كتابه ص 62 ، 82 ، وذكره الزهراني مؤخرا في شبكة سحاب ، وقال : (عندما استدللنا بحديث الشفاعة في خروج الموحدين من النار ولو لم يكن معهم عمل صالح قيل هذا تفسير المرجئة ، فإليكم أيها الإخوة تفسير أحد الأئمة ( لعله بعد هذا يصبح عند البعض : تأثر بالمرجئة ) وهو ابن رجب ، قال...).
والجواب :
أولا : أن حديث "لم يعملوا خيرا قط" سبق الجواب عنه من سبعة أوجه ، جاء فيها :
(الوجه السابع : أن من أهل العلم من رأى حمل هذا الحديث على حالة خاصة تلائم النصوص المحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح من أن الإيمان قول وعمل .
وهذا ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة في فتواها المفصلة عن الإرجاء ( فتوى رقم 21436 وتاريخ 8/4/1421 ه
حيث جاء فيها : ( وأما ما جاء في الحديث إن قوما يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط ، فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه ، وإنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل ، أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة ، وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب )).
وقد أثبتُّ في الأوجه الأخرى أن هؤلاء من أهل الصلاة ، بدلالة الحديث نفسه ، وبدلالة الروايات الأخرى لحديث الشفاعة، كما بينت أن " الجهنميين " يخرجون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري.
ومن قال من شراح الحديث وغيرهم إن هؤلاء " الجهنميين " لم يعملوا شيئا من أعمال الجوارح ، لم يكن هذا القول منهم دليلا على أن ترك هذا العمل بالكلية - مع القدرة - ليس كفرا ؛ إذ من المحتمل أنهم يرون هذه حالة خاصة مستثناة مما أجمع عليه السلف من كون القول والتصديق لا يجزئ بدون عمل الجوارح.
وخير شاهد على ذلك مسلك علمائنا في اللجنة الدائمة - حفظهم الله - فمع منعهم لكتاب الزهراني ثم عدنان ، وجعلهم من قال بإسلام تارك عمل الجوارح داعية إلى مذهب الإرجاء ، حملوا هذا الحديث على حالة خاصة ، احتف بها عذر منع من العمل.
وسيتضح هذا أيضا عند ذكر كلام الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله - في الجزء الثالث إن شاء الله-.
وعلى هذا فلا يشكل على طالب العلم أن يجد من شراح الحديث - كابن رجب والقرطبي والزركشي والقاضي عياض وغيرهم- من يقول إن هذه الفئة لم تعمل شيئا من أعمال الجوارح ، فمجرد هذا التفسير للحديث لا يعني تبني مذهب المرجئة القائلين بإسلام من ترك أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة وعدم المانع.
أما من استدل بهذا الحديث ليؤصل قاعدة ، ويقرر مذهبا كالذي ينصره الزهراني ، فهذا الذي يصاح به من أقطار الأرض : لقد نصرت قول المرجئة !
ثانيا: أما قول ابن رجب : ( و معلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان ، وبـهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة ).
فلا ينقضي عجبي ممن يستشهد بهذا الكلام مقرا له ، مع دعواه أن ترك عمل القلب كفر!
وترى هؤلاء يلهثون خلف كل نقل لا يشترط عمل الجوارح لحصول النجاة من الخلود في النار ، ولو كان هذا النقل لا يشترط عمل القلب أيضا.
إنه لغريب حقا أن يظل هؤلاء متمسكين باشتراطهم عمل القلب ، وإن ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي نرى فيه من يقول : من أتى بالقول والتصديق فهو مسلم ناج تحت المشيئة.
وهذا هو لازم مذهبهم ولاشك ، فإن تقدير وجود عمل القلب مع انتفاء عمل الجوارح ممتنع.
وأيضا فجميع ما يستدلون به من نصوص ليس فيه ذكر لعمل القلب.
أما كلام ابن رجب رحمه فله تتمة لم يذكرها الزهراني ، وهي قوله رحمه الله ( كما سبق ذكره).
والذي سبق ذكره ، هو ما جاء في (1/95) من فتح الباري :
(كلمة التوحيد والإيمان القلبي وهو التصديق لا تقتسمه الغرماء بمظالمهم؛ بل يبقى على صاحبه؛ لأن الغرماء لو اقتسموا ذلك لخلد بعض أهل التوحيد وصار مسلوباً ما في قلبه من التصديق، وما قاله بلسانه من الشهادة وإنما يخرج عصاة الموحدين من النار بهذين الشيئين).
فتقريره أن أهل النار يخرجون منها بشهادة اللسان وتصديق القلب ، لا يعني أن هؤلاء قد لقوا الله تعالى بلا عمل !!
وإنما مراده أن أعمالهم اقتسمها الغرماء ، وبقي لهم التصديق والقول ، ولو اقتُسم هذا لهلكوا.
وهذا واضح والحمد لله ، ومن عجيب صنع الأخ عدنان أنه جمع بين كلام ابن رجب في موضع واحد ، لكن يبدو أنه لم يفطن لما فيه.
ومثل هذا نقوله لمن استشهد بقول العلماء : يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان . فإن هذا حق دلت عليه النصوص ، وهو لا ينفي أن يكون لهؤلاء أعمال عظيمة ، اقتسمها غرماؤهم ، ولا ينفي أن يكونوا من أهل الصلاة ، كما لا ينفي أن يكون لديهم المحبة والانقياد والخوف والرجاء وغير ذلك من عمل القلب اللازم - كما يقر به المخالف - ويكون المراد : الخير الزائد على أصل الإيمان ، المتضمن التصديق، وعمل القلب ، وفعل الصلاة .
ولهذا لم تشكل هذه الأحاديث على جمهور السلف القائلين بكفر تارك الصلاة ، وقد مضى بيان هذا مفصلا ، والحمد لله.
ثالثا : الظاهر من كلام ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم أنه يقول بكفر تارك الصلاة ، وهذا يبطل اعتماد المخالف عليه في هذه المسألة رأسا، ويؤكد ما ذكرته من أن الحكم على الجهنميين بأنهم لم يعملوا شيئا من أعمال الجوارح ، لا يعني جعل ذلك قاعدة ، وإنما هي حالة خاصة.
قال في جامع العلوم والحكم في شرح الحديث الثالث :
( والمقصود تمثيل الإسلام بالبنيان ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم لا ينقص بنقص ذلك بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس فإن الإسلام يزول بفقدها جميعا بغير إشكال،
وكذلك يزول بفقد الشهادتين والمراد بالشهادتين الإيمان بالله ورسوله ...
وأما إقام الصلاة فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها فقد خرج من الإسلام ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة" وروى مثله من حديث بريدة وثوبان وأنس وغيرهم،
وخرج محمد بن نصر المروزي من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة" وفي حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"
فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به ولا يثبت إلا به ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه).
ثم ذكر الآثار عن : عمر وسعد وعلي ، ثم عبد الله بن شقيق وأيوب السختياني .
ثم قال (وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكى إسحاق عليه إجماع أهل العلم وقال محمد بن نصر المروزي هو قول جمهور أهل الحديث).
ولم يعرج على القول المخالف ولا أدلته .
ولهذا جزم شيخنا الدكتور علي بن عبد العزيز الشبل في رسالته : منهج الحافظ بن رجب في العقيدة بأن ابن رجب يكفر تارك الصلاة .

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
04-30-2007, 02:56 PM
بارك الله فيك

الاموي
05-01-2007, 12:03 AM
أخي الشامي لعلي أجعل جوابا مختصرا لمن شبهته القول بأن الأصل هو التصديق و الاقرار وعمل الجوارح انما هو فرع جوابي عنه هو بما اتفق عليه أهل السنة منذ ظهرت بدعة الارجاء وهو أن الاصل هوالتصديق والاقرار ابتداء،ولكن يجب بعد هذا أن يتعلم باقي شرائع الدين ليقوم بها ، ولو اعرض عن التعلم وأداء الفرائض علمنا أنه زنديق ما دخل الايمان قلبه أول مرة وهذا هو التلازم الذي ذكره شيخ الاسلام ..
إذن فكلام ابن منده وشيخ الاسلام أن العمل فرع هو في هذه الحالة فإنه إن صدق وأقر صار مسلما ابتداء ثم يطالب بتعلم الفرائض وأدائها ..
وهذا أمر معلوم لأهل السنة..والدليل على هذا أنك لو تتبعت سياق كلامهما رحمهما الله لوجدتهما يعنيان هذه الحالة.
أما ربيع فإنه نقل هذه النقول ليقول أن التصديق والاقرار هما الأصل ابتداء وانتهاء وهذا هو محل الخلاف بينه وبين أهل السنة وهذا هو الارجاء الذي تتفق فيه أكثر من مائة فرقة ..
والله أعلم .

أبو أسامه الشامي
05-01-2007, 12:24 PM
توضيح ما اشتبه عليهم من كلام شيخ الإسلام

يستطيع الباحث المطلع أن يقول : إن مسألة ترك عمل الجوارح لم يجلها أحد كما جلاها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد تناولها في مواضع عدة من مؤلفاته ، وبعبارة واضحة ظاهرة ، وقد سبق ذكر جملة صالحة من كلامه رحمه الله.
ومع هذا تجد المخالف معرضا عن صريح كلامه ، متعلقا ببعض العبارات التي يمكن أن يقال : إنها مجملة أو مشتبهة. والواقع أن أكثر هذه العبارات واضح وظاهر ، لمن تدبر وتأمل.
ولو أن المخالف سلك المنهج العلمي المتعارف عليه بين الباحثين ، من جمع أقوال العالم ، ورد المتشابه إلى المحكم ، والمجمل إلى المبين ، لاتضح له مذهب شيخ الإسلام ، ولنأى بنفسه عن أن ينسب له مذهبا باطلا ، لطالما رأيناه ينكره ، ويحذر منه ، ويشنع على أهله.
وسأحاول أن أعرض جملة ما نقله المخالف عن شيخ الإسلام في هذه المسألة ، والإجابة عنه ؛ لأبرهن على صحة مذهبه ، ووضوح رأيه ، وسلامة كلامه من الاضطراب والتناقض.

وقبل الشروع في المقصود أذكّر بأمرين :
الأول : أن شيخ الإسلام عبر عن رأيه في تكفير تارك عمل الجوارح بعبارات متنوعة ، وألفاظ مختلفة ، فمن ذلك قوله :
(فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا. )
وقوله : ( فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ، و من لا دين له فهو كافر)
وقوله : (وهذه المسألة لها طرفان : أحدهما : في إثبات الكفر الظاهر . والثاني : في إثبات الكفر الباطن . فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الايمان قولا وعملا كما تقدم ، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا ايمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج الى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا الا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح ).
وقوله: (وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا غير ذلك من الواجبات، )
وقوله : (فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد. )
وقوله : (أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب).
وقوله : (لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن وليس المقصود هنا ذكر عمل معين )
وقوله : (العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن)
وقوله : (ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن )
وقوله : (فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا وإذا لم يكن عمل كذب أن في قلبه إيمانا لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر . وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ).
وإقراره قول أبي طالب المكي (فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد)
وغير ذلك من كلامه الصريح الواضح ، وقد مضى ذكره أول البحث.
الأمر الثاني : أن شيخ الإسلام رحمه الله يرى كفر تارك الصلاة ، وهذا يبطل كل محاولة يسلكها المخالف للزعم بأنه لا يكفر تارك عمل الجوارح بالكلية !
فكن على ذكر من هذا ، فإنه مهم جدا .

أما المواضع التي اعتمد عليها المخالف ، فإليك بيانها على التفصيل:

الموضع الأول :

جاء في مناظرة شيخ الإسلام مع ابن المرحل :
(11/137،138)
(والكفر الذي هو ضد الشكر إنما هو كفر النعمة ، لا الكفر بالله فإذا زال الشكر خلفه كفر النعمة لا الكفر بالله .
قلت: على أنه لو كان ضد الكفر بالله ، فمن ترك الأعمال شاكرا بقلبه ولسانه فقد أتى ببعض الشكر وأصله، والكفر إنما يثبت إذا عدم الشكر بالكلية كما قال أهل السنة: إن من ترك فروع الإيمان لا يكون كافرا حتى يترك أصل الإيمان وهو الاعتقاد، ولا يلزم من زوال فروع الحقيقة التي هي ذات شعب وأجزاء زوال اسمها كالإنسان إذا قطعت يده أو الشجرة إذا قطع بعض فروعها).
هذا الموضع استشهد به عدنان عبد القادر في كتابه " حقيقة الإيمان " في ص
33، 64 ، 79 ، 91 ، تارة يبدأ النقل من قوله : فمن ترك الأعمال شاكرا ... وتارة يبدأ من قوله : والكفر إنما يثبت ... ومرة من قوله : قال أهل السنة: إن من ترك فروع الإيمان ...
وهو في جميع ذلك يقول : قال شيخ الإسلام.
والجواب من وجوه :
الأول : أن هذا ليس من كلام شيخ الإسلام !
فما بعد " قلت " هو من كلام أحد أصحاب شيخ الإسلام ، ولم أقف على اسمه.
قال الحافظ بن عبد الهادي في " العقود الدرية " ص 95 - 116( ت : محمد حامد الفقي ، ط. مكتبة المؤيد)
(وقد رأيت بخط بعض أصحابه ما صورته: تلخيص مبحث جرى بين شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وبين ابن المرحل .
كان الكلام في الحمد والشكر وأن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح والحمد لا يكون إلا باللسان ... ) إلى قوله ( حتى يثبت أنه داخل فيه بعد النقل).
وهذا بعينه هو المثبت في مجموع الفتاوى 11/135-155
وجاء في العقود الدرية عقب هذا (فلتتأمل هذه الأبحاث الثلاثة وكل ما فيها. قلت فإنه من كلام الشيخ تقي الدين قرره بعد المناظرة).
فهذا الصاحب " المجهول " قام بتدوين ما قرره شيخ الإسلام رحمه الله بعد المناظرة ، وميز كلام شيخ الإسلام عن كلامه ، فتراه يقول : قال الشيخ تقي الدين ، وإذا أراد أن يضيف شيئا قال : قلت ، وقد وقع هذا في ستة مواضع.
وأيضا : فمن قرأ هذه المناظرة ، وتأمل سياقها أدرك أن ما يأتي بعد " قلت " ليس من كلام شيخ الإسلام ولا من كلام ابن المرحل ، وسأذكر شاهدين فقط :
الأول : قال شيخ الإسلام - 11/137- ( ... فلهذا عزى إلى أهل السنة إخراج الأعمال عن الشكر.
قلت : كما أن كثيرا من المتكلمين أخرج الأعمال عن الإيمان لهذه العلة.
قال : وهذا خطأ ، لأن التكفير نوعان : أحدهما : كفر النعمة ، والثاني الكفر بالله . والكفر الذي هو ضد الشكر إنما هو كفر النعمة لا الكفر بالله ، فإذا زال الشكر خلفه كفر النعمة لا الكفر بالله.
قلت : على أنه لو كان ضد الكفر بالله ، فمن ترك الأعمال شاكرا ...
قال الصدر ابن المرحل ...
قال الشيخ تقي الدين ... )
فأول الكلام المنقول هنا ، لشيخ الإسلام ، وكذلك قوله : وهذا خطأ ...
وحين أراد الكاتب أن يعلق ، قال : قلت ...
وهذا واضح جدا.

الشاهد الثاني : ما جاء في ( 11/139-141) :
( ثم عاد ابن المرحل فقال ...
قال الشيخ تقي الدين ...
فخرج ابن المرحل إلى شيئ غير هذا ...
قال الشيخ تقي الدين له ...
قال له ابن المرحل ...
قال ابن المرحل ...
قال الشيخ تقي الدين له
قلت : ...)
فانظر قوله : قال الشيخ تقي الدين له ، وقال له ابن المرحل ، فلا يشك القارئ في أن شخصا ثالثا يحكي هذه المناظرة ، وهو - لا غيره - أحق الناس بأن يقدم لكلامه بقوله : قلت.
فاعجب ممن نقل هذا الكلام وكرره وأعاده ثم لم ينتبه لهذا !

وقول شيخ الإسلام : ( والكفر الذي هو ضد الشكر إنما هو كفر النعمة لا الكفر بالله )
جواب كاف شاف ، لا يحتاج معه إلى جواب " صاحبه " المبني على الافتراض والتقدير.
الوجه الثاني : أن قول هذا " الصاحب " : (كما قال أهل السنة: إن من ترك فروع الإيمان لا يكون كافرا حتى يترك أصل الإيمان وهو الاعتقاد)
إن أراد بالاعتقاد قول القلب وعمله - كما هو مذهب شيخ الإسلام في هذا الإطلاق - فتقدير وجود عمل القلب ، من دون عمل الجوارح ممتنع ، ولو وجد إيمان القلب لانفعل البدن بالممكن من عمل الجوارح ، كما سبق النقل عن شيخ الإسلام.
الوجه الثالث: أنه ينبغي حمل قوله " فروع الإيمان " على بعض العمل لا كله ، لأمرين:
الأول : قوله " كالإنسان إذا قطعت يده ، أو الشجرة إذا قطع بعض فروعها "
فهذا يبين أنه أراد ترك بعض الأعمال لا جميعها.
الثاني : أن نسبة القول بإسلام من ترك عمل الجوارح كلية إلى أهل السنة ، خطأ ظاهر ، لا سيما والصحابة مجمعون على كفر تارك الصلاة ، في رأي شيخ الإسلام (شرح العمدة 75) ، وهو قول أكثر السلف (28/308 ،360) وهو المشهور المأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين (20/97)
فكيف يقال إن " أهل السنة " لا يكفرون من ترك جميع أعمال الجوارح.


وحسب الباحث هنا أن يكتفي بالوجه الأول ، وأن لا يعول على نقل لم يعرف قائله ، ولم يطلع على حاله ، فكيف إذا كان النقل خطأ على أهل السنة ، مخالفا لتقرير "الشيخ " رحمه الله!
تنبيه1 : ابن المرحل هو صدر الدين ابن الوكيل محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد شيخ الشافعية في زمانه .
انظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى 9/253 ، البداية والنهاية 14/492 ( وفيات سنة 717 هـ ).
تنبيه2 : ثم رأيت الحلبي أورد النقل السابق في كتابه " التعريف والتنبئة " ص 27 قائلا : " وقال أيضا 11/138 : " من ترك الأعمال شاكرا …"
والذي في الفتاوى " فمن ترك …" كما سبق.
وعلق في الهامش بقوله : " ونقله عنه تلميذه ابن عبد الهادي في " العقود الدرية " ص 98 ، وهذا النص من أوضح الكلام وأبين القول وافصح العبارة " .!!!
وأورده في هامش ص 84 من " التعريف والتنبئة " هكذا : ( ورحم الله شيخ الإسلام القائل … ويقول … ويقول 11/138 " من ترك فروع الإيمان لا يكون كافرا حتى يترك أصل الإيمان وهو الاعتقاد ، ولا يلزم من زوال فروع الحقيقة زوال اسمها".
فحذف الحلبي من أوله : " كما قال أهل السنة: إن "
وآثر أن يكون الكلام لشيخ الإسلام ، لا لأهل السنة !!







الموضع الثاني


قال شيخ الإسلام : (7/644) :
( فأصل الإيمان في القلب ، وهو قول القلب وعمله ، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد ، وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح .
وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه .
ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه ، وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه ، وشاهد له ، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له ، لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح ، كما قال أبوهريرة رضي الله عنه : إن القلب ملك والأعضاء جنوده ، فإذا طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملك خبثت جنوده.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب").

هذا النقل عن شيخ الإسلام أورده علي الحلبي في " كلمة سواء " ص 28،29 ، وفي " مجمل مسائل الإيمان العلمية " التي كتبها هو مع رفاقه : مشهور حسن سلمان ، وسليم الهلالي ، ومحمد موسى نصر ، وحسين العوايشة .
قالوا ( ص 4) :
( الحق في مسألة الإيمان والعمل - وصلة بعضهما ببعض ؛ نقصا أو زيادة ، ثبوتا أو انتفاء – هو ما تضمنه كلام شيخ الإسلام رحمه الله ؛ وهو قوله :
" وأصل الإيمان في القلب ؛ وهو قول القلب وعمله ؛ وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد .
وما كان في القلب (فلا بد ) أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح .
وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه ؛ (دل على عدمه أو ضعفه ).
ولهذا كانت (الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه ) ؛ وهي تصديق لما في القلب ، ودليل عليه ، وشاهد له ، وهي شعبة من مجموع (الإيمان المطلق) وبعض له ، لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح"
قلنا : وانتفاء الإيمان المطلق – وهو كماله – لا يلزم منه انتفاء ( مطلق الإيمان ) – وهو أصله – ؛ كما قرره شيخ الإسلام – رحمه الله – في مواضع-.
وقال الحلبي في التعريف والتنبئة ص 33
(أقول : فهذا أصل أصول أهل السنة – التي بها فارقوا المرجئة – في مسألة الإيمان - ، التي منها ضلوا ، وعنها انحرفوا ، وهي حقيقة التلازم بين الظاهر – قولا وعملا - ، والباطن – تصديقا وإذعانا - ، ونابذوا أقوالهم – حقيقة ولفظا- .
ولكن لجهل ( البعض ) بحقيقة قاعدة ( التلازم ) بين شعب الإيمان – بأنواعها – قوة وضعفا ، وجودا وانتفاء – وعدم استيعابها - ، أوقعهم في الخلط والخبط في هذه المسألة الدقيقة ، وعدم الضبط لها ، أو معرفة ما ينبني عليها !!
ولشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كلام عظيم في تأصيل هذه القاعدة في "مجموع الفتاوى " ( 7/642-644) : ذكره - رحمه الله – بعد بيانه أنه ( لا شيئ أفضل من : لا إله إلا الله ) ، وأن ( أحسن الحسنات التوحيد ) ؛ فقال – رحمه الله – ما نصه :
" فأصل الإيمان في القلب - وهو قول القلب وعمله ، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد -؛ وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح .
وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه (دل على عدمه أو ضعفه ).
ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه ، وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه ، وشاهد له ، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له ، لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح".
أقول : هذا هو الكلام الفصل ، الذي يُرد له كل فرع وفصل ، فالواجب تأمله ، وتفهمه ، وضبطه .
من أجل هذا وصف الإمام ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين 1/101 ( عمل القلب كالمحبة له والتوكل عليه والإنابة إليه … و … و … وغير ذلك من أعمال القلوب ) بأنها " أفرض من أعمال الجوارح ، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها…".
وهذا الكلام – وذاك – مبنيان على أصل قويم راسخ ، وهو أن " شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ، ولا تتلازم عند الضعف …" ؛ كما قال شيخ الإسلام في " المجموع " ( 7/522). انتهى كلام الحلبي .
قلت : سيأتي التعليق على هذا النقل الأخير " شعب الإيمان قد تتلازم … الخ" إن شاء الله.
وعلق الحلبي على قول شيخ الإسلام – السابق – " وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له " بقوله :
( فالأعمال الظاهرة – طاعات ومعاص – وجودا وعدما – متعلقة بالإيمان المطلق ، لا مطلق الإيمان ؛ فتنبه …).
واستشهد به عدنان عبد القادر في " حقيقة الإيمان " مرتين ، ص 69 ، 79
مع تسويد الخط عند قوله : أو ضعفه !
وقد وضع ذلك تحت عنوانين : الأول : هؤلاء قطعا ليسوا بمؤمنين ولكنهم مسلمون مفرطون ومن قال إنهم مؤمنون فهو مرجئ ولا بد.
والثاني : ترك عمل الجوارح بالكلية لا يقتضي تكفيره.
والجواب من وجوه :
الأول : أن هذا يؤكد ما ذكرته آنفا من أنهم يتركون صريح كلام شيخ الإسلام رحمه الله ، ويتعلقون بمثل هذه العبارات ، ويزعمون أنها : " الكلام الفصل ، الذي يُرد له كل فرع وفصل ، فالواجب تأمله ، وتفهمه ، وضبطه " !!!
الثاني : أن المخالف رغم استشهاده بهذا الكلام مرارا ، لم يحاول الإجابة عن قول شيخ الإسلام : " دل على عدمه ".
بل اتكأ – أعني الحلبي – على قول شيخ الإسلام " وهي شعبة من مجموع (الإيمان المطلق) وبعض له "
وقرر أن " انتفاء الإيمان المطلق – وهو كماله – لا يلزم منه انتفاء ( مطلق الإيمان ) – وهو أصله – ".
وهذا يعني أنه لا توجد حالة يدل فيها ترك العمل على " عدم " الإيمان الذي في القلب.
وهذه مخالفة صريحة لكلام شيخ الإسلام .
فانظر كيف يزعم أنه كلام فصل ، ثم يؤمن ببعضه ، ويدع بعضه .
وأما المخالف الآخر –أعني عدنان عبدالقادر- فقد اتكأ على عبارة (ضعفه) ولم يلتفت إلى عبارة (عدمه) وكأنها ليست من كلام شيخ الإسلام.
الثالث : أن هذا النقل يقرر وجود حالة ينعدم فيها الإيمان القلبي عند ترك العمل بموجبه ومقتضاه ، وهذا ما لا يسلم به المخالف.
الرابع : أنه لا ينبغي حمل هذا الكلام على الشك أو التردد ، فالمسلك العلمي الصحيح يقضي برد هذا الموضع إلى غيره من المواضع التي يصرح فيها شيخ الإسلام بانتفاء الإيمان القلبي عند انتفاء العمل الظاهر " بالكلية ".
فيكون قوله رحمه الله : " وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح . وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه" مفيدا وجود حالتين :
حالة ينعدم فيها الإيمان القلبي ، وهذه تكون عند ترك العمل بموجبه ومقتضاه بالكلية.
وحالة يضعف فيها الإيمان القلبي ، وتكون عند ترك العمل بموجبه ومقتضاه ، جزئيا. ( وتذكر أن شيخ الإسلام يكفر تارك الصلاة ) !
وقد أشرت إلى هذه المواضع الصريحة في أول هذا المبحث ، ومنها قوله :
( فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ، و من لا دين له فهو كافر)
وقوله : (وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات، )
وقوله : (فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد. )
وقوله : (أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب).
وقد رأيت من حمل كلام شيخ الإسلام على : ترك القول والعمل الظاهر معا .
وهذا الحمل لا يصح ، فإن شيخ الإسلام يصرح في مواضع بانتفاء الإيمان ، عند عدم القول ، ويصرح في مواضع أخر بانتفاء الإيمان عند عدم العمل الظاهر ، والواجبات الظاهرة ، ويمثل لها بالصلاة والزكاة والصيام .
ولو كان المؤثر في الحكم هو ذهاب القول وحده ، لكان ذكر هذه الأمور عبثا ولغوا ، ولما ساغ له أن يعلق انتفاء الإيمان على ذهاب العمل الظاهر وحده في مواضع.
الخامس : أن قول الحلبي : " فالأعمال الظاهرة – طاعات ومعاص – وجودا وعدما – متعلقة بالإيمان المطلق ، لا مطلق الإيمان ؛ فتنبه …".
خطأ ظاهر ، بناه على قول شيخ الإسلام : " ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه ؛ وهي تصديق لما في القلب ، ودليل عليه ، وشاهد له ، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له ".
والحق أنه لم يفهم كلام شيخ الإسلام ، فإن قول اللسان – أيضا – شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له ، كما في حديث شعب الإيمان !!
وهكذا القول في " التصديق " و " عمل القلب " فكلاهما من شعب الإيمان المطلق … الخ. فانتبه !
السادس : أن قول الحلبي عن التلازم بين الظاهر والباطن أنه أصل أصول أهل السنة التي بها فارقوا المرجئة ، وأنه " لجهل ( البعض ) بحقيقة قاعدة ( التلازم ) بين شعب الإيمان – بأنواعها – قوة وضعفا ، وجودا وانتفاء – وعدم استيعابها - ، أوقعهم في الخلط والخبط في هذه المسألة الدقيقة ، وعدم الضبط لها ، أو معرفة ما ينبني عليها !!"
حق وصدق ، وهو ما نبهت عليه في بداية هذا البحث ، وأعيد بعضه هنا ليظهر جليا أن " الحلبي " لم يفهم هذا " التلازم " ولم " يستوعبه " فأقر به " اسما " وأنكره حقيقة .
قلت :
" ينبغي أن يعلم أن الاعتراف بهذا التلازم وفهمه والقول بموجبه ، هو ما يميز السني من المرجيء ، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ، وبين أن المرجئة يرون العمل ثمرة ، لا لازما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عندما تكلم على وجوه غلط المرجئة في الإيمان كما الفتاوى ج 7 ص 204 :
( الثالث : ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له ، والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ، ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب مثل أن يقولوا : رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر وهو لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ويزني بأمه وأخته ويشرب الخمر نهار رمضان ، يقولون : هذا مؤمن تام الإيمان فيبقى سائر المؤمنين ينكرون ذلك غاية الإنكار . )
فتأمل قول شيخ الإسلام : (( ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له)) .
فهذا فرقان ما بين المرجئة والسنة . وسيأتي بيان المراد بإيمان القلب التام.

وقال شيخ الإسلام في بيان هذا التلازم :
مجموع الفتاوى ( 7 / 541)
( وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما فى القلب ولازمه ودليله ومعلوله كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضا تأثير فيما فى القلب فكل منهما يؤثر فى الآخر لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له والفرع يستمد من أصله والأصل يثبت ويقوى بفرعه ).

والآن أسوق إليك مواضع مهمة من كلام شيخ الإسلام وغيره :


1- بيان شيخ الإسلام أن مقتضى التلازم انعدام الإيمان بانعدام هذه الأعمال :
قال شيخ الإسلام ( 7/577)
( وقيل لمن قال : دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز نزاعك لفظي ; فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن فإذا اعترفت بهذا كان النزاع لفظيا. وإن قلت : ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه من أنه يستقر الإيمان التام الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفر وترك جميع الواجبات الظاهرة قيل لك : فهذا يناقض قولك إن الظاهر لازم له وموجب له بل قيل : حقيقة قولك إن الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى فليس بلازم له ولا موجب ومعلول له ولكنه دليل إذا وجد دل على وجود الباطن وإذ عدم لم يدل عدمه على العدم وهذا حقيقة قولك )).
فانظر قوله : كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم.
وقوله : فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن.
وقوله مبينا ما يترتب على القول بعدم التلازم : وإذ عدم لم يدل عدمه على العدم .
فيا عجبا من إخواننا الذين يقرون بالتلازم ، ثم يقولون إن عدم الظاهر لا يدل على عدم الباطن ! ".

قول شيخ الإسلام ( 7/522)
(إن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ، ولا تتلازم عند الضعف)
استشهد به الحلبي في " التعريف والتنبئة " ص 34 ليؤكد فهمه الخاطيء لقاعدة التلازم بين الظاهر والباطن ، وقد سبق نقل كلامه.
واستشهد به العنبري في أصل كتابه (1/113، 114)
ومما قال : " فإذا لم يحصل اللازم – أعني أعمال الجوارح – دل على ضعف الملزوم لا على انتفائه ، إذ إن أعمال القلوب وأعمال الجوارح تتلازم عند القوة ، ولا تتلازم عند الضعف".
والجواب من وجوه :
الأول : أنه يتعين معرفة مراد شيخ الإسلام ب " شعب الإيمان " ، فإن صنيع القوم يوهم أنه يتحدث عن الظاهر والباطن ، أو قول اللسان وقول القلب ، وعمل القلب وعمل الجوارح !
ومن ظن ذلك ، ورتب عليه اعتقاد أن عمل القلب – في حالة الضعف – يمكن أن يوجد بلا عمل جارحة ؛ فقد أخطأ.
بل عدم اللازم الظاهر يدل على انتفاء الملزوم الباطن – كما قرره شيخ الإسلام في مواضع.
وهذا الفهم نتج من اختزال " شعب الإيمان " التي هي بضع وسبعون شعبة ، إلى أربع شعب !
لقد كان شيخ الإسلام رحمه الله يرد على الخوارج والمعتزلة ، الذين قالوا ( الطاعات كلها من الإيمان ، فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان ، فذهب سائره ، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيء من الإيمان" ( 7/510).
وبين شيخ الإسلام أن جماع شبهتهم في ذلك ( أن الحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائها ، كالعشرة فإنه إذا زال بعضها لم تبق عشرة ، وكذلك الأجسام المركبة كالسكنجبين إذا زال أحد جزئيه خرج عن كونه سكنجبينا ).( 7/511).
فبين شيخ الإسلام أن الكلام في طرفين :
( أحدهما : أن شعب الإيمان هل هي متلازمة في الانتفاء ؟
والثاني : هل هي تلازمة في الثبوت ؟) ( 7/513).

قال رحمه الله (7/514)
(ما " الأول " فإن الحقيقة الجامعة لأمور - سواء كانت في الأعيان أو الأعراض - إذا زال بعض تلك الأمور فقد يزول سائرها وقد لا يزول ولا يلزم من زوال بعض الأمور المجتمعة زوال سائرها ، وسواء سميت مركبة أو مؤلفة أو غير ذلك لا يلزم من زوال بعض الأجزاء زوال سائرها .
وما مثلوا به من العشرة والسكنجبين مطابق لذلك فإن الواحد من العشرة إذا زال لم يلزم زوال التسعة بل قد تبقى التسعة فإذا زال أحد جزأي المركب لا يلزم زوال الجزء الآخر ، لكن أكثر ما يقولون: زالت الصورة المجتمعة وزالت الهيئة الاجتماعية وزال ذلك الاسم الذي استحقته الهيئة بذلك الاجتماع والتركيب كما يزول اسم العشرة والسكنجبين .
فيقال : أما كون ذلك المجتمع المركب ما بقي على تركيبه فهذا لا ينازع فيه عاقل، ولا يدعي عاقل أن الإيمان أو الصلاة أو الحج أو غير ذلك من العبادات المتناولة لأمور إذا زال بعضها بقي ذلك المجتمع المركب كما كان قبل زوال بعضه، ولا يقول أحد : إن الشجرة أو الدار إذا زال بعضها بقيت مجتمعة كما كانت، ولا أن الإنسان أو غيره من الحيوان إذا زال بعض أعضائه بقي مجموعا . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء " فالمجتمعة الخلق بعد الجدع لا تبقى مجتمعة ولكن لا يلزم زوال بقية الأجزاء ).
ثم قال :
( وأما زوال الاسم فيقال لهم هذا : " أولا " بحث لفظي إذا قدر أن الإيمان له أبعاد وشعب ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه :" الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول : لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " كما أن الصلاة والحج له أجزاء وشعب، ولا يلزم من زوال شعبة من شعبه زوال سائر الأجزاء والشعب ، كما لا يلزم من زوال بعض أجزاء الحج والصلاة زوال سائر الأجزاء . فدعواهم أنه إذا زال بعض المركب زال البعض الآخر ليس بصواب ونحن نسلم لهم أنه ما بقي إلا بعضه لا كله وأن الهيئة الاجتماعية ما بقيت كما كانت ).
ثم بين رحمه الله أن المركبات على وجهين : منها : ما يكون التركيب شرطا في إطلاق الاسم ، كالعشرة والسكنجبين.
ومنها : ما لا يكون كذلك ، بل يبقى الاسم بعد زوال بعض الأجزاء ، كالبحر والنهر والمدينة والقرية والمسجد ، فإنه ينقص كثير من أجزائها ، والاسم باق.
وكذلك ألفاظ : العبادة والطاعة والخير والحسنة والإحسان والصدقة والعلم ، والقرآن ، والقول ، والكلام والمنطق ، وأسماء الحيوان والنبات ، كلفظ الشجرة يقال على جملتها ، ثم يقطع منها ما يقطع والاسم باق.
ثم قال ( 5/517)
(وإذا كانت المركبات على نوعين بل غالبها من هذا النوع لم يصح قولهم: إنه إذا زال جزؤه لزم أن يزول الاسم ، إذا أمكن أن يبقى الاسم مع بقاء الجزء الباقي . ومعلوم أن اسم " الإيمان " من هذا الباب ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " ثم من المعلوم أنه إذا زالت الإماطة ونحوها لم يزل اسم الإيمان ).
(قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال : " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان " فأخبر أنه يتبعض، ويبقى بعضه وأن ذاك من الإيمان، فعلم أن بعض الإيمان يزول ويبقى بعضه، وهذا ينقض مآخذهم الفاسدة ويبين أن اسم الإيمان مثل اسم القرآن والصلاة والحج ونحو ذلك.
أما الحج ونحوه ففيه أجزاء ينقص الحج بزوالها عن كماله الواجب ولا يبطل كرمي الجمار والمبيت بمنى ونحو ذلك، وفيه أجزاء ينقص بزوالها من كماله المستحب كرفع الصوت بالإهلال والرمل والاضطباع في الطواف الأول . وكذلك الصلاة …).
ومن هذا النقل الطويل يتضح أن شيخ الإسلام يتحدث عن شعب الإيمان بمعناها الشامل الواسع ، مبينا أنها لا تتلازم في الانتفاء ، فزوال إماطة الأذى عن الطريق ، لا يزيل اسم الإيمان ولا حقيقته.
ثم انتقل شيخ الإسلام للحديث عن الطرف الثاني : وهو : هل شعب الإيمان متلازمة في الثبوت ، أي هل يلزم من وجود بعض الشعب وجود سائرها ؟
قال ( 7/522)
( الأصل الثاني : أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف، فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله . كما قال تعالى : " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء " وقال : " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه " . وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرا كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة "
وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك . فقال : لسعد بن معاذ : كذبت والله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله . قالت عائشة : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية ).
فلم يقل شيخ الإسلام إنه في حال القوة يتلازم وجود عمل الجوارح ، مع بقية الأركان ، بينما في حال الضعف قد توجد الأركان الثلاثة وينعدم عمل الجوارح بالكلية !
هذا ما يحاول أن يثبته المخالف ، وهو فهم لا صلة له بكلام شيخ الإسلام .
وتأمل قوله " أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة "
فلو كان الحديث عن " الأركان الأربعة السابقة " لما كان لقوله " قد" محل من الإعراب!
إذ عند القوة ، لابد أن يوجد قول اللسان .. والتصديق .. وعمل القلب .. وما شاء الله من أعمال الجوارح !
فالأمر على ما أوضحت آنفا ، أنه رحمه الله يتحدث عن شعب الإيمان العامة الشاملة .
وتأمل ما ذكره من المثال، فإنه لم يتحدث عن زوال عمل الجوارح ، لا بعضا ولا كلا ، ولم يتحدث عن زوال عمل القلب أيضا !
وإنما بين أن شعب الإيمان – في حال الضعف – لا تتلازم في الثبوت ، - كما أنها قد لا تتلازم عند القوة أيضا - فيوجد التصديق ، ومحبة الله ورسوله ، مع بغض أعداء الله ، لكنه بغض ناقص ، تجامعه " مودة " لأجل رحم أو حاجة .
الوجه الثاني : أنا لو سلمنا فهمهم ل " شعب الإيمان " وأن المراد بها الأجزاء الأربعة ، فنقول: ما وجه " الجناية " على عمل الجوارح خاصة ؟!
وهل جانب الصواب ، من قال : عند الضعف ، قد ينتفي عمل القلب ، وينجو المرء بالتصديق وقول اللسان ؟
أو قال : قد يضعف الإيمان إلى درجة لا يظهر معها قول اللسان ، مع استقرار الإيمان في القلب ؟
وحجة الجميع : إن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ، ولا تتلازم عند الضعف !!
الوجه الثالث : أن المخالف أعرض عما في هذا الفصل من كلام واضح بين ، يؤكد مسألة التلازم بين الظاهر والباطن .
قال شيخ الإسلام ( 7/518)
(وكذلك الإيمان والواجب على غيره مطلق ، لا مثل الإيمان الواجب عليه في كل وقت، فإن الله لما بعث محمدا رسولا إلى الخلق كان الواجب على الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر، ولم يأمرهم حينئذ بالصلوات الخمس ولا صيام شهر رمضان ولا حج البيت ولا حرم عليهم الخمر والربا ونحو ذلك ولا كان أكثر القرآن قد نزل، فمن صدقه حينئذ فيما نزل من القرآن وأقر بما أمر به من الشهادتين وتوابع ذلك : كان ذلك الشخص حينئذ مؤمنا تام الإيمان الذي وجب عليه، وإن كان مثل ذلك الإيمان لو أتى به بعد الهجرة لم يقبل منه ولو اقتصر عليه كان كافرا).
وقال في ( 7/527)
(أما " الإرادة الجازمة " فلا بد أن يقترن بها مع القدرة فعل المقدور ولو بنظرة أو حركة رأس أو لفظة أو خطوة أو تحريك بدن).
وقال في (7/540)
(فالإيمان لا بد فيه من هذين الأصلين : التصديق بالحق والمحبة له، فهذا أصل القول وهذا أصل العمل . ثم الحب التام مع القدرة يستلزم حركة البدن بالقول الظاهر ، والعمل الظاهر ضرورة كما تقدم).
وانتبه ! إنه يستلزم – ضرورة – الأمرين معا : القول الظاهر ، والعمل الظاهر.
وقال في (7/541)
(وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة ، والأعمال الظاهرة.
فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه ، ودليله ومعلوله ، كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضا تأثير فيما في القلب. فكل منهما يؤثر في الآخر لكن القلب هو الأصل ، والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله ، والأصل يثبت ويقوى بفرعه) .

أبو أسامه الشامي
05-01-2007, 12:29 PM
الإجابة على أدلة المخالفين
أولا : حديث البطاقة


اعتمد المخالف على أمرين :
الأول : بعض الأحاديث التي قد يفهم منها حصول النجاة في الآخرة لمن لم يعمل خيرا قط من أعمال الجوارح ، كحديث الجهنميين ، وحديث البطاقة ، وأحاديث الشفاعة بوجه عام .
الثاني : بعض النقولات عن أهل العلم ، والتي ظن أنها تعارض الإجماع السابق .
وأبدأ بالإجابة عن الأدلة ، وذلك بجوابين : مجمل ، ومفصل .
الجواب المجمل : وهو من وجهين :
الوجه الأول : قد تقرر في محله أن العصمة والنجاة في اتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وهذه إحدى الحقائق البينة الواضحة التي لا أراني محتاجا إلى الاستدلال لها أو التأكيد عليها .
ومن سبر أحوال الفرق المخالفة ، وتأمل طرق استدلالهم ، وجمل شبهاتهم ، علم أنهم أتوا من هذا الباب ، وهو استدلالهم بأدلة من القرآن والسنة ، فهموها على غير وجهها ، وحملوها على غير المراد منها ، وذلك حين راموا فهمها بعيدا عن فهم السلف الصالح لها .
ولهذا كان لزاما على من يستشهد بهذه الأحاديث العظيمة ، لا سيما في مسائل الاعتقاد ، أن ينظر إلى فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لها ، وفهم التابعين لهم بإحسان ، من أهل القرون المفضلة .
ولا ينقضي عجبي حين أرى أناسا يدعون إلى التمسك بمنهج السلف الصالح ، وفهمهم ، وطريقتهم ، ثم هم يستدلون بأدلة : لم يسبقهم إلى الاستدلال بها صحابي أو تابعي ، مع مخالفتها للمنقول عن الصحابة والتابعين .
وأوضح مثال على ذلك مسألة تارك الصلاة ، فقد انقسم الناس فيها إلى فريقين :
فريق تمسك بالنصوص المصرحة بكفر تارك الصلاة ، التي يعضدها فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وفهم جمهور السلف وأصحاب الحديث – كما يقول شيخ الإسلام - .
وفريق تمسك بأدلة عامة أو خارجة عن محل النزاع ، لم يسبق أن استدل بها صحابي أو تابعي على المعنى المراد إثباته .
ويزداد العجب حين يكون " السبق " إلى هذا الاستدلال سببا للفرح والشعور بالنعمة !
ونحن لا ننكر أن يفتح الله على أحد بشيء من الفهم والاستنباط لم يسبق إليه، لكن لا اعتداد بفهم يخالف فهم أولئك. فقف حيث وقف القوم.
وبعبارة واضحة : من من الصحابة أو التابعين فهم من حديث " البطاقة " أو أحاديث " الشفاعة " الحكم بإسلام تارك الصلاة ؟!
ومن من هؤلاء ، فهم من هذه الأحاديث نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية ؟!
أمَا إنها أحاديث جاءت عن طريقهم .. هم حملتها ، وأوعيتها ، وهم أولى الناس بفهمها ومعرفة المراد منها .
إن كون هذه الأحاديث لم يتعرض لها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمناقشة ، ولم تشكل في حسهم صورة من صور التعارض مع النصوص الحاكمة بكفر تارك الصلاة ، ولم يذهب إليها منهم ذاهب .
إن ذلك يعني أن القوم فهموها فهما آخر ، مغايرا لفهم لمن أراد تقديمها على تلك النصوص الصريحة الصحيحة.
وحين يٌجمع السلف على أن الإيمان قول وعمل ، وأنه لا ينفع قول بلا عمل ، أو على أن الإيمان إقرار ومعرفة وعمل بالجوارح ، وأنه لا يجزيء الإقرار والمعرفة من غير عمل الجوارح.
ألا يعني ذلك أنهم لم يفهموا من هذه النصوص ، ما يفهمه منها المخالف الآن ؟
ألا يعني أن من حاول الاستدلال بها الآن – مع خروجه عن إجماعهم أيضا – أنه لا يأخذ بقاعدة : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح؟
وفي هذا المقام ، أنقل كلمة رائعة سطرها الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد القرني في كتابه ضوابط التكفير في مقدمة الطبعة الثانية قال:
" ومن هذه القواعد :
1- الوقوف مع إجماع السلف ، وعدم تجاوزه أو قبول الخلاف فيه بأي حال ، لان مخالفة إجماعهم يقتضي بالضرورة تخطئتهم ، وهم إنما أجمعوا على الأصول التي أجمعوا عليها بناء على نصوص كثيرة ، فلا يمكن أن يكون إجماعهم خطأ ، بل إن من يخالفهم لا بد أن يكون هو الذي أخطأ ، وأحدث في الدين ما ليس منه .
فإذا كان أهل السنة قد أجمعوا –مثلا- على أن الإيمان قول وعمل فإن مقتضى ذلك عندهم أن الكفر قد يكون بالعمل فلا يصح تقييد الكفر بمجرد الاعتقاد ...
كما أنه يلزم عن هذا الأصل تكفير التارك لجنس العمل ، وأن النجاة من عذاب الكفار لا تكون إلا بالعمل ، وقد نص العلماء على أن هذه هي حقيقة الفرق بين أهل السنة والمرجئة في هذا الباب ، ثم يأتي من يقول إن العمل كمالي للإيمان ، وأن النجاة من عذاب الكفار ممكنة بمجرد الإقرار ، ولو لم يعمل أي عمل ، ويدعي أن هذا هو مقتضى دلالة النصوص ، مع أن علماء أهل السنة قد بينوا دلالة تلك النصوص بما يوافق الأصول التي اتفقوا عليها ، فلم تشكل عليهم تلك النصوص فضلا عن أن يعارضوا بها الأصول المتفق عليها "
2- ضرورة أن يكون القول في أي مسألة مبنيا على النظر في جميع النصوص الواردة فيها ، والنظر في مجموع تلك النصوص وفق القواعد المقررة في أصول الفقه ، بحيث يتميز المطلق من المقيد والعام من الخاص ونحو ذلك ، مع الجزم بأن ما ذهب إليه السلف في فهم تلك النصوص والجمع بينها هو الحق. فلا يصح مثلا الحكم بأن حديث الشفاعة الوارد في الجهنميين نص في أن العمل كمالي للإيمان ، لما ورد فيه من أنهم دخلوا الجنة مع أنهم لم يعملوا خيرا قط ، مع أن السلف قد أجمعوا على أن العمل من الإيمان ، وأنه شرط للنجاة من عذاب الكفار ، ولم يشكل هذا الحديث على ما ذهبوا إليه ، بل فهموه بما يتفق مع ذلك الأصل . ومثله حديث البطاقة ، ونحوه من الأحاديث التي فيها البشارة بدخول الجنة أو تحريم النار على من قال لا إله إلا الله ، فإنها لم تشكل على السلف ، بل فهموها وفق النصوص الدالة على اشتراط العمل في الإيمان وكونه ركنا فيه ، وان النجاة من التخليد في النار لا تكون بدونه.) انتهى . ص 9- 11
الوجه الثاني : أن عامة ما استدلوا به في هذه المسألة لا يخرج عن أربعة أقسام ينطبق عليها ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يناقش أدلة المانعين من تكفير تارك الصلاة ( الشرح الممتع 2/30) :
( القسم الأول : ما لا دليل فيه أصلا للمسالة ، مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " فإن معنى قوله " ما دون ذلك " ما هو أقل من ذلك ، وليس معناه ما سوى ذلك ... والكفر المخرج عن الملة من الذنب الذي لا يغفر وإن لم يكن شركا ).
القسم الثاني : عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل " ما من عبد يشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار".
القسم الثالث : عام مقيد بما لا يمكن معه ترك الصلاة ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عتبان بن مالك " فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " رواه البخاري ومسلم. و قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل " ما من عبد يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار". ( فتقييد الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصلاة ؛ إذ ما من شخص يصدق في ذلك ويخلص إلا حمله صدقه وإخلاصه على فعل الصلاة ولا بد ، فإن الصلاة عمود الإسلام ، وهي الصلة بين العبد وربه ، فإذا كان صادقا في ابتغاء وجه الله ، فلا بد أن يفعل ما يوصله إلى ذلك ، ويتجنب ما يحول بينه وبينه ، وكذلك من شهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صدقا من قلبه فلابد أن يحمله ذلك الصدق على أداء الصلاة مخلصا بها لله تعالى متبعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك من مستلزمات تلك الشهادة الصادقة.
القسم الرابع : ما ورد مقيدا بحال يعذر فيها بترك الصلاة _ وذكر الشيخ حديث حذيفة " يدرس وشي الإسلام "_ ثم قال : فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام لأنهم لا يدرون عنها ، فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه ، وحالهم تشبه حال من ماتوا قبل فرض الشرائع ،
أو قبل أن يتمكنوا من فعلها ، كمن مات عقيب شهادته قبل أن يتمكن من فعل الشرائع ، أو أسلم في دار الكفر قبل أن يتمكن من العلم بالشرائع). انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
الجواب المفصل :
1- حديث البطاقة : عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول الله عز وجل: هل تنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا رب . فيقول: أظلمك كتبتي الحافظون؟ ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا . فيقول : بلى إن لك عندنا حسنات وإنه لا ظلم عليك اليوم . فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم ، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ".
رواه أحمد والترمذي وابن ماجة واللفظ له ، والحاكم وصححه الألباني.
قالوا - والكلام للأخ أحمد بن صالح الزهراني في كتابه ضبط الضوابط ص 69 - : " وفي الحديث إشارة إلى أنه ليس معه من الصالحات غير شهادة التوحيد ، هذا هو القطع لأنه لم يذكر شيء غيره . ومن قال : إن معه أعمال أخرى فعليه أن يتوب إلى الله إذ هو استدراك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الخ ".
واعترف الزهراني بأن هذه " الشهادة " كانت مقرونة بالصدق والإخلاص ، وأنه ليس كل واحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يفعل به ذلك ، وإنما سيكون هذا لرجل من أمته . وقال : " وكل واحد منهم معه مثل هذه البطاقة ، والنبي صلى الله عليه وسلم حكى عن رجل من أمته وليس عن كل أحد " .
وقال " فهذا الرجل مات وهو يشهد هذه الشهادة العظيمة بصدق وإخلاص قام في قلبه رجح بكل تلك السجلات " . ص 68
وقال الأخ خالد العنبري في أصل كتابه " الحكم بغير ما أنزل الله " 1/205 ، متحدثا عن صاحب البطاقة " ... ولم يأت بصلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج ، بيد أن لسانه نطق بالشهادة وصدق بها قلبه واعتقد الإسلام ، ولم يجحد منه شيئا ، فشاء ربنا جل شأنه أن يغفر له غدراته وفجراته ، ويتجاوز عن هناته وهفواته . فلو كان ترك المباني والأعمال كسلا ، وتهاونا كفرا مخرجا من الملة ، ما أقال الله عثرته ولا اغتفر جريمته" انتهى .
والجواب من وجوه :
الأول :
أن يقال : صاحب البطاقة إما أن يكون قد أتى بالقول المجرد ، من غير صدق أو إخلاص أو يقين . وهذا باطل . وهو خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام . كما قال ابن القيم رحمه الله ( مدارج السالكين 1/339)
وإما أن يكون أتى بالنطق مع الإخلاص والصدق واليقين . وحينئذ فيمتنع أن يترك الصلاة . ويكون هذا الحديث داخلا في القسم الثالث الذي ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( عام مقيد بما لا يمكن معه ترك الصلاة).
الوجه الثاني :
أن الجزم بأن هذا الرجل لم يأت بصلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج : لا يصح . وليس في الحديث ما يصرح بذلك . بل في ألفاظ الحديث ما يشعر بوجود العمل .
ففي رواية ابن ماجة السابقة - وهي التي ذكرها العنبري في كتابه - : فيقول الله عز وجل : بلى إن لك عندنا حسنات ، وإنه لا ظلم عليك ، فتخرج له بطاقة " الحديث . فقوله تعالى : وإن لك عندنا حسنات يشعر بوجود العمل ، ولعظم جنايات الرجل وكثرة سجلاته ( تسعة وتسعون سجلا ) يتهيب أن يجيب ربه بنعم ، حين يسأله : ألك عذر أو حسنة ، فيهاب الرجل فيقول : لا ، يارب".
والمثبت في الحديث هو وجود سجلات الذنوب ، ولهذا كان من دقة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تصريحه بأن الله غفر له بهذه البطاقة كبائر
قال في منهاج السنة 6/218
(فالمحو والتكفير يقع بما يتقبل من الأعمال وأكثر الناس يقصرون في الحسنات حتى في نفس صلاتهم فالسعيد منهم من يكتب له نصفها وهم يفعلون السيئات كثيرا، فلهذا يكفر بما يقبل من الصلوات الخمس شيء ، وبما يقبل من الجمعة شيء ، وبما يقبل من صيام رمضان شيء آخر ، وكذلك سائرالأعمال. وليس كل حسنة تمحو كل سيئة ، بل المحو يكون للصغائر تارة ويكون للكبائر تارة باعتبار الموازنة .
والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله له به كبائر كما في الترمذي وابن ماجه وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ...) وذكر الحديث ، ثم قال : ( فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون لا إله إلا الله ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة ).
الوجه الثالث :
أنه ليس في الحديث ذكر لإخلاص الرجل أو صدقه ، فإضافة الزهراني أو العنبري لذلك استدراك على النبي صلى الله عليه وسلم – حسب تأصيل الزهراني - .
فإن قالوا : استفيد هذا القيد من النصوص الأخرى التي تقيد الانتفاع بالشهادة بوجود الإخلاص والصدق . قيل لهم : واستفيد وجود الصلاة من النصوص التي قضت بكفر تاركها ، والنصوص التي أخبرت بكون النار لا تأكل مواضع السجود ، والنصوص التي دلت على أنه لا يبقى – بعد هلاك الكفار واليهود والنصارى – إلا من كان " يسجد لله " إخلاصا أو نفاقا .
بل استفيد وجود الصلاة من هذا القيد الذي أثبتموه ( الإخلاص والصدق ) .
كما سبق عن الشيخ ابن عثيمين قوله (فتقييد الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصلاة).
الوجه الرابع :
أن الزهراني مقر بأنه ليس كل أحد من أمة محمد يٌفعل به كذلك .
وقوله هذا حق ، فإن كل مسلم معه هذه البطاقة ، ولو كان هذا الحكم عاما للزم أن لا يدخل أحد من العصاة النار !! وهذا باطل قطعا ، فإن النصوص دلت على دخول أناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم النار ، ثم يخرجون منها بالشفاعة أو بعد التهذيب والتنقية.
قال ابن القيم في ( مدارج السالكين 1/340 ):
( ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه ، ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل ، وطاشت لأجله السجلات ، لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات ، انفردت البطاقة بالثقل والرزانة). وإذن فكيف ترد النصوص الصريحة في كفر تارك الصلاة ، وكيف يرد الإجماع السلفي المصرح بأنه لا يجزيء القول والتصديق إلا بالعمل ، لأجل حالة خاصة لا تحدث لكل أحد !
الوجه الخامس :
أنه قد نقل عن جماعة من الصحابة القول بكفر تارك الصلاة ، وحكي على ذلك إجماعهم ، دون أن يشكل عليهم هذا الحديث ، أو يتأولوا النصوص لأجله.
الوجه السادس :
ما ذكره الشيخ الفوزان حفظه الله جوابا لمن استدل بهذا الحديث على عدم تكفير تارك الصلاة وأنه من غير المعقول أن شخصا يصلي وليس له حسنات .
قال الشيخ حفظه الله ( ... فهذا الحديث الشريف فيه أن التوحيد يكفر الله به الخطايا التي لا تقتضي الردة والخروج من الإسلام ، أما الأعمال التي تقتضي الردة فإنها تناقض كلمة التوحيد وتصبح لفظا مجردا لا معنى له ..." المنتقى 2/10
والحاصل : أنه لا يخرج الجواب عن أمرين :
الأمر الأول : أن يقال :إنه رجل مصل ، فلم يترك عمل الجوارح بالكلية ، فخرج هذا الدليل عن محل النزاع .
ونسبة الصلاة إليه مبنية على أمرين : الأول : كون هذه الشهادة لا بد فيهالا من الإخلاص والصدق واليقين ومن حصل له ذلك لم يتصور تركه للصلاة .
والثاني : أن النصوص دلت على أن ترك الصلاة كفر ، وأن كلمة الشهادة لا نفع لها مع وجود الكفر ، فلزم أنه من أهل الصلاة.
والأمر الثاني : أن يقال : إنها حالة خاصة ، وقضية عين ، لا يرد لها إجماع الصحابة على أن الإيمان قول وعمل ونية وأنه لا يجزيء واحد من الثلاثة إلا بالآخر ، وإجماعهم على أن تارك الصلاة كافر.
وبيان هذه الحالة الخاصة ، يتضح بالوجه السابع والأخير :
الوجه السابع :
أنه يمكن حمل هذا الحديث على رجل مسرف على نفسه ، مفرط في حق ربه ، اقترف ما اقترف من الآثام والأوزار ، ثم قال : لا إله إلا الله ، بصدق وإخلاص ويقين ، دون أن يتوب من ذنبوبه السابقة ، ثم مات على ذلك . وهذا هو تأويل شيخ الإسلام لحديث البطاقة ، ويأتي لفظه .
وتنبه لقولي : دون أن يتوب من ذنوبه السابقة ، لأنه لو تاب منها لبدلت حسنات ، كما أخبر الله تعالى في كتابه .
أما كلام شيخ الإسلام فنقله الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في كتابه :
تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 88 ( في شرح حديث عتبان بن مالك ).
ونقله الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد أيضا.
قال في التيسير : بعد ذكر الأحاديث في فضل الشهادتين : ( وأحسن ما قيل في معناه ، ما قاله شيخ الإسلام وغيره : إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة ، وقالها خالصا من قلبه مستيقنا بها قلبه ، غير شاك فيها ، بصدق ويقين ... وحينئذ فلا منافاه بين الأحاديث فانه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرا على ذنب أصلا فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ولا كراهية لما أمر الله .
وهذا هو الذي يحرم من النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك فإن هذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبة وهذا اليقين لا يتركون له ذنبا إلا يمحى كما يمحى الليل بالنهار.
فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر فهذا غير مصر على ذنب أصلا فيغفر له ويحرم على النار.
وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات ، فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه. وهذا بخلاف من رجحت سيئاته على حسناته ومات مصرا على ذلك فإنه يستوجب النار.
وإن قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر لكنه لم يمت على ذلك بل أتى بعد ذلك بسيئات رجحت على حسنة توحيده ، فإنه في حال قولها كان مخلصا لكنه أتى بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته ، وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك .
بخلاف المخلص المستيقن فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته ولا يكون مصرا على سيئة فإن مات على ذلك دخل الجنة ... والذين يدخلون النار ممن يقولها قد فاتهم أحد هذين الشرطين:
إما أنهم لم يقولها بالصدق واليقين التامين المنافيين للسيئات أو لرجحان السيئات.
أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم ، ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين تام ، لأن الذنوب قد أضعف ذلك الصدق واليقين من قلوبهم ، فقولها من مثل هؤلاء لا يقوى على محو السيئات بل ترجح سيئاتهم على حسناتهم. انتهى ملخصا وقد ذكر معناه غيره كابن القيم وابن رجب والمنذري والقاضي عياض وغيرهم ) انتهى من تيسير العزيز الحميد.
وهنا إشكال حاصله : أن الكبائر لا تمحى إلا بالتوبة ، فكيف يقال : إنه لم يتب ، وإنما قال الشهادة بصدق وإخلاص ، فغفر الله .
والجواب : أن من "الأعمال و الحسنات" ما تغفر به الكبائر والصغائر- وإن لم تحصل التوبة من الكبائر .
وقد بين ذلك شيخ الإسلام رحمه الله بخمسة أوجه ، انظرها في مجموع الفتاوى 14/489
ومن كلامه رحمه الله : (وسؤالهم على هذا الوجه أن يقولوا الحسنات: إنما تكفر الصغائر فقط فأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة كما قد جاء في بعض الأحاديث:" ما اجتنبت الكبائر " فيجاب عن هذا بوجوه :
أحدها : أن هذا الشرط جاء فى الفرائض كالصلوات الخمس والجمعة وصيام رمضان وذلك أن الله تعالى يقول: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم". فالفرائض مع ترك الكبائر مقتضية لتكفير السيئات.
وأما الأعمال الزائدة من التطوعات فلابد أن يكون لها ثواب آخر فان الله سبحانه يقول : " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ".
الثاني : أنه قد جاء التصريح فى كثير من الأحاديث بأن المغفرة قد تكون مع الكبائر كما في قوله: " غفر له وإن كان فر من الزحف ". وفى السنن: " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صاحب لنا قد أوجب فقال اعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار". وفى الصحيحين في حديث أبى ذر : " وان زنا وإن سرق".
الثالث: أن قوله لأهل بدر ونحوهم : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" إن حمل على الصغائر أو على المغفرة مع التوبة لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم.
فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر؛ لما قد علم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة، لا يجوز حمله على مجرد الصغائر المكفرة باجتناب الكبائر..." .
ومما يؤكد ما قدمت من حمل الحديث على رجل لم يتب من ذنوبه ... الخ : قول شيخ الإسلام في هذا المبحث ، بعد أن ذكر أن عقوبة الذنب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب ، أحدها التوبة ، والسبب الثاني الاستغفار :
( وقد يقال على هذا الوجه: الاستغفار هو مع التوبة ، كما جاء فى حديث : "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم مائة مرة".
وقد يقال بل الاستغفار بدون التوبة ممكن واقع ، وبسط هذا له موضع آخر، فإن هذا الاستغفار إذا كان مع التوبة مما يحكم به ، عام في كل تائب.
وإن لم يكن مع التوبة فيكون في حق بعض المستغفرين الذين قد يحصل لهم عند الاستغفار من الخشية والإنابة ما يمحو الذنوب كما في حديث البطاقة ، بأن قول لا إله إلا الله ثقلت بتلك السيئات لما قالها بنوع من الصدق والإخلاص الذي يمحو السيئات ، وكما غفر للبغي بسقي الكلب لما حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان . وأمثال ذلك كثير).

أبو أسامه الشامي
05-01-2007, 12:34 PM
الإجابة على أدلة المخالفين
ثانيا : حديث " لم يعملوا خيرا قط " .


روى مسلم في صحيحه : عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم . قال : هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب ؟
قالوا : لا يا رسول الله.
قال : ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما .
إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبر أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون ؟
قالوا : كنا نعبد عزير ابن الله . فيقال : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون؟ قالوا : عطشنا يا ربنا فاسقنا . فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار .
ثم يدعى النصارى فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟
قالوا : كنا نعبد المسيح ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون ؟
فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار. حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال : فما تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد .
قالوا : يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم .
فيقول : أنا ربكم .
فيقولون : نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب .
فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها ؟
فيقولون : نعم . فيكشف عن ساق ،
فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه .
ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال : أنا ربكم فيقولون : أنت ربنا .
ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم .
قيل يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم .
حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه . ثم يقولون : ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به
فيقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا . ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا .
ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا . ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا .
ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا . ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا .
وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما"
فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض .
فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية .
قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه
ثم يقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم .
فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين .
فيقول : لكم عندي أفضل من هذا .
فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا
فيقول : رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ).



_____________
والحديث رواه البخاري ، وليس فيه (فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط) .
ولفظه : ( ... فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا فيقول الله تعالى : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ويحرم الله صورهم على النار فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا
ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه فيخرجون من عرفوا
ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا قال أبو سعيد فإن لم تصدقوني فاقرءوا " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها"
فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون.
فيقول الجبار : بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة فما كان إلى الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه ).
وجه الدلالة :
هذا الحديث استدل به الزهرني في ضبط الضوابط ص 64 ، والعنبري في أصل كتابه ص 210 ، وعدنان عبد القادر في حقيقة الإيمان ص 61، وقد سبقهم إلى ذلك الشيخ الألباني رحمه الله .
قال عندنان عبد القادر في كتابه ص 74 ( الحديث قطعي الدلالة على كونهم لم يعملوا أي عمل بالجوارح ).
ونقل العنبري عن الشيخ الألباني قوله : ( وعلى ذلك فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة – قال العنبري في الهامش : وغيرها من مباني الإسلام العملية بطريق الأولى – إذا مات مسلما يشهد أن لا إله إلا الله أنه لا يخلد في النار مع المشركين ، ففيه دليل قوي جدا أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". فهذا نص قاطع في المسألة ينبغي أن يزول به النزاع في هذه المسألة بين أهل العلم الذين تجمعهم العقيدة الواحدة التي منها عدم تكفير أهل الكبائر من الأمة المحمدية ) نقله العنبري عن حكم تارك الصلاة 27- 37 باختصار.
وقال الزهراني ص 65
( فانظر إلى هذه الصورة المشرقة لرحمة الله تعالى ، وإلى التدرج في إخراج العصاة من النار ابتداء بأهل العمل الظاهر من صلاة وصوم وحج ، حتى من ليس معهم إلا كلمة التوحيد دون عمل عملوه .
وهذا التدرج يجعل من الحديث نصا في محل النزاع ، فإن هذا التنويع والتقسيم في درجات المؤمنين يمتنع معه أن يكون المراد من قوله " بغير عمل عملوه " أي غير الصلاة كما يقول البعض .
أولا : لأن أهل الصلاة ذكروا ضمن الفوج الأول.
وثانيا : لأنه لا يليق أن يطلق على من معه هذه الشعيرة العظيمة تعبير : لم يعمل خيرا قط ، ولا أن يكون المراد به أنهم ما عملوا إلا أعمالا يسيرة ، لأن التقسيم كما قلنا يمنعه ، ولأن هذا يكفي في الدلالة عليه التعابير التي قبله كقوله " مثقال ذرة من خير") انتهى كلام الزهراني.

والجواب على استدلالهم من سبعة أوجه :

الوجه الأول :
أن هذا الحديث لا يمكن الأخذ بظاهره والاكتفاء به دون تقييده بالأدلة الأخرى .
وبيان ذلك : أن التدرج المذكور في الحديث :
فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه
فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه
فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه
ثم قول الملائكة بعد ذلك : ربنا لم نذر فيها خيرا .
ثم قول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط
هذا التدرج يدل بظاهره على أن هؤلاء ليسوا من أهل التوحيد .
فليس معهم شيء من إيمان القلب ، ولا مثقال ذرة من خير.
ولم يعملوا خيرا قط ، لا من أعمال الجوارح ولا من أعمال القلوب ، كما يفيده هذا النفي.
ولم يذكر في الحديث أنهم قالوا : لا إله إلا الله .
ولهذا احتج به بعض أهل البدع في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار.
قال الحافظ في الفتح ( 13/438) :
( تنبيه : قرأت في تنقيح الزركشي : وقع هنا في حديث أبي سعيد بعد شفاعة الأنبياء ، فيقول الله : بقيت شفاعتي فيخرج من النار من لم يعمل خيرا.
وتمسك به بعضهم في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار .
ورد بوجهين : أحدهما : أن هذه الزيادة ضعيفة لأنها غير متصلة كما قال عبد الحق في الجمع .
والثاني : أن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين ، كما تدل عليه بقية الأحاديث .
هكذا قال ، والوجه الأول غلط منه فإن الرواية متصلة هنا ، وأما نسبة ذلك لعبد الحق فغلط على غلط لأنه لم يقله إلا في طريق أخرى وقع فيها : أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير ... ) . انتهى كلام الحافظ .
وقد نسب الشيخ الالباني رحمه الله هذا ( الوجه الثاني ) إلى الحافظ ابن حجر ، ولم ينبه على أنه كلام الزركشي .
وارتضى هذا الجواب ، ومثل للأحاديث المشار إليها في كلام الزركشي بحديث أنس الطويل في الشفاعة . ويأتي .
وقولهم : إن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين .
قد يفهم منه اشتراط التصديق وعمل القلب ، وقد ينازع في هذا الفهم
ولهذا كان أجود منه قول الطيبي : ( هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة ، غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار ، بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان ،
وهو على وجهين : أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس ، لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه.
والثاني : أن يراد العمل ، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل ، وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد " لم يعملوا خيرا قط " ) انتهى كلام الطيبي .
والحاصل أن ظاهر الحديث مشكل ، وأنه لا يمكن القول به إلا مع مراعاة الأدلة الأخرى . وهذا هو الوجه الثاني .
الوجه الثاني :
أن المخالف إن قال : بل هؤلاء الذين لم يعملوا خيرا قط ، معهم الإقرار والتصديق وعمل القلب .
قيل له : من أين لك هذا ، ولا وجود له في الحديث ، لا سيما مع " التدرج " الذي تحتج به ؟
فإن قال : أثبت هذا من النصوص الأخرى التي تشترط – للنجاة – قول لا إله إلا الله ، بصدق ويقين وإخلاص .
قيل له : ونحن نثبت وجود عمل الجوارح ، لا سيما الصلاة ، من النصوص الأخرى ، كما يأتي بيانه .
وحسبك أن تعلم - مما قدمت- مقدار ((الدعوى)) بأن الحديث " دليل قاطع " و " نص في محل النزاع " و " قطعي الدلالة على كونهم لم يعملوا أي عمل بالجوارح " !!!
الوجه الثالث :
أنا نقول : قد دلت النصوص الأخرى على أن هؤلاء القوم من أهل الصلاة . وبيان ذلك بأمور :

أولا : أن هذا الحديث – حديث أبي سعيد – دل على أنه لا نجاة إلا لأهل السجود والصلاة .
فإذا تساقط في النار عباد الاشجار والأحجار والطواغيت ، بقي من كان يعبد الله من بر وفاجر ، وغبر أهل الكتاب .
وحين يساق اليهود والنصارى إلى النار ، لا يبقى إلا من كان يسجد لله ، إخلاصا أو نفاقا ورياء .
" . فيكشف عن ساق ، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه" .
فقد آل أمر الناس كلهم إلى هذين الفريقين .
ثم تنطفيء أنوار المنافقين ، ويضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب ، باطنه في الرحمة وظاهره من قبله العذاب .
فيهلك المنافقون ، ويبقى المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله في الدنيا من تلقاء أنفسهم .
فلا أعجب ممن يستدل بآخر الحديث وينسى أوله !
ثانيا : قد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن آخر فئة تخرج من النار ، بعد أن يفرغ الله من القضاء بين العباد ، تعرفهم الملائكة بآثار السجود .
عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن ناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
وفيه :
حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار ..." الحديث .
قال عطاء بن يزيد : وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه قال أبو سعيد أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ذلك لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة ).
وقد جاء هذا الحديث عن ابي هريرة من طريق : عطاء بن يزيد اليثي وسعيد بن المسيب .
وعطاء هو الراوي عن أبي سعيد حديث " لم يعملوا خيرا قط " .
والذي يدل على أن هؤلاء الذين تعرفهم الملائكة بآثار السجود ، هم الجهنميون :
قوله (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار ).
وهذا مثل قوله في حديث جابر عند أحمد : ( ثم يقول الله عز وجل :
أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي قال فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فيكتب في رقابهم عتقاء الله عز وجل ثم يدخلون الجنة فيسمون فيها الجهنميين).
فهؤلاء الجهنميون يخرجهم الله تعالى ( برحمته ) كما في حديث أبي هريرة .
و ( بعلمه ورحمته ) كما في حديث جابر ، وليس بشفاعة أحد .
ويدل على ذلك أيضا : اتفاق صفتهم وحالهم .
ففي حديث ابي سعيد : عند مسلم (فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض ).
وعند البخاري : (النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة فما كان إلى الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ).
وهي نفس الصفة الواردة في حديث أبي هريرة : (أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل).
الوجه الرابع :
أن قوله " لم يعملوا خيرا قط " ليس المراد منه نفي جميع العمل ، بل جاء إطلاق هذه العبارة في النصوص مع إثبات العمل ، وقد وقع هذا في حديث الشفاعة وفي غيره .
1- ففي رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق لحديث الرؤية والشفاعة:
(ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون .
ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي و معه العصابة و النبي معه الخمسة و الستة و النبي ليس معه أحد.
ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال:
فيقول الله عز و جل أنا ارحم الراحمين ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز و جل:
انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط ؟
قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له : هل عملت خيرا قط ؟
فيقول: لا غير إني كنت أسامح الناس في البيع .
فيقول الله عز و جل اسمحوا لعبدي بسماحته إلى عبيدي
ثم يخرجون من النار رجلا يقول له هل عملت خيرا قط ؟
فيقول: لا غير إني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر على رب العالمين أبدا .
فقال الله عز و جل له لم فعلت ذلك؟
قال من مخافتك.
قال فيقول الله عز و جل: انظر إلى ملك اعظم ملك فان لك مثله و عشرة أمثاله قال فيقول أتسخربي و أنت الملك).
الحديث رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة برقم 751 ، 812 وحسن إسناده الشيخ الألباني ، وقال : وأخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان من طرق أخرى عن النضر به . وقال ابن حبان :
قال إسحاق ( هو ابن راهوية الإمام) : هذا من أشرف الحديث".
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/374-375 : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجالهم ثقات ) انتهى كلام الألباني.
وقال محقق معرج القبول 1/308 ( وقد صحح الحديث جماعة منهم : إسحاق بن راهوية وابن حبان والهيثمي وأحمد شاكر وناصر الألباني ).
2- أنه جاء في رواية أنس ، عند أحمد وابن مندة أن هؤلاء الجهنميين كانوا يعبدون الله ولا يشركون به شيئا في الدنيا :
قال الإمام أحمد :
حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد يعني ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر وأعطى لواء الحمد ولا فخر وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر وإني آتي باب الجنة فآخذ بحلقتها فيقولون من هذا فيقول أنا محمد فيفتحون لي فأدخل فإذا الجبار عز وجل مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك يا محمد وتكلم يسمع منك وقل يقبل منك واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي أمتي يا رب فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك فأدخله الجنة فإذا الجبار عز وجل مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك يا محمد وتكلم يسمع منك وقل يقبل منك واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي أمتي أي رب فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه نصف حبة من شعير من الإيمان فأدخلهم الجنة فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلهم الجنة فإذا الجبار عز وجل مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك يا محمد وتكلم يسمع منك وقل يقبل منك واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي أمتي فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان فأدخله الجنة فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة .
وفرغ الله من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار
فيقول أهل النار ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله عز وجل لا تشركون به شيئا
فيقول الجبار عز وجل فبعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله عز وجل فيذهب بهم فيدخلون الجنة فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الجبار بل هؤلاء عتقاء الجبار عز وجل ).
قال الإمام ابن مندة في الإيمان 3/826
( هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد ).
وقال الشيخ الأباني في تحقيق السنة لابن أبي عاصم ص 393
( أخرجه أحمد والدارمي وابن خزيمة في التوحيد . قلت : وسندهم صحيح على شرط الشيخين ، وله طريق أخرى عن انس بنحوه رواه الطبراني كما في تفسير ابن كثير ).
وقال الحافظ في الفتح 11/463
(ووقع في رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس عند النسائي ذكر سبب آخر لإخراج الموحدين من النار ولفظه " وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار , فيقول أهل النار : ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا , فيقول الجبار : فبعزتي لأعتقنهم من النار , فيرسل إليهم فيخرجون " .
وفي حديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم والبزار رفعه " وإذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى . قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار ؟ فقالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها , فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا . فقال الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين " وفي الباب عن جابر وقد تقدم في الباب الذي قبله . وعن أبي سعيد الخدري عند ابن مردويه).
قلت : وحديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم صححه الشيخ الألباني ( رقم 843). فهؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن : يعبدون الله ، ومن أهل القبلة . فكيف يظن أنهم لم يعملوا شيئا من أعمال الجوارح ؟!
3- ومن ذلك أيضا – أي إطلاق عبارة : لم يعملوا خيرا قط ، على أناس ثبت لهم العمل - :
ما رواه أحمد و النسائي :
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا فلما هلك قال الله عز وجل له : هل عملت خيرا قط ؟ قال لا إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثته ليتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا قال الله تعالى قد تجاوزت عنك ).
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يعمل خيرا قط ، ثم أثبت له عملا صالحا هو تجاوزه عن المعسرين ، وأمره لغلامه بذلك .
وهذا يؤكد ما سيأتي عن ابن خزيمة في معنى قول العرب : لم يعمل خيرا قط.
4- حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا : وهو في الصحيحين .
وقد جاء فيه – كما في رواية مسلم – أن ملائكة العذاب تقول : إنه لم يعمل خيرا قط .
وأن ملائكة الرحمة تقول : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله.
والملائكة جميعهم صادقون في وصفهم للرجل ، فهم لا يكذبون ولا يعصون .
فعلم بهذا أنه قد يقال عن رجل : لم يعمل خيرا قط ، مع تلبسه ببعض الأعمال الصالحة . ويكون المراد بالنفي أنه لم يأت بكمال العمل الواجب .
(ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة. قال قتادة فقال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره ).
فهذا السير والانطلاق ، ثم النأي بالصدر أليس عملا صالحا من أعمال الجوارح ؟!
5 - ولهذا قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب التوحيد 2/732
( هذه اللفظة " لم يعملوا خيراً قط " من الجنس الذي تقول العرب: ينفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل : لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي ".
الوجه الخامس :
أني قدمت في الجواب الإجمالي – نقلا عن الدكتور عبد الله القرني - :
(ضرورة أن يكون القول في أي مسألة مبنيا على النظر في جميع النصوص الواردة فيها ، والنظر في مجموع تلك النصوص وفق القواعد المقررة في أصول الفقه ، بحيث يتميز المطلق من المقيد والعام من الخاص ونحو ذلك ، مع الجزم بأن ما ذهب إليه السلف في فهم تلك النصوص والجمع بينها هو الحق.
فلا يصح مثلا الحكم بأن حديث الشفاعة الوارد في الجهنميين نص في أن العمل كمالي للإيمان ، لما ورد فيه من أنهم دخلوا الجنة مع أنهم لم يعملوا خيرا قط ، مع أن السلف قد أجمعوا على أن العمل من الإيمان ، وأنه شرط للنجاة من عذاب الكفار ، ولم يشكل هذا الحديث على ما ذهبوا إليه ، بل فهموه بما يتفق مع ذلك الأصل ).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل هناك تعارض بين أدلة تكفير تارك الصلاة ، وحديث " لم يعملوا خيرا قط " ؟
فأجاب : لا تعارض بينهما ، فهذا عام ، يخصص بأدلة تكفير تارك الصلاة . ( لقاء مسجل مع وزارة الأوقاف القطرية عبر الهاتف ) . وسأنقل لفظه عند ذكري أقوال العلماء المعاصرين إن شاء الله [ وهو موجود في مجموع فتاوى الشيخ أيضا ].
وهذا القول من الشيخ رحمه الله يؤكد صحة ما أثبته آنفا من كون هؤلاء الجهنميين من أهل الصلاة .
فإن قال الزهراني أو غيره : إنه لا يليق أن يطلق على من معه هذه الشعيرة العظيمة : لم يعمل خيرا قط .
قيل له : وهل يليق أن يطلق على من معه عمل القلب ( من الإخلاص واليقين والصدق والخشية ) لم يعمل خيرا قط ؟!
الوجه السادس :
أن من أهل العلم من رأى حمل هذا الحديث على حالة خاصة تلائم النصوص المحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح من أن الإيمان قول وعمل .
وهذا ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة في فتواها المفصلة عن الإرجاء ( فتوى رقم 21436 وتاريخ 8/4/1421 ه
حيث جاء فيها : ( وأما ما جاء في الحديث إن قوما يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط ، فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه ، وإنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل ، أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة ، وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب ).
الوجه السابع والأخير :
أن من أهل العلم من قال : إن هذا الحديث من المشتبه الذي يتعين رده إلى المحكم.
ولعل ما يؤيد هذا القول مخالفة حديث أبي سعيد لغيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة المبينة للشفاعة ،
ومنها حديث أبي هريرة في الصحيحين ، الذي يرويه عنه عطاء بن يزيد و سعيد بن المسيب . وعطاء – كما سبق – هو الراوي عن أبي سعيد أيضا ، وقد أخبر أن أبا سعيد " لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة ".
وأهم ما وقعت فيه المخالفة – غير قوله " لم يعملوا خيرا قط " – أمران :
الأول :
أن حديث أبي سعيد يصرح بأن الجهنميين يخرجون بقبضة الله عز وجل
(فيقبض قبضة من النار).
وهذا مخالف لرواية أبي بكر الصديق وأنس وأبي موسى وأبي هريرة .
ففي رواية أبي بكر الصديق : أدخلوا جنتي
وفي رواية أنس : ، فيرسل إليهم فيخرجون
وفي رواية أبي موسى : فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا
وفي رواية أبي هريرة : أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله.
ورواية أبي بكر وانس وأبي موسى لا شك أنها في الجهنميين .
والمخالف قد ينازع في رواية أبي هريرة لأن فيها التصريح بأن الملائكة تعرفهم بآثار السجود .
وقد يتكيء المخالف على أن حديث أبي هريرة لم يذكر القبضة ، وإنما ذكر إخراج الملائكة لهم ، وحينئذ يقال له : ما كان جوابا لك على حديث أبي بكر وأنس وأبي موسى ، فهو جوابنا على حديث أبي هريرة .
وهذه ألفاظ الروايات ، وقد سبقت أثناء البحث :
1- رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق ( ... ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون .
ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي و معه العصابة و النبي معه الخمسة و الستة و النبي ليس معه أحد. ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال:
فيقول الله عز و جل أنا ارحم الراحمين أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا
قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز و جل:
انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط ؟
قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له : هل عملت خيرا قط ؟ ) الحديث.
2- وفي حديث أنس عند أحمد وابن مندة:
(فيقول الجبار عز وجل فبعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله عز وجل فيذهب بهم فيدخلون الجنة فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الجبار بل هؤلاء عتقاء الجبار عز وجل ).
3- وفي حديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم – وهو صحيح كما سبق –
فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا . فقال الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين).
4- وفي حديث أبي هريرة : ( أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل).
الأمر الثاني :
أن ظاهر حديث أبي سعيد أن الجهنميين ، يخرجون برحمة الله تعالى لا بشفاعة أحد من الأنبياء أو الملائكة :
(فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون.
فيقول الجبار : بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا...) الحديث .
وهذا موافق لرواية الحسن البصري عن أنس لحديث الشفاعة وهو في الصحيحين : وهذا لفظ مسلم :
وفيه أن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : (انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه ...
فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها...
فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل )
( ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع
فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله . قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله قال فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك أراه قال قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع).
فظاهر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع في الجهنميين .
قال النووي : (. وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله , قال : ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ) معناه : لأتفضلن عليهم بإخراجهم من غير شفاعة , كما تقدم في الحديث السابق ( شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ) ) انتهى.
لكن هذا يشكل عليه ما جاء في صحيح البخاري وسنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة وأحمد من أن الجهنميين يخرجون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم :
فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيدخلون الجنة ، يُسمون الجهنميين). ( البخاري حديث رقم 6566).
قال الحافظ في الفتح ( 11/437) :
( قوله ( فيسميهم أهل الجنة الجهنميين ) سيأتي في الثامن عشر من هذا الباب من حديث عمران بن حصين بلفظ " يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين
, وثبتت هذه الزيادة في رواية حميد عن أنس عند المصنف في التوحيد ,
وزاد جابر في حديثه " فيكتب في رقابهم : عتقاء الله , فيسمون فيها الجهنميين "
أخرجه ابن حبان والبيهقي وأصله في مسلم .
وللنسائي من رواية عمرو بن عمرو عن أنس " فيقول لهم أهل الجنة : هؤلاء الجهنميون , فيقول الله هؤلاء عتقاء الله " وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد وزاد " فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم ").
وقال الحافظ قال الحافظ في الفتح ( 11/436) :
( وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة ...
وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال : لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ، ومستندها رواية الحسن عن أنس كما سيأتي بيانه في شرح الباب الذي يليه ، ولا يمنع من عدها قول الله تعالى له " ليس ذلك إليك "
لأن المنفي يتعلق بمباشرة الإخراج ، وإلا فنفس الشفاعة منه قد صدرت ، وقبولها قد وقع وترتب عليها أثرها ). انتهى .
وقال الحافظ في ( 11/464) :
( قال البيضاوي : وقوله " ليس ذلك لك " أي أنا أفعل ذلك تعظيما لاسمي وإجلالا لتوحيدي ، وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة الآتي " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا . قال : ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام آخر.
قال الطيبي : إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة ، وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع.
قلت [ ابن حجر ] : ويحتمل وجها آخر ، وهو أن المراد بقوله " ليس ذلك لك " مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة ، وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في المذكورين ، فأجيب إلى أصل الإخراج ، ومنع من مباشرته ، فنسبت إلى شفاعته في حديث " أسعد الناس " لكونه ابتدأ بطلب ذلك ، والعلم عند الله تعالى ). انتهى كلام الحافظ.

وبعد .. فهذه سبعة أوجه في الجواب عن استدلالهم بهذا الحديث ، وحاصلها يرجع إلى ثلاثة أمور:
1- أن هذا الحديث لا يفهم إلا في ضوء الأحاديث الأخرى المقيدة والمبينة له .
2- إثبات أن هؤلاء من أهل الصلاة ، فيكون الحديث خارجا عن محل النزاع الذي هو ترك عمل الجوارح بالكلية .
3- أو حمل هذا الحديث على حالة خاصة لا تعارض ما أجمع عليه السلف من أن الإيمان قول وعمل ، وأنه لا يجزئ قول بلا عمل . والله أعلم .

أبو أسامه الشامي
05-01-2007, 12:36 PM
نطمع في إطلاع الشيخ فالح عليه

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
05-01-2007, 01:50 PM
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك لهذا الجهد

أبو أسامه الشامي
06-05-2007, 11:06 PM
توضيح ما اعتمدوا عليه المرجئة من كلام ابن حزم رحمه الله
وهل ابن تيمية قال أن ابن حزم هو على اعتقاد السلف (مائة بالمائة) في الإيمان أم أنه قيّد جوابه ؟


وقبل عرض كلامه ، لا بد أن يقف القارئ على بيان مختصر لحال ابن حزم في أمور الاعتقاد ، وذلك لندرة من تكلم في هذه المسألة مع أهميتها ، فإن من يعلم شدة تمسك ابن حزم بالآثار ، ورده على الأشعرية والجهمية والمرجئة والمعتزلة ، قد يقع في نفسه أن ابن حزم سلفي العقيدة ، لن يخرج عن ظاهر النص !
وإن سمع أن له مخالفات في هذا الباب ، فقد يظنها مخالفات جزئية ، لا توجب اتخاذ موقف منه كالموقف من الأشاعرة أو المعتزلة ، ولا تضعف الاعتماد عليه والاستشهاد بأقواله.
ولاشك أن ابن حزم له حسناته الكثيرة ، ومواقفه الحميدة في التمسك بالسنة ، والدفاع عنها في باب الفروع ، وليته كان كذلك في الأصول.
وسأضع بين يدك خلاصة ما توصل إليه الدكتور أحمد بن ناصر الحمد في رسالته " ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد . إصدار جامعة أم القرى ، ط.1406 هـ
قال حفظه الله في خاتمة بحثه ص 473
( هذا ما يتعلق بشخصية ابن حزم ، وأما صلب الموضوع :
1- فعن وجود الله تعالى نقول :
استدل ابن حزم على وجود الله تعالى بطريقين : الأول : إثبات حدوث العالم ، ثم دلالة ذلك على المحدث له .
الثاني : الاستدلال بما في العالم من الآثار على وجود صانع له.
وهو استدلال سليم موصل إلى النتيجة المطلوبة.
2- وأما استدلاله على إثبات الوحدانية ، فهو استدلال على أنه خالق للعالم سبحانه وأنه ربه ومليكه وبيده ملكوت كل شيئ .
ولا يدل هذا على وحدانيته وتفرده بالألوهية دون سواه . وليس هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل فيستدل على هذا بدلالة التمانع وغيرها.
وقد دل القرآن على ذلك بأدلة تتجه إلى العقل والحس معا عن طريق النظام والعناية والتدبير الموجود في الكون حيث يستحيل وجود ذلك عن أكثر من إله.
3- ويخالف ابن حزم الصواب حين يرى أن من توحيد الله تعالى ونفي التشبيه عنه : نفي الجسمية والعرضية والزمانية والمكانية والحركة.
والصواب عدم النفي المطلق في مثل هذه الألفاظ المجملة فيجب الاستفصال عن المقصود بالنفي والإثبات ، فإن كان المقصود صحيحا قبل وإلا رد.
4- ويوافق ابن حزم المعتزلة في إثبات الأسماء التي سمى الله بها نفسه ، مجردة ، فلا يشتق له منها صفات.
والصحيح خلاف ذلك ، فيثبت له الأسماء ويشتق له منها صفات لأنها ليست أعلاما محضة.
5- ويرجع أبومحمد ابن حزم كثيرا من الصفات إلى الذات بعد أن يثبت ألفاظها الواردة كالوجه ، واليد ، واليدين ، والعين ، والأعين ، والعز ، والعزة ، والكبرياء ، والحي والعلم والقدرة ، والسميع والبصير.
والصحيح إثبات أن لله وجها ويدين وعينين وعزا وعزة وكبرياء وحياة وعلما وقدرة وسمعا وبصرا . فهو حي بحياة ، وعالم بعلم ، وقادر بقدرة ، وسميع وبصير بسمع وبصر ، صفات له حقيقة على ما يليق بجلاله ، وكل صفة منها تدل على معنى يخالف ما تدل عليه الأخرى ، وتعلقات تخالف تعلقاتها.
6- ويخالف ابن حزم منهجه الأخذ بظواهر النصوص ، ويذهب إلى التأويل ، فيؤول الصورة ، والأصابع ، والساق ، والاستواء ، والنزول ، بما يخالف ظاهرها المراد .
والصحيح إثبات تلك الصفات لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.
7- ويوافق ابن حزم مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الماهية لله تعالى والنفس والذات ، ونفي أن يكون الجنب صفة لله تعالى على الصحيح ، ويوافقهم في إثبات رؤية الله تعالى رؤية حقيقية في أحد قوليه ، ليست معرفة ؛ لما ورد بالنص الصريح الموجب للقبول ، ولا تحصل تلك الرؤية إلا في الآخرة.
8- ويوافقهم في إثبات كلام الله تعالى ، فيرى أن القرآن كلام الله تعالى على الحقيقة ، ولكن يضطرب قوله بأن الله تعالى متكلم .
والصواب أنه تعالى متكلم حقيقة.
9- ومما وافق فيه ابن حزم أهل السنة غالب مباحث أفعال الله تعالى ، فيثبت قضاء الله تعالى وقدره ، وخلقه تعالى لأفعال عباده وهدايته لهم وإضلالهم ، وعدم إيجاب شيئ عليه تعالى إلا ما أوجب على نفسه ، فلا يوجب عليه اللطف والأصلح ولا إرسال الرسل ولا غير ذلك ، ولا ينسب إلى الله ظلما ولا جورا ، ولا يشبه الله تعالى بخلقه فيحسن منه ما حسن منهم ويقبح منه ما قبح منهم.
وقال إن الحسن والقبح ليسا عقليين . وهذا القول يناقض قول المعتزلة ، وليس الصواب واحدا منهما ، بل الصحيح أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة ، ولكن ترتب الثواب والعقاب عليها لا يكون إلا بأمر ونهي الشارع.
10- وفي تعليل أفعال الله تعالى يوافق ابن حزم الأشعري وأصحابه وطوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بالقول بعدم تعليل أفعال الله تعالى .
والذي رأيناه راجحا أنه تعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها ، وقد يعلم العباد أو بعضهم الحكمة ، وقد لا يعلمونها ، ولا يدل عدم العلم بها على نفي وجودها.
هذا وأسأل الله المولى الكريم رب العرش العظيم أن يجعل خير أعمالنا خواتمها ...).
انتهى من : ابن حزم وموقفه من الإلهيات ص 473- 475 .. وقد وضعت أرقام الفقرات للتوضيح.
وبهذا يتضح أن ابن حزم مخالف للسلف في جملة كبيرة من مسائل الاعتقاد ، وهو بذلك لا يقل خطأ عن الأشاعرة والمعتزلة ، بل يقول الخبير بمذهب المعتزلة والأشاعرة أعني شيخ الإسلام أبالعباس ابن تيمية رحمه الله في شرح الأصفهانية :
ص 106 - 110
(وبهذا يتبين أن الحي القابل للسمع والبصر والكلام إما أن يتصف بذلك وإما أن يتصف بضده وهو الصمم والبكم والخرس ومن قدر خلوه عنهما فهو مشابه للقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ...
وقد قاربهم في ذلك من قال من متكلمة الظاهرية كابن حزم أن أسماءه الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة وقال لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلا .
ومعلوم أن مثل هذه المقالات سفسطة في العقليات ، وقرمطة في السمعيات ، فإنإ نعلم بالاضطرار الفرق بين الحي والقدير والعليم والملك والقدوس والغفور ، وإن العبد إذا قال رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور، كان قد أحسن في مناجاة ربه ، وإذا قال اغفر لي وتب علي إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب لم يكن محسنا في مناجاته ...
ومعلوم أن الأسماء إذا كانت أعلاما وجامدات لا تدل على معنى لم يكن فرق فيها بين اسم واسم ، فلا يلحد أحد في اسم دون اسم ولا ينكر عاقل اسما دون اسم ، بل قد يمتنع عن تسميته مطلقا ولم يكن المشركون يمتنعون عن تسمية الله بكثير من أسمائه ، وإنما امتنعوا عن بعضها ، وأيضا فالله له الأسماء الحسنى دون السوأى ، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه ، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم إلى حسنى وسوأى ، بل هذا القائل لو سمى معبوده بالميت والعاجز والجاهل بدل الحي والعالم والقادر لجاز ذلك عنده ، فهذا ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته مع إدعائهم الحديث ومذهب السلف وإنكارهم على الأشعري وأصحابه أعظم إنكار .
ومعلوم أن الأشعري وأصحابه أقرب إلى السلف والأئمة ومذهب أهل الحديث في هذا الباب من هؤلاء بكثير .
وأيضا فهم يدعون أنهم يوافقون أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات وينكرون على الأشعري وأصحابه ، والأشعري وأصحابه أقرب إلى أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات منهم تحقيقا وانتسابا.
أما تحقيقا فمن عرف مذهب الأشعري وأصحابه ومذهب ابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات تبين له ذلك وعلم هو وكل من فهم المقالتين أن هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلى المعتزلة بل إلى الفلاسفة من الأشعرية ، وأن الأشعرية أقرب إلى السلف والأئمة وأهل الحديث منهم .
وأيضا فإن إمامهم داود وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلكت المعتزلة .
وهؤلاء وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات وإن خالفوهم في القدر والوعيد.
وأما الانتساب : فانتساب الأشعري وأصحابه إلى الإمام أحمد خصوصا وسائر أئمة أهل الحديث عموما ظاهر مشهور في كتبهم كلها ...
وهذه الجمل نافعة ، فإن كثيرا من الناس ينتسب إلى السنة أو الحديث أو اتباع مذهب السلف أو الأئمة أو مذهب الإمام أحمد أو غيره من الأئمة أو قول الأشعري أو غيره ويكون في أقواله ما ليس بموافق لقول من انتسب إليهم ، فمعرفة ذلك نافعة جدا كما تقدم في الظاهرية الذين ينتسبون إلى الحديث والسنة حتى أنكروا القياس الشرعي المأثور عن السلف والأئمة ، ودخلوا في الكلام الذي ذمه السلف والأئمة ، حتى نفوا حقيقة أسماء الله وصفاته، وصاروا مشابهين للقرامطة الباطنية ، بحيث تكون مقالة المعتزلة في أسماء الله أحسن من مقالتهم فهم مع دعوى الظاهر يقرمطون في توحيد الله وأسمائه.) انتهى من شرح العقيدة الأصفهانية.
وأقول : صدق شيخ الإسلام ، فمعرفة ذلك نافعة جدا . وليس الأمر بالدعاوى والشعارات !
وقال شيخ الإسلام في درء التعارض 5/249،250
(وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم مع أنه لا يثبت علما هو صفة ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة ، وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة والحديث ، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما ، ويدعي أنهم خرجوا عن ، مذهب السنة والحديث في الصفات ، ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك.)

وقال في درء التعارض 7/32-34
(فإن قيل : قلتَ إن أكثر أئمة النفاة من الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول وأقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين وما بلغوه عن الرسول ، ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك.
قيل : هؤلاء أنواع:
نوع ليس لهم خبرة بالعقليات ...
والثاني : من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ، ويغلط فيها كما غلط غيره ، فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة مع أنه لا يكون له من الخبرة بكلام السلف والأئمة في هذا الباب ما كان لأئمة السنة ، وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما، وهذه حال أبي محمد بن حزم وأبي الوليد الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم ، ومن هذا النوع بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأمثالهما).
ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي عن ابن حزم ، بعد أن وصفه بقوة الذكاء وكثرة الاطلاع :
( ولكن تبين لي منه أنه جهمي جلد لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل ، كالخالق والحق ، وسائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا ؛ كالرحيم والعليم والقدير ونحوها ، بل العلم عنده هو القدرة ، والقدرة هي العلم ، وهما عين الذات ، ولا يدل العلم على شيئ زائد على الذات المجردة أصلا ، وهذا عين السفسطة والمكابرة ، وقد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق والفلسفة ، وأمعن في ذلك ، فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة ).
" مختصر طبقات علماء الحديث ص 401 " نقلا عن سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/187 عند الحديث رقم 91
وقال الذهبي في السير 18/186
(وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر وفي المنطق وأجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق ويقدمه على العلوم فتألمت له فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول).
ونقل الذهبي عن الإمام أبي القاسم صاعد بن أحمد قوله عن ابن حزم (وعني بعلم المنطق وبرع فيه ثم أعرض عنه )
وعلق الذهبي بقوله: ( قلت ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورا وانحرافا عن السنة).
فهذا حال ابن حزم رحمه الله وغفر له ، وأسأل الله أن يحينا على السنة ، وأن يميتنا عليها.

ما اعتمدوا عليه من كلام ابن حزم

قال الإمام ابن حزم في ((المحلى)) (1 / 62، طبعة دار الكتب العلمية):
( و من ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر).
2- وقال في الفصل 4 / 90، طبعة عكاظ:
( و قد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير، ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل، ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك، ثم من لا يعمل خيراً قط إلا شهادة الإسلام، فوجب الوقوف عند النصوص كلها المفسرة للنص المجمل)
3- وقال في كتاب الدّرّة بعد أن ناقش المرجئة في عدم اشتراط النّطق في الإيمان : ( وإنّما لم يكفر من ترك العمل وكفر من ترك القول ، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم حكم بالكفر على من أبى من القول ، وإن كان عالماً بصحّة الإيمان بقلبه ، وحكم بالخروج من النّار لمن علم بقلبه وقال بلسانه وإن لم يعمل خيراً قط ) الدّرّة ص337ـ338 الطّبعة الأولى ، تحقيق أحمد بن ناصر الحمد ورفيقه .
4- وقال في الفصل ج 3 ص 255 :
اعتراضات للمرجئية الطبقات الثلاث المذكورة
قال أبو محمد : إن قال قائل أليس الكفر ضد الإيمان
قلنا وبالله تعالى التوفيق :
إطلاق هذا القول خطأ لأن الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا ، فمن تلك المعاني شيء يكون الكفر ضدا له ومنها ما يكون الفسق ضدا له لا الكفر ومنها ما يكون الترك ضدا له لا الكفر ولا الفسق.
فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان
وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدا له لا الكفر فهو ما كان من الأعمال فرضا فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر
وأما الإيمان الذي يكون الترك له ضدا فهو كل ما كان من الأعمال تطوعا فإن تركه ضد العمل به وليس فسقا ولا كفرا ).
هذه أربعة مواضع تناول فيها ابن حزم مسألة تارك أعمال الجوارح ، استدل الزهراني ( أبو عمر الكناني ) في حواره مع الأخ العبد الكريم بالموضع الأول والثالث منها.
واستدل العنبري - في أصل كتابه - بالموضعين الأول والأخير .( الحاكمية وأصول التكفير 1/133،134 ، 187).
ونقل الأخ أبوجويرية المواضع الثلاثة الأول ، وذلك تحت مقالي : تحرير المقال.
واحتج أبو الهيثم بالموضع الرابع ، كما احتج بكلام البيهقي وابن أبي العز الحنفي وقد مضى التعليق عليهما.
واحتج أبو الحسن السليماني المأربي بكلام ابن حزم دون أن ينقل عبارته ، وقال : (ولعلك تقول إنه جهمي . مدحه ابن تيمية في باب الإيمان ) نقلا عن شريط المناظرة بينه وبين الأخ أمين جعفر.
وقال في "شريط الفرقان في مسألة الإيمان " : "وابن حزم وإن كان في باب الصفات عنده تجهم فهو في باب الإيمان ينصر قول أهل السنة ، وقد مدحه شيخ الإسلام ابن تيمية في باب الإيمان"
والجواب :

أني قدمت في أول هذا المبحث أن الأقوال المخالفة لإجماع السلف لا تخرج عن واحد من أربعة أمور :
الثالث منها : أن يكون قولا نتفق نحن والمخالف على خطئه ، فلا يجوز له الاحتجاج به .
وهذا ينطبق على ما احتجوا به من كلام ابن حزم رحمه الله .
فالمخالف يرى أن زوال عمل القلب موجب لزوال الإيمان ، وأنه لا نجاة لمن لم يأت به القلب ، كما أنه لا نجاة لمن لم يأت بالتصديق .
وابن حزم رحمه الله يرى أن من أتى بالإقرار والتصديق ، وضيع الأعمال كلها أنه مسلم ناج ( تحت المشيئة ). وبيان ذلك من وجوه :
الأول : أنه قال في المحلى : ( و من ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر). وهذا عام في من ضيع عمل الجوارح وعمل القلب ، كما تدل عليه صيغة العموم ( الأعمال ). ومما يؤكد هذا استدلاله على هذه الجملة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " حتى إذا فرغ الله من قضائه بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله عز وجل أن يرحمه ، ممن يقول لا إله إلا الله ". ( المحلى 1/62).
وأكد ذلك في الفصل بقوله : (ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك، ثم من لا يعمل خيراً قط إلا شهادة الإسلام).
الثاني : أنه أكد ذلك أيضا في كتابه الدرة ، حين قال :( وإنّما لم يكفر من ترك العمل وكفر من ترك القول ) . ثم قوله : ( وحكم بالخروج من النّار لمن علم بقلبه وقال بلسانه وإن لم يعمل خيراً قط ).
وهذا صريح في القول بنجاة من أتى بالعلم ( المعرفة أو التصديق ) وقول اللسان ، وإن لم يعمل خيرا قط ، من أعمال القلوب أو الجوارح
الثالث : أنه جعل الكفر في مقابل : الإقرار والاعتقاد الذي هو المعرفة كما سيأتي ، وجعل الفسق في مقابل ترك الأعمال المفروضة ، وهي شاملة لأعمال القلب وأعمال الجوارح: ( فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان.
وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدا له لا الكفر فهو ما كان من الأعمال فرضا فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر ).

والمخالف يقول : إن ترك عمل القلب كفر . فوجب رد هذا الكلام ، وعدم التعويل عليه.
والدليل على أن ابن حزم يريد ب " الاعتقاد " التصديق والمعرفة :
قوله في الفصل 3/227 عند حكاية مذهب أهل السنة :
(وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح).
ثم أعاد حكاية مذهبهم فعبر عن المعرفة بالعقد وبالتصديق :
قال في (3/ 230)
(قال أبو محمد : فإذا سقط كل ما موهت به هذه الطوائف كلها ولم يبق لهم حجة أصلا فلنقل بعون الله عز وجل وتأييده في بسط حجة القول الصحيح الذي هو قول جمهور أهل الإسلام ومذهب الجماعة وأهل السنة وأصحاب الآثار من أن الإيمان عقد وقول وعمل وفي بسط ما أجملناه مما نقدنا به قول المرجئة وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد : أصل الإيمان كما قلنا في اللغة التصديق بالقلب وباللسان معا بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء ألبتة إلا أن الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء ، وأوقعها أيضا تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها، وأوقعها أيضا على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط.
فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به و هو تعالى خالق اللغة وأهلها فهو أملك بتصريفها وإيقاع أسمائها على ما يشاء)
وانظر كلامه الآتي في عدم قبول التصديق للزيادة والنقص ، فقد عبر عن التصديق بالاعتقاد ، وقال ( ولا عدد للاعتقاد ولا كمية ، وإنما الكمية والعدد في الأعمال والأقوال فقط) وذلك بعد قوله : ( والتصديق بالشيء أي شيئ كان لا يمكن ألبتة أن يقع فيه زيادة ولا نقص ... الخ) الفصل 3/232 ، 233

أما قول أبي الحسن المأربي : مدحه ابن تيمية في باب الإيمان
فجوابه أن مدح شيخ الإسلام لابن حزم في مسائل الإيمان والإرجاء لا يعني أن جميع ما قاله ابن حزم في ذلك صواب ، وإنما المقصود أنه أقوم من غيره ، كما صرح شيخ الإسلام.


قال رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/18،19
(وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل إنما يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة .
وكذلك ما ذكره في باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث ويقول إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها ، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمة في القرآن والصفات وإن كان أبو محمد بن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيما له ولأهله من غيره لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى،
وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطن له ، كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق وكما نفى خرق العادات ونحوه من عبادات القلوب مضموما إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ...).
فهو في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره.
ويستحمد بموافقة السنة والحديث في مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء و باب الصفات ، فهو في جميع هذه الأبواب يثبت الأحاديث الصحيحة ، ويعظم السلف وأئمة الحديث ، ويقول إنه موافق للإمام أحمد .
مع أنه في باب الصفات أقل حالا من الأشعري ، بل قوله موافق لقول الفلاسفة والمعتزلة في الحقيقة والمعنى.
وقد أجاد ابن حزم في الرد على الخوارج والمعتزلة والرد على المرجئة والجهمية والأشعرية ، لا سيما في إثبات أن الكفر يكون بالقول وبالفعل ، وإبطال حصره في الجحود والاعتقاد ، لكنه لم يسلم من موافقة المرجئة حين رأى إسلام من ترك عمل القلب !
وهذا ليس غريبا على من يضلل الأشعرية وينتصر لأحمد ، ثم يكونون أقرب إلى أحمد وأهل السنة منه ، ومن يوافق أهل السنة في اللفظ ، ويخالفهم في المعنى .
والحاصل أن ثناء شيخ الإسلام المذكور لا يعني أن جميع ما قاله ابن حزم في باب الإيمان حق وصواب .

وحتى يتضح هذا الأمر رأيت أن أذكر جملة من المسائل التي تبناها ابن حزم في باب الإيمان والرد على المرجئة ، لا يوافقه عليها شيخ الإسلام ، وأكتفي بست مسائل :
1- زعمه أن التصديق لا يزيد ولا ينقص.
2- خطؤه في حكاية مذهب الكرامية في الإيمان.
3- خطؤه في حكاية مذهب الأشعري في الكفر.
4- خطؤه على أبي حنيفة رحمه الله.
5- زعمه أن الإيمان والإسلام شيء واحد.
6- مخالفة شيخ الإسلام له في ما ينسب إلى مقاتل بن سليمان من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب.

وهاك البيان :


1- زعم ابن حزم أن التصديق لا يزيد ولا ينقص :
قال في الفصل 3/232 ، 233
(قال أبو محمد والتصديق بالشيء أي شيء كان لا يمكن البتة أن يقع فيه زيادة ولا نقص وكذلك التصديق بالتوحيد والنبوة لا يمكن ألبتة أن يكون فيه زيادة ولا نقص لأنه لا يخلو كل معتقد بقلبه أو مقر بلسانه بأي شيء أقر أو أي شيء اعتقد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها إما أن يصدق بما اعتقد وأقر وإما أن يكذب بما اعتقد وأما منزلة بينهما وهي الشك فمن المحال أن يكون إنسان مكذبا بما يصدق به ومن المحال أن يشك أحد فيما يصدق به فلم يبق إلا أنه مصدق بما اعتقد بلا شك ولا يجوز أن يكون تصديق واحد أكثر من تصديق آخر لأن أحد التصديقين إذا دخلته داخلة فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه قد خرج عن التصديق ولا بد وحصل في الشك لأن معنى التصديق إنما هو أن يقع ويوقن بصحة وجود ما صدق به ولا سبيل إلى التفاضل في هذه الصفة فإن لم يقطع ولا أيقن بصحته فقد شك فيه فليس مصدقا به وإذا لم يكن مصدقا به فليس مؤمنا به فصح أن الزيادة التي ذكر الله عز وجل في الإيمان ليست في التصديق أصلا ولا في الإعتقاد ألبتة فهي ضرورة في غير التصديق وليس هاهنا إلا الأعمال فقط فصح يقينا أن أعمال البر إيمان بنص القرآن
وكذلك قول الله عز وجل "فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا" وقوله تعالى "الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا" ... والزيادة لا تكون إلا في كمية عدد لا فيما سواه ولا عدد للاعتقاد ولا كمية وإنما الكمية والعدد في الأعمال والأقوال فقط )

وقال في 3/237
(قال أبو محمد : فإذا قد وضح وجود الزيادة في الإيمان بخلاف قول من قال إنه التصديق فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورة ولا بد لأن معنى الزيادة إنما هي عدد مضاف إلى عدد وإذا كان ذلك فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقص عند عدم الزيادة فيه وقد جاء النص بذكر النقص وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور المنقول نقل الكواف أنه قال للنساء "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للرجل الحازم منكن قلن يا رسول الله وما نقصان ديننا قال عليه السلام أليس تقيم المرأة العدد من الأيام والليالي لا تصوم ولا تصلي فهذا نقصان دينها". قال أبو محمد ولو نقص من التصديق شيء لبطل عن أن يكون تصديقا لأن التصديق لا يتبعض أصلا ولصار شكا وبالله تعالى التوفيق.
وهم مقرون بأن امرءا لو لم يصدق بآية من القرآن أو بسورة منه وصدق بسائره لبطل إيمانه فصح أن التصديق لا يتبعض أصلا).

وقال في الفصل (3/262 ، 263) :
(قال أبو محمد: فإن قال قائل: من أين قلتم أن التصديق لا يتفاضل ونحن نجد خضرة أشد خضرة وشجاعة أشد من شجاعة لا سيما والشجاعة والتصديق كيفيات من صفات النفس معا؟
فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أن كل ما قبل من الكيفيات الأشد والأضعف فإنما يقبلها بمزاج يدخله من كيفية أخرى ، ولا يكون ذلك إلا فيما بينه وبين ضده منها وسائط قد تمازج كل واحد من الضدين ، أو فيما جاز امتزاج الضدين فيه ...
إذ لو مازج التصديق غيره لصار كذبا في الوقت ، ولو مازج التصديق شيئا غيره لصار شكا في الوقت وبطل التصديق جملة وبالله تعالى التوفيق.
والإيمان قد قلنا إنه ليس هو التصديق وحده بل أشياء مع التصديق كثيرة فإنما دخل التفاضل في كثرة تلك الأشياء وقلتها وفي كيفية إيرادها وبالله تعالى التوفيق )

فهذه ثلاثة مواضع يقرر فيها ابن حزم أن التصديق لا يزيد ولا ينقص ، وجميعها في كتابه الفصل ، في مسائل الإيمان والرد على المرجئة ، مع قوله في المحلى: إن اليقين لا يتفاضل (1/62).

فهل يقال إن شيخ الإسلام زكى جميع ما قاله ابن حزم في هذا الباب ؟!

2- خطؤه في حكاية مذهب الكرامية في الإيمان.

قال في الفصل 3/227
(وذهب قوم إلى أن الإيمان هو إقرار باللسان بالله تعالى وإن اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه).
وقال في الفصل 5/73
( قال أبو محمد : غلاة المرجئة طائفتان إحداهما الطائفة القائلة : بان الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله تعالى ، ولي لله عز وجل من أهل الجنة ، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه وهم بخرسان وبيت المقدس).
وهذا يعني أنهم يقولون بنجاة المنافق ودخوله الجنة ، وهذا خطأ عليهم.
قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصفهانية ص 182
(وآخر الأقوال حدوثا في ذلك قول الكرامية إن الإيمان اسم للقول باللسان وإن لم يكن معه اعتقاد القلب ، وهذا القول أفسد الأقوال لكن أصحابه لا يخالفون في الحكم فإنهم يقولون إن هذا الإيمان باللسان دون القلب هو إيمان المنافقين وأنه لا ينفع في الآخرة).
وقال في مجموع الفتاوى 7/215،216
(فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمنا فى الباطن بإتفاق جميع أهل القبلة، حتى الكرامية الذين يسمون المنافق مؤمنا ، ويقولون الإيمان هو الكلمة يقولون: إنه لا ينفع فى الآخرة إلا الإيمان الباطن.
وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة ، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا فى الإسم لا فى الحكم بسبب شبهة المرجئة فى أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل).
وقال في 7/394
(مع أن الكرامية لا تنكر وجوب المعرفة والتصديق ولكن تقول : لا يدخل فى اسم الإيمان حذرا من تبعضه وتعدده ؛ لأنهم رأوا أنه لا يمكن أن يذهب بعضه ويبقى بعضه).
وقال في 7/141
( والكرامية يقولون : المنافق مؤمن وهو مخلد في النار؛ لأنه آمن ظاهرا لا باطنا وإنما يدخل الجنة من آمن ظاهرا وباطنا . قالوا : والدليل على شمول الإيمان له أنه يدخل في الأحكام الدينية المتعلقة باسم الإيمان كقوله تعالى : " فتحرير رقبة مؤمنة " ... و الكرامية توافق المرجئة والجهمية في أن إيمان الناس كلهم سواء ولا يستثنون في الإيمان ، بل يقولون : هو مؤمن حقا لمن أظهر الإيمان وإذا كان منافقا فهو مخلد في النار عندهم ، فإنه إنما يدخل الجنة من آمن باطنا وظاهرا ، ومن حكى عنهم أنهم يقولون : المنافق يدخل الجنة ، فقد كذب عليهم بل يقولون : المنافق مؤمن لأن الإيمان هو القول الظاهر كما يسميه غيرهم مسلما إذ الإسلام هو الاستسلام الظاهر)
وقال شيخ الإسلام ( 7/475)
(ولا يسمون [يعني المنافقين] بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها ولا عند أحد من طوائف المسلمين إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق فى الظاهر ، فإذا فعل ذلك كان مؤمنا وان كان مكذبا في الباطن ، وسلموا أنه معذب مخلد فى الآخرة فنازعوا في اسمه لا في حكمه ، ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة ، وهو غلط عليهم ، ومع هذا فتسميتهم له مؤمنا بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ، وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم).
وكأن شيخ الإسلام رحمه الله يشير إلى غلط ابن حزم فيما حكاه عن الكرامية.
ثم رأينا ابن حزم يجعل القول بنجاة المنافقين لازما لقول الكرامية ، وهذا تناقض منه رحمه الله ، فإنه جعله أولا من قولهم ، ثم عاد فجعله لازما ، وفرق بيتن القول ، وما يلزم منه.
قال في الفصل 3 /249
(قال أبو محمد ويلزمهم أن المنافقين مؤمنون لإقراهم بالإيمان بألسنتهم وهذا قول مخرج عن الإسلام وقد قال تعالى " إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا" ...).
والصواب أن الكرامية لا يقولون بذلك ، ولا يلتزمون هذا اللازم.

3- خطؤه في حكاية مذهب الأشعري في الكفر :

قال ابن حزم في الفصل 3/227
( كتاب الإيمان والكفر والطاعات والمعاصي والوعد والوعيد .
قال أبو محمد : اختلف الناس في ماهية الإيمان ، فذهب قوم إلى أن الإيمان إنما هو معرفة الله تعالى بالقلب فقط وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته فإذا عرف الله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي الحسن الأشعري البصري وأصحابهما).
وقال في الفصل ( 5/73) :
(والثانية الطائفة القائلة إن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ولي لله عز وجل من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسب كاتب الحارث بن سريج التميمي أيام قيامه على نصر بن سيار بخراسان وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي اليسر الأشعري البصري وأصحابهما).

قلت : التسوية بين الجهم بن صفوان وأبي الحسن الاشعري هنا خطأ مخالف لما قرره شيخ الإسلام في مواضع.
فالأشعري وإن نصر قول جهم في الإيمان - في أحد قوليه - إلا أنه لا يجعل من أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه مؤمنا من أهل الجنة .
بل يقول : إن ما يظهر من ذلك دليل على كفر الباطن .
قال شيخ الإسلام في (7/120) :
(فصل: وأبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في " الإيمان " مع أنه نصر المشهور عن أهل السنة من أنه يستثني في الإيمان فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله )
إلى أن قال : (7/149) :
(قال أبو الحسن : ثم السمع ورد بضم شرائط أخر إليه وهو أن لا يقترن به ما يدل على كفر من يأتيه فعلا وتركا ، وهو أن الشرع أمره بترك العبادة والسجود للصنم ، فلو أتى به دل على كفره ، وكذلك من قتل نبيا أو استخف به دل على كفره وكذلك لو ترك تعظيم المصحف أو الكعبة دل على كفره ).
وقال شيخ الإسلام : (7/510) :
(وقال أبو عبد الله الصالحي : إن الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته لكن له لوازم فإذا ذهبت دل ذلك على عدم تصديق القلب وإن كل قول أو عمل ظاهر دل الشرع على أنه كفر كان ذلك لأنه دليل على عدم تصديق القلب ومعرفته، وليس الكفر إلا تلك الخصلة الواحدة، وليس الإيمان إلا مجرد التصديق الذي في القلب والمعرفة ، وهذا أشهر قولي أبي الحسن الأشعري وعليه أصحابه كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي وأمثالهما ولهذا عدهم أهل المقالات من " المرجئة " والقول الآخر عنه كقول السلف وأهل الحديث : إن الإيمان قول وعمل، وهو اختيار طائفة من أصحابه ومع هذا فهو وجمهور أصحابه على قول أهل الحديث في الاستثناء في الإيمان).

وقال شيخ الإسلام في ( 7/146) :
(والحذاق في هذا المذهب : كأبي الحسن والقاضي ومن قبلهم من أتباع جهم عرفوا أن هذا تناقض يفسد الأصل فقالوا : لا يكون أحد كافرا إلا إذا ذهب ما في قلبه من التصديق والتزموا أن كل من حكم الشرع بكفره : فإنه ليس في قلبه شيء من معرفة الله ولا معرفة رسوله ولهذا أنكر هذا عليهم جماهير العقلاء وقالوا : هذا مكابرة وسفسطة ).

أما جهم بن صفوان فقد التزم أن من قال الكفر أو فعله أنه كافر في الظاهر ، مؤمن في الباطن ، ولهذا فهو من أهل الجنة .
قال شيخ الإسلام في ( 7/401 ، 402) :
(قال أحمد : ويلزمه أن يقول : هو مؤمن بإقراره وإن أقر بالزكاة في الجملة ولم يجد في كل مائتي درهم خمسة أنه مؤمن فيلزمه أن يقول : إذا أقر ثم شد الزنار في وسطه وصلى للصليب وأتى الكنائس والبيع وعمل الكبائر كلها إلا أنه في ذلك مقر بالله ، فيلزمه أن يكون عنده مؤمنا ، وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم .
قلت : هذا الذي ذكره الإمام أحمد من أحسن ما احتج الناس به عليهم جمع في ذلك جملا يقول غيره بعضها ، وهذا الإلزام لا محيد لهم عنه ، ولهذا لما عرف متكلمهم مثل جهم ومن وافقه أنه لازم التزموه ، وقالوا : لو فعل ما فعل من الأفعال الظاهرة لم يكن بذلك كافرا في الباطن لكن يكون دليلا على الكفر في أحكام الدنيا . فإذا احتج عليهم بنصوص تقتضي أنه يكون كافرا في الآخرة . قالوا : فهذه النصوص تدل على أنه في الباطن ليس معه من معرفة الله شيء فإنها عندهم شيء واحد فخالفوا صريح المعقول وصريح الشرع ).


4- خطؤه على أبي حنيفة رحمه الله:

ذكر ابن حزم أقوال الناس في الإيمان ، فعرض قول الجهمية والكرامية وقول أبي حنيفة ، وقول أهل السنة . ثم ذكر قول محمد بن زياد الحريري الكوفي ، وهو :
( من آمن بالله عز وجل ، وكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس مؤمنا على الإطلاق ، ولكنه مؤمن كافر معا ؛ لأنه آمن بالله تعالى ، فهو مؤمن ، وكافر بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر). الفصل 3/227

ثم قال ابن حزم في الفصل 3/229
(قال أبو محمد وقول محمد بن زياد الحريري لازم لهذه الطوائف كلها لا ينفكون عنه على مقتضى اللغة وموجبها ، وهو قول لم يختلف مسلمان في أنه كفر مجرد وأنه خلاف للقرآن كما ذكرنا).
قلت : أخطأ ابن حزم رحمه الله ، فإن هذا القول لا يلزم أبا حنيفة قطعا ، وإنما يلزم جهما القائل بأن الإيمان هو معرفة القلب وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر.
5- زعمه أن الإيمان والإسلام شيء واحد .
قال في المحلى ( 1/59)
( مسألة: الإيمان والإسلام شيء واحد ، قال عز وجل " فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " وقال " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامك بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين".). وانظر الفصل 3/296
وهذا القول ينتقده شيخ الإسلام ، ويراه قولا متطرفا مخالفا لما دل عليه الكتاب والسنة.
قال شيخ الاسلام 7/414
(ولهذا صار الناس فى الإيمان والإسلام على ثلاثة أقوال :
فالمرجئة يقولون الإسلام أفضل فإنه يدخل فيه الإيمان. وآخرون يقولون: الإيمان والإسلام سواء ، وهم المعتزلة والخوارج وطائفة من أهل الحديث والسنة ، وحكاه محمد بن نصر عن جمهورهم، وليس كذلك.
والقول الثالث: أن الإيمان أكمل وأفضل ، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة فى غير موضع، وهو المأثورعن الصحابة والتابعين لهم بإحسان. )

وقال ( 7/375)
(و المقصود هنا أن هنا قولين متطرفين: قول من يقول: الإسلام مجرد الكلمة والأعمال الظاهرة ليست داخلة فى مسمى الإسلام ، وقول من يقول : مسمى الإسلام والإيمان واحد، وكلاهما قول ضعيف مخالف لحديث جبريل وسائر أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما نصر محمد بن نصر المروزى القول الثانى لم يكن معه حجة على صحته).
6- مخالفة شيخ الإسلام له في ما ينسب إلى مقاتل بن سليمان من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب.
قال ابن حزم في الفصل 5/74
(وقال مقاتل ابن سليمان وكان من كبار المرجئة : لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلا، ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلا).

قلت : أما شيخ الإسلام فيرى أن الأشبه أن هذا كذب على مقاتل.
قال في شرح الأصفهانية ص 182
(وكثير من المرجئة والجهمية من يقف في الوعيد فلا يجزم بنفوذ الوعيد في حق أحد من أرباب الكبائر كما قال ذلك من قاله من مرجئة الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره. ويذكرعن غلاتهم أنهم نفوا الوعيد بالكلية ، لكن لا أعلم معينا معروفا أذكر عنه هذا القول، ولكن حكي هذا عن مقاتل بن سليمان والأشبه أنه كذب عليه).
وقال في مجموع الفتاوى 7/181
(وهذا قد يكون قول الغالية الذين يقولون لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد لكن ما علمت معينا أحكي عنه هذا القول ، وإنما الناس يحكونه فى الكتب ولا يعينون قائله، وقد يكون قول من لا خلاق له فان كثيرا من الفساق والمنافقين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب أو مع التوحيد ، وبعض كلام الرادين على المرجئة وصفهم بهذا).
فهذه ستة مواضع يخالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية ابن حزم ، وجميعها ذكر في باب الإيمان وفي الرد على المرجئة .
وهذا يؤكد ما قلته من أن ثناء شيخ الإسلام هو على سبيل الإجمال والتغليب ، ولا يعني صحة جميع ما ذكره في هذا الباب . والله أعلم.

أبو أسامه الشامي
06-05-2007, 11:17 PM
توضيح ما اعتمدوا عليه من كلام البيهقي رحمه الله


وقبل ذكر كلام البيهقي والتعليق عليه ، أرى ضرورة التعريف بمنهج البيهقي في أبواب الاعتقاد الأخرى، فقد يُظن من خلال استشهاد بعض " السلفيين " بكلامه في الإيمان أنه سلفي المعتقد . والحقيقة أنه أحد أئمة الأشاعرة الذين كان لهم جهود عظيمة في خدمة ودعم المذهب الأشعري ، وقد ( تحولت معرفته في الحديث وإمامته فيه إلى خدمة أهل التأويل - كما يقول الدكتورالمحود - لا إلى خدمة مذهب أهل الحديث والسنة ، وهذا في باب العقائد دون الأحكام). ( موقف ابن تيمية من الأشاعرة 2/585).
( فالبيهقي مجدد المذهب الشافعي في الفقه ، وأحد أعلام المحدثين ، كان له دور في ربط المذهب الأشعري بالفقه الشافعي ، ثم في دعم الأشاعرة من خلال حرصه على الحديث وروايته ، ولبيان أن ذلك لا يخالف منهج الأشاعرة الكلامي.
والقشيري أدخل التصوف في منهج وعقائد الأشاعرة.
والجويني خطا خطوات بالمذهب نحو الاعتزال ) . موقف ابن تيمية من الاشاعرة 2/580.
وقال حفظه الله (2/584) : ( وعلى هذا فالبيهقي ألف كتابه [ الأسماء والصفات ] استجابة لطلب أستاذه خدمة للمذهب الأشعري - الذي كان أحد أعلامه - ولذلك حشاه بالنقول من أقوالهم وتأويلاتهم إضافة إلى تأويلاته هو ، وما أدري ما قصد البيهقي بقوله السابق : " لما في الأحاديث المخرجة فيه من العون على ما كان فيه من نصر السنة وقمع البدعة " ، وهل يقصد بدعة التعطيل أو بدعة الإثبات ورفض التأويل التي يسمونها تجسيما أو تشبيها ؟!
الذي يترجح من خلال معرفة حال شيخ الجميع ابن فورك ، وتلميذه أبي منصور الأيوبي [ الذي أوصى البيهقي بتأليف كتابه] وحال البيهقي في تأويلاته في كتابه هذا أنه قصد قمع بدعة الإثبات التي يزعمون أن فيها تشبيها، والله أعلم).
وقد ضرب الشيخ أمثلة بين من خلالها سير البيهقي على منهج المتكلمين في التعامل مع جملة من الأحاديث الصحيحة المثبتة للصفات ، وخروجه عما يليق به كمحدث ، وأشار إلى اعتماده على أقوال جماعة من كبار الأشاعرة ، ودفاعه عن علم الكلام ، ومشاركته العملية في الفتنة التي وقعت على الأشاعرة ، ولخص موقف الأشعري من جمل اعتقاد السلف بقوله ( 2/589) :
( ومما ينبغي ملاحظته أن البيهقي مع أقواله الموافقة لمذهب الأشاعرة في مسائل حدوث الأجسام ، وحلول الحوادث ، وتأويل الاستواء والنزول والمجي والضحك والعجب ، ونفيه للعلو ( الجهة ) وتأويله للقدم والأصابع وغيرها ، إلا أنه قال بإثبات الوجه واليدين والعين بلا تأويل ، فهو بذلك قد خالف شيخه البغدادي ).
وقد قام الدكتور أحمد بن عطية الغامدي حفظه الله بدراسة وافية عن البيهقي وموقفه من الإلهيات نال بها درجة الدكتوراة من جامعة الملك عبد العزيز ، خلص فيها إلى نتائج مهمة ، منها :
( 3- أنه سلك في الاستدلال طريقة السلف ، وخالفهم في كثير من المسائل عند التطبيق لذلك الاستدلال .
4- انه اختار في استدلاله على وجود الله تعالى طريقة القرآن الكريم وهو أمر اتفق فيه مع السلف ، إلا أنه وافق أصحابه الأشاعرة في الاستدلال بالجواهر والأعراض على حدوث العالم زاعما صحة هذا الاستدلال لأنه في نظره استدلال شرعي وأيده بطريقة إبراهيم عليه السلام ، فبينت مخالفة ذلك لمذهب السلف ، وفساد تصورهم أنها طريقة إبراهيم عليه السلام.
7- انه اتفق مع السلف في إثبات الصفات العقلية بنوعيها [ صفات الذات العقلية كالحياة والقدرة والعلم والسمع، وصفات الفعل العقلية كالخلق والرزق والإحياء ] وفي طريقة الاستدلال على ذلك الإثبات.
8- عدم موافقته للسلف في القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى بمعنى أنه سبحانه يفعل متى شاء كيف شاء ، لذلك قال بقدم جميع صفات الذات العقلية وعدم حدوث شيء منها ، وأوضحت أن الصحيح في ذلك ما ذهب إليه السلف من القول بأنها قديمة النوع حادثة الآحاد.
9- مخالفته للسلف في نفيه تسلسل الحوادث في جانب الماضي ، ولذلك رأيناه يقول بحدوث صفات الفعل العقلية ، إلا أنني بينت خطأه فيما ذهب إليه ، وصحة مذهب السلف القائل بأن الله فعال لما يريد أزلا وأبدا.
10- ان البيهقي وافق السلف فيما أثبته من صفات الذات الخبرية وخالفهم في تأويل ما بقي منها ، حيث أثبت اليدين والوجه والعينين وأول ما سوى ذلك. [ كاليمين والكف والأصابع والساق والقدم ، لأنها ثابتة بخبر الآحاد وظاهرها يفضي إلى التشبيه !!!].
11- مخالفته للسلف في صفات الفعل الخبرية ، حيث ذهب إلى تأويل بعضها ، وتفويض بعضها الآخر ، زاعما أن التفويض في ما فوض فيه هو مذهب السلف. وقد بينت فساد قول من نسب التفويض والتأويل إلى السلف ، مبينا أن مذهب السلف هو الإثبات الحقيقي لجميع الصفات إثباتا لا تأويل فيه ولا تفويض ولا تشبيه.
12- ان البيهقي يختلف مع السلف في جميع ما يتعلق بصفة الكلام التي أثبتها ، من القول بأن الكلام نفسي قديم وأنه بدون حرف ولا صوت وأنه معنى واحد . وقد ناقشته في جميع هذه المسائل وبينت خطأ ما ذهب إليه وصحة مذهب السلف. وبينت أن رأيه في كلام الله تعالى هو عين مذهب أصحابه الأشاعرة ، وأن حقيقة مذهبهم في القرآن لا يختلف عن مذهب المعتزلة إلا بنفيهم أن يكون هذا القرآن الذي نقرأه هو كلام الله الحقيقي.
13- اتفاقه مع السلف فيما يتعلق بمسألة الرؤية من القول بإثباتها للمؤمنين يوم القيامة ، إلا أنه خالفهم بنفي الجهة مستدلا بحديث الرؤية ، وقد بينت فساد استدلاله به ، وصحة استدلال السلف.
14- انه يقول بعدم تأثير قدرة العبد في فعله ، وبينت أنه بذلك يوافق الأشاعرة القائلين بالكسب ، الذي لا حقيقة له ، ويخالف السلف لقولهم بتأثير قدرة العبد في فعله.
15- انه ينفي تأثير الأسباب في مسبباتها ، وهو مذهب الأشاعرة ، وقد بينت فساد هذا الرأي أيضا ومخالفته للنصوص الشرعية المثبتة لذلك.).
انتهى من ( البيهقي وموقفه من الإلهيات للدكتور أحمد بن عطية الغامدي ) ص 331 - 333 ، وما بين المعكوفتين [ ] هو من كلامي للتوضيح.
وبعد : فها هو البيهقي يخالف السلف في جل مسائل الإلهيات ، فهل سيوافقهم في الإيمان ؟
هذا ما ستعرفه قريبا إن شاء الله.
نص كلام البيهقي :
قال البيهقي رحمه الله فـي كتابه الاعتقاد ص 95 :
( باب القول في الإيمان
قال الله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا ).
فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال التي بعضها يقع في القلب وبعضها باللسان وبعضها بهما وسائر البدن وبعضها بهما أو بأحدهما وبالمال ، وفيما ذكر الله في هذه الأعمال تنبيه على ما لم يذكره ، وأخبر بزيادة إيمانهم بتلاوة آياته عليهم ، وفي كل ذلك دلالة على أن هذه الأعمال وما نبه بها عليه من جوامع الإيمان ، وأن الإيمان يزيد وينقص ، وإذا قبل الزيادة قبل النقصان.
وبهذه الآية وما في معناها من الكتاب والسنة ذهب أكثر أصحاب الحديث إلى أن اسم الإيمان يجمع الطاعات فرضها ونفلها ،
وأنها على ثلاثة أقسام :
فقسم يكفر بتركه ؛ وهو اعتقاد ما يجب اعتقاده ، والإقرار بما اعتقده .
وقسم يفسق بتركه أو يعصي ولا يكفر به إذا لم يجحده ؛ وهو مفروض الطاعات كالصلاة والزكاة والصيام والحج واجتناب المحارم .
وقسم يكون بتركه مخطئا للأفضل غير فاسق ولا كافر ؛ وهو ما يكون من العبادات تطوعا ). انتهى ما نقلوه .
وتتمته : قال البيهقي :
( واختلفوا في كيفية تسمية جميع ذلك إيمانا ، منهم من قال : جميع ذلك إيمان بالله تبارك وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، لأن الإيمان في اللغة هو التصديق ، وكل طاعة تصديق لأن أحدا لا يطيع من لا يثبت أمره.
ومنهم من قال : الاعتقاد دون الإقرار إيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ،
وبسائر الطاعات إيمان لله ورسوله ، فيكون التصديق بالله وإثباته والاعتراف بوجوده ، والتصديق له : قبول شرائعه واتباع فراضه على أنها صواب وحكمة وعدل .
وكذلك التصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والتصديق له .
فقد ذكرنا بيانه ودليله في كتاب الإيمان ، وفي كتاب الجامع ، ونحن نذكر ههنا طرفا من ذلك ). ثم ساق بعض الأدلة على أن العمل من الإيمان.
التوضيح : قد يعجب القارئ من حرصي على إكمال كلام البيهقي رحمه الله ، وربما رأى هذا تطويلا لا فائدة منه .
وأكاد أجزم بأن من يستشهد بكلام البيهقي هذا لا يدرك مراد البيهقي وتفريقه بين : الإيمان بالله ، والإيمان لله.
والتصديق بالله ، والتصديق لله .
والتصديق بالرسول ، والتصديق له .
ولو أدرك ذلك لما سوغ لنفسه أن يستشهد بهذا الكلام.
لقد ذكر البيهقي قولين في السبب الذي لأجله سمي الاعتقاد والإقرار والعمل إيمانا. والقول الثاني هو الذي تبناه البيهقي واقتصر عليه في كتابه الجامع لشعب الإيمان .
والنسخة التي لدي من كتاب الاعتقاد مشتملة على جملة من الأخطاء ، لكنها تدرك بتأمل يسير .
فقوله : (الاعتقاد دون الإقرار إيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ) ، صوابها : الاعتقاد والإقرار إيمان بالله وبرسوله.
وقوله: ( فيكون التصديق بالله وإثباته والاعتراف بوجوده)
صوابها : فيكون التصديق بالله : إثباته والاعتراف بوجوده .
ويدل على ذلك أمران : سياق كلامه ، وعبارته في الجامع لشعب الإيمان .
إن البيهقي - باختصار - يرى أن عمل القلب وعمل الجوارح إيمان لله ، وليس إيمانا بالله ، ورتب على ذلك أن ترك العملين ( عمل القلب والبدن ) ليس كفرا !
وأن الكفر إنما يقابل الإيمان بالله ، لا الإيمان لله .
وأعلم أنه ربما ضاق صدرك من هذا الكلام ، فلعله لم يطرق سمعك من قبل ، لكن هذا هو رأي البيهقي ومذهبه ، علم ذلك من علم ، وجهله من جهل ، حتى روج له ، وزينه ، ولوث به عقول الأتباع السائرين خلفه ، فاللهم رحماك.
لقد كنت أرجح أن مراد البيهقي ب " الاعتقاد " الذي يكفر تاركه ، كما يكفر تارك الإقرار ، هو التصديق فقط ، دون عمل القلب . ثم وقفت على تصريح للبيهقي بذلك ، لا يدع مجالا للشك أو التردد في الجزم بهذه الحقيقة .
لقد فصل البيهقي معتقده وبينه في كتابه الجامع لشعب الإيمان ، وكان وفيا حين قال في كتابه الاعتقاد : ( فقد ذكرنا بيانه ، ودليله ، في كتاب الإيمان ، وفي كتاب الجامع).
وقد اعتمد البيهقي في معظم كتابه الجامع على ما كتبه أبو عبد الله الحليمي في منهاجه ، كما بين هو في مقدمته ، حيث قال : ( فاقتديت به في تقسيم الأحاديث على الأبواب ، وحكيت من كلامه عليها ما تبين به المقصود من كل باب ؛ إلا أنه رضي الله عنه اقتصر في ذلك على ذكر المتون ، وحذف الإسناد تحريا للاختصار ؛ وأنا على رسم أهل الحديث أحب إيراد ما أحتاج إليه من المسانيد والحكايات بأسانيدها ...).
فتعال أخي لترى كلام البيهقي أو كلام الحليمي في الجامع لشعب الإيمان :
قال ( 1/104-107) :
( فالإيمان بالله عز وجل ثناؤه : إثباته والاعتراف بوجوده .
والإيمان له : القبول عنه والطاعة له.
والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم : إثباته والاعتراف بنبوته.
والإيمان للنبي صلى الله عليه وسلم : اتباعه وموافقته والطاعة له.
ثم إن التصديق الذي هو معنى الإيمان بالله وبرسوله منقسم :
فيكون منه ما يخفى وينكتم : وهو الواقع منه بالقلب ، ويسمى اعتقادا.
ويكون منه ما ينجلي ويظهر ، وهو الواقع باللسان ، ويسمى إقرارا وشهادة).

وهذا يوضح بجلاء أنه يطلق " الاعتقاد " على التصديق ، دون عمل القلب ، لأنه سيذكر عمل القلب بعد ذلك مبينا أنه إيمان لله ولرسوله.
أما الإيمان بالله وبرسوله : فهو اعتقاد وإقرار ، أو تصديق باطن ، وتصديق ظاهر.
ثم قال عقب ذلك : ( وكذلك الإيمان لله ولرسوله ينقسم إلى جلي وخفي :
والخفي منه : هو النيات والعزائم التي لا تجوز العبادات إلا بها ، واعتقاد الواجب واجبا ، والمباح مباحا ، والرخصة رخصة ، والمحظور محظورا ، والعبادة عبادة ، والحد حدا ، ونحو ذلك.
والجلي منها : ما يقام بالجوارح إقامة ظاهرة ، وهو عدة أمور :
منها الطهارة ، ومنها الصلاة ، ومنها الزكاة ، ومنها الصيام ، ومنها الحج والعمرة ، ومنها الجهاد في سبيل الله . وأمور سواها ستذكر في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وكل ذلك إيمان وإسلام ، وطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه إيمان لله ، بمعنى أنه عبادة له ، وإيمان للرسول بمعنى أنه قبول عنه ، دون أن يكون عبادة له ؛ إذ العبادة لا تجوز إلا لله عز وجل.
قال [ الحليمي ]:
والإيمان بالله ورسوله أصل ، وهو الذي ينقل من الكفر .
والإيمان لله ورسوله فرع ، وهو الذي يكمل بكماله الإيمان ، وينقص بنقصانه الإيمان.
ومعنى هذا أن أصل الإيمان إذا حصل ، ثم تبعته طاعة زائدة : زاد الإيمان المتقدم بها، لأنه إيمان انضم إليه إيمان كان يقتضيه.
ثم إذا تبعت تلك الطاعة طاعة أخرى ازداد الأصل المتقدم والطاعة التي تليه بها ، وعلى هذا إلى أن تكمل شعب الإيمان.
قال : ونقصان الإيمان : هو انفراد أصله عن بعض فروعه ، أو انفراد أصله وبعض فروعه عما بقي منها مما اشتمل عليه الخطاب والتكليف ، لأن النقصان خلاف الزيادة . [ وظاهر هذا أن التصديق لا يدخله النقص]
فإذا قيل لمن آمن وصلى : زاد إيمانه ، وجب أن يقال لمن آمن ووجبت عليه الصلاة فلم يصل إنه ناقص الإيمان ، وأنه صار بتركها مع القدرة عليها فاسقا عاصيا وعلى هذا سائر الأركان.
فأما ما يتطوع به الإنسان مما ليس بواجب عليه بمعنى تصديق العقد والقول بالفعل موجود فيه فيزداد به الإيمان ، وتركه بالإضافة إلى من لم يتركه يجوز أن يسمى نقصانا، لكن لا يوجب لتاركه عصيانا هذا معنى قوله.
قال: وإذا أوجبنا أن تكون الطاعات كلها إيمانا لم نوجب أن تكون المعاصي الواقعة من المؤمنين كفرا ، وذلك أن الكفر بالله أو برسوله مقابل للإيمان به ،
فإذا كان الإيمان بالله وبرسوله : الاعتراف به والإثبات له، كان الكفر جحوده والنفي له والتكذيب .
وأما الأعمال فإنها إيمان لله وللرسول بعد وجود الإيمان به ، والمراد به إقامة الطاعة على شرط الاعتراف المتقدم فكان الذي يقابله هو الشقاق والعصيان دون الكفر.
وقد ذكرت في كتاب الإيمان من الأخبار والآثار ما يكشف عن صحة هذه الجملة وأنا أشير في هذا الكتاب إلى طرق منها ، بمشيئة الله عز وجل.
باب الدليل على أن التصديق بالقلب والإقرار باللسان أصل الإيمان وأن كليهما شرط في النقل عن الكفر عند عدم العجز).
انتهى كلام البيهقي رحمه الله ، وحاصل الجواب عنه :
1- أن كلامه في كتاب الاعتقاد مما نتفق نحن والمخالف على رده ، لأنه جعل الكفر في ترك الإقرار والاعتقاد فقط ، وقد تبين أن مراده بالاعتقاد : تصديق القلب دون عمله.
والمخالف يقول : إن ترك عمل القلب كفر . فوجب رد كلام البيهقي هذا ، وعدم التعويل عليه.
2- أن ما قرره في كتابه الجامع لشعب الإيمان لا يختلف عما في كتابه الاعتقاد ، بل هو شرح له وزيادة تفصيل . وهو صريح في التفريق بين الإيمان بالله ورسوله ، والإيمان لله ورسوله ، فالأول هو التصديق والإقرار وهذا الذي يقابله الكفر.
أما الثاني ( الإيمان لله وللرسول ) فهو عمل القلب من النيات والعزائم ، وعمل الجوارح ، وهذا يقابله الشقاق والعصيان دون الكفر.
ورغم وضوح كلام البيهقي في كتابه الجامع ، وظهور مراده ، رأينا من يستشهد بكلامه ، بل من يزعم أنه حرر مذهب أهل السنة أيما تحرير !!
قال أبو الحسن المأربي في مناظرته للأخ أمين جعفر :
( الإمام البيهقي في كتاب جامع شعب الإيمان وفي كتاب الاعتقاد حرر مذهب أهل السنة أيما تحرير ، رد على الأشعرية . رد على الجهمية . رد على الصالحي . أبو الحسين الصالحي . رد على مرجئة الفقهاء . رد على الكرامية . فمن أين ينسب له القول أنه وافق التمشعر في باب الإيمان ). انتهى نقلا عن شريط المناظرة [ الوجه الثاني ] .
فهل من قول أهل السنة أن ترك عمل القلب يقابله الشقاق والعصيان دون الكفر ؟!
وهل التفريق بين الإيمان بالله ، والإيمان لله من كلام أهل السنة ؟!
وقائل هذا ، هل وافق أهل السنة ؟؟ فضلا عن أن يقال إنه حرر مذهب أهل السنة ؟؟؟!!!
وأما أنه رد على الأشعرية في باب الإيمان ، فهذه تحتاج إلى وقفة طويلة - وهذا خارج عن محل البحث - يظهر فيها حقيقة المذهب الأشعري في مسألة الإيمان ، وبيان الفرق بين منهج متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم ، وعلاقة الجميع بالإرجاء أو التجهم ، وموقفهم الحقيقي من زيادة الإيمان ونقصانه ، وهل كان البيهقي يمثل مرحلة من مراحل تطور المذهب أم أن المسألة اختلاف في التعبير ، وفي الجرأة والشجاعة .
وأحب أن أعلق هنا تعليقا يسيرا على موقف أبي الحسن المأربي في هذه المسألة ، وقد وعدت سابقا بكتابة تعليق موسع.
أقول : إن صح ما نشر عن أبي الحسن من أنه يرى تقسيم عمل الجوارح إلى أصول وفروع ، وأن تارك أصول عمل الجوارح كافر ، فإنه لا يفيده شيئا أن يتعلق بكلام البيهقي ولا ابن حزم ، بل ولا جميع ما اشتبه على غيره من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، مما نقله الزهراني أو العنبري أو عدنان .
لأن كلام هؤلاء - حقيقة أو مع الاشتباه - يدل على حصول النجاة بالاعتقاد والإقرار دون أي عمل من أعمال الجوارح ، بلا تفريق بين أصول هذا العمل أو فروعه .
فليس أمامه إلا أن يقف موقفنا من هذه النقول ، وأن يستدل بما نستدل به من الإجماع على عدم إجزاء القول والاعتقاد دون عمل الجوارح ، ثم يسعى بعدُ إلى إقامة البرهان على أن المراد : أصول عمل الجوارح ، حسب تحديده لهذا المصطلح .
وهذا الكلام ينطبق عليه وعلى من دافع عن رأيه وانتصر له - كما رأينا في بعض ساحات الحوار - .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عبد القادر الاثري
02-10-2009, 02:49 AM
المدخلي مرجئ قح

عمر الاثري
11-07-2011, 06:20 PM
يرفع للتذكير ودحض شبهات القوم

أبو المعالي الأثري
12-01-2012, 12:04 AM
للفائدة المأربي في الإيمان مر بمراحل عديده وهي كتالي :
كان يقول أن رأيه في تارك عمل الجوارح يتعلق بالصلاة فإذا كفر تارك الصلاة فإنه سيكفر تارك عمل الجوارح وأنه سيبحث تارك الصلاة وفي هذه المرحلة كان يدافع وبقوة على من لم يكفر تارك عمل الجوارح
بعدها بحث حكم تارك الصلاة وهو يميل إلى عدم التكفير فألف كتابه حكم تارك الصلاة ورجح الكفر وبناء على هذا كفر تارك عمل الجوار ثم تطور وسأله الخراشي في موقع الكاشف فصرح أنه يكفر تارك عمل الجوار كحكم مستقل وا، هذا هو الصحيح حتى وأن لم يكفر تارك الصلاة
الشاهد أن أباالحسن أضطرب كثيرا واستقر على هذا وهو على ضلاله وانحرافه أفضل من القوم في هذه المسألة

12d8c7a34f47c2e9d3==