المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التفصيلات السلفية البديعة في مسألة من لم يحكم الشريعة /العلامة الشيخ فالح الحربي


كيف حالك ؟

هادي بن علي
02-05-2007, 04:37 PM
التفصيلات السَّلـفِـيْة البدِيعَـةِ
فـِيِْ مَـسْألَةِ
مَنْ لَمْ يُحَـكِّـمِ الشـَّرِيـْعَـِة
وفيه

رَدُّ الزَّلَلِ فِي كفرِ الاعتقاد والعَمَل
في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله

لفضيلة الشيخ
فالح بن نافع الحربي
من تفريغ الأخ أبي حذيفة الليبي وفقه الله وجزاه الله خيرا

بسم الله الرحمن الرحيم


إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيّئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضلَّ له, ومن يُضلل فلا هاديَ له, وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له, وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [
] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيـرًا وَنِسَـاء وَاتَّقُـواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [

] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [

أمّا بعد:
فإنّ أصدقَ الحديث كتابُ الله, وخيرَ الهديِ هديُ محمّد , وشرَّ الأمور محدثاتُها, وكلَّ محدثة بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلّ ضلالة في النّار, وبعد:
فإنه يسرني أن ألتقي معكم لنتذاكر معكم فيما يُفيدنا وينفعنا ، وفي أمر مهمٍ جدا ، وهو من أصول ديننا ، و خطورة عدم فهمه لا تخفى على أهل الحقِّ وطـُلاَّب الحقيقةِ ، الذين تهمه أن تكون قدمهم ثابتةً ، وراسخةً ،في فهم هذا الدين الذي أمنوا به ، وعقيدتهِ ، وإن الغلط في الأصول لهو خطيرٌ جداً ، وتبعاتهُ تَبِعاتٌ ثقيلةٌ ، وثمراتـُه لا شكَّ أنها ثمراتٌ مـرَّة ٌ .

و ما تفرَّعتِ الشُّعب ، وتفرقت الفرق ، وظهرت البدع ، إلا من عدم فهم المنهج الحـقِّ والعقيدة الصَّحيحة ِ ، المبنيـَّة ُ على كتاب الله وعلى سنة نبـيـِّهِ - - ،وما خرجت الخوارج ، وترفَّـضت الرَّافضة ، واعتزلت المعتزلةُ ، وظهرت فتنتها ، وشكا المسلمون الويلات ، ووجدوا منها الغِيـَّرَ ؛ إلا بسبب الجهل والانحراف في فهم هذا الدين ،وهذه العقيدة

وإنه لمهمٌ فهم هذه الفرق والتـَّوجُهاتِ الضالة عن فهم كتاب الله وفهم سنة النبي -- وفهم الصحابة والتابعين ومن تبعهم على الهدى ،- ولما ما استوعب الخوارج فهم الصحابة ِ، خرجوا – وأصلُهم أنه لا كفر اعتقادٍ ولا كفر عملٍ ؛ وإنما الكفر هو كفرٌ واحدٌ ،فإما مؤمنٌ وإما كافرٌ كفراً مخرجاً من الدينِ والملةِ ، وهكذا المعتزلة ، وهكذا المعتزلة ، وهكذا أهل البدع ، كُـلُّهـُم خارجُونَ عن الصراط المستقيم ، والدين القويم .

والعصمة في هذا الأمرُ – أيـُّها الإخوة – في الإتباعِ وعدم الابتداع ، والاعتماد على فهم سلفنا الصَّالحِ ، وإلى كلام أهل العلم من علماء العقيدة والأصول – أي : أصول الدين – من المفسرينَ وغيرهم ، وعدم البعد عن ما قرَّروهُ ، وفهموه من نصوص الكتاب والسنة .

ومن ذلك التكفير ؛ أي إطلاق الكفر سواء كفر الاعتقاد أو كفر العمل – وهو ما يقال عنه كفر دون كفرٌ – بمعنى أنه أمرٌ خطيرٌ ، وعظيمٌ ولكن ليس الكفر الذي يُخرج من الملة ؛ كالكفر بالله وملائكته ورسله .

والتكفيرُ ؛ كالتحريم والتحليل والمكروه والاستحباب .. لا بدَّ له من دليلٍ ،ولا بُـدَّ أن يُرجع فيه إلى القرءان والسنة بفهم أهل العلم الراسخين ؛ وأوَّلَـهُم – والذين يرجعون إليهم- هم الصحابة – رضوان الله عليهم – والتابعون ، والقـرون المفضلة وتابعوهم ، ولقد قال رسول الله-- (( خير الناس قرنـي ؛ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) ، وذاك قبل أن تنزل نازلةٌ البدع ، وتتفرَّقُ الفِرقُ .

فالخوارج معروف مذهبهم في إخراج عُصـاةِ الأمةِ،وعصاة الموحدين من الملةِ، بناءً على أصلهم أن الكُفرَ هو كفرٌ واحد ٌ ، فمن ارتكب الكبيرة فقد خرج بها من الملة ، ودخل في الكفر، واستحلوا دمه وماله ، واستحلوا منه ما حرَّم الله ُ، ولهذا فإن الأمة تشكو منهم منذ أن كانت لهم شوكة ومرقت مارقتهم ، و إلى اليوم ، وإلى أن يخرج أخرهم مع الدَّجـال ويقتله عيسى ابن مريم --.
وليس معنى هذا أن التكفير حِـكرٌ على الخوارج ، وإنما –حتى – أهل السنة يُكـَّفِرون ؛ولكن يُكفِّرون بضوابط ،فمن قامت الحجة على تكفيره في كتاب الله وفي سنة رسوله--كَـفَّروه، ويحكمون عليه بالكفر، وهذا هو باب الأحكام.
وأهل السنة من شدة احتياطهم في التكفير عندهم بابان ، فمن أتى العمل دون أن تُقام عليه الحجة أو إن لم تكن قائمة ؛ فإنهم لا يحكمون عليه بالكفر المخرج من الملة ،وإنما يحكمون على عمله ، وإن قامت فإنهم يحكمون عليه من الباب الثاني وهو باب الأحكام ، والذي له ضوابط واحترازات ، ويحكم به أهل العلم وأهل الفقه وأهل المعتقد الصحيح والمنهج السليم ، فإذا توفرت تلك الضوابط وانتفت تلك الموانع ، كفـَّروا .
ولا يصح بحال من الأحوال أن يُـقالَ أن التكفيرَ حِـكْـرٌ على الخوارج المارقة ، وأن أهل السنة لا يكـَّفرون !! – بل – هم يُـكَّـفِرُونَ من قامت الحجة على تكفيره ، فإذا قامت الحجَّة الشرعية ، على وفق الضوابط الرسالية ؛ فإن أهل السنة والجماعة يُكَـفِّـرُون ، ولكنَّهم لا يُكفِّرون دون تلك الضوابط ، وهم لا يُكـَفِّرون عن جهلٍ ، وإنما عن علم وحجةٍ وبصيرةٍ من الشريعة .
فـرَدُّ الزلل في كفر الاعتقاد والعمل ؛ لأن هنالك من يمكن أن يُقال أنه زلَّ ، أو أنه اجتهد فأخطأ ، من بعض العلماء الأفاضل من علماء أهل السنة والجماعة، فـكَفـَّرَ بخصوص مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، ولا شأن للخوارج المارقة ،ولا لأهل الفتنة باجتهاد هؤلاء العلماء الأجلاء، فهم مجتهدون يجتهد المجتهد فيُصيب، ويجتهد المجتهدُ فيخُطئ ؛ فهم بين الأجر والأجرين، وليس ما ينـتهجه هؤلاء هو منهج الخوارج ، وشتـَّان بينهم وبين هؤلاء الخوارج ؛ فأؤليك يطلبون التكفير ، وهؤلاء العلماء يجتهدون في نطاقٍ ضيقٍ ،وفي مسألةٍ من المسائل ، والحق في هذا بالرجوع إلى فهم السلف، و ماكان عليه الأئمة من المفسرين والفقهاء ،ممن لا يخرجُون عن مقتضى الآثار ، وهم الحكم في هذه القضايا الخطيرة ، و الثوابت في الشريعة والأصول .
وهذا ما أشرنا إليه في الأصل ، فلنـعُد إلى الأئمة من أهل الشأن ممن أشرنا إليهم :
ففي قضية التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله ، وفي الآية التي يتكئ من يحكمُ بغير ما أنزل الله وهي قوله –سبحانه وتعالى- { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ })المائدة-44)
(*) يقول الله –تبارك وتعالى –في سورة المائدة : {فَإن جآؤكَ فاَحْكُمْ بيْنَهُم أَوْ أَعْرِضَ عنْهُم وإن تُعرض عَنْـهُم فلَنْ يَضُروُّكَ شيئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بيْنَهُم بالقِسْطِ إنْ اللهَ يُحِبُ المُقْسِطِيْنَ . وَكيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْراةَ فيها حُكْمُ اللهِ ثم يَتَولَّوْنَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا أُؤلئكَ بالمُؤمِنيْنَ . إنْ أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيْهاَ وهُدىً و َنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبيئونَ الذِّيْنَ أَسْلَمُواْ للذِيْنَ هَادُواْ والرَّبانيُونَ والأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا منْ كتَابِ اللهِ وَكاَنُواْ عليْهِ شُهَدَاءَ ....}
- إلى قولهِ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ }
- وإلى قولهِ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }،
-و إلى قولهِ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الفَاسِقُونَ }.

(*) وفي قوله تعالى {فَإن جآؤكَ فاَحْكُمْ بيْنَهُم..} يعني اليهود الذين تَظَالموا وتَحاكَموا إلى الرَّسُول-- في شأن الرجُل والمرأة الذين زنيا ، فظنوا أنهم سيجدون حكماً مُخففَّـاً عند النبي -- فجاؤه للتحاكم إليه ، فنزلت هذه الآيات ،وجاء هذا السياق الكريم .

(*) نقل الإمام المفسِّر السَّلفي ابنُ جَرِيْرٍالطَّبرِي-رحمه الله-:
عن عطاءٍ –رحمه الله- في قوله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله (فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ) == (فأؤلئكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) == (فأؤلئكَ هُمُ الفَاسِقُوْنَ )} أنه قال : كفرٌ دون كفر ، وفسْقٌ دون فسق ، وظلمُ دون ظلم ٌ.

-وعن طاوس عن ابن عباس في قولهِ تعالى- { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ } (المائدة 44) قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .
وفي رواية ٍ عنه -:ليس كفرا بالله وملائكته ورسله وكتبه .
- وعن علي بن طلحة عن ابن عباس في قولهِ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ } (المائدة 44)
قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقرَّ به ولم يحكم فهو ظالمٌ فاسق". وانظر تفسير الطبري(10-357)

وقال ابن جرير – رحمه الله – في تفسيره (10-358) :-أيضاً- (( .. فإن قال قائلٌ أن الله – جل ذكره – قد عممَّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله فكيف جعلته خاصاً ؟
قيل -: إن الله قد عممَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، وأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون ، وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به ، هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس ، لأنه بجحوده حُـكْمِ الله بعد علمه الذي أنزله في كتابه ،نضيرٌ لجحوده نبوة نبيه بعد علمه بأنه نبيٌّ " أ.هـ.




(*) وقال الإمام القرْطُبِـيُ – رحمه الله- في تفسيره: ((الجامع لأحكام القرءان 6 /190-191)) :
- عند قوله سبحانه:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَاأَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ }
- وقولهِ تعالى- { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }،
- و قولهِ تعالى-{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الفَاسِقُونَ }.
قال :((.. نزلت كلها في الكُفـَّار كما في صحيح مسلم من حديث البراء ، وعلى هذا المعظم ، فأما المسلم فإنه لا يكفر وإن ارتكب كبيرةً – وقيل – فيه إضمارٌ أي ومن لم يحكم بما أنزل الله راداً القرءان وجاحداً لقول الرسول –عليه الصلاة والسلام –فهو كافرٌ ؛ قاله ابن عباس ومجاهد والآية عامة على هذا .
-وقال ابن مسعود والحسن وهي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار ؛ أي – معتقداً ذلك ومستحلاً له ،وأما من فعل هذا وهو معتقد أنه راكبٌ محـرَّم فهو من فسـَّاقِ المسلمين ،وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذَّبهُ وإن شاء غفر له .
- وقال ابن عباس في رواية ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد فعلا يُضاهي أفعال الكفار .
- وقيل- ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر ، وأما من حكم بالتوحيد ولم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية .

والصحيح الأول ؛ إلا أن الشعبي قال :هي في اليهود خاصة ، واختاره النَّحاس – قال – ويدل على ذلك ثلاثة أشياء منها أن اليهود قد ذُكِرُوا قبل هذا في قوله :- {..منَ الذِّيْنَ هَادُواْ ..} وعاد الضمير عليهم .
ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك ، ألا ترى أن بعده {..وكَتَبْنَا عَلَيْهِم ..} فهذا الدليل لليهود بإجماع ٍ،وكذلك فإن اليهود هم الذين أنكروا الرَّجمَ والقِصَاص .
فإن قال قائل : ( من ) إذا جاءت فهي عامة إلا إن جاء دليل على تخصيصها .- قيل له – (من ) بمعنى ( الذي ).
- فمع الذي ذكرناه مع الأدلة والتقرير ، واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأؤليك هم الكافرون ؛ وهذا من أحسن ما قيل في هذا .

- ويُروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، هي فيهم ولتسلُكـُنَّ سبيلَهُم ، حذو النعل بالنعلِ .

- وقيل : الكافرون للمسلمين ، والظالمون لليهود ، والفاسقون للنصارى ، وهذا اختيار أبي بكر العربي – قال – لأنه ظاهر الآيات وهو اختيار ابن عباس وجابر بن أبي زيد و زائدة ، وابن شبرمه والشعبي –أيضا - وقال طاوس ليس بكفر ينقل عن الملة ، ولكنه كفر دون كفر ، وهذا يختلف عن إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يُوجب الكفر ، وإن حكم به هوى ومعصيةً ، فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران من الذنوب .
- وقال القشيري ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر ، وعُزِيَ هذا إلى الحسن والسَّدي ، وقال الحسن –أيضا - أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء ، ألا يتبعوا الهوى ،وألا يخشوا الناس َ ويخشونَهُ ،وألا يشتروا بآياته ثمناً قليلاً ." أ-هـ

(*) وقـال الإمـام أبـوبكر بن الـعربـي – رحمه الله- في تفسيره((أحكام القرءان 2/624 )):"..إن حكم على أنه من عند الله فهو تبديل له ، يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصيةً ، فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران من الذنوب" أ.هـ

-قلتُ - وهذا هو الذي نقله القرطبي – رحمه الله –وهو في الحقيقة ما يتناسق مع جميع النصوص التي ستأتي ، والتي سبقت ، وتتنفق مع السياق والسباق في الآيات .



(*)وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله–في الفتاوى :"...وإذا كان قول السلف أن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق ، وكذلك في قولهم أنه يكون فيه إيمان وكفر، وليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة ، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى- :{ وَمـَنْ لَـمْ يَحْكُم بِمـَا أَنْـزلَ الله فـأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ } (المائدة- 44)
قالوا : كفر كفرا لا ينقل عن الملة ، وقد تبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السنة" أ.هـ

(*) وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: كما في مدارج السالكين((1/337)) :
"..والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر ، بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة ، وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة ، فهذا كفر أصغر ،وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخيَّر فيه مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطئ له حكم المخطئين " أ.هـ




(*) وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ – رحمه الله – وانظر له ((منهاج التأسيس/ص71 )): " الخوارج مخطئون ظالمون بما نقموا به على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإن الصحابة ما حكَّموا سوى القرءان وإنما الرجال يحكمون بالقرءان، فالتبس الأمر على الخوارج ولم يفهموا أن جميع الأوامر الشرعية إذ صدرت عن ما في الكتاب والسنة ،فهما الحاكمان لا يسلم للحكم بالرجال إلا بقيد ، وجاءت السنة عامرةً في الطاعة بالمعروف ،وهو ما أمر الله به من الواجبات والمستحبات ، وإنما حرَّم التحكيم إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة ، كأحكام اليونان والإفرنج والتـَّتر ، وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهواؤهم ، وكذلك سوالف البادية وعاداتهم الجارية ، فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها فهو كافر ؛ قال- سبحانه وتعالى - : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ } (المائدة- 44).
وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين :أن الكفر المراد هنا : كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله ، وهو غير مستحل لذلك ، لكنهم لا يُنازعون في عمومها للمستحل وأن كفره مخرجٌ من الملة " أ.هـ


وذكرالشيخ عبد اللطيف آل الشيخ – رحمه الله – كما في : ((الدرر السنيـِّة1/480)):
".. الأصل الرابع: أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد.."
قلتُ :
يعني كفراً يُخرجُ من الملةِ ، وكفراً لا يُخرِجُ من الملةِ وهو كفر العملِ ،ولكنه هنا أجمل الشيخ –رحمه الله – والكفر في الناحية الثانية : كفرٌ مخرج من الملة في الحقيقة هو أنواعٌ ؛ وينبغي أن يعرفها طلبة العلم والدارسون ..ومنها مثلاً :-
- كفر التكذيب -كفر الجحود - كفر الاستكبار
- وكفر الإعراض -وكفر الشك -وكفر النفاق
فهذه أنواع في الكفر الاعتقادي ينبغي أن تعرف؛ ويعرف التفصيل فيها .
- و قال –رحمه الله تعالى -((الدرر السنيـِّة1/480)) :
".. الأصل الرابع: أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد ، وهو أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه ، التي أصلها توحيده وعبادته وحده لا شريك له وهذا مضاد للإيمان من كل وجه وأما كفر العمل ، فمنه ما يضاد الإيمان كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف ، وقتل النبي وسبـُّه ، وأما الحكم بغير ما أنزل الله فهذا كفر عمل لا كفر اعتقاد ، وكذلك قوله – صلى الله عليه وسلم- ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) ، وقوله ( من أتى امرءاةً في دبرها فقد كفر بما أنزِل على محمدِ ) فهذا من الكفر العملي ،وليس كالسجود لصنم والاستهانة بمصحفٍ ، وقتل نبي ٍ وسبِّهِ ،وإن كان الكُلُّ يُطْلَقُ عليه الكفرَ ،وقد سمَّى الله من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به وكافرا بما ترك العمل به قال تعالى {... وإذْ أَخَذْنَا مِيْثَاقَكُم لا تَسْفِكُوْنَ دِماءَكُمْ ولا تُخْرِجُوْنَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ = إلى قوله تعالى = أَفَتُؤْمِنُوْنَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُوْنَ ..} فأخبر – تعالى – أنهم أقرَّوا بميثاقهم الذي أمرهم به وألتزموه ، وهذا يدل على تصديقهم به ،وأخبر أنهم عصوا أمره ، وقتل فريق ٌمنهم فريقا آخرين ،وأخرجوهم من ديارهم ،وهذا كفرٌ بما أخذ عليهم ، إما أنه أخبر أنهم يفدون من أُسِرى من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم من الكتاب ، وكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق ، كافرين بما تركوه منه .
فالإيمان العملي يُضادهُ الكفر العملي ، والإيمان الإعتقادي يُضَادهُ الكفر الاعتقادي وفي الحديث الصحيح: ( سِبَابُ المُسْلـِمُ فُسـُوق ٌوقـتـالـُهُ كفرٌ) ، ففرَّق بين سبابه وقتاله، وجعل أحدهم لا يكفر به،والأخرَ كفراً، ومعلومٌ أنه إنما أراد الكفر العملي وهذا الكفر لا يخرجهُ من الدائرة الإسلامية والملة الكلية ، كما لم يخرج الزاني والشارب والسارق من الملة ،وإن أزال عنه اسم الإيمان ؛ وهذا التفصيل هو قول الصحابة ، الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما ، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم ، والمـتأخرون لم يفهموا مرادهم ، فانقسموا فريقين : فريق أخرج من الملة بالكبائر ،وقضوا على أصحابها بالخلود في النار ، وفريق جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان،و أؤليك ظلموا وهؤلاء جفوا ، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى ،والقول الوسط ،الذي هو في الواجب كالإسلام في الملل ، فها هنا كفرٌ دون كفر، ونفاق دون نفاق ،وشرك دون شرك ، وظلم دون ظلم .
- فعن ابن عباس – رضي الله عنه – في قوله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ } (المائدة- 44) قال : ليس هو الكفر الذي تذهبون إليه ، رواه عنه سفيان وعبد الرزاق – وفي رواية أخرى – كفر لا ينقل عن الملة ، وعن عطاء كفر دون كفر، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
وهذا بيـَّنٌ في القرءان لمن تأمله ، فإن الله – سبحانه – سمَّى الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ، وسمَّى الجاحد لما أنزل الله على رسوله كافرا ، وليس الكفران على حدٍ سواء .
وسمى الكافر ظالماً في قوله {..وَالكَافِرُوْنَ هُم الظَّالمِوُنَ } ، وسمَّى من يتعدَّ حدوده في النكاح والطلاق والرجعة ..ظالمـاًَ ،فقال { وَمَنْ يَتَعدَّ حُدُوْدَ اللهِ فَقدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }، وقال يونس- عليه السلام – {إِنْيِ كُنْتُ منَ الظَّالِمِيْنَ..}، وقال أدم –عليه السَّلام – {..رَبَّنـا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا..}، وقال موسى {..ربِّ إني ظلمتُ نَفْسِي.. }فليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم .
وسَمَّى الكافرَ فاسقاً :-{..وَمَا يُضِّلُ بِهِ إلاَّ الفَاسِقِيْنَ.. } ، وقوله :-
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَـا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُر بها إلاَّ الفاسِقُوْنَ..}، وسمَّى العاصي فاسقاً في قوله : {يأيُّها الذِّيْنَ ءامَنُواْ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبإٍ فَتَبَيَّنُواْ} وقال في الذين يرمون المحصنات:{..وَأُؤليِكَ هم الفَاسِقُونَ..} ، وقال تعالـى :- { فَلاَ رَفَثَ ولاَ فُسُوْقَ ولاَ جِدَالَ فِيْ الحَجِّ } ؛ وليس الفسوق كالفسُوقِ ". أ.هـ

(*) وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ–رحمه الله- مفتي الديار السعودية في رسالته : ( تـحكيم القوانين ) - :
" وقد نفى اللهُ الإيمانَ عن مَن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من المنافقين، كما في قوله تعالى: {أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ يَتَحاكَموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا} فإنّ قوله عز وجل: "يَزْعُمون" تكذيب لهم فيما ادّعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبدٍ أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر ، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحدّ. فكلُّ مَن حَكَمَ بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حَكَمَ بالطاغوت وحاكم إليه. وذلك أنّه مِن حقِّ كل أحدٍ أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا بخلافه كما أنّ من حقِّ كل أحدٍ أن يُحاكِمَ إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فمَن حَكَمَ بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى، وجاوز حدّه، حُكْمًا أو تحكيما، فصار بذلك طاغوتا لتجاوزه حده ..== إلى أن قال – رحمه الله - == ((وقد قال عزّ شأنه قبل ذلك مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {فاحْكُمْ بَيْنهُم بما أنزل اللهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءهُم عَمّا جاءَك مِن الحقّ}،وقال تعالى: {وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك}. وقال تعالى مُخيرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بين الحُكم بين اليهود والإعراض عنهم إنْ جاءُوه لذلك: {فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ}. والقسط هو: العدل ولا عدل حقا إلاّ حُكم الله ورسوله، والحكم بخلافه هو الجور، والظلم والضلال والكفر والفسوق، ولهذا قال تعالى بعد ذلك: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظالِمُون} {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقون}، فانظر كيف سجّل تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل اللهُ الكفرَ والظلمَ والفسوقَ، ومِن الممتنع أنْ يُسمِّي اللهُ سبحانه الحاكمَ بغير ما أنزل اللهُ كافرًا ولا يكون كافرًا ، بل هو كافرٌ مطلقًا، إمّا كفر عمل وإما كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدلُّ أنّ الـحاكم بغير ما أنزل اللهُ كافرٌ إمّا كفرُ اعتقادٍ ناقلٌ عن الملّة ، وإمّا كفرُ عملٍ لا ينقلُ عن الملّة.

أمّا الأول: وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع:
أحدها: أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله أحقيّة حُكمِ الله ورسوله وهو معنى ما رُوي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحودُ ما أنزل اللهُ من الحُكم الشرعي وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم فإنّ الأصول المقررة المتّفق عليها بينهم أنّ مَنْ جَحَدَ أصلاً من أصول الدين أو فرعًا مُجمعًا عليه، أو أنكر حرفًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، قطعيًّا، فإنّه كافر الكفرَ الناقل عن الملّة.
الثاني: أنْ لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كونَ حُكم اللهِ ورسولِهِ حقًّا. لكن اعتقد أنّ حُكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسنُ من حُكمه، وأتمّ وأشمل، لما يحتاجه الناسُ من الحُكم بينهم عند التنازع إما مطلقا أو بالنسبة إلى ما استجدّ من الحوادث التي نشأت عن تطوّر الزمان وتغير الأحوال وهذا أيضًا لا ريب أنه كفرٌ، لتفضيله أحكامَ المخلوقين التي هي محضُ زبالةِ الأذهان، وصرْفُ حُثالة الأفكار، على حُكم الحكيم الحميد.
وحُكمُ اللهِ ورسولِه لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدّد الحوادث، فإنّه ما من قضية كائنة ما كانت إلاّ وحُكمها في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصًّا أو ظاهرًا أو استنباطًا أو غير ذلك ، عَلِمَ ذلك مَن علمه وجَهِلَه مَن جهله وليس معنى ما ذكره العلماء من تغيّر الفتوى بتغير الأحوال ما ظنّه مَن قلَّ نصيبُه أو عدم من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنّوا أنّ معنى ذلك بحسب ما يُلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية وتصوّراتهم الخاطئة الوبية. ولهذا تجدُهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها، مهما أمكنهم فيحرفون لذلك الكَلِم عن مواضعه وحينئذٍ معنى تغيُّر الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مراد العلماء منه: ما كان مُستصحبة فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جِنْسُها مرادٌ لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أنّ أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بمعزل، وأنهم لا يقولون إلاّ على ما يلائم مراداتهم، كائنة ما كانت، والواقع أصدقُ شاهدٍ.
النوع الثالث: أنْ لا يعتقد كونَه أحسن من حُكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله فهذا كالنوعين اللذين قبله، في كونه كافرًا الكفرَ الناقل عن الملّة لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجلّ: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء" ونحوها من الآيات الكريمة الدالّة على تفرُّدِ الربّ بالكمال، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقين في الذات والصفات والأفعال والحُكم بين الناس فيما يتنازعون فيه.
الرابع: أنْ لا يعتقد كون حُكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أنْ يعتقدَ كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحُكم بما يخالف حُكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدُقُ عليه ما يصدق عليه، لاعتقاده جوازَ ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا، وتفريعا وتشكيلا وتنويعا وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات. فكما أنّ للمحاكم الشرعية مراجعَ مستمدّات، مرجعها كلُّها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فلهذه المحاكم مراجعٌ هي: القانون المُلفّق من شرائعَ شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحةُ الأبواب، والناس إليها أسرابٌ إثْر أسراب يحكُمُ حُكّامُها بينهم بما يخالف حُكم السُنّة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتُلزمهم به وتُقِرُّهم عليه، وتُحتِّمُه عليهم.. فأيُّ كُفر فوق هذا الكفر، وأيُّ مناقضة للشهادة بأنّ محمدًا رسولُ اللهِ بعد ه وذِكْرُ أدلّة جميع ما قدّمنا على وجه البسْطِ معلومةٌ معروفة، لا يحتمل ذكرها هذا الموضوع ...))
وقال: ((السادس: ما يحكُم به كثيرٌ من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم التي يسمُّونها "سلومهم"، يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به ويحُضُّون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاءً على أحكام الجاهلية، وإعراضًا ورغبةً عن حُكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله ..))
ثم قال – رحمه الله- ((..وأما القسم الثاني ..)) فهذا يعني بعد كل هذه التفريعات التي هي في القسم الأول، والتي أهله خارجون عن الملة ، في التحكيم والتحاكم ، فقسمّهم الشيخ إلى ستة أقسام ، فهذه الأقسام القسم الأول وهو الذي فرّع عليه هذه الفروع الستة ؛ وكل هؤلاء كفرهم كفرٌ يخرج من الملةِ .
و أما القسم الثاني من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله – يعني كفر دون كفر-، وهو الذي لا يخرج من الملة فقد تقدم أن تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقول الله عز و جل: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" قد شمل ذلك القسم وذلك في قوله رضي الله عنه في الآية : " كفر دون كفر" ، وقوله أيضا : "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه".
وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله،مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق،واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى وهذا وإنْ لم يُخرِجْه كُفْرُه عن الملّة فإنه معصية عُظمى أكبرُ من أكبر الكبائر، كالزنا وشُرب الخمر، والسّرِقة واليمين الغموس، وغيرها.. فإنّ معصية ً سمّاها اللهُ في كتابه: كفرًا، أعظمُ من معصية لم يُسمِّها كُفرًا . )) أ.هـ كلامه رحمه الله .


وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى- وهو المفتي الثاني بعد الشيخ ابن إبراهيم قال في الفتاوى(2/326 ) :".. لا ريب أن الله سبحانه أوجب على عباده الحكم بشريعته والتحاكم إليها، وحذر من التحاكم إلى غيرها، وأخبر أنه من صفة المنافقين، كما أخبر أن كل حكم سوى حكمه سبحانه فهو من حكم الجاهلية، وبين عز وجل أنه لا أحسن من حكمه، وأقسم عز وجل أن العباد لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً من حكمه بل يسلموا له تسليماً، كما أخبر سبحانه في سورة المائدة أن الحكم بغير ما أنزل كفر وظلم وفسق، كل هذه الأمور التي ذكرنا قد أوضح الله أدلتها في كتابه الكريم، أما الدارسون للقوانين والقائمون بتدريسها فهم أقسام:
القسم الأول: من درسها أو تولى تدريسها؛ ليعرف حقيقتها، أو ليعرف فضل أحكام الشريعة عليها، أو ليستفيد منها فيما لا يخالف الشرع المطهر، أو ليفيد غيره في ذلك فهذا لا حرج عليه فيما يظهر لي من الشرع، بل قد يكون مأجوراً ومشكوراً إذا أراد بيان عيوبها، وإظهار فضل أحكام الشريعة عليها، والصلاة خلف هذا القسم لا شك في صحتها، وأصحاب هذا القسم حكمهم حكم من درس أحكام الربا وأنواع الخمر وأنواع القمار ونحوها كالعقائد الفاسدة، أو تولى تدريسها ليعرفها ويعرف حكم الله فيها ويفيد غيره، مع إيمانه بتحريمها كإيمان القسم السابق بتحريم الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشرع الله عز وجل، وليس حكمه حكم من تعلم السحر أو علمه غيره؛ لأن السحر محرم لذاته؛ لما فيه من الشرك وعبادة الجن من دون الله، فالذي يتعلمه أو يعلمه غيره لا يتوصل إليه إلا بذلك أي بالشرك، بخلاف من يتعلم القوانين ويعلمها غيره لا للحكم بها ولا باعتقاد حلها ولكن لغرض مباح أو شرعي كما تقدم.
القسم الثاني: من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها ليحكم بها أو ليعين غيره على ذلك مع إيمانه بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله، ولكن حمله الهوى أو حب المال على ذلك فأصحاب هذا القسم لا شك فساق وفيهم كفر وظلم وفسق لكنه كفر أصغر وظلم أصغر وفسق أصغر، لا يخرجون به من دائرة الإسلام، وهذا القول هو المعروف بين أهل العلم، وهو قول ابن عباس وطاووس وعطاء ومجاهد وجمع من السلف والخلف، كما ذكر الحافظ ابن كثير والبغوي والقرطبي وغيرهم، وذكر معناه العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب "الصلاة" وللشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله رسالة جيدة في هذه المسألة مطبوعة في المجلد الثالث من مجموعة "الرسائل الأولى". ولا شك أن أصحاب هذا القسم على خطر عظيم ويخشى عليهم من الوقوع في الردة..)) == إلى أن قال== ((القسم الثالث: من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحلاً للحكم بها، سواء اعتقد أن الشريعة أفضل أم لم يعتقد ذلك، فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفراً أكبر؛ لأنه باستحلاله الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحلاً لما علم من الدين، بل لضرورة أنه محرم، فيكون في حكم من استحل الزنا والخمر ونحوهما؛ ولأنه بهذا الاستحلال يكون قد كذب الله ورسوله وعاند الكتاب والسنة، وقد أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرمه الله، أو حرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن تأمل كلام العلماء في جميع المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد اتضح له ما ذكرنا.
ولا شك أن الطلبة الذين يدرسون بعض القوانين الوضعية أو المدخل إليها في معهد القضاء أو في معهد الإدارة لا يقصدون بذلك أن يحكموا بما خالف شرع الله منها، وإنما أرادوا أو أريد منهم أن يعرفوها ويقارنوا بينها وبين أحكام الشريعة الإسلامية؛ ليعرفوا بذلك فضل أحكام الشريعة على أحكام القوانين الوضعية، وقد يستفيدون من هذه الدراسة فوائد أخرى تعينهم على المزيد من التفقه في الشريعة والاطمئنان إلى عدالتها، ولو فرضنا أنه قد يوجد من بينهم من يقصد بتعلمها الحكم بها بدلاً من الشريعة الإسلامية ويستبيح ذلك لم يجز أن يحكم على الباقين بحكمه؟ لأن الله سبحانه يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}]سورة الإسراء 15[...))

والشيخ رحمه الله هنا يرد على الخوارج المارقة الذين يُكفِّرُونَ هؤلاء الطلاب ،ويكفرون بدون هذه الضوابط ، فيكفرِّون من يدرسون فيها ،وأنها تُدرس فيها أشياء كفرية مخرجة من الملة ، فيُكفِّرُون المسلمين ؛ فالشيخ هنا يردوا على هؤلاء ، وأن القضية فيها تفصيل ،وأنه لا يجوز هذا الحكم العام ،وأن كل من درس هذه القوانين كفر وخرج من الملة ، وهذا هو ما عمّت به البلوى الآن ، من هؤلاء الناس وفي أقطار المسلمين مع الأسف ، يُكفرّون لأجل مجرد الدراسة ، وبالعمومات ، ويُشَّبِهُون على الناس ، ويُقنعون الملتزمين والغوغاء ، والناس المتحمسين للدين ، على أن هذه الأشياء هي مخرجة من الملة ، وأن من يدرس و يُدّرس هذه الأشياء ومن يقرأ في هذه الدراسـات أو تـلك الأنظمة الموجودة ، في هذه المرافق و في أماكن الدراسة ، فإنه كذلك كافرٌ ، وهذه قضية خطيرة ، والكفر وتكفير- الخوارج- ماذا يترتب عليه !؟
ج/ يترتب عليه سفك الدماء ، وأمور كثيرة جداً ، وبحيث يعتاد على المسلم أشياء تحمله على أن يسفك الدماء ويُخِّلد العاملَ .
وأنتم – الآن – ترون نتائج هذه الأفكار ماثلةً للعيان في بلاد المسلمين ،-بل – وفي بلادنا هذه مأرز الإيمان ، ومهبط الوحي ،وبيضة الإسلام ، ترون ما يندى له الجبين ، وما يُدمي القلب من نتاج هذا الفكر ، فلابد أن يعرف المسلمون أن هذه الأحكام التي جاءت ، وأن هذه العمومات أنها ضلال وانحراف وخطيرة على الأمة ، لأنها تُشيط بدمائها ، وتُخلِّخلُ أمنها ، وتفرِّقُ جماعتها ، والخوارج معروفٌ أنها ما عرفتهم الجماعة إلا بخروجهم عن الجماعة ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن الخوارج أهل سيفٍ وقتالٍ ، عرفتهم الجماعة حينما كانوا يُقاتِلُون الناس ، وأما اليوم فلا يعرفهم أكثر الناسُ ، فكثير من الناس على جهل بأن الذين يُقاتلونهم ويسفِكُون دماءهم بعد أن استحلوها ، وبعد أن كفرَّوهم وأخرجوهم من الملة ، وما يراه المسلمون في أقطار الأرض ، ويُؤْذَى المسلمون بسبب تصرُّفات هؤلاء ، فحقيْقٌ بالمسلمين أن يعرفوا هذه التفصيلات، ويعرفوا كلام علمائهم ، وهؤلاء الأئمة الذين هم متخصصون في العقيدة ، وهي أصل الأصول عندهم ؛ فدرسوها وفهموها ، وكما نرى هنا أنهم بيَّنوا النصوص فيها ، ورجعوا إلى فهم السلف الذين نزلت النصوص عليهم وفهموها عند التنزيل ، ولم يفهموها عن غيرهم – رحمهم الله - .
ولهذا قال الشيخ بن باز هنا ((.....ولا شك أن الطلبة الذين يدرسون بعض القوانين الوضعية أو المدخل إليها في معهد القضاء أو في معهد الإدارة لا يقصدون بذلك أن يحكموا بما خالف شرع الله منها، وإنما أرادوا أو أريد منهم أن يعرفوها ويقارنوا بينها وبين أحكام الشريعة الإسلامية؛ ليعرفوا بذلك فضل أحكام الشريعة على أحكام القوانين الوضعية، وقد يستفيدون من هذه الدراسة فوائد أخرى تعينهم على المزيد من التفقه في الشريعة والاطمئنان إلى عدالتها، ولو فرضنا أنه قد يوجد من بينهم من يقصد بتعلمها الحكم بها بدلاً من الشريعة الإسلامية ويستبيح ذلك لم يجز أن يحكم على الباقين بحكمه؟ لأن الله سبحانه يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ]سورة الإسراء 15[..)).


بقي -أيـُّها الإخوةُ- شيء واحدٌ ؛ وهو إيضاح مسألةٍ جزئيةٍ وهي أن هؤلاء ينقلون عن شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله – ويفهمون فهماً خاطئاً ،على أنه إذا كـان الكفر معرفاً بـ(أل) فإنه كفرٌ مخرج من الملةِ ، ويُشبّهون على الناس بهذا ، وهذه من الأمور التي يُخلطون على الناس بها ؛ حتى يقتنعون بما يقولون .
وهذه المسألة وهي أنه إن كان معرفاً " بأل" فإنه يكون مراداً به الكفر الأكبر ،فإنه قد تُعرَّف بـ(أل) ويُرادُ بها الكفر الأصغر ، وهذا مما انعقد عليه الإجماع ؛ : عن مسروقٍ –رحمه الله – قال : سألتُ ابن مسعودٍ عن الرِّشى في الحُكم ؟ ، فقال : " ذلك الكُفـْرُ "، ومعلوم أن الرشوة في الحكم من الكبائر –إجماعاً -.
وعن ابن عباس –رضي الله تعالى عنه – أن امرأة ثابتٍ بن قيس أتت النبي –صلى الله عليه وسلم – فقالت : يارسول الله إن ثابت بن قيس لا أعتُب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام .
وقال ابن عباس –رضي الله عنه-عن الرجل الذي يأتي المرأة في دبرها ؛ قال : "ذلك الكفر".
قال محمد بن إسحاق حدثني أبان بن صالح عن طاوس وسعيد ومجاهد وعطاء ؛ أنهم كانوا يكرهون إتيان النساء في أدبارهن ويقولون هو الكفر .
- فهل يقصدون هؤلاء الكفر المخرج من الملة ؟!
- ج/ كلا ؛ وحاشاهم .
ثانياً :هذه الآية:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ} (المائدة- 44) ليس فيها كلمة (الكفر) – التي هي مصدر- وإنما في الآية كلمة ( كافر ) وهي اسم فاعل ؛ وهنالك فرق بين المصدر المعرف (بأل ) وبين اسم المعرف (بأل ) ، وكلام شيخ الإسلام على المصدر لا على اسم الفاعل .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين –رحمه الله تعالى -: ((... ومن سوء فهمهم –أيضاً- من نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال إذا أطلق الكفر فإنه أراد الكفر الأكبر، مستدلاً بهذا القول على التكفير بآية : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ } (المائدة- 44) ؛ مع أنه ليس في الآية أن هذا هو الكفر ، وأما القول الصحيح عن شيخ الإسلام ؛ فهو تفريقه –رحمه الله – بين الكفر المعرَّف (بأل ) وبين الكفر منكراً ، فأما الوصف فيصح أن نقول : هؤلاء كافرون ،أو هؤلاء الكافرون ، بناءاً على اتصافه بالكفر الذي لا يخرج من الملة ، ففرقٌ أن يُوصَفَ الفعل وبين أن يوصف الفاعل ، وعليه فإنه بتأويلنا لهذه الآية على ما ذُكِـر ، فإنه يحكم على أن الحكم بغير ما أنزل الله ليس بكفر يخرج من الملة ، ولكنه كفرٌ عمليٌ ، لأن الحاكم بذلك خرج عن الطريق الصحيح )) أ.هـ


خـاتـمـةٌ

- أقول : لعلَّ في هذا كفاية ، ويحصل به المقصود من إفادة الإخوان وتقرَّر لديهم ما تدل عليه الآية من قوله :{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الكَافِرُونَ}والآية الأخرى وهي قولهِ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }،وقولهِ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزلَ الله فأؤلئكَ هُمُ الفَاسِقُونَ } أن السياق -وكما مرَّ معنا- وبيـَّن أهلُ العلم أن السياق كان في اليهود، ولكن بلا شك أنه وإن كان في اليهود ، فإنه – كما بيَّن أهل العلم – من أنه لا يكون محصوراً عليهم ؛ فالحكم على العموم ، ولكن على التفصيل الذي فصَّلهُ أهل السنة ، وفهمه العلماء وفهمه المفسرون ، وما كان لنا أن نأتي بعلم غير العلم الذي قرَّروه – رحمهم الله تعالى -، وإذا كان هذا هو فهم النصوص ؛فإن خروجاً عن فهم النصوص فإن هذا مهلكة ، ومَـزِّلـةُ أقدام ٍ، ولذلك زلَّت أقدام أؤليك الناس ، وجنبوا على أمتهم ،وعلى دينهم وعلى أنفسهم ، وأنتم ترون أن أناساً يُفجِرُون أنفسهم ، وهم يتمنون على الله الأماني ،وأنهم ما بينهم وبين الجنة إلا أن يُفجِّرُ نفسهُ ، حتى أن أحدهم كان قد فجَّر نفسه ، وكانت روحه لم تخرج بعد ؛فيقول :" أنه ما بينه وبين الجنة إلا عشر دقائق !!" ؛ وقد قالوا لعليٍّ بن أبي طالبٍ –رضي الله عنه –عند المسايفة وعند المعركة لما دعاهم أن يتوبوا ، وكانوا قد حكموا علي بالكفر، وقال لهم ( لقد علمتم أن صحبت رسول الله وجاهدت معه )؛ فقالوا له : " لا تُضيِّع وقتنا ما بيننا وبين الجنة إلا أن تقتلنا أو نقتلك !" .
- فالشَّقي شقي ، ونحن لا نريد الشَّقاوة ،وما دام أننا لا نريد الشَّقاوة فعلينا أن نفهم هذا الكتاب الذي أنزله الله إلينا ، ونفهم سنة النبي –صلى الله عليه وسلم – ولا نستطيع أن نفهما إلا بفهم السَّلف الصالح من الصحابة والتابعين ، وبفهم علماء الأمة ،فإنه لا انفصال في فهمنا عن فهم أؤليك ونسألُ الله – تعالى- أن يُفقِّهنا في الدين وقد قال – صلى الله عليه وسلم- ( من يرد الله به خيرا يفقِّهُ في الدين ) وأن يجعلنا من أتباع خير المرسلين ، أقول هذا القول ؛ وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم....
وصلى الله وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ...
والله أعلم ..
فالح بن نافع الحربي

ابوخالد الاثري
02-05-2007, 04:53 PM
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وجعل عملكم هدا في ميزان حسناتكم.

وجزا الله الشيخ فالح خير الجزاء على هده المحاضرة ونسال الله عز وجل ان ان ينفع بها المسلمين وان يكتبها في ميزان حسناته امين.

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
02-05-2007, 05:05 PM
جزاك الله خيرا

ابوخالد الاثري
02-10-2007, 01:28 PM
...............................................

خالد جلالي
02-11-2007, 01:05 PM
فـرَدُّ الزلل في كفر الاعتقاد والعمل ؛ لأن هنالك من يمكن أن يُقال أنه زلَّ ، أو أنه اجتهد فأخطأ ، من بعض العلماء الأفاضل من علماء أهل السنة والجماعة، فـكَفـَّرَ بخصوص مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، ولا شأن للخوارج المارقة ،ولا لأهل الفتنة باجتهاد هؤلاء العلماء الأجلاء، فهم مجتهدون يجتهد المجتهد فيُصيب، ويجتهد المجتهدُ فيخُطئ ؛ فهم بين الأجر والأجرين، وليس ما ينـتهجه هؤلاء هو منهج الخوارج ، وشتـَّان بينهم وبين هؤلاء الخوارج ؛ فأؤليك يطلبون التكفير ، وهؤلاء العلماء يجتهدون في نطاقٍ ضيقٍ ،وفي مسألةٍ من المسائل ، والحق في هذا بالرجوع إلى فهم السلف، و ماكان عليه الأئمة من المفسرين والفقهاء ،ممن لا يخرجُون عن مقتضى الآثار ، وهم الحكم في هذه القضايا الخطيرة ، و الثوابت في الشريعة والأصول .

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
02-13-2007, 10:15 AM
يرفع للفائدة..جزاكم الله خيرا

قاسم علي
02-14-2007, 04:20 PM
جزاكم الله خيرا وحفظ الله الشيخ العلامة فالح الحربي

12d8c7a34f47c2e9d3==