المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقوال أهل العلم في الخليفة العباسي هارون الرشيد-رحمه الله-(نرجوا من الاخوه الاضافة)


كيف حالك ؟

ميرزا حسن
04-27-2007, 12:40 AM
أقوال أهل العلم في هارون الرشيد-رحمه الله-



جاء فيما بين ص24/ق و 25/ق وما بعدهما من مقدمة «سنن الإمام سعيد بن منصور ت 227هـ» قال المحقق هناك «وكان هارون من أميز الخلفاء وأجل ملوك الدنيا ذا شجاعة ورأي، كثير الغزو والحج والصلاة والصدقة محباً للعلم وأهله معظماً لحرمات الإسلام مبغضاً للمراء والجدل في الدين والكلام في معارضة النص، وكان يبكي على نفسه ولهوه وذنوبه لاسيما إذا وعظ» البداية والنهاية «10/160» «دخل عليه مرة ابن السماك الواعظ فبالغ في إجلاله، فقال له ابن السماك، تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعظه «فأبكاه» «2،3،4،5» «سير أعلام النبلاء «9/278 -289» و «تاريخ الخلفاء «ص 452-454» «وقال عبدالرزاق: كنت مع الفضيل بمكة، فمر هارون، فقال فضيل: الناس يكرهون هذا، وما في الارض من أعز علي منه، لو مات لرأيت أموراً عظاماً» المصدر السابق «سير أعلام النبلاء»


«وقال عمار الواسطي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس تموت أشد عليَّ موتاً من أمير المؤمنين هارون، ولوددت ان الله زاد من عمري في عمره، قال فكبر ذلك علينا، فلما مات هارون، وظهرت الفتن وكان من المأمون ما حمل الناس على خلق القرآن قلنا: الشيخ كان أعلم بما تكلم، ولما بلغه موت ابن المبارك حزن عليه وجلس للعزاء فعزاه الأكابر» - «سير أعلام النبلاء» «9/289» «تاريخ الخلفاء» «ص 454،455».
«وقال أبو معاوية الضرير: صب على يدي بعد الاكل شخص لا أعرفه، فقال الرشيد: تدري من يصب عليك، قلت: لا، قال: انا، إجلالاً للعلم» المصدر السابق، «وقال القاضي الفاضل: ما أعلم أن لك رحلة قط في طلب العلم، الا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه الله وكان أصل «الموطأ» بسماع الرشيد في خزانة المصريين، قال: ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن ايوب الى الاسكندرية فسمعه على ابن طاهر بن عوف، ولا أعلم لهما ثالثاً» «تاريخ الخلفاء» «ص 468-469».


«وحدّث أبو معاوية الضرير الرشيد يوماً عن الأعمش، عن ابي صالح عن ابي هريرة بحديث احتجاج آدم وموسى فقال عم الرشيد: أين التقيا يا أبا معاوية؟ فغضب الرشيد من ذلك غضباً شديداً، وقال أتعترض على الحديث؟ عليَّ بالنطع والسيف زنديق يطعن في الحديث فأحضر ذلك، فقام الناس إليه يشفعون فيه، ومازال أبو معاوية يسكنه ويقول: بادرة منه يا أمير المؤمنين حتى سكن، ثم قال: هذه زندقة فأمر بسجنه، وأقسم ألا يخرج حتى يخبرني من القى اليه هذا،فأقسم عمه بالإيمان المغلظة ما قال هذا له أحد، وإنما كانت هذه الكلمة بادرة منه، وهو يستغفر الله ويتوب إليه منها فأطلقه» «سير أعلام النبلاء» «9/288» و «البداية والنهاية» «10/215» و «تاريخ الخلفاء» «ص 454».


«وبلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن، فقال: بلغني ان بشر ابن غياث المريسي يقول: القرآن مخلوق، فلله عليَّ ان أظفرني به لأقتلنه فكان: متوارياً أيام الرشيد فلما مات الرشيد، ظهر ودعا الى الضلالة» «سير أعلام النبلاء» «ص11/236- 237» وتاريخ الخلفاء «ص 453» «وكان عهد هارون الرشيد اطول عهود الخلفاء خلفاء بني العباس وأزهاها، فقد كثر فيه الغزو واتسعت الفتوحات، ومن ذلك انه ارسل الفضل بن يحيى الى: خراسان فأحسن السيرة، وبنى الرُّبط والمساجد وغزا ما وراء النهر، واتخذ بها جنداً من العجم سماهم: العباسية، وفتح الفضل بلاداً كثيرة منها: كابل، وماوراء النهر وقهر ملك الترك، وكان ممتنعاً وأطلق أموالاً جزيلة ثم قفل راجعاً الى: بغداد «البداية والنهاية»، «10/172-173» وغزا الرشيد بنفسه بلاد الروم فافتتح حصناً يقال له : الصفصاف وغيره، حتى إن الروم كانوا يدفعون له الاموال تعبيراً عن خضوعهم له مقابل صلح عقدوه بينهم وبينه في عهد ملكتهم «رنى» الملقبة «اغسطه» الى ان قام الروم بعزل هذه الملكة ونقض الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين وملكوا عليهم رجلاً يقال له «نقفور» وكان شجاعاً وخلعوا «رنى» وسملوا عينيها وكتب «نقفور» الى الرشيد كتاباً يذكر فيه ضعف الملكة التي كانت قبله ويقول:« حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل امثاله اليها، وذلك ضعف النساء وحمقهن، فاذا قرأت كتابي هذا فأردد اليَّ ما حملته اليك من: الاموال، «سد» وافتد نفسك به، وإلا فالسيف بيننا وبينك» فلما قرأ هارون كتابه أخذه الغضب الشديد حتى لم يتمكن احد ان ينظر اليه، ولا يستطيع مخاطبته وأشفق عليه جلساؤه خوفاً منه، ثم استدعى بدواة وكتب على ظهر الكتاب: «بسم الله الرحيم الرحيم من هارون الرشيد امير المؤمنين الى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام» ثم شخص من فوره وسار حتى نزل بباب: «هرقلة» ففتحها واصطفى ابنة ملكها وغنم من الاموال شيئاً كثيراً، وخرب وأحرق فطلب منه «نقفور» الموادعة على خراج يؤديه اليه في كل سنة، فأجابه الرشيد الى ذلك، وبعد ان استمر في الخلافة مدة ثلاث وعشرين سنة أدركته الوفاة رحمه الله في سنة ثلاث وتسعين ومائة» «البداية والنهاية» «10/193-194-199- 203».

و «الصفصاف» كورة من ثغور المصيصة «معجم البلدان» «3/413» و «هرقلة» بالكسر ثم الفتح مدينة ببلاد الروم سميت بهرقلة بنت اليغز بن سام بن نوح عليه السلام وكان الرشيد غزاها بنفسه، ثم افتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد، ورمى الروم بالنار والنفط حتى غلب اهلها فذلك قال المكي الشاعر:



هوت هرقلة لما أن رأت عجباً
جو السماء ترتمي بالنفط والنار
كأن نيراننا في جنب قلعتهم
مصبغات على أسنان قصار»


«معجم البلدان» لياقوت «5/398».
منقول

ميرزا حسن
04-27-2007, 12:54 AM
روي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال :" دخلت على هارون الرشيد ، فقال لي : يا أبا عبدالله ينبغي أن تختلف إلينا ، حتى يسمع صبياننا منك "الموطأ" ، قال : أعز الله امير المؤمنين ، إن العلم منكم خرج ، فإن أعززتموه عزّ ، وإن ذللتموه ذلّ ، والعلم يؤتى ولا يأتي ، فقال : صدقت ، أُخرجوا إلى المسجد ، حتى تسمعوا مع الناس " *.البداية والنهاية 10/174

سيف الله السني
04-27-2007, 01:35 AM
قال أبو معاوية الضرير:

استدعاني الرشيد إليه ليسمع مني الحديث، فما ذكرت عنده حديثا إلا قال: صلى الله وسلم على سيّدي، وإذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى، وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يديّ، فصب الماء علىّ وأنا لا أراه، ثم قال يا أبا معاوية: أتدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا. قال: يصب عليك أميرُ المؤمنين. قال: أبو معاوية فدعوت له.

فقال: إنما أردت تعظيم العلم.

وكان كثيرَ البكاء من خشية الله تعالى سريعَ الدمعة عند الذكر محباً للمواعظ، قال منصور بن عمار: ما رأيت أغزرَ دمعا عند الذكر من ثلاثة، الفضيلِ بن عياض، وأبي عبد الرحمن الزاهد، وهارون الرشيد.

ودخل عليه الإمام الشافعي رحمه الله، فقال له: عِظني.

فقال: اعلم أن من أطال عنان الأمل في الغِرَّة طوى عنان الحذر في المهلة، ومن لم يعول على طريق النجاة خسر يوم القيامة إذا امتدت يدُ الندامة. فبكى هارون.

وقال الفضيل: قال لي هارون: عِظني.

فقلت: يا حسن الوجه حِساب الخلق كلهم عليك، فجعل يبكي ويشهق، فرددت عليه وهو يبكي.

وبعث هارون الرشيد إلى ابن السماك، فدخل عليه وعنده يحيى بن خالد، فقال يحيى: إن أمير المؤمنين أرسل إليك لما بلغه من صلاح حالك في نفسك وكثرة ذكرك لربك عز وجل ودعائك للعامة، فقال ابنُ السماك أما ما بلغ أميرَ المؤمنين من صلاحنا في أنفسنا فذلك بستر الله علينا، فلو اطلع الناس على ذنب من ذنوبنا لما أقدم قلبٌ لنا على مودة ولا جرى لسانٌ لنا بمدحة، وإني لأخاف أن أكون بالستر مغرورا وبمدح الناس مفتونا وإني لأخاف أن أهلك بهما وبقلة الشكر عليهما.

وطلب الرشيد ماء ليشرب، ثم قال لابن السماك : عِظني.

فقال له: بالله يا أمير المؤمنين لو مُنعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال بنصف ملكي، قال: لو مُنعت خروجَها بكم كنت تشتريه؟ قال بنصف ملكي الآخر، فقال إن ملكا قيمته شربة ماء لجدير أن لا ينافس فيه، فبكى هارون.

وقال له ابن السماك يوماً: إنك تموت وحدك وتدخل القبر وحدك وتبعث منه وحدك، فاحذر المقامَ بين يدي الله عز وجل والوقوفَ بين الجنة والنار، حين يؤخذ بالكَظَم، وتزل القدم، ويقع الندم، فلا توبةٌ تقبل ولا عثرةٌ تُقال، ولا يقبل فداءٌ بمال.

فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته فقال يحيى بن خالد له: يا ابن السماك لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة فقام فخرج من عنده وهو يبكي.

قال الفضيل: استدعاني الرشيد يوما وقد زخرف منزله وأكثر الطعام والشراب واللذات فيها ثم استدعى أبا العتاهية، فقال له: صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعيم فقال:

عش ما بدا لك سالمــا في ظل شاهقة القصور
تجري عليك بما اشتهيـت من الرواح إلى البكـور

فإذا النفوس تقعقعت عن ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
قال فبكى الرشيد بكاء كثيرا شديداًـ فقال له الفضل بن يحيى: دعاك أمير المؤمنين لتسرَّه فأحزنته، فقال له الرشيد: دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى.
و قال ذات مرة لأبي العتاهية عِظني بأبيات من الشعر وأوجز، فقال:

لا تأمن الموتَ في طرف ولا نفس ولو تمتعت بالحُجَّاب والحرس

واعلم بأن سهام الموت صائبةٌ لكل مدَّرعٍ منها ومترس

ترجو النجاة ولم تسلك مَسالكها إن السفينة لا تجري على اليَبَس

فخر الرشيد ـ رحمه الله تعالى ـ مغشيا عليه.

ولما آذن هارون بالرحيل أمر بحفر قبره في حياته وحُمِل حتى نظر إليه، فجعل يقول: إلى هاهنا تصير يا ابن آدم ويبكي، وأمر أن يوسع عند صدره وأن يمد من عند رجليه، ثم جعل يقول: ما أغنى عني ماليه، هلك عنى سلطانيه ويبكي.

وقيل إنه لما احتضر قال اللهم انفعنا بالإحسان واغفر لنا الإساءة.. يا من لا يموت ارحم من يموت.

إن فضائل الرشيد ومكارمه كثيرة جداً، وإنما ذكرنا نموذجا من سيرته وطرفا من أخباره لتدل على مآثِره العظيمةِ، التي حفظها التاريخ وشكرها له كل مسلم صادق، فقد كان رجلا صالحا وليس كما ينشره عنه أهل الإفك والبهتان من أنه كان ذا لهو ولعب ومجون.

بل هو الحاج الغازي الإمام الورع العابد التقي، وإنما لفق له هذه التهمَ أهلُ الأهواء والضلال الذين غاظهم بفتوحه، وشدته على المخالفين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

فكم قمع الله به من فتنة وسد به من ثُلْمَة.. حتى كان الفضيلُ بنُ عياض ـ أحد أئمة السلف ـ يقول: ليس موتُ أحدٍ أعزَّ علينا من موت الرشيد لما أتخوف بعده من الحوادث وإني لأدعو الله أن يزيد في عمرِه من عمري.

قالوا فلما مات الرشيد وظهرت تلك الفتن والحوادث والاختلافات وظهر القول بخلق القرآن عرفنا ما كان تخوفه الفضيل من ذلك.
منقول/

قيصر العراقي
04-27-2007, 01:56 AM
هارون الرشيد.. والعصر الذهبي للدولة العباسية

( توليه الخلافة: 14 من ربيع الأول 170هـ)

لم يحظَ خليفة بعد الخلفاء الراشدين بالشهرة الواسعة وذيوع الذكر، مثلما حظي الخليفة العباسي هارون الرشيد، غير أن تلك الشهرة امتزج في نسجها الحقيقة مع الخيال، واختلطت الوقائع مع الأساطير، حتى كادت تختفي صورة الرشيد، وتضيع قسماتها وملامحها، وتظهر صورة أخرى له أقرب إلى اللهو واللعب والعبث والمجون، وأصبح من الواجب نفض الروايات الموضوعة، والأخبار المدسوسة حتى نستبين شخصية الرشيد كما هي في الواقع، لا كما تصورها الأوهام والأساطير.

ما قبل الخلافة

نشأ الرشيد في بيت ملك، وأُعد ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، وعهد به أبوه الخليفة "المهدي بن جعفر المنصور" إلى من يقوم على أمره تهذيبًا وتعليمًا وتثقيفًا، وحسبك أن يكون من بين أساتذة الأمير الصغير "الكسائي"، والمفضل الضبي، وهما مَن هما علمًا ولغة وأدبًا، حتى إذا اشتد عوده واستقام أمره، ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وجعل حوله القادة الأكفاء، يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج في عام (165 هـ= 781م) على رأس حملة عسكرية ضد الروم، وعاد محملاً بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه وليًا ثانيًا للعهد بعد أخيه موسى الهادي.

وكانت الفترة التي سبقت خلافته يحوطه في أثنائها عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، من أمثال "يحيى بن خالد البرمكي"، و"الربيع بن يونس"، و"يزيد بن مزيد الشيباني" و"الحسن بن قحطبة الطائي"، و"يزيد بن أسيد السلمي"، وهذه الكوكبة من الأعلام كانت أركان دولته حين آلت إليه الخلافة، ونهضوا معه بدولته حتى بلغت ما بلغت من التألق والازدهار.

تولّيه الخلافة


تمت البيعة للرشيد بالخلافة في (14 من شهر ربيع الأول 170هـ= 14 من سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وبدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة.

وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، مختلفة البيئات، متعددة العادات والتقاليد، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال شاقة، ومتابعة الأمور مجهدة، وساعده على إنجاز مهمته أنه أحاط نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة، ويزداد إعجابك بالرشيد حين تعلم أنه أمسك بزمام هذه الدولة العظيمة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها.

استقرار الدولة

ولم تكن الفترة التي قضاها الرشيد في خلافة الدولة العباسية هادئة ناعمة، وإنما كانت مليئة بجلائل الأعمال في داخل الدولة وخارجها، ولم يكن الرشيد بالمنصرف إلى اللهو واللعب المنشغل عن دولته العظيمة إلى المتع والملذات، وإنما كان "يحج سنة ويغزو كذلك سنة".

واستهل الرشيد عهده بأن قلد "يحيى بن خالد البرمكي" الوزارة، وكان من أكفأ الرجال وأمهرهم، وفوّض إليه أمور دولته، فنهض بأعباء الدولة، وضاعف من ماليتها، وبلغت أموال الخراج الذروة، وكان أعلى ما عرفته الدولة الإسلامية من خراج، وقدره بعض المؤرخين بنحو 400 مليون درهم، وكان يدخل خزينة الدولة بعد أن تقضي جميع الأقاليم الإسلامية حاجتها.

وكانت هذه الأموال تحصل بطريقة شرعية، لا ظلم فيها ولا اعتداء على الحقوق، بعد أن وضع القاضي "أبو يوسف" نظامًا شاملاً للخراج باعتباره واحدًا من أهم موارد الدولة، يتفق مع مبادئ الشرع الحنيف، وذلك في كتابه الخراج.

وكان الرشيد حين تولى الخلافة يرغب في تخفيف بعض الأعباء المالية عن الرعية، وإقامة العدل، ورد المظالم، فوضع له "أبو يوسف" هذا الكتاب استجابة لرغبته، وكان لهذا الفائض المالي أثره في انتعاش الحياة الاقتصادية، وزيادة العمران، وازدهار العلوم، والفنون، وتمتع الناس بالرخاء والرفاهية.

وأُنفقت هذه الأموال في النهوض بالدولة، وتنافس كبار رجال الدولة في إقامة المشروعات كحفر الترع والأنهار، وبناء الحياض، وتشييد المساجد، وإقامة القصور، وتعبيد الطرق، وكان لبغداد نصيب وافر من العناية والاهتمام من قبل الخليفة الرشيد وكبار رجال دولته، حتى بلغت في عهده قمة مجدها وتألقها؛ فاتسع عمرانها، وزاد عدد سكانها حتى بلغ نحو مليون نسمة، وبُنيت فيها القصور الفخمة، والأبنية الرائعة التي امتدت على جانبي دجلة، وأصبحت بغداد من اتساعها كأنها مدن متلاصقة، وصارت أكبر مركز للتجارة في الشرق، حيث كانت تأتيها البضائع من كل مكان.

وغدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع.

وكان الرشيد وكبار رجال دولته يقفون وراء هذه النهضة، يصلون أهل العلم والدين بالصلات الواسعة، ويبذلون لهم الأموال تشجيعًا لهم، وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، ويتواضع لهم حتى إنه كان يصب الماء في مجالسه على أيديهم بعد الأكل.

وأنشأ الرشيد "بيت الحكمة" وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض كالهند وفارس والأناضول واليونان، وعهد إلى "يوحنا بن ماسوية" بالإشراف عليها، وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.

هارون الرشيد مجاهدًا

كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود إلى حروبه وجهاده مع الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، وأصبحت تقوم كل عام تقريبًا، حتى إنه اتخذ قلنسوة مكتوبًا عليها: غاز وحاج.

وقام الرشيد بتنظيم الثغور المطلة على بلاد الروم على نحو لم يعرف من قبل، وعمرها بالجند وزاد في تحصيناتها، وعزل الجزيرة وقنسرين عن الثغور، وجعلها منطقة واحدة، وجعل عاصمتها أنطاكية، وأطلق عليها العواصم، لتكون الخط الثاني للثغور الملاصقة للروم، ولأهميتها كان لا يولي عليها إلا كبار القادة أو أقرب الأقربين إليه، مثل "عبد الملك بن صالح" ابن عم أبي جعفر المنصور أو ابنه "المعتصم".

وعمّر الرشيد بعض مدن الثغور، وأحاط كثيرًا منها بالقلاع والحصون والأسوار والأبواب الحديدية، مثل: قلطية، وسميساط، ومرعش، وكان الروم قد هدموها وأحرقوها فأعاد الرشيد بناءها، وأقام بها حامية كبيرة، وأنشأ الرشيد مدينة جديدة عرفت باسم "الهارونية" على الثغور.

وأعاد الرشيد إلى الأسطول الإسلامي نشاطه وحيويته، ليواصل ويدعم جهاده مع الروم ويسيطر على الملاحة في البحر المتوسط، وأقام دارًا لصناعة السفن، وفكّر في ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وعاد المسلمون إلى غزو سواحل بحر الشام ومصر، ففتحوا بعض الجزر واتخذوها قاعدة لهم، مثلما كان الحال من قبل، فأعادوا فتح "رودس" سنة (175هـ= 791م)، وأغاروا على أقريطش "كريت" وقبرص سنة (190هـ= 806م).

واضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت "إيريني" ملكة الروم صلحًا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة (181هـ= 797م)، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم، الذي خلف إيريني في سنة (186هـ = 802م)، وكتب إلى هارون: "من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، فحملت إليك من أموالها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك".

فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".

وخرج هارون بنفسه في (187 هـ= 803م)، حتى وصل "هرقلة" وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل "إيريني" من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام (188هـ= 804م) وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعين ألفا، وجُرح نقفور نفسه، وقبل الموادعة، وفي العام التالي (189هـ=805م) حدث الفداء بين المسلمين والروم، ولم يبق مسلم في الأسر، فابتهج الناس لذلك.

غير أن أهم غزوات الرشيد ضد الروم كانت في سنة ( 190 هـ= 806م)، حين قاد جيشًا ضخماً عدته 135 ألف جندي ضد نقفور الذي هاجم حدود الدولة العباسية، فاستولى المسلمون على حصون كثيرة، كانت قد فقدت من أيام الدولة الأموية، مثل "طوانة" بثغر "المصيصة"، وحاصر "هرقلة" وضربها بالمنجنيق، حتى استسلمت، وعاد نقفور إلى طلب الهدنة، وخاطبه بأمير المؤمنين، ودفع الجزية عن نفسه وقادته وسائر أهل بلده، واتفق على ألا يعمر هرقلة مرة أخرى.

بلاط الرشيد محط أنظار العالم

ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطه تخطب وده، وتطلب صداقته، وكانت سفارة "شارلمان" ملك الفرنجة من أشهر تلك السفارات، وجاءت لتوثيق العلاقات بين الدولتين، وذلك في سنة ( 183هـ= 779م)؛ فأحسن الرشيد استقبال الوفد، وأرسل معهم عند عودتهم هدايا قيمة، كانت تتألف من حيوانات نادرة، منها فيل عظيم، اعتبر في أوروبا من الغرائب، وأقمشة فاخرة وعطور، وشمعدانات، وساعة كبيرة من البرونز المطلي بالذهب مصنوعة في بغداد، وحينما تدق ساعة الظهيرة، يخرج منها اثنا عشر فارسًا من اثنتي عشرة نافذة تغلق من خلفهم، وقد تملك العجب شارلمان وحاشيته من رؤية هذه الساعة العجيبة، وظنوها من أمور السحر.

الرشيد وأعمال الحج

نظم العباسيون طرق الوصول إلى الحجاز، فبنوا المنازل والقصور على طول الطريق إلى مكة، طلبًا لراحة الحجاج، وعُني الرشيد ببناء السرادقات وفرشها بالأثاث وزودها بأنواع الطعام والشراب، وبارته زوجته "زبيدة" في إقامة الأعمال التي تيسر على الحجيج حياتهم ومعيشتهم، فعملت على إيصال الماء إلى مكة من عين تبعد عن مكة بنحو ثلاثين ميلاً، وحددت معالم الطريق بالأميال، ليعرف الحجاج المسافات التي قطعوها، وحفرت على طولها الآبار والعيون.

وفاة الرشيد

كان الرشيد على غير ما تصوره بعض كتب الأدب، دينا محافظًا على التكاليف الشرعية، وصفه مؤرخوه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، ويتصدق من ماله الخاص، ولا يتخلف عن الحج إلا إذا كان مشغولاً بالغزو والجهاد، وكان إذا حج صحبه الفقهاء والمحدثون.

وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام (192 هـ= 808م) فخرج إلى "خرسان" لإخماد بعض الفتن والثورات التي اشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة "طوس" اشتدت به العلة، وتُوفي في (3 من جمادى الآخر 193هـ= 4 من إبريل 809م) بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، عدت العصر الذهبي للدولة العباسية.

بوعائشة
04-27-2007, 06:31 PM
رحم الله الخليفة الراشد هارون الرشيد رحمة واسعة

البلوشي
04-27-2007, 08:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هل صحيح أن هارون الرشيد لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمر

ذكرت بعض كتب التاريخ ولا سيما - كتاب ألف ليلة وليلة - بأن خليفة المسلمين هارون الرشيد لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمر فهل هذا صحيح‏؟‏

هذا كذب وافتراء ودس في تاريخ الإسلام، وكتاب ألف ليلة وليلة كتاب ساقط لا يعتمد عليه ولا ينبغي للمسلم أن يضيع وقته في مطالعته‏.‏
وهارون الرشيد معروف بالصلاح والاستقامة والجد وحسن السياسة في رعيته وأنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وهذه الفرية التي ألصقت به في هذا الكتاب لا يلتفت إليها، ولا ينبغي للمسلم أن يقرأ من الكتب إلا ما فيه الفائدة ككتب التاريخ الموثوقة وكتب التفسير والحديث والفقه وكتب العقيدة التي يعرف بها المسلم أمر دينه، أما الكتب الساقطة فلا ينبغي للمسلم ولاسيما طالب العلم أن يضيع وقته فيها‏

كتاب المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
04-28-2007, 10:50 AM
جزاكم الله خيرا لهذه النقول و بارك الله فيكم
رحم الله الخليفة الراشد هارون الرشيد رحمة واسعة
و بارك الله فيك يا بلوشي لنقل هذه الفتوى و جزاك الله خيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
هل صحيح أن هارون الرشيد لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمر
ذكرت بعض كتب التاريخ ولا سيما - كتاب ألف ليلة وليلة - بأن خليفة المسلمين هارون الرشيد لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمر فهل هذا صحيح‏؟‏
هذا كذب وافتراء ودس في تاريخ الإسلام، وكتاب ألف ليلة وليلة كتاب ساقط لا يعتمد عليه ولا ينبغي للمسلم أن يضيع وقته في مطالعته‏.‏
وهارون الرشيد معروف بالصلاح والاستقامة والجد وحسن السياسة في رعيته وأنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وهذه الفرية التي ألصقت به في هذا الكتاب لا يلتفت إليها، ولا ينبغي للمسلم أن يقرأ من الكتب إلا ما فيه الفائدة ككتب التاريخ الموثوقة وكتب التفسير والحديث والفقه وكتب العقيدة التي يعرف بها المسلم أمر دينه، أما الكتب الساقطة فلا ينبغي للمسلم ولاسيما طالب العلم أن يضيع وقته فيها‏
كتاب المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

ميرزا حسن
05-21-2007, 07:21 PM
شكراً لكم على مشاركاتكم

بو زيد الأثري
05-30-2010, 10:56 AM
بارك الله فيكم يا اخوان

رحم الله الإمام هارون الرشيد

12d8c7a34f47c2e9d3==