المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح كتاب الحج من صحيح البخاري للعلامة الإمام محمد ابن عثيمين رحمه الله


كيف حالك ؟

قاسم علي
11-25-2006, 04:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإنا نقدم لإخواننا طلاب العلم تعليق فضيلة الشيخ /محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
على عدة كتب من صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري " رحمه الله" ، وهي كتاب الحج ، وكتاب العمرة ، وكتاب المحصر ، وكتاب جزاء الصيد ، وكتاب فضائل المدينة ونسأل الله أن يجزي شيخنا خيراً ، وأن يغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
كتاب الحج
1ـ بَاب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
1417 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عنهمَا قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.( )
( ) قوله : ( كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الفضل بن عباس أخو عبد الله بن عباس لكن عبد الله أفضل منه وأعلم منه وأنفع منه للأمة ، وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم من سيره من مزدلفة إلى منى يوم العيد . وتأمل الحكمة العظيمة في تصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، في دفعه من عرفة من أردف ؟ أردف مولى من الموالي ما أردف من كبراء الصحابة ، مولى من الموالي وصغير أيضاً أسامة ، في دفعه من مزدلفة إلى منى أردف الفضل بن عباس رضي الله عنه ، يعني من أصغر آل البيت ما أردف العباس ولا أردف أحد آخر ، ليتبين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يريد الفخر وإنما هو متواضع حتى إنه حج على جمل رث ، يعني ما هو مفخم مزخرف ، ولا طرد بين يديه ولا إليك إليك ولا ضرب ، هكذا قال الراوي ( لا ضرب ) يعني ما أحد يُضرب حتى يتجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد يطرد كوخر وخر .. لا ، ولا إليك إليك ، يمشي مع الناس عليه الصلاة والسلام ، وهذا من تواضعه ، ولذلك امتلأت القلوب بمحبته عليه الصلاة والسلام .
المهم أن الفضل كان ردفه ، جاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه . ظاهر الحديث أن المرأة كاشفة ؛ لأنه ينظر إليها وتنظر إليه ، كونه ينظر إليها معروف ، يعني الرجل كاشف وجهه ويُعرف أن بصره منصرف إلى كذا ، لكن لا يمكن أن نعلم أنها تنظر إليه إلا إذا كانت كاشفة ، وهي لم تكون منتقبة لأن الانتقاب على النساء في الإحرام مُحرم ، إذاً هي كاشفة الوجه تنظر إلى هذا الرجل . وكان الفضل وسيماً يعني جميلاً ، والمرأة مع الرجال كالرجل مع النساء ، النساء تسلب عقول الرجال ( ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم مثلكن ) والمرأة كذلك يتعلق قلبها بالجميل أكثر فهي تنظر إليه وينظر إليها ، فصرف النبي عليه وعلى آله وسلم وجه الفضل إلى الجانب الآخر خوفاً من الفتنة ، فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الرحل . وفريضة الله على عباده بالحج متى ؟ السنة التاسعة ، أدركته شيخاً كبيراً ، كلمة شيخ وكبير هنا مترادفتان ، يعني معناهما واحد ، الشيخ يُطلق على كبير السن وعلى واسع العلم وعلى كثير المال وعلى من يُفخم ، فهي استدركت أنها قالت شيخاً ، وقالت : إنه كبير لا يثبت على الراحلة ـ من كبره ـ أفأحج عنه ؟ قال : (( نعم )) وذلك في حجة الوداع .
( افأحج عنه ) هذه المرة أو في المرات الأخرى ؟ في المرات الأخرى ؛ لأنها لم تقل افأجعل حجي له ، بل قالت أفأحج عنه ، يعني حجة أخرى لأنها الآن متلبسة بحجة لها ، قال : (( نعم )) وهذا جواب يغني عن إعادة السؤال ، أي أنه يغني عن قوله نعم حجي ، قال : ( وذلك في حجة الوداع ) حجة الوداع هي في السنة العاشرة من الهجرة ، ولم يحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الهجرة حجة سواها ، وسُميت حجة الوداع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم بكلام يدل على أن هذه آخر حجة حيث كان يقول : (( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )) فسُميت بحجة الوداع ، أما قبل الهجرة فكان يحج فيما يظهر ، وقد ورد في الترمذي أنه حج مرة واحدة لكن الذي يظهر أنها أكثر ؛ لأنه كان يخرج إلى القبائل في الحج ويدعوهم إلى الله عز وجل .
في هذا الحديث فوائد منها :
جواز الإرداف على الدابة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أردف الفضل . لكن بشرط أن لا يشق هذا عليها أي على الدابة ، فإن شق عليها كان ذلك حراماً ؛ لأنه تعذيب لها .
ومنها : جواز إرداف الأقل شأناً وجاهاً مع وجود من هو أفضل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أردف الفضل مع وجود كبراء أكبر من الفضل .
ومنها : أن صوت المرأة ليس بعورة ؛ لأنها تكلمت وعندها الفضل وربما غيره أيضاً ، لكن نحن ليس أمامنا إلا الفضل ، بل دل القرآن على أن صوتها ليس بعورة في قوله تعالى :{ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } وهذا يدل على أن جواز أصل القول .
ومن فوائد هذا الحديث وجوب إزالة المنكر باليد مع القدرة ، وقد جاء في الحديث أن من لم يقدر باليد فليغير بإيش ؟ باللسان ، فإن لم يستطع فبالقلب . وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرف وجه الفضل إلى الشق الآخر .
ومنها جواز كشف المرأة وجهها إذا لم يكن فتنة ؛ لأن المرأة كاشفة ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تغطي الوجه بل صرف وجه الفضل خوفاً من الفتنة ، هكذا استدل من يرى جواز كشف الوجه . والحقيقة أن هذا الحديث من الأحاديث المشكلة والواجب على الإنسان الذي يتقي الله ربه إذا وجدت نصوص مشكلة أن يحملها على الغير مشكل على الواضح ، فإن هذه طريقة الراسخين في العلم ، قال الله عز وجل :{ هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني مرجع الكتاب { وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاء ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا } واضح يا جماعة؟ وهذا كما هو في الآيات الكريمة في القرآن الكريم هو أيضاً في الأحاديث توجد أحاديث مشكلة فيجب حملها على الواضح المحكم . والحكمة من أن الله عز وجل يجعل بعض النصوص مشكلة الحكمة الامتحان ليعلم سبحانه وتعالى من يريد الفتنة ممن يريد الحق كما قال عز وجل : { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ } لماذا ؟ لابتغاء يعني طلب ، طلباً للفتنة وطلباً لتأويله أي تنزيله على غير ما أراد الله ، فالله الحكمة عز وجل فيما جعله في نصوص الشريعة حتى يتبين من يريد الحق ممن يريد الفتنة .
على كل حال الحديث هذا فيه شبهة لا شك ، ولكن الغريب أن النووي رحمه الله استدل به تحريم كشف المرأة وجهها ، قال هذا دليل على التحريم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يمكن الفضل من النظر غليها بل صرفه . لكن يرد على هذا أن يُقال : لماذا لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغطي وجهها ، لماذا صرف وجه الفضل ولم يأمرها أن تغطي وجهها ؟ فيقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم له أساليب في الدعوة إلى الله عز وجل ، هذه امرأة حاجة كاشفة وجهها لأن النقاب محرم تسأل عن دينها ، فلم يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يجابهها بتغيير المنكر بل صرف وجه الفضل إلى الوجه الآخر ، وهذا في نظر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة أهون من أن يُخجل هذه المرأة ويقول غطي وجهك . فإن قال قائل : سلمنا لكم ذلك لكن المرأة ستواجه رجال آخرين ؟ نقول : من قال هذا لا يلزم ، قد تكون امرأة جلدة قوية وتكون في أول الناس فيكون الذي يلي الناس إيش ؟ يكون ظهرها ولا فيه شيء . وعلى كل حال فهذا بلا شك أنه من المتشابه ولكن المتشابه يُرد إلى المحكم .
قال بعض أخواننا من العلماء المعاصرين : إن الفضل ليس ينظر على وجهها إنما ينظر إلى هيئة الجسم وتركيبه ، فيقال : هذا قد يُسلم لكن المشكل أنها هي تنظر إليه ، من الجائز أن الرجل ينظر إلى هيئة جسم المرأة وتركيبه والنساء يختلفن ، أليس كذلك ؟ بعضهن ما شاء الله كأنها سبع ما تحب أن تنظر إليها ، على كل حال هذا المسلم بالنسبة للفضل ، يعني دليل على أنه يمكن أن الفضل رضي الله عنه ينظر إلى جسمها ، لكن المشكل أنها تنظر إليه إيش نقول فيها ؟ ما يمكن أن يتخيل فيقول أنها تنظر إليه من وراء الخمار ، من يعرف حدقة العين من وراء الخمار أنها تنظر إلى جهة ما ؟ فإن ادعوا مثل ذلك قلنا إذاً الخمار لا يغطي خفيف لا يحصل به التغطية .
آخر ما أقول في هذا الحديث أنه من المتشابه والواجب الرجوع إلى المحكم من الأدلة القرآنية والنبوية والنظرية الدالة على وجوب تغطية المرأة وجهها ، ولنا في هذا رسالة صغيرة ، لكنها صغيرة الحجم كبيرة المعنى والحمد لله من أحب أن يرجع إليها فليرجع .
في هذا الحديث من الفوائد أن العاجز عن السعي إلى الحج ببدنه مع قدرته المالية لا يسقط عنه الحج ، لقولها : ( إن فريضة الله على عباده في الحج ) ولو لم يكن فريضة على هذا الشيخ لقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أباك ليس عليه حج ، لكنه أقرها على أن الحج فريضة عليه . ولهذا قال العلماء رحمهم الله : إن القدرة البدنية ليست شرطاً للوجوب لكنها شرط للأداء . هل بين الوجوب والأداء فرق ؟ نعم ، إذا قلنا شرط للوجوب معناه أن العاجز ببدنه ولو كان عنده اموال كثيرة لا حج عليه ، وإذا قلنا شرط للأداء قلنا : الذي عنده أموال ولكنه يعجز ببدنه يجب عليه أن ينيب من يحج عنه ولا يجب عليه الأداء لعدم قدرته عليه .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز نيابة الإنسان الرجل ، واضح ؟ طيب، فإن قال قائل : هل يجوز أن ينيب غير الفروع فيحج عن من ليس بينه وبينه صلة ؟ الجواب : القول الراجح نعم ، وأنه لا يُشترط لصحة النيابة في الحج أن يكون من فروع المنيب ، دليلها : أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه ذلك بقضاء الدين ، وقضاء الدين يجوز من الفروع ومن غيرهم ، من القريب ومن البعيد . وأما قول من قال إنه لا يصلح من غير فروع الإنسان واستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم )) فقد أبعد النجعة ؛ لأن قول إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم ، يعني فكلوا منه ؛ لأنهم من كسبكم فكسبهم أيضاً كسب لكم ، هذا معنى الحديث . وقد جاء في السنن على غير شرط البخاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : (( من شبرمة )) يقول له للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، قال : أخ لي أو قريب ، قال : (( أحججت عن نفسك )) قال : لا ، قال : (( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) وهذا أخ أو قريب.
ومن فوائد هذا الحديث أن عدم الثبوت على الراحلة عذر لعدم الأداء لقولها : ( لا يثبت على الراحلة ) ، طيب فإن قيل : إذا كان هذا الإنسان إذا ركب في السيارة أُغمي عليه أو صار كالمغمي عليه لكنه يثبت يبقى في مكانه فهل يسقط عنه الحج ؟ فالجواب : نعم لأن الإغماء على الشخص أو شبه الإغماء ليس مجرد أن يصحو الإنسان يذهب عنه كل شيء ، إذا صحا الإنسان من إغمائه فسيتأثر بدنه وينحل ويتعب ويبقى مدة على حسب شبابه وشيخوخته لم يسترد قوته ، وقد قال الله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } ويوجد أناس بهذه الطريقة من حين ما يركب السيارة وتشغل خلاص ينسى الدنيا على أن يصل إلى البلد ، مثل هذا ما يجب عليه الحج بلا شك ، لا يجب عليه إيش ؟ أداءً .
انتهى الوقت نأخذ خمس دقائق تكون قرضى إن شاء الله إلى الليلة القادمة ، تعرفون القرضى ؟ القرضى إلى الليلة القادمة إن شاء الله يعني بمعنى إن شاء الله نبدأ بالسؤال قبل الدرس إن شاء الله .
سبق حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة المرأة وذكرنا من فوائده أنه يجوز أن تحج المرأة عن الرجل ، وهل يجوز أن يحج الرجل عن المرأة ؟ الجواب : نعم من باب أولى ، ولكن الحج عن العاجز في الفريضة هو ما دل عليه الحديث ولا نزاع في هذا ، لكن الحج عن العاجز في النفل هل يجوز أو لا يجوز ؟ اختلف العلماء في هذا ، منهم من قال إنه جائز قياساً على الفريضة ، ومنهم من قال إنه لا يجوز لأن الأصل أن لا ينوب أحد عن أحد في عبادة ، وإذا كان هذا هو الأصل فإننا نقتصر على ما ورد بعينه ولا نتجاوزه . وهذا عندي أقرب ؛ لأنه مثلاً إذا قلنا بأنه يجوز أن ينوب الإنسان على الحي القادر معناه أنه فوَّتنا على هذا المستنيب فوَّتنا عليه طعم العبادة ، تجد هذا الإنسان ذهب يحج وهذا في لهوه وسهوه ولا كأنه يتعبد ، إذاً ما هي الفائدة ؟ فالقول بالنفي في النفل له وجه قوي . طيب لو كان ميتاً وأردنا أن ننيب عنه أحد في الحج ؟ هذا يجوز لأن الميت لا يستطيع أن يأتي بالحج ببدنه .

قاسم علي
11-28-2006, 04:13 PM
2ـ بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) ( فِجَاجًا ) الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ
( ) قال الله تعالى : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } جواب لشرط حذفه البخاري رحمه الله وهو قوله : { وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } جواب الأمر يأتوك جواب للأمر الذي حذفه البخاري رحمه الله ، وجواب الأمر يكون مجذوماً ، إذا كان كذلك فنقول المعنى : أعلم الناس بوجوب الحج وادعهم إلى ذلك يأتوك ، أي الناس ، رجالاً ، يعني ونساءً وحُذف النساء أو إيش ؟ لا .. رجالاً يعني على أرجلهم كما قال الله تعالى : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} ، { وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ} يعني ويأتوك على كل ضامر ، أي على كل ناقة ضامر ، الضامر هي التي قبل أكلها لكنها قوية وبطنها قد ضمرت {يَأْتِينَ} أي يقدمن { مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ} أي بعيد ، وهذا هو الذي حصل تجد المسلمين يأتون إلى الحج من أبعد ما يكون ، من أقصى شرق آسيا وكذلك من أفريقيا وغيرها ، لكن تغيرت الوسيلة الآن ، الوسيلة بدل أن يأتوك على كل ضامر ، وعلى كل طائر ، وكان في الأول وعلى كل سفينة . الآن الذي يأتي بالطائرات أضعاف الذين يأتون بالسفن وبالسيارات ، واسأل مطار جدة كيف يأتين ؟ عالم ، طائرات سبحان الله ، الطائرة الواحدة تقول هذه قرية تحمل أربعمائة وخمسين راكب بعفشهم ومتاعهم وكل ما يحتاجون ، أربعمائة وخمسين راكب في سفرة واحدة !! إذاً يأتوك الآن على إيش ؟ على كل طائر ، وهذا من نعمة الله عز وجل . تيسير المواصلات والاتصالات لا شك إنه رحمة من الله عز وجل ، ولكن اعلم أن كل ما في الدنيا لا يمكن أن يكون رحمة من كل وجه بل لا بد أن يكون هناك نواقص لأن الدنيا أصلاً دار دنيا ، دنيا من إيش ؟ من الدنو ما فيها شيء كامل ، وفي هذا يقول الشاعر :
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساء ويوم نُسر
هكذا حتى يأخذ الله عز وجل العباد بالبلاء والرهب ، يقول عز وجل : { لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ} منافع جمع ، صيغة إيش ؟ صيغة منتهى الجموع يعني منافع كثيرة دينية ودنيوية ، واسأل التجار ماذا يحصلون عليه من الأرباح في مواسم الحج ، لا الذي يقدمون بسلعهم إلى مكة ولا أهل مكة الذين يبيعون على الحجاج . أما المنافع الدينية فلو اُستغل الحج كما ينبغي لوجدت فيه منافع كبرى ، لتعلم الجاهل من العالم وعرف المسلمون بعضهم بعضاً وحصل خير كثير ، أنك تمر بالشارع وفيه مثلاً من أفريقيا ومن آسيا ومن أوروبا ما كأنهم أخوان مسلمين هدفهم واحد ... لا خلوا هذا .. هذا من أوروبا ما علينا منه .. خلي هذا من شرق آسيا ما علينا منه .. غلط هذا، يعني لو أن الناس استعملوا مواسم الحج فيما أراد الله عز وجل لحصل بهذا خير كثير .
1418 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عنهمَا قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً.
( ) عندي نسخة : ( فين تستوي به ) هذه مسألة الإهلال ، الإهلال يعني التلبية بالحج ، هل يلبي الإنسان بالحج من حين أن يُحرم ، يعني حين أن يغتسل ويلبس ملابس الإحرام ؟ أو حين أن يصلي ؟ أو إذا استوى على بعيره ؟ في هذا خلاف بين أهل العلم ، منهم من قال إذا استوى على بعيره، ومنهم من قال إذا كان في ذي الحليفة إذا استوى على البيداء ، لن في حديث جابر يقول : ( حتى إذا استوى في راحلته على البيداء أهل بالتوحيد) ومنهم من قال من حين أن يُحرم أو يصلي . والأيسر للإنسان أن يُحرم إذا استوت به ناقته ، إذا استوى على بعيره أو إذا استوى على إيش ؟ على سيارته ، لأن هذا أرفق به إذ قد يطرأ عليه بعد الاغتسال ولبس ثوب الإحرام يطرأ عليه أشياء ممنوعة في الإحرام ويتمنى أنه لم يُحرم ، ولنفرض أنه نسي أن يتطيب وعقد الإحرام من حين أن اغتسل ولبس ثوب الإحرام ونسي أن يتطيب ، الآن يمكن أن يتطيب أو لا ؟ لا يمكن ، ليش ؟ لأنه عقد النية ، لكن لو أخّر التلبية حتى ركب تمكن من ذلك .
ذهب بعض أهل العلم رحمهم الله إلى الجمع بين الثلاث روايات بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل حين صلى فأدركه قوم وقالوا أهل دبر الصلاة ، وأهل حين ركب فسمعه قوم فقالوا أهل حين استوى على راحلته ، وأهل على البيداء فأدركه قوم فقالوا : حتى إذا استوت راحلته على البيداء أهل بالتوحيد . فيكون هذا الاختلاف ليس اختلافاً لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن اختلاف لمن أدركه من الرواة . وهذا جمع حسن ، لكن كما قلت لكم ... والحديث ورد فيه عن ابن عباس لكنه ضعيف ، يعني هذا الجمع ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أنه ضعيف ، وعلى هذا فالذي أرى أن يُحرم الإنسان بأن يعقد النية إذا استوى على راحلته . في الطائرة مثلاً كيف يحرم ؟ مستوٍ على الراحلة من قبل ، نقول : البس ثياب الإحرام وتأهب حتى إذا قربت من الميقات فأحرم ولا تنتظر حتى تحاذي الميقات لأنك إذا حاذيته فالطائرة في لحظة تبعد عنه فتأهب من قبل ، والاحتياط خير من الفوات ، يعني كونك تحتاط ويقال إنك أحرمت قبل الميقات بخمس دقائق مثلاً أولى من أن يفوتك ولو بدقيقة واحدة
بعض الناس يأتي يسأل يقول إن إحرامه أي ثياب الإحرام الإزار والرداء في الشنطة مع العفش ولا يتمكن منه وهو في الطائرة فماذا يصنع؟ بعض الناس يقول خلاص إذا وصلت إلى جدة نزلت واشتريت إحرام وأحرمت . وعلى القول بوجوب الإحرام من الميقات يكون هذا الرجل ترك واجباً فيلزمه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها ، لكن نقول لست محتاجاً إلى هذا ، اخلع القميص ويبقى عندك السروال إذا كان عليك سروال ، السروال عند فقد الإزار جائز ما فيه شيء وقميصك الذي عليك اجعله رداءك ، إذا كان عليك غترة يمكن إذا كانت الغترة يعني ثخينة أن تجعلها إزاراً وأن تجعل القميص رداءك ولا فيها الحمد لله يعني ما فيه حرج ولا فيه إشكال ، لكن أكثر الناس جهال ما يعرفون كيف يتصرفون .
وهل يُسن للإحرام صلاة بمعنى أنك إذا أردت أن تُحرم فصلي ثم أحرم ؟ في هذا خلاف بين العلماء ، منهم من قال : إن الإحرام له صلاة مخصوصة يسن للإنسان أن يصلي أولاً ثم يحرم ثانياً بعد الصلاة . واستدلوا بما أخرجه النسائي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل دبر صلاة . لكن الحديث لا دليل فيه لأن دبر صلاة أي صلاة هي ؟ قد تكون فريضة وهي كذلك هي فريضة ، والراجح أنه ليس للإحرام صلاة تخصه لكن إن كان في وقت نافلة كما لو كان في الضحى صلي ركعتين للضحى ثم أحرم ، إن صلى من أجل سنة الوضوء صلى سنة الوضوء ثم أحرم هذه حيلة لا شك ، لكن هل نقول إن هذه الحيلة مشروعة أم نقول ما دام أن الرجل ليس من عادته أن يصلي الضحى وصلى الضحى الآن لأجل الإحرام إذاً جعلنا للإحرام صلاة تخصه ، كذلك ليس من عادته أن يصلي ركعتين بعد الوضوء وصلى معناه الذي حمله على الصلاة هو الإحرام ، لكن مع ذلك أقول لعل هذه الصلاة ينفعه الله بها أنه ما دام وجد سبب شرعي لهذه الصلاة وهو الوضوء أو الضحى فليفعل إن كان هذا نافعاً نفعه وإن لم يكن نافعاً فإنه لا يضره .
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ أنه سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِي الله عنهمَا أَنَّ إِهْلالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عنهمْ
هذا حديث جابر ، يقول : ( أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته ) على إيش ؟ في صحيح مسلم ( على البيداء ) ولم يذكر ( حين استوى على راحلته ) وبينهما فرق (استوى على راحلته ) يعني استقر عليها وقامت ، استوت به الراحلة يعني هي التي استوت وعلت على البيداء . ماذا قال الشارح ؟
تعليق من فتح الباري :

قاسم علي
11-29-2006, 04:28 PM
ـ بَاب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ
وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَالرَّحْمَنِ فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ وَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله عنه شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ.
1421 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ فَقَالَ يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ.
4 ـ بَاب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ
1422 حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنه قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ( )
1423 حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلا نُجَاهِدُ قَالَ لا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ( )
( ) يوجد انقطاع في الشرح من بداية (بَاب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ) حتى نهاية هذا الحديث من (بَاب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ) .
( ) قوله : (( أفضل الجهاد حج مبرور )) هل المراد أفضل الجهاد بالنسبة للنساء أو عموماً ؟ أفضله بالنسبة للنساء إي نعم ، ولهذا جاء في حديث آخر قال : (( عليكن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة )) ماذا في الشرح ؟
تعليق من فتح الباري :
قال : ( نرى الجهاد أفضل العمل ) وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ : ( فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد ) قوله : ( لكن أفضل الجهاد ) اُختلف في ضبط ( لكن ) فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة . قال القابسي : وهو الذي تميل إليه نفسي . وفي رواية الحموي ( لكن ) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد وسماه جهادا لما فيه من مجاهدة النفس وسيأتي بقية الكلام في أواخر كتاب الحج في باب حج النساء إن شاء الله والمحتاج إليه هنا كونه جعل الحج أفضل الجهاد .
الشيخ : الحج المبرور جهاد بالنسبة للنساء ، ( لكِن ) في هذه الرواية التي أشرنا إليها ( لكُن أفضل الجهاد ) .
( ) ( من حج لله ) اللام هذه للإخلاص يعني حجا قصد به وجه الله عز وجل ( فلم يرفث ) أي لم يباشر ، كما قال عز وجل : { فَلاَ رَفَثَ } والمراد به الجماع ومقدماته ( ولم يفسق ) أي لم يعص الله سواء كانت المعصية فيما بينه وبين ربه أو فيما بينه وبين الخلق ، فإذا اجتمع الإخلاص واجتناب المحرمات الخاصة بالإحرام وهو إيش ؟ الرفث ، فحينئذ يرجع (كيوم ولدته أمه ) يوم : بالفتح أو بالكسر ؟ أنا مشكولة عندي بالكسر والأفصح الفتح ( كيومَ ولدته أمه ) لأن ( يوم ) وشبهها إذا أُضيفت إلى مبني فالأولى بنائها على الفتح ، ( كيوم ولدته أمه ) يعني ليس عليه ذنوب كما أن الجنين إذا ولد ليس عليه ذنوب فكذلك هذا ، وظاهر الحديث الكبائر والصغائر وهذه مسألة اختلف فيها العلماء هل الأحاديث المطلقة هذه تشمل الكبائر والصغائر أو يُقال أنها مقيدة بما إذا اجتُنبت الكبائر ؟ هذا الأخير أنها مقيدة ، وهو رأي الجمهور . وقالوا : إذا كانت الصلوات الخمس والجمعة على الجمعة لا تُكفر إلا باجتناب الكبائر مع أنها أفضل من الحج فالحج من باب أولى .
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ(1 )
( ) ( من حج لله ) اللام هذه للإخلاص يعني حجا قصد به وجه الله عز وجل ( فلم يرفث ) أي لم يباشر ، كما قال عز وجل : { فَلاَ رَفَثَ } والمراد به الجماع ومقدماته ( ولم يفسق ) أي لم يعص الله سواء كانت المعصية فيما بينه وبين ربه أو فيما بينه وبين الخلق ، فإذا اجتمع الإخلاص واجتناب المحرمات الخاصة بالإحرام وهو إيش ؟ الرفث ، فحينئذ يرجع (كيوم ولدته أمه ) يوم : بالفتح أو بالكسر ؟ أنا مشكولة عندي بالكسر والأفصح الفتح ( كيومَ ولدته أمه ) لأن ( يوم ) وشبهها إذا أُضيفت إلى مبني فالأولى بنائها على الفتح ، ( كيوم ولدته أمه ) يعني ليس عليه ذنوب كما أن الجنين إذا ولد ليس عليه ذنوب فكذلك هذا ، وظاهر الحديث الكبائر والصغائر وهذه مسألة اختلف فيها العلماء هل الأحاديث المطلقة هذه تشمل الكبائر والصغائر أو يُقال أنها مقيدة بما إذا اجتُنبت الكبائر ؟ هذا الأخير أنها مقيدة ، وهو رأي الجمهور . وقالوا : إذا كانت الصلوات الخمس والجمعة على الجمعة لا تُكفر إلا باجتناب الكبائر مع أنها أفضل من الحج فالحج من باب أولى .
فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
1425 حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عنهمَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ فَسَأَلْتُهُ مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ قَالَ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ(1 )
( ) هذا لفظ نادر مهم ( فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرناً ) وإلا هي في روايات كثيرة : (يُهلُ أهل المدينة من ذي الحليفة) قال العلماء : ( يُهلُ ) خبر بمعنى الأمر ، وهذا اللفظ الذي معنا صريح بأن الإهلال من هذه المواقيت فرض ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرن ) قرن : هذا يسمى قرن المنازل والآن يسمى السيل الكبير (ولأهل المدينة ذا الحليفة) ذا الحليفة : هي المكان المعروف الآن ، وسُميت بذلك لأن فيها حلفا شجر معروف كثير فسمي ذا الحليفة ، الآن يُسمى أديار علي ، ثالثاً ( ولأهل الشام الجحفة ) الجحفة : قرية مشهورة معروفة وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام ولكنها خربت ودمرت وصار الناس يحرمون من رابغ بدلاً عنها ، ورابغ أبعد منها يسيراً عن مكة ، فمن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة وزيادة .
هذه المواقيت وقتها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تُفتح الشام وهذا يدل على أن الشام ستُفتح وسوف يحج أهلها ، ولهذا أشار ابن عبد القوي رحمه الله في ( داليته الفقهية ) منظومة كبيرة بأن تعيينها من معجزات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه عينها قبل أن تُفتح هذه البلاد .

قاسم علي
12-01-2006, 08:00 PM
7 ـ بَاب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
1427 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ( )
( ) ظاهر كلام البخاري رحمه الله أن أهل مكة يهلون من مكة للحج والعمرة ؛ لأنه ذكر الترجمة ثم ساق الحديث حتى أهل مكة من مكة ، ولكن هذا فيه نظر فإن أهل مكة لا يمكن أن يحرموا من مكة ؛ لأنهم إذا أحرموا من مكة لن يعدو عملهم هذا إلا أن يكونوا طافوا وسعوا بدون نسك ، والعمرة مأخوذة من الزيارة والإنسان الذي في بلده لا يُقال أنه زائر ولهذا لما أرادت عائشة أن تُحرم بعمرة أمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تخرج إلى التنعيم مع أن ذلك كان في الليل وكان فيه شيء من المشقة ، ولم يقل أحرمي من مكانك من المحصب ، وهذا دليل على أنه لا عمرة من مكة وإنما من أراد العمرة يخرج إلى الحل ويُحرم من الحل .
وقوله : ( ممن أراد الحج والعمرة ) فيه دليل على أن من يُرد الحج والعمرة لم يلزمه أن يُهل من هذه المواقيت ، مثل أن يذهب إلى مكة لتجارة أو لزيارة قريب أو لعياذة مريض أو ما أشبه ذلك فهذا لا يلزمه الإحرام من الميقات؛ لأنه لم يُرد الحج والعمرة . فإن قال قائل وهل يلزمه أن يريد الحج والعمرة؟ قلنا الجواب إن كان قد أدى الفريضة لم تلزمه إرادة الحج والعمرة الدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( الحج مرة فما زاد فهو تطوع )) فإن كان لم يؤد الفريضة وجب أن يُحرم وإن أدى الفريضة فالإحرام سنة . لا شك أنه ينبغي للإنسان أن يدخل إلى مكة بإحرام .
8 ـ بَاب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلا يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ
1428 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عنهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ عَبْدُاللَّهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ( 1)
( ) ميقات أهل المدينة ذي الحليفة وهي مكان معروف ، وسُميت بهذا لكثرة هذه الشجرة فيها وهي شجرة الحلفاء . وقول البخاري رحمه الله : (ولا يُهلوا قبل ذي الحليفة) كأنه يميل إلى الكراهة أو التحريم أي تحريم الإهلال قبل الميقات ، وذلك لأن الإنسان إذا أهل قبل الميقات فهو الذي يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين أي تقدم على حدود الرسول عليه الصلاة والسلام . ولا شك أن الأفضل ألا يُحرم إلا من الميقات وأن أدنى ما نقول في الإحرام قبل الميقات أنه مكروه ، لكن إذا كان الإنسان يُحرم قبل الميقات احتياطاً فلا حرج ، وهذا يحتاج الإنسان إليه فيما إذا كان راكباً في الطائرة فإنه لو أخّر إحرامه حتى يحاذي الميقات فالطائرة سريعة ربما تتجاوز الميقات قبل أن ينوي ، وربما يأخذه النوم فيفوته الإحرام من الميقات ، فمثل هذا لا بأس أن يُحرم قبل محاذاة الميقات لدعاء الحاجة لذلك.
وقوله : ( يُهل أهل المدينة ) خبر بمعنى الأمر ، وقد ورد صريحاً في حديث ابن عمر الأمر في الإهلال من هذه المواقيت ( وأهل الشام من الجحفة ) الجحفة : قرية كانت قديمة ومسكونة ، ولما دعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينقل الله حمى المدينة إلى الجحفة ونزلت الحمى فيها نزح عنها أهلها وجعل الناس بدلاً من الجحفة رابغاً ، ورابغ أبعد قليلاً من الجحفة عن مكة ، فمن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة وزيادة . والآن عُمرت الجحفة وجُعل لها خط مسفلت يذهب الناس إليها ، فمن أحرم من الجحفة فقد أحرم من الميقات الأصلي .
الثالث : قال ( وأهل نجد من قرن ) يعني يحرم الناس من قرن أي قرن المنازل ، ويُسمى الآن السيل ، وهو معروف يُحرم منه أهل نجد .
والرابع : ( قال عبد الله وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يهل أهل اليمن من يلملم ) وهو مكان أو جبل أو وادي معروف في طريق اليمن ويُسمى السعدية . وكلها والحمد لله معروفة الآن وعينها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تُفتح بعض البلاد التي عُينت لها إشارة إلى أن هذه البلاد سوف تُفتح . ولهذا قال ابن عبد القوي رحمه الله في منظومته الفقهية ، قال : وتعيينها ـ أو قال ـ
وتحديدها من معجزات نبينا لتعيينها من قبل فتح المعدد
يعني أنه من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام أنه عيَّن هذه الأماكن لأهل هذه البلاد مع أنها لم تُفتح إشارة إلى أنها سوف تُفتح وسوف يحجون. هذه المواقيت لم يبين فيها هل هي لأهلها مُطلقاً أو لأهلها ومن مر عليهم في حديث ابن عمر ، لكن في حديث ابن عباس الآتي ما يدل على ذلك .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 387 :
قوله : ( باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة ) قد تقدمت الإشارة إلى هذا في باب فرض المواقيت واستنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة الأمر تعين ذلك ، وأيضا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجرا ، وقد تقدم شرح المتن في الذي قبله .
9 ـ بَاب مُهَلِّ أَهْلِ الشَّامِ
1429 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عنهمَا قَالَ : وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا(1 )
( ) هذا الحديث فيه زيادة عن ما سبق وهو التصريح بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل اليمن يلملم ، وفيه أيضاً مما زاد أن هذه المواقيت لأهل هذه البلدان ولمن أتى عليهن من غير أهل هذه البلدان ، ولا يخفى أن في هذا تيسيراً على المُكلف ، وإلا لقلنا أن المدني إذا جاء من طريق نجد وجب عليه أن يذهب إلى ذي الحليفة ولقلنا إذا جاء من نجد أحد ماراً بذي الحليفة وجب عليه أن يُحرم من قرن ، وفي هذا لا شك مشقة ، ولذلك كان من أتى على هذه المواقيت من غير أهل هذه البلاد يُحرم منها تيسيراً على المُكلف .
ولكن هل إحرامه منها رخصة أو عزيمة ؟ أكثر العلماء على أنها عزيمة وأنه لا يجوز أن يتجاوز الميقات إلا مُحرماً وإن لم يكن من أهلها ، وهذا هو ظاهر الحديث . وقيل إنه رخصة وأن الإنسان لو أخّر الإحرام إلى ميقاته الأصلي فلا حرج . وهذا مذهب مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . وينبني على هذا مسألة مهمة وهي أن الإنسان لو ذهب في الطائرة من القصيم يريد الحج أو العمرة ، ثم لم يُحرم من محاذات ذي الحليفة حتى وصل إلى جدة ، فعلى قول من يقول إن التوقيت لمن مر عليهن من غير عزيمة نقول : إذا أردت أن تُحرم الآن ترجع إلى ذي الحليفة ، وعلى قول من يقول إنها رخصة وأنه يجوز أن لا يحرم من الميقات الأصلي نقول اذهب إلى قرن ، وهذا فرق واضح . ولكن ظاهر النص أنه فرض وليس برخصة أن من مر بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة لابد أن يُحرم .
ومن فوائد هذا الحديث أنه لا يلزم كل من مر بهذه المواقيت أن يُحرم منها إذا كان لا يريد الحج أو العمرة ، لقوله : ( ممن يريد الحج أو العمرة) فإذا قال قائل : كلمة ( ممن يريد ) لا تدل على عدم الوجوب إذا دل النص على الوجوب لأنك تقول للشخص : إذا أردت أن تُصلي فتوضأ . هل نقول إن الصلاة تحت الإرادة إن شاء صلى وإن شاء لم يصلي ؟ لا .. فالجواب : أن نقول لا دليل على وجوب تكرار الحج والعمرة بل الدليل يدل على أنه مرة واحدة ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال : (( إن الله فرض عليكم الحج )) قام الأقرع بن حابس ، وقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ قال : (( الحج مرة فما زاد فهو تطوع )) وهذا نص صريح ، وعلى هذا فلا نُلزم عباد الله بما لم يلزمهم ، فمن ذهب على مكة لتجارة أو طلب علم أو زيارة مريض أو عيادة مريض أو أي شغل وهو قد أدى الفريضة فإن شاء أحرم وإن شاء لم يُحرم سواء طال عهده بمكة أو قصر .
وأما قول العوام إذا كان بينه وبين نسكه الأول أكثر من أربعين يوماً وجب عليه أن يُحرم وما كان دون ذلك فلا يجب . فلا أصل له ، الصواب الذي تطمئن إليه النفس هو أن من أدى الفريضة فإنه لا يلزمه أن يُحرم ولو مر بالمواقيت ، والحديث هنا صريح : ( لمن يريد الحج والعمرة ) والواو هنا بمعنى أو ، يعني أو العمرة ، وليس المعنى ممن يريد القران ؛ لأنه لو أخذنا بظاهرها لكان المعنى ممن يريدهما جميعاً ، وليس كذلك بل من يريد الحج أو العمرة .
ومن فوائد هذا الحديث أن من كان دون المواقيت ، يعني أقرب إلى مكة من المواقيت فإنه يُحرم من مكانه ولا يلزمه أن يذهب إلى الميقات ، وهذا من التيسير ، ومثل ذلك من تجاوز الميقات لا يريد الحج ولا العمرة ثم بدا له بعد ذلك أن يحج ويعتمر ، نقول أحرم من حيث بدا لك ، لأنه في بعض روايات الحديث : (( فمن حيث أنشأ )) ومعلوم أن الإنسان قبل النية لم يُنشئ ، فإذا قُدر أن شخصاً تجاوز الميقات ميقات ذي الحليفة حتى وصل إلى جدة وهو لا يريد الحج ولا العمرة ، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر فإنه يحرم من إيش ؟ من مكانه من حيث أنشأ .
فإذا قال قائل : إذا مر الإنسان بهذه المواقيت يريد أهله وهو عازم على أن يحج عامه أو يعتمر ؟ مثاله : رجل من أهل جدة مر بذي الحليفة في شعبان وهو يريد أن يعتمر في رمضان ، هل يلزمه أن يُحرم أو لا يلزمه ؟ فالجواب : لا يلزمه ؛ لأن الرجل ذهب إلى أهله لكنه ناوٍ أن يعتمر في رمضان ، وكذلك لو كان بعد رمضان ذهب إلى أهله وهو يريد أن يحج هذا العام لا يلزمه أن يُحرم ؛ لأنه يريد أهله وإذا جاء وقت الحج أحرم به .
ومن فوائد هذا الحديث أن ظاهره أن أهل مكة يُحرمون بالعمرة من مكة ، وقد أخذ به بعض العلماء ، ولكنه قول ضعيف والصواب أنه لابد أن يخرج أهل مكة إلى أدنى الحل ، إما عرفة أو التنعيم أو من الجهة الغربية . المهم لابد أن يخرجوا إلى الحل ، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عائشة أن تخرج إلى التنعيم ولم يأذن لها أن تُحرم من مكة . فإذا قال قائل ـ وقد قيل ـ : إن عائشة آفاقية . قلنا لا فرق بين الآفاقي وغيره ، والدليل على هذا أن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم من أين أحرموا بالحج ؟ من مكة ، ولم يقل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أنتم لستم من أهل مكة فاخرجوا إلى التنعيم ، ثم ما معنى العمرة ؟ العمرة هي الزيارة ، وإذا كانت هي الزيارة فلا بد أن يكون الزائر من غير بيت المزور ، فإذا كنت تريد أن تعتمر والعمرة محلها الحرم فلا بد أن تأتي من خارج الحرم .
فإذا قال قائل : إذاً كيف تقولون إن أهل مكة يحرمون بالحج من مكة؟ قلنا : نقول هذا لأنهم سوف يقدمون من الحل للطواف والسعي ، أين الحل ؟ عرفة . فلا ينتقد هذا التعليل . والصواب عندي المتعين أنه لا يجوز لأحد في مكة أن يُحرم بالعمرة من مكة ؛ لأن حقيقته إذا أحرم من مكة حقيقته أنه طاف وسعى وقصر فقط ولم يأت بعمرة .
ومن فوائد هذا الحديث قوله : ( أهل مكة ) هل يقاس على أهل مكة من كان من غير أهل مكة ولكنه في مكة ؟ الجواب : نعم ، بل هذا لا قياس فيه في الواقع ، جاء به النص ، فإن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم في حجة الوداع كلهم أحرم من أين ؟ من الأبطح في مكة .
ـ بَاب مُهَل أَهْل نَجْدٍ
1430 حَدَّثَنَا عَليٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْهم سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ يَقُول مُهَل أَهْل المَدِينَةِ ذُو الحُليْفَةِ وَمُهَل أَهْل الشَّامِ مَهْيَعَةُ وَهِيَ الجُحْفَةُ وَأَهْل نَجْدٍ قَرْنٌ قَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَال وَلمْ أَسْمَعْهُ وَمُهَل أَهْل اليَمَنِ يَلمْلمُ(1 )
(1 ) سبق هذا ، يعني الحديث اختلف في اللفظ فقط وإلا المعنى واحد وروى ابن عمر رضي الله عنه أنه نسب توقيت يلملم لأهل اليمن إلى شخص آخر بلغه بذلك . وهذا كقوله في سنة الفجر لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الرواتب التي ذكرها ، قال : وحدثتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الفجر ركعتين خفيفتين وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها .

قاسم علي
12-03-2006, 03:22 PM
11 ـ بَاب مُهَل مَنْ كَانَ دُونَ المَوَاقِيتِ
1431 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَقَّتَ لأَهْل المَدِينَةِ ذَا الحُليْفَةِ وَلأَهْل الشَّامِ الجُحْفَةَ وَلأَهْل اليَمَنِ يَلمْلمَ وَلأَهْل نَجْدٍ قَرْنًا فَهُنَّ لهُنَّ وَلمَنْ أَتَى عَليْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلهِ حَتَّى إِنَّ أَهْل مَكَّةَ يُهِلونَ مِنْهَا( 1)
12 ـ بَاب مُهَل أَهْل اليَمَنِ
1432 حَدَّثَنَا مُعَلى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَقَّتَ لأَهْل المَدِينَةِ ذَا الحُليْفَةِ وَلأَهْل الشَّامِ الجُحْفَةَ وَلأَهْل نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِل وَلأَهْل اليَمَنِ يَلمْلمَ هُنَّ لأَهْلهِنَّ وَلكُل آتٍ أَتَى عَليْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْل مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ .
13 ـ بَاب ذَاتُ عِرْقٍ لأهْل العِرَاقِ
1433 حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ مُسْلمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا فُتِحَ هَذَانِ المِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالوا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ حَدَّ لأَهْل نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَليْنَا قَال فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ( 2)
( 1) وسبق أن هذا بالنسبة لأهل مكة في الحج أما في العمرة فلا بد أن يخرجوا إلى الحل ، أما عرفة وإما التنعيم وإما الجعرانة وإما الحديبية .
( 2) قوله : ( المصران ) يريد بهما الكوفة والبصرة ، فهما مدينتان لكن يسميان مصرين ، وقوله : ( جور عن طريقنا ) يعني مائل عن طريقنا ويشق علينا أن نذهب إليه ، فقال : ( انظروا إلى حذوها من طريقكم ) لكن ما المراد بالحذو ؟ المراد المساواة ، وهل المراد المساواة بخط مستقيم أو بخط منحني ؟ بمعنى أن نجعل بيننا وبين مكة كما بين قرن المنازل ومكة ؟ ما فهمتم .. يعني بينهما فرق ، إذا قلنا خط مستقيم ربما تكون عرق أبعد من قرن المنازل ، وإذا قلنا خط لابد أن يميل قليلاً من أجل أن يكون المسافة بين ذات عرق وبين مكة كالمسافة بين مكة وقرن المنازل . هذا هو الظاهر ، والأول محتمل بلا شك .
بَاب
1434 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ بِذِي الحُليْفَةِ فَصَلى بِهَا وَكَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَفْعَل ذَلكَ(1 )
15 ـ بَاب خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ عَلى طَرِيقِ الشَّجَرَةِ
1435 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُل مِنْ طَرِيقِ المُعَرَّسِ وَأَنَّ
( 1) بسم الله الرحمن الرحيم ، سبق لنا أن البخاري رحمه الله إذا قال : ( باب ) ولم يذكر العنوان فإنه بمنزلة قول المؤلفين : ( فصل ) فانتبهوا لهذا الاصطلاح .
وفي هذا الحديث حرص ابن عمر رضي الله عنهما على تحري الأماكن التي ينزل بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويصلي بها ، حتى إنه رضي الله عنه يتحرى الأمكنة التي نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها فبال فيها ، لكن هذا الأصل ـ يقول شيخ الإسلام رحمه الله ـ قد خالفه بقية الصحابة ، وقالوا إنه لا أسوة إلا في العبادة فقط وأن ما يفعله على سبيل الجبلة فهذا لا يُقتدى به . يعني مثلاً الإنسان علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل فبال في مجيئه من عرفة إلى مزدلفة في أثناء الطريق ، هل نقول : يسن أن ننزل فنبول في المكان هذا ؟ ابن عمر يفعل هذا رضي الله عنه ويتحراه ، لكن الأصل الذي عند الصحابة رضي الله عنهم عند أكثر الصحابة وعليه أكثر العلماء أن هذا ليس مما يُتأسى به فيه .
رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلى مَكَّةَ يُصَلي فِي مسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلى بِذِي الحُليْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ(1 )
(1 ) انظر الشرح .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 391 :
قوله : ( باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة ) قال عياض هو موضع معروف على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف أيضا وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد بيان في ذلك .
قال ابن بطال كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما يفعل في العيد يذهب من طريق ويرجع من أخرى ، وقد تقدم القول في حكمة ذلك مبسوطا وقد قال بعضهم : إن نزوله هناك لم يكن قصدا وإنما كان اتفاقا . حكاه إسماعيل القاضي في أحكامه عن محمد بن الحسن بالإجماع ، والصحيح أنه كان قصدا ؛ لئلا يدخل المدينة ليلا ، ويدل عليه قوله : ( وبات حتى يصبح) ولمعنى فيه وهو التبرك به كما سيأتي في الباب الذي بعده ، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من حديث الباب في أواخر أبواب المساجد وسياقه هناك أبسط من هذا.
بَاب قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ العَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ
1436 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الوَليدُ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ قَالا حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَال حَدَّثَنِي يَحْيَى قَال حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُول إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه يَقُول سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِوَادِي العَقِيقِ يَقُول أَتَانِي الليْلةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَال صَل فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ وَقُل عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ( 1)
1437 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْل بْنُ سُليْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَال حَدَّثَنِي سَالمُ بْنُ عَبْدِاللهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ أَنَّهُ رُئِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الحُليْفَةِ بِبَطْنِ
( 1) هذه البركة أنه واد مبارك ، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم المبيت فيه .
الوَادِي قِيل لهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالمٌ يَتَوَخَّى بِالمُنَاخِ الذِي كَانَ عَبْدُاللهِ يُنِيخُ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُول الله صلى الله عليه وَسَلمَ وَهُوَ أَسْفَل مِنَ المَسْجِدِ الذِي بِبَطْنِ الوَادِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلكَ(1 )
17 ـ بَاب غَسْل الخَلوقِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ
قَال أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلى أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلى قَال لعُمَرَ رَضِي الله عَنْه أَرِنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ حِينَ يُوحَى إِليْهِ قَال فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال يَا رَسُول اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الوَحْيُ فَأَشَارَ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه إِلى يَعْلى فَجَاءَ يَعْلى وَعَلى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِل بِهِ فَأَدْخَل رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَال أَيْنَ الذِي سَأَل عَنِ العُمْرَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَال اغْسِل الطِّيبَ الذِي بِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ قُلتُ لعَطَاءٍ أَرَادَ الإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِل ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَال نَعَمْ( 2)
(1 ) كل هذا يحتاج إلى معرفة الأمكنة هذه والوقوف عليها .
(2 ) ش2 وجه أ :
قوله : ( باب غسل الخلوق ) الخلوق : هو الطيب ، يعني يكون من أنواع . وفي هذا الحديث دليل على شدة ما يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين نزول الوحي عليه تحقيقاً لقوله تعالى : إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ولقد نزل عليه الوحي وهو على فخذ حذيفة ، يقول : ( حتى كاد يرز فخذي ) عليه الصلاة والسلام قد وضع رأسه عليه ، وهذا مما أمره الله به أن يصبر عليه قال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ تَنزِيلاً W فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ .
وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوقف في الأمر الذي لم يبلغه فيه الوحي وليس محلاً للاجتهاد ، فما بالك بنا ؟ نحن نُفتي وكما يقول العوام : ( قطها و........... ) يفتي ولا يبالي ، فكأنما ينزل عليه الوحي ، والواجب التثبت والتأني لأن المفتي مُعبر عن الله عز وجل ، يقول هذا شرع الله .
وفيه أيضاً دليل على أن الإنسان إذا أحرم وبه طيب فإنه يجب أن يغسله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات )) . وفيه اعتبار التثليث في إزالته ، أي في إزالة الطيب ، حتى لو زال في أول مرة فكرره ثلاث مرات امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وفيه أيضاً دليل على أن من أحرم بإحرام فيه طيب فإنه ينزعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( وانزع عنك الجبة )) لأنها فيها طيب ، واقتصار بعض العلماء رحمهم الله على كراهة تطييب الرداء ، يعني رداء الإحرام ، فيه نظر ، والصواب أنه حرام . أما بعد أن يُحرم فهو ظاهر وأما قبل أن يُحرم فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( لا تلبسوا ثوباً مسه زعفران ولا ورس )) . فالصواب أن تطييب الإحرام قبل عقد النية ثم لبسه حرام على الإنسان حتى يغسله .
وفيه أيضاً من فوائده أن العمرة كالحج يُصنع فيها ما يُصنع في الحج حيث قال : (( اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك )) لكن يستثنى من ذلك ما وقع عليه إجماع في أنه لا يُفعل في العمرة كالوقوف في عرفة والمبيت في مزدلفة والمكث في منى ورمي الجمرات ، فإن هذا لا يُفعل في العمرة بالاتفاق بإجماع المسلمين ، ويبقى الطواف والسعي والحلق أو التقصير ومحظورات الإحرام، تتساوى فيه العمرة والحج . وفيه أيضاً دليل على وجوب طواف الوداع للعمرة لعموم قوله : ((كما تصنع في حجتك )) فلا يجوز للإنسان إذا اعتمر أن يخرج من مكة إلا بوداع ، لكن من طاف وسعى وقصر ومشى اُكتفي بطوافه الذي طافه . وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذا فقال : ( باب المعتمر يُجزئه الطواف عن الوداع ) واحتج بفعل عائشة رضي الله عنها فإنها أتت بعمرة ليلة الحصبة أتت بعمرة ثم سارت إلى المدينة . وأما قول بعضهم : إنه لا يجب للعمرة طواف وداع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمر به إلا في الحج . فيقال : هذا من الأشياء التي تجدد حكمها ، نعم لو فُرض أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر بعد حجه ولم يطف الوداع لكان في هذا دليل ، أما أنه لم يقله إلا في حجة الوداع فيقال الجواب عن هذا أنه من باب ما تجدد إيجابه .
هل يمكن أن نقيس إزالة النجاسة على إزالة الطيب في الإحرام ؟ بمعنى أن نقول لا بد من ثلاث غسلات في إزالة النجاسة ؟ هو الغالب أن النجاسة لا تزول إلا بثلاث لكن لو فُرض أنها زالت بأقل فإن المكان يطهر لأن لدينا قاعدة في إزالة النجاسة وهي : أن النجاسة عين خبيثة متى زالت بأي مزيل زال حكمها . ولهذا يسأل كثير من الناس عن غسل الثياب والأكوات بالبخار هل تطهر أو لا تطهر ؟ نقول تطهر ما دام الوسخ زال والنجاسة زالت ، فهذا هو المطلوب ؛ لأن إزالة النجاسة لا تجب بالماء بل بكل ما يزيلها . فالنعل مثلاً إذا تنجست يطهرها التراب ، وزيل المرأة الذي تجره على أمكنة قذرة يطهره الذي بعدها ، والاستجمار يكفي عن الاستنجاء بالماء ، بل كل ما زالت عين النجاسة فهي طاهر ، حتى لو فُرض أن النجاسة وقعت على الأرض ثم زال أثرها ، أثر البول معروف إذا وقع على الأرض يكون له لون ، لكن بالرياح والشمس ذهب اللون ، فنقول المكان طهر الآن وإن لم يكن بالماء ، ولا يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يصب على بول الأعرابي الذي بال في المسجد ذنوباً من الماء ؛ لأن هذا أسرع في إزالة النجاسة ، صب الماء عليه أسرع والناس محتاجون للمسجد فلا نقل انتظروا حتى يزول بالشمس والريح .

قاسم علي
12-04-2006, 07:29 PM
18 ـ بَاب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ
وَمَا يَلبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجَّل وَيَدَّهِنَ
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَشَمُّ المُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَنْظُرُ فِي المِرْآةِ وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُل الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَقَال عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلبَسُ الهِمْيَانَ وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَلمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا للذِينَ يَرْحَلونَ هَوْدَجَهَا(1 )
(1 ) هذه من الآثار ، أولا الطيب للإحرام لا شك أنه سنة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتطيب عند إحرامه ويبقى الطيب ، قالت عائشة : ( كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) في هذه الحال يا جماعة إذا بقي الطيب على رأسه ويُنظر إلى وبيصه لمعانه وأراد يتوضأ لابد أن يمسح الرأس ، وإذا مسح الرأس لا بد أن يعلق الطيب في يده ، فهل نقول : إنه يفعل ويفدي ؟ لأنه تطيب تعمد التطيب ، أو نقول إنه لا يمسح رأسه ويتيمم ، أو نقول يمسح ولو علق الطيب بيده لأنه لم يتعمد الطيب ابتداءً ؟ الثالث : أنه لابد لكن لا يتعمد أن يفرك رأسه جداً حتى يلصق أكثر . وهذا والحمد لله دليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يُرى وبيص المسك في مفارقه ويغتسل ويكون برأسه هكذا .. وهو محرم .
( وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن ) معلوم أن المحرم إذا أراد أن يحرم يلبس الإزار والرداء ، هذا هو المشهور حتى يبقى الحجيج كلهم على لباس واحد ( ويترجل ويدهن ) يترجل : يعني يسرح الشعر ، ويدهن : يدهنه لكن بشيء ليس فيه طيب أو بشيء فيه طيب ؟ حتى لو كان فيه طيب ، الرسول كان يتطيب في رأسه ولحيته عليه الصلاة والسلام .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( يشم المحرم الريحان ) وهذه المسألة مختلف فيها ، هل يجوز للمحرم أن يشم الطيب أو لا ؟ بعضهم قال إنه لا يجوز مطلقاً ، وبعضهم قال يجوز مطلقاً ، وبعضهم فصَّل قال إن احتاج إلى ذلك كرجل وقف عند عطار وأراد أن يشتري منه طيباً فله أن يشمه ليعرف الطِيب الطَيِّب من الرديء . وهذا القول وسط لأنه أولاً تركه أحوط لا شك لأن الطيب إذا شمه الإنسان يجد نشوة وفرحاً وتحركاً في بدنه لكن إذا احتاج إلى ذلك فلا حرج . أما ظاهر المعروف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يشمه ولا حرج عليه .
( وينظر في المرآة ) لماذا ؟ يصلح ما كان عنده من شعر ويتجمل (ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن ) يعني له أيضاً أن يأكل الطعام الطيب وكذلك الأدوية ؛ لأن هذا ليس من محظورات الإحرام والأصل الحل والإباحة .
(وَقَال عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلبَسُ الهِمْيَانَ) يتختم يعني يلبس الخاتم ، ( ويلبس الهميان ) الهميان هو الشنطة التي يجعل فيها الإنسان النفقة ويحزمها على بطنه ، يعني لا بأس بها ، وإذا رجعنا إلى الوقت الحاضر قلنا الساعة في اليد كالتختم تماماً ، وعلى هذا فيجوز للمحرم أن يلبس ساعة اليد ولا حرج فيها . ونحن نأخذ من حديث ابن عمر ( ما يلبس المحرم ، قال : لا يلبس كذا وكذا ... ) معناه ما عدا ذلك يلبسه . وعطاء هو شيخ أهل مكة وهو أعلم الناس بالمناسك لأنه في مكة ويعرف كثيراً من أحكام المناسك وهو مرجع في هذا الباب .
وقال : ( وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ ) يعني حزم بثوب والمراد بالثوب هنا القطعة من القماش ، يعني وعليه لا حرج أن يربط الإنسان على بطنه شيئاً وهو محرم ( وَلمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا للذِينَ يَرْحَلونَ هَوْدَجَهَا ) التبان : هو سروال قصير يستر العورة وما قرب منها من الفخذ ، عائشة لا ترى في هذا بأساً كأنها تريد أن تحمل من لم يجد إزاراً فلبس السراويل أنها السراويل المعتادة الطويلة وأن هذا فلا بأس به . هذا رأيه رضي الله عنه ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز أن يلبس الإنسان التبان إلا عند الضرورة ، إذا اضطر إلى هذا فلا بأس ، ويمكن الضرورة للتبان فيما إذا كان من الناس الذين تتسلخ جنوب أفخادهم مع المشي ، لأن بعض الناس يكون إذا مشى وليس عليه سراويل تتسلخ جنوب فخذهم ، فهذا ضرورة يلبس .
وإذا جاز للضرورة فهل يلزمه فدية أو لا ؟ أجيبوا ؟ على قولين لننظر القاعدة أن المحرم إذا احتاج إلى فعل شيء من المحظورات فله فعله ويفدي، كما فعل كعب بن عجرة رضي الله عنه حين أصابه الأذى في رأسه فحلق وفدى ، ولكن مسألة اللباس أولاً في لباس المخيط أو في لباس القميص أو السراويل هل فيه فدية ؟ أجيبوا يا جماعة ؟ نقول لا ليس فيه فدية ، من قال إن هذا اللباس فيه فدية ، من قال هذا ؟ والله تبارك وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَانًا ويقول جل وعلا : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً فأين في الكتاب أو السنة أن من لبس قميصاً وهو محرم أو سراويل وهو محرم فعليه فدية ؟ أو تطيب وهو محرم فعليه فدية ، أين هذا ؟ ما فيه ، بعضهم قاسه على حلق الرأس وقال الجمع بينهما أو العلة الجامعة أن في كل منهما ترفهاً . فيقال : من قال إن علة منع الحلق هو الترفه ، من قال هذا ؟ فالذي يظهر أن علة المنع في حلق الرأس للمُحرم هو أن يبقى ليتم به النسك ؛ لأن شعر الرأس يتعلق به إيش ؟ نسك يتعلق به نسك إما حلق أو تقصير ، وإذا حلقه سقط هذا النسك وغيره لا يساويه ، ثم نقول أليس يجوز للمحرم أن يدهن ، أليس يجوز أن يغتسل ، أليس يجوز أن يزيل الوسخ ، أليس يجوز أن يبقى في خيمة مكندشة ؟ مكندشة يعني إيش ؟ ذات كوندشان ، كل هذا جائز وفيه ترفه ، فالقول بأن علة تحريم حلق الرأس هو الترفه قول لا دليل عليه ولا ينضبط . فالذي نرى أنه لا فدية في جميع المحظورات إلا ما دل عليه الشرع لأنه لا يمكنا أن نلزم عباد الله شيئاً لم يلزمهم الله عز وجل . لكن إن قال قائل : من باب تربية الناس واحترامهم للشعائر ألا يحسن أن نلزمهم والفدية قليلة والحمد لله الفدية هي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو إيش؟ أو إكسائه ؛ لأن جميع محظورات الإحرام تنقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : لا فدية فيه حتى على المذهب وهو عقد النكاح .
والقسم الثاني : فديته جزاؤه وهو الصيد .
والقسم الثالث : فديته التخيير بين ثلاثة أشياء وهو فدية حلق الرأس .
والقسم الرابع : ما لم يُذكر فيه فدية قالوا يُلحق بفدية الرأس فتكون فديته على التخيير ، يدخل في ذلك تقليم الأظفار على القول بأنها من المحظورات، ويدخل في ذلك المباشرة بغير الجماع .
بقي الخامس الجماع فديته إيش ؟ بدنة .
1438 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ قَال مَا تَصْنَعُ بِقَوْلهِ حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ(1 )
( 1) يعني كأنه يُنكر الادهان بالزيت فبين له أن ذلك ليس بمنكر فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الإحرام يُرى وبيص المسك في مفارقه ، وبيصه يعني لمعانه وبريقه ، ولهذا أخذ العلماء رحمهم الله من هذه السنة أن الاستدامة أقوى من الابتداء ، ولهذا تجوز الاستدامة في الطيب في الإحرام ولا يجوز ابتداؤها ، ويجوز أن يراجع الرجل زوجته المطلقة وهو محرم ولا يجوز أن يتزوج ، لماذا ؟ الاستدامة أقوى من الابتداء ، ويجوز أن يستمر ملك الصيد بعد الإحرام ولا يجوز الصيد حال الإحرام ، ولها أمثلة المهم أن بقاء أثر الطيب بعد الإحرام لا يضر .
فإن قال قائل : يلزم من هذا عن كان في الرأس كما في حديث عائشة أن يمسه الإنسان عند مس الرأس . فالجواب : وإن لزم ذلك فإنه لا يضر لأن هذا المحرم لم يبتدئ استعمال الطيب وإنما بقي الطيب الذي تطيب به عند الإحرام وهو لا بد أن يمسح رأسه إذا توضأ ، نعم لو تعمد أن يمس رأسه والطيب له وبيص فيه فهذا لا يجوز لكن إذا توضأ لابد أن يمسه .
وفي هذا الحديث دليل على استدلال السلف الصالح بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفعلية وأنه لا يمكن أن يقال لعل هذا خاص به ؛ لأن الأصل عدم الخصوصية. فما دام السلف الصالح والأئمة يحتجون بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون أن يورد الاحتمال أنه خاص به .
وفيه أيضاً بيان أن الإنسان الذي يتخذ شعر الرأس فإنه يجعل له مفارق : واحد مع الوسط ليفرق الناصية لليمين واليسار ، والثاني أعلى الرأس عرضاً من الأذن إلى الأذن من أجل أن يفرق بين شعر الناصية الذي يتجه إلى الوجه وشعر القفا الذي يتجه إلى الرقبة .
لكن هذا بالنسبة لنا يختص بالنساء فهل نقول إن الرجل يفعل ويُفرق هذا التفريق الذي لا يكون إلا للنساء في عرفنا أو نقول ما دام هذا التفريق اختص بالنساء الآن فإنه لا يفعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ، وهذا أمر عادي ليس أمر عبادي حتى نقول نبقى عليه ، يعني ليس من أمور العبادة بل من الأمور العادية ؟ وعليه نقول إذا أراد أن يفرق فليفرق أحد الطرفين إما الناصية وإما أعلى الرأس ؛ لئلا يتشبه بالنساء .
1439 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَالتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلحِلهِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ (1 )
( ) قوله : ( زوج النبي ) كيف زوج ؟ مذكر هذا ؟ هي زوج أو زوجة ؟ أسأل هي زوج أو زوجة ؟ هي زوجة لكن اللغة الفصحى زوج للرجل والمرأة ، إلا أن الفرائضيين رحمهم الله اصطلحوا على أن يسموا الأنثى زوجة والذكر زوج لئلا يشتبه الحكم عند قسمة الميراث ، فلو قال هذا تارك عن زوج وبنت وعم . فهو عند الفرائضيين المرأة لا تكن زوجاً ولو كان يراد بها الرجل مات عن زوجته . وهذا لا شك أنه اصطلاح جيد وفيه التبيان والتوضيح .
طيب فيه أيضاً في الحديث دليل على العلاقة الزوجية التامة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة حيث تباشر تطييبه ، ولا شك أن هذا يدل على كمال المودة والصلة بينهما . لو قال قائل لعل معنى قولها (أطيب) أن أُحضر الطيب له وهو يتطيب بنفسه . فالجواب : هذا خلاف ظاهر اللفظ ولا داعي إليه .
وفيه أيضاً دليل على أن التحلل لا يكون إلا بعد الرمي والحلق ، وجه ذلك قولها : ( لحله قبل أن يطوف بالبيت ) فجعلت الذي يلي الحل هو الطواف بالبيت ، ولم تقل لحله قبل أن يحلق ، قالت ( قبل أن يطوف بالبيت) وهذا القول هو الصحيح من أقوال العلماء . ومن العلماء من يقول يتحلل إذا رمي جمرة العقبة . وهذه فيها خلاف ولكلٍ وجهة وسيأتي إن شاء الله الكلام عليها ، لكن القول الراجح أنه لا حل إلا بعد الرمي والحلق .
1440 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْه قَال سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ يُهِل مُلبِّدًا(1 )
( 1) يهل ملبداً رأسه ، قال العلماء : والتلبيد أن يوضع الصمغ ونحوه على الرأس لئلا ينتشر ، ويلزم منه أن يكون الرأس مستتراً بهذا المُلبد عليه. وعلى هذا فنقول : إذا وضعت المرأة على رأسها الحناء فلها أن تمسح على الحناء في الوضوء ولا مدة له ولا يضر هذا لأن الحنة متصلة بالرأس ولأن فرضة الرأس في الطهارة هو المسح ، فهو مخفف فيه أي في تطهير الرأس . وهذا يسأل عنه الناس كثيراً المرأة تضع على رأسها الحناء ويبقى ملبداً فهل تمسح عليه أو لابد أن تغسله حتى يزول ؟ نقول : لا .. لا يلزمها أنت تغسله حتى يزول بل لها أن يبقى حتى ينتهي مراده .
ـ بَاب الإِهْلال عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُليْفَةِ
1441 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَمِعْتُ سَالمَ بْنَ عَبْدِاللهِ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا . و حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ عَنْ مَالكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُول مَا أَهَل رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ إِلا مِنْ عِنْدِ المَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الحُليْفَةِ( 1)
(1 ) اقرأ من الشرح .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 400 :
قوله : ( باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة ) أي لمن حج من المدينة أورد فيه حديث سالم أيضا عن أبيه في ذلك من وجهين وساقه بلفظ مالك وأما لفظ سفيان فأخرجه الحميدي في مسنده بلفظ هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد مسجد ذي الحليفة وأخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة بلفظ كان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء قال البيداء التي تكذبون فيها الخ . إلا أنه قال من ثم الشجرة حين قام به بعيره وسيأتي للمصنف بعد أبواب ترجمة من أهل حين استوت به راحلته وأخرج فيه من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر قال أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة وكان ابن عمر ينكر على رواية ابن عباس الآتية بعد بابين بلفظ ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فذكر الحديث وفيه فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منها فسمع منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل أحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيا وثالثا وأخرجه الحاكم من وجه آخر من طريق عطاء عن ابن عباس نحوه دون القصة فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل .
فائدة : البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي . قاله أبو عبيد البكري وغيره .
الشيخ : هذا الجمع لا شك أنه جمع حسن ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا ، منهم من قال أهل في مصلاه حين صلى ، ومنهم من قال حين قامت به ناقته ، ومنهم من قال حين استوت به على البيداء يعني بعد ما مشي . وهذا الجمع الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما جمع حسن بلا شك . وعلى هذا فبأي هذه الأقاويل نأخذ ؟ بالأول أنه أهل من مصلاه .
ـ بَاب مَا لا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ
1442 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلا الْعَمَائِمَ وَلا السَّرَاوِيلَاتِ وَلا الْبَرَانِسَ وَلا الْخِفَافَ إِلا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ( 1)
( 1) قال المؤلف رحمه الله : ( باب ما لا يلبس المحرم من الثياب ) ولم يقل ما يلبس بل قال ( ما لا يلبس ) وإنما قال هذا اتباعاً للحديث ، والحديث سُئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ما يلبس المحرم ، يعني عن الذي يلبس ، فأجاب بما لا يلبس ، فيُفهم منه أنه يلبس ما عدا ذلك فإن قيل : لماذا عدل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جوابه عن مطابقة السؤال ؟ لأنه كان المتوقع أنه لما سُئل قال : يلبس كذا وكذا ، فلماذا عدل ؟ فالجواب : لأن ما لا يلبس أقل مما يُلبس وأقرب إلى الحصر ، وهذا من البلاغة أن يُجاب الإنسان بما لا يتوقع إشارة إلى أنه كان ينبغي له أن يسأل إيش ؟ عن ما لا يلبس لا عن ما يلبس .
أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بجواب مفصل فقال : (( لا يلبس القمص )) وهي المخيطة على قدر البدن كالثياب التي علينا الآن ، الثاني : (( لا يلبس العمائم )) العمائم التي تُدار على الرأس ، والمراد ما يُلبس على الرأس من عمائم أو طاقية أو غترة أو ما أشبه ذلك ، الثالث : ((السراويلات)) مفردها سراويل ، يعني السراويل ما هي بجمع كما يظن بعض الناس ، السراويل مفرد ، ألك سراويل ؟ الأخ لك سراويل ، كم ؟ يعني أنت تفهم من كلامي ألك سراويل ، تفهم أن أسألك عن سروال واحد أو عن جماعة ؟ هذه هي ، الآن أكثر الناس يظنون السراويل أنها جمع ولهذا قال إنسان لآخر يُحدثه بعت على فلان سراويل ماذا يفهم ؟ جماعة ، ولكنه ليس كذلك ، السراويل واحد ، أفهمت يا يحيى ؟ سراويل واحد أو جماعة ؟ واحد . ولهذا قال ابن مالك رحمه الله في الألفية التي أرجو الله تعالى أن تدركوا حفظها عن ظهر قلب ، قال : ( ولسراويل بهذا الجمع ) يعني صيغة منتهى الجموع ( شبه اقتضى عموم المنع ) وإلا هو مفرد لكن شابه الجمع.
ش3 ـ الوجه أ :
وقيل إنه يجوز لغة أن تقول سروال أو سروالاً ، وهذا على لغة العامية عندنا واضح . طيب إذا السراويلات إذا قال إنسان كيف جمعها وهي مجموعة أولاً ؟ نقول : لا هي أول لم تجمع . السراويل معروفة هي ما يُخاط على قدر الرجلين بعزل كل واحدة عن الأخرى ، وإنما قلنا هذا لئلا يرد علينا الإزار فإن الإزار وإن خيط ليس بسروال حتى لو خط الإزار وجعلت له تكة ، تعرفون التكة ؟ الحبل الذي يربط به وجُعلت على الجوانب مخابي جيوب . فلا حرج لأنه لازال اسمه إزار .
(( ولا البرانس )) البرانس يقولون إنها ثياب واسعة ولها ما يغطي الرأس متصلاً بها ، وأكثر من يلبسها المغاربة . يا سبحان الله كأن النبي عليه الصلاة والسلام يشاهدهم ، الظاهر أنهم في ذلك الوقت ما كانوا موجودين . الثاني : (( ولا الخفاف )) الخفاف ما يُلبس على الرجل ساتراً لها ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إلا أحد لا يجد )) إلا أحد : بدل من الضمير في قوله ( لا يلبس ) ولهذا جاءت مرفوعة (( إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين )) طيب والنعلين ؟ وإذا وجد النعلين يلبسهما أو لا ؟ يلبسهما على أنهما غير منهي عنهما (( وليقطعهما )) يعني يقطع الخفين (( أسفل من الكعبين )) يعني أنزل ، وكلمة ( أسفل من الكعبين ) يشمل ما إذا لم يكن لهما جدار فوق على العقب أو كان لهما ، المهم أن يكون نازلاً عن الكعبين هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم . ثم أردف قائلاً : (( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران أو ورس )) الزعفران طيب معروف والورس قيل أنه نبت في اليمن له رائحة طيبة فيكسب الثوب لوناً ورائحة فيكون شبيهاً بإيش ؟ بالزعفران .
في هذا الحديث فوائد منها : أن الأحاديث النبوية تنقسم إلى قسمين : قسم لها سبب ، وقسم لا سبب له . من الأسباب السؤال ، ومن فوائده أن الله عز وجل يقيد لشريعته من يسأل عن شيء لم يكن يتحدث عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ومن فوائده أنه يدل على كمال الشريعة وأنه ما من شيء تحتاج الأمة إليه إلا وقع بيانه إما ابتداء وإما لسبب .
ومنها الإشارة إلى أن ما يلبسه المحرم أكثر مما لا يلبسه ، وجه ذلك أن الرجل سأل عن الذي يُلبس فأُجيب بما لا يُلبس . ومنها أنه ينبغي لنا ونحن نُحدث الناس بألسنتنا أو بأقلامنا أن لا نتجاوز السنة اللفظ النبوي . هذه خمسة معروفة محصورة ولهذا لما تكلم بعض التابعين وأول من تكلم في ذلك إبراهيم النخعي رحمه الله فقال : المخيط حرام على المُحرم . صار هذا اللفظ فيه اشتباه ، فيه تضييق لجهة وفيه اشتباه .
أولاً : النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر المخيط إطلاقاً فما بالنا نُشرع ونقول لا تلبس المخيط .
ثانياً : أن هذا التعبير يقتضي أنك لا تلبس الإزار إذا كان فيه خياط ، وهذا صحيح أو لا صحيح ؟ أسألكم الآن الإزار يجوز لبسه وهو مخيط ؟ يجوز ، لكن لو أخذنا ظاهر العبارة ما يجوز . أيضاً يوجب إيهام في النعلين المخروزة ، وما أكثر السؤال عن هذا ، يقول : هل يجوز للمحرم أن يلبس النعلين المخروزات ؟ ليش ما يجوز ؟ قال لأنه مخيط .
زاد بعض الناس ، قال : لا يلبس المخيط ولا المحيط . إيش المحيط ؟ الخاتم ! لا يلبسه . المهم أدعوكم إلى اتباع لفظ النص لأنكم مسؤولون عن هذا وَيَوْمَ يُنَـٰدِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ ولا نضيق على عباد الله نقول البس الإزار ولو فيه ألف رقعة ، وكذلك الرداء .
طيب نمشي مع الحديث ( لا يلبس القميص ) القميص لا يُلبس على أي حال كان حتى لو فُرض أنه ليس فيه أدنى خيط ؛ لأنه لو نُسج نسيجاً ما فيه خياطة هل يُلبس أو لا يُلبس ؟ لا يُلبس ، ولو أخذنا بكلمة المخيط لقلنا هذا يُلبس لأنه ما فيه خياطة ، ولكن لا .. القميص بجميع أنواعه لا يُلبس . يُشبهه الكوت لأنه قميص لكنه قصير ، الفانيلة كذلك قميص كثير فلا تُلبس هذه الأشياء .
من فوائد هذا الحديث أن الإنسان لو لف على صدره ثوباً دون أن يلبسه لبساً جائز أو غير جائز ؟ جائز ، لماذا ؟ لأنه يقول : ( لا يلبس ) هذا ما لبسه هذا تلفت فيه . وبناء على ذلك لو أن الإنسان في الطائرة وكان إزاره ورداؤه في الشنطة مع العفش ويعرف أنه سيحاذي الميقات فماذا يصنع ورداؤه وإزاره في جوف الطائرة ؟ نقول اخلع الثوب وتلفلف فيه والسروال يبقى لأنك لم تجد إزاراً ، واضح ؟ إذا قال : أخشى من الناس إذا رأوا هذا قاموا ينظرون إليّ . فالجواب : وليكن ذلك أنت إذا فعلت هذا شرعت لأخوانك المسلمين ما يخفى عليهم ، وكثيراً ما يقع السؤال أن إزاره ورادءه في داخل الطائرة وأخَّر الإحرام حتى وصل إلى جدة لأنه لا يدري. فيقال له الحمد لله الأمر سهل اخلع القميص وتلفلف فيه وتُبقي السروال . طيب الغترة ؟ الغترة ما هو لازم اخلعها ويبقى رأسك مكشوفاً ، واضح ؟ فإذا قال قائل : لماذا لا تقولون يلزمه أن يخلع السروال وأن يتلفلف إزاره بالغترة ؟ فالجواب : أولاً : إن بعض الغتر خفيف ما يستر العورة ، ثانياً : أنها ليست واسعة بحيث يديرها مرتين أو ثلاثة ، وإذا كان كذلك فإنه يُخشى أن تبدو عورته ؛ لأن الغترة معروفة ما تلم على شيء كثير ، ما أدري إذا كان عبد الله الشريف ، ما تكلم عليه ، على كل حال نقول : الحمد لله هذا مُيسر .
طيب وإذا لبس السراويل بدل الإزار هل عليه فدية ؟ فالجواب : لا .. ليس عليه فدية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أن عليه فدية ، وهذا من الرخصة والحمد لله .
( ولا يلبس العمائم ) العمائم لا يلبسها ولا يلبس كذلك ما كان بمعناها مثل الطاقية والغترة والقبعة لا يلبسها ، بل إن الرأس له خاصية غير بقية البدن وهو أنه لا يُغطى بأي شيء ، دليل هذا قصة الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لا تُخمروا رأسه )) يعني لا تغطوها . إذاً الرأس فيها حديثان :
الحديث الأول أن لا يلبس الإنسان ما اُعتيد لبسه على الرأس وهو العمامة ، هذا الذي في الحديث العمامة وما شابهها .
الثاني أن لا يُغطى ولو لم تجر العادة بلبسه ، أن لا يُغطى بشيء ولو لم تجر العادة بلبسه ، فإن قال قائل : ما تقولون فيما لو حمل عفشه على رأسه ـ والمراد بالعفش المتاع ـ هل يجوز أو لا يجوز؟ منهم من قال لا يجوز، ومنهم من قال يجوز ، ومنهم من فصل قال إن قصد الستر فهو غير جائز لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
: (( إنما الأعمال بالنيات )) ومثال ذلك إنسان معه علاقية صغيرة يحملها بيده بدون مشقة ووضعها على رأسه ، هل يحتاج على وضعها على الرأس ؟ لا يحتاج ، إذاً إنما قصد تغطية الرأس وهذا لا يجوز ، إذاً حمل المتاع على الرأس لا يضر لأنه لا يقصد به التغطية غالباً وقد جرت العادة به .
طيب تغطية الرأس بغير ملاصق ، نقول هذا نوعان :
النوع الأول : ما لم يكن متصلاً بالمحرم بل هو ثابت في الأرض فهذا جائز بالإجماع ، مثل الخيمة الشجرة يضع عليها كساءً وما أشبه ذلك . هذا لا أحد يخالف فيه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضُربت له قبة بنمرة وهو ذاهب إلى عرفة مُحرماً وبقي فيها .
الثاني : أن يكون متصلاً بالمحرم لكن لاحظوا أنه منفصل عن الرأس، متصل بالمحرم لكنه منفصل عن الرأس ، مثل الشمسية والسيارة أو رجل مثلاً معه عصا بيديه وفوقه رداء يحمله على رأسه عن الشمس . فهذه للعلماء فيها قولان : القول الأول أن ذلك ليس بجائز ، وعلى هذا فجميع السيارات الجيمس لا يجوز للمحرمين أن يركبوا فيها إذا كانوا رجالاً إلا أن يكشفوا سطحها ، وهذا هو المشهور من المذهب ، مذهب الحنابلة يرحمهم الله ، لكنه قول ضعيف ، والصحيح أنه لا بأس به .
مثل ذلك أيضاً الشمسية ، المشهور من مذهب الحنابلة أن ذلك غير جائز لأنه اتصل بالمحرم ، ولكن الصحيح خلاف ذلك وأنها جائزة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُظلل في طريقه من مزدلفة إلى منى صباح العيد ، وهذا يدل على إيش؟ على الجواز . ثم هل هذا تغطية رأس؟ التظليل للرأس هل هو تغطية ؟ لا .. ليس تغطية لأن الرأس ظاهر ما غُطي . فالصواب جوازها . فصارت الأقسام كم ؟ ثلاثة : الملاصق ولا إشكال في منعه ، وغير الملاصق وهو متصل بالمحرم وهو موضع خلاف، وغير ملاصق لكنه منفصل عن المحرم كالخيمة والشجرة وما أشبه ذلك فلا بأس بها بالاتفاق .
1443 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الأَيْليِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا أَنَّ أُسَامَةَ رضي الله عنه كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلى المُزْدَلفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْل مِنَ المزْدَلفَةِ إِلى مِنًى قَال فَكِلاهُمَا قَال لمْ يَزَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ يُلبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ(1 )
( ) قال المؤلف رحمه الله : ( باب الركوب والارتداف في الحج ) كأنه يرى والله أعلم إلى أن المشي أفضل ، الحج ماشياً أفضل ، والمسألة فيها خلاف بين العلماء هل الأفضل أن يحج راكباً أو الأفضل أن يحج ماشياً ؟ وهذا الخلاف في زمنهم رحمه الله الذي يركب الإنسان فيه براحة وينزل براحة وكذلك في المشي ، لكن في وقتنا الحاضر أيهما أصعب المشي أو الركوب ؟ أحياناً الركوب ، أحياناً يدفع الناس من عرفة إلى مزدلفة لا يصلونها إلا الصباح وهذا وقع قبل خمس سنوات ، الآن والحمد لله خفت لأن الحكومة وفقها الله فتحت طرقاً كثيرة . فهنا الركوب أصعب وأحياناً بالعكس ، فهل نقول الأفضل الركوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج راكباً أو الأفضل المشي لأن الإنسان حر في نفسه ويتصرف كما شاء ؟ نرى أن الركوب والمشي في حد ذاته ليس بينهما تفوات لكن الكلام على راحة الحاج فما كان أيسر له وأقوم لعبادته فهو أفضل .
وقوله : ( الارتداف ) أيضاً الارتداف على الدابة في الحج وغيره إذا كانت تطيق هذا فلا بأس به فقد ردف معاذ بن جبل رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حمار ، وهذه قصة في الحج أردف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسامة بن زيد مولى من الموالي من عرفة إلى مزدلفة ، وأردف من ؟ الفضل بن عباس وهو من صغار أهل البيت حين دفع من مزدلفة إلى منى ، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام ، لم يُردف كبار القوم مع أن كل واحد يتمنى أن يكون رديفه لكن من تواضعه أردف في الأول مولى من الموالي وفي الثاني صغير من الصغار . وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يُقال بين يديه إليك إليك ولا طرد ولا ضرب ، وحج على جمل غث صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا أدرك الناس كيف حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

قاسم علي
12-06-2006, 06:53 PM
بَاب مَا يَلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ
وَلبِسَتْ عَائِشَةُ رضي الله عَنْهَا الثِّيَابَ المُعَصْفَرَةَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَقَالتْ لا تَلثَّمْ وَلا تَتَبَرْقَعْ وَلا تَلبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلا زَعْفَرَانٍ . وَقَال جَابِرٌ لا أَرَى المُعَصْفَرَ طِيبًا وَلمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالحُليِّ وَالثَّوْبِ الأَسْوَدِ وَالمُوَرَّدِ وَالخُفِّ للمَرْأَةِ وَقَال إِبْرَاهِيمُ لا بَأْسَ أَنْ يُبْدِل ثِيَابَهُ( 1)
1444 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُليْمَانَ قَال حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَال أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَال انْطَلقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ مِنَ المَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّل وَادَّهَنَ وَلبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ تُلبَسُ إِلا المُزَعْفَرَةَ التِي تَرْدَعُ عَلى الجِلدِ (2 ) فَأَصْبَحَ بِذِي الحُليْفَةِ
(1 ) كل هذا آثار واضحة ، من أين يكون قول إبراهيم النخعي رحمه الله لا بأس أن يبدل المحرم ثيابه سواء لوسخ أو لتمزق أو لغير ذلك . وما اشتهر عند العامة أن المحرم لا يُغير الثياب سواء كان رجلاً أو امرأة فلا أصل له ، ما دام الإنسان غيّر الثوب الأول إلى ثوب آخر يجوز لبسه في الإحرام فلا حرج .
(2 ) قوله : ( ولم ينه عن شيء من الأردية والأزر ) يدل هذا على أن الإزار وإن خيط بدلاً من أن يُلف خيط فإنه يجوز؛ لأنه لا زال يُسمى إزاراً، ولا دليل على المنع، وكما أسلفنا لكم أن قول إنه يتجنب لبس المخيط ليس بصحيح؛ لأنه أُثر عن إبراهيم النخعي رحمه الله وليس بمضطرد .
رَكِبَ رَاحِلتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلى البَيْدَاءِ أَهَل هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلدَ بَدَنَتَهُ(1 ) وَذَلكَ لخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ( 2) فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ ليَالٍ خَلوْنَ مِنْ ذِي الحَجَّةِ(3 ) فَطَافَ بِالبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَلمْ يَحِل مِنْ أَجْل بُدْنِهِ لأَنَّهُ قَلدَهَا ثُمَّ نَزَل بِأَعْلى مَكَّةَ عِنْدَ الحَجُونِ وَهُوَ مُهِلٌّ بِالحَجِّ وَلمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ( 4) وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا
( 1) ( قلد بدنته ) قلدها يعني جعل عليها قلادة تدل على أنها هدي ، هذه القلادة يقيدون فيها النعال المتقطعة آذان القرب البالية وما أشبه ذلك ، إشارة إلى أن هذه هدي للفقراء ، والتقليد هذا سنة لما فيه من إظهار الشعائر حتى تمر هذه الإبل وهي قد عُرف أنها هدي .
(2 ) ( وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ) متى تكون ؟
طالب : خمس وعشرين .
الشيخ : لكن بأي يوم ؟ الجمعة تسع من ذي الحجة ، هو خرج من المدينة يوم السبت عليه الصلاة والسلام .
(3 ) ( القعدة ) الأفصح الفتح ، و( الحجة ) الأفصح الكسر ، ويجوز كسرهما ورفعهما ولكن الكلام على الأفصح . متى الرابع من ذي الحجة ؟ يوم الأحد ، صار مسيره تسعة أيام صلى الله عليه وسلم .
(4 ) ( عند الحجون ) معروف الآن تسمى عند العامة هي الحجول باللام وتسمى الأبطح ، نزل هناك ، يقول رضي الله عنه : ( ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة ) ففيه دليل على أنه ينبغي للحاج أن لا يطوف بالكعبة إلا طواف النسك فقط تأسياً بمن ؟ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولمصلحة أخرى وهي إخلاء المطاف لمن احتاج إليه من القادمين . وهكذا يقال أيضاً في العمرة إذا كثر الناس فالأفضل أن لا يُكرر الطواف يقتصر على طواف النسك فقط .
بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ( 1) ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا وَذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلدَهَا وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لهُ حَلالٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ(2 )
23 ـ بَاب مَنْ بَاتَ بِذِي الحُليْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ
قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
1445 حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَال صَلى النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الحُليْفَةِ فَلمَّا رَكِبَ رَاحِلتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَل(3 )
( 1) قوله : ( بين الصفا والمروة ) أفاد أنه لا يجب صعود الصفا ولا المروة ؛ لأن البينية بين الشيئين تقتضي خروجهما عن المسافة ، وهو كذلك لا يجب الصعود لا على الصفا ولا على المروة ولكن الأفضل الصعود حتى يرى الكعبة كما جاءت به السنة .
(2 ) قال : ( ثم يقصروا رءوسهم ) أمر بالتقصير هنا مع أن الحلق أفضل وذلك من أجل أن يبقى الحلق للحج ؛ لأنهم قدموا في اليوم الرابع ، لو حلقوا رءوسهم ما بقي شيء للحج . وعليه فيقال : الأفضل في العمرة الحلق إلا المتمتع إذا قدم متأخراً فالأفضل أن يُقصر لأجل أن يبقى للحج . ويؤخذ من هذا فائدة عظيمة وهو أن ترك الفاضل لما هو أفضل منه جائز ، ومن ذلك لو نذر الإنسان أن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم صلى في المسجد الحرام يجوز أو لا يجوز ؟ يجوز .
(3 ) تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 407 :
قوله حدثني بن المنكدر كذا رواه الحفاظ من أصحاب بن جريج عنه وخالفهم عيسى بن يونس فقال عن بن جريج عن الزهري عن أنس وهي رواية شاذة . قوله وبذي الحليفة ركعتين فيه مشروعية قصر الصلاة لمن خرج من بيوت البلد وبات خارجا عنها ولو لم يستمر سفره واحتج به أهل الظاهر في قصر الصلاة في السفر القصير ولا حجة فيه لأنه كابتداء سفر لا المنتهى وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة وتقدم الخلاف في ابتداء إهلاله صلى الله عليه وسلم قريبا .
الشيخ : لهذا يبدو أنه صلى الظهر يوم السبت في المدينة ثم خرج وصلى العصر ركعتين ، هذا ما يظهر لي ولكن يحتاج إلى المراجعة .
1446 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ صَلى الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلى العَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ قَال وَأَحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ(1 )
24 ـ بَاب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالإِهْلال
1447 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال صَلى النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا(2 )
( 1) هو قد جزم في السياق الأول بأنه بات حتى أصبح .
( 2) ( بهما ) أي بالحج والعمرة . وفي هذا دليل على أن الإنسان يرفع صوته عالياً بالتلبية وأنه يسمي نسكه فيقول لبيك عمرة إن كان في عمرة أو لبيك حجاً إن كان في حج أو لبيك حجاً وعمرة إن كان في حج وعمرة . ومن المؤسف أنه تمر بك القوافل الكثيرة لا تسمع أحداً يلبي مع العلم أنه من الشعائر وإذا لبيت فإنه لا يسمع تلبيتك شجر ولا حجر إلا شهد لك . فأحثكم أنتم طلاب العلم على رفع الصوت بالتلبية وأن تبينوا للناس أن هذا من السنة التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعلها وأصحابه يفعلونها ويقرهم .
بَاب التَّلبِيَةِ
1448 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا أَنَّ تَلبِيَةَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ لبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لكَ وَالمُلكَ لا شَرِيكَ لكَ( 1)
(1 ) طيب الآن التلبية تعرفون معناها ولا حاجة لتفسيرها ؟ ( لبيك ) بمعنى إجابة لك ، والمراد بالتثنية هنا التكرار لا حقيقة التثنية فيقول أجبت إجابة بعد إجابة ، وقوله ( اللهم ) يعني يا الله ( لبيك ) تكرار لكن تكرار لفائدة وهو تكرار إجابة الله عز وجل ( لبيك لا شريك لك لبيك ) هذا فيه الإخلاص لله عز وجل وأنك تلبي لله لا لغرض آخر ( إن الحمد والنعمة ) (إِن) وقيل (أَن) ، والصواب (إِن) ، لأن (إِن) أعم إذا أن المفتوحة يكون التقدير لبيك لأن النعمة لك ، وإذا كسرت صارت (إن) استنادية فتكون أعم ( إن الحمد والنعمة لك والملك ) الحمد : يعني الوصف الجميل مع المحبة والتعظيم ، وقوله ( النعمة ) يشمل نعمة الدين والدنيا ومنها أن الله أنعم عليك بإيصالك إلى هذه الأماكن الشريفة ، ( والملك ) يعم كل ما في السماوات والأرض كل الملك لله عز وجل ، وقوله ( لك والملك لا شريك لك ) كقوله في الأول ( لبيك لا شريك لك ) لكن في الأول من باب توحيد الألوهية والثاني من باب توحيد الربوبية ، ولهذا سمى جابر رضي الله عنه هذا بالتوحيد فقال رضي الله عنه : ( أهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ) .

1449 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا قَالتْ إِنِّي لأَعْلمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ يُلبِّي لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ لبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لكَ تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ . وَقَال شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سُليْمَانُ سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا(1 )
26 ـ بَاب التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْل الإِهْلال
عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلى الدَّابَّةِ
1450 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال صَلى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَنَحْنُ مَعَهُ بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلى البَيْدَاءِ حَمِدَ اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَل بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَل النَّاسُ بِهِمَا فَلمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ قَال وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ
( 1) هذا كحديث ابن عمر إلا أنه فيه نقص كقوله هنا مثلاً ( لا شريك لك ) .
قِيَامًا وَذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ قَال أبو عَبْد اللهِ قَال بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ(1 )
( 1) بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا الحديث فيه زيادة على التلبية أنه بين يد التلبية يسبح الله تبارك وتعالى ويُكبر ثم يُهل فيقول : سبحان الله ، الله أكبر ، لبيك اللهم لبيك . وسبق هل يُلبي من حين أن يصلي إذا كان يصلي ، أو إذا استوى على راحلته ، أو إذا استوى على البيداء بالنسبة لذي الحليفة ؟ وقلنا الراجح أنه يلبي من حين ما يغتسل ويصلي إذا كان هناك صلاة ثم يلبي ، ويليه أن يلبي إذا ركب ، وأما الانتظار إلى البيداء فقد وردت الأحاديث الصحيحة بأنه يلبي قبل ذلك . فأنت من حين ما تُحرم لب.
وفي هذا الحديث عدة مسائل ذكرها الراوي ، منها :
أنه أهلَّ بحج وعمرة ، أي قارناً ، قال الإمام أحمد رحمه الله : ( لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً والمتعة أحب إلي ) والأحاديث الواردة في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم مختلفة في اللفظ لكنها متفقة في المعنى ، وقد جمع بينها العلماء رحمهم الله قالوا : فالأحاديث التي فيها أنه أفرد يعني أنه فَعَل فِعْل المفرد لم يأت بعمرة مستقلة بينها وبين حجه إحلال . ومن قال إنه تمتع أراد أنه أجزأه ما يُجزئ المتمتع من العمرة والحج في سفر واحد. ومن قال إنه كان قارناً فهذا هو الواقع أنه كان قارناً كما قال الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة : ( لا أشك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حج قارناً والمتعة أحب إلي ) .
والمتعة أن يُحرم أولاً بالعمرة ثم يُحل منها إحلالاً كاملاً ثم يُحرم بالحج يوم التروية . وورد في حديث أنس بقوله : ( فَلمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ ) ومراده بالناس هنا الذين لم يسوقوا الهدي وأما الذين ساقوا الهدي فإنهم لم يحلوا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لولا أنني معي الهدي لأحللت معكم )) .
ومن فوائد الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحر بدنات بيده قياماً ولم يبين عددها ، لكن في صحيح مسلم من حديث جابر أن عددها كان ثلاثاً وستين بعيراً وكان الذي أهداه مائة فنحر ثلاثاً وستين بعيراً وأعطى علي أبي طالب ونحر الباقي . قال أهل العلم : وفي هذا أمر نفيسه وهو أنه كانت الإبل التي نحرها بقدر سنين عمره عليه الصلاة والسلام ؛ لأن عمره كان ثلاثاً وستين سنة .
وقوله ( قياماً ) هذا هو الأفضل في الإبل أن تُنحر قياماً ، فإن لم يُحسن كما هو حال غالب الجزارين ذبحها باركة مقيدة .
وقوله ( ذبح النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة كبشين أملحين ) يعني هذا في عيد الأضحى .

قاسم علي
12-07-2006, 03:56 PM
أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فَعَل ذَلكَ تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فِي الغَسْل(1 )
(1 ) قوله رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا يوجب بهذا جميع ما سبق ؛ لأنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يزل يلبي حتى رمي الجمرة يوم العيد وأنه لم يقطع التلبية لأنه كان قارناً . وأما استقبال القبلة قائماً فهذا يحتاج إلى كلام في الشرح
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 413 :
قوله باب الإهلال مستقبل القبلة زاد المستملي الغداة بذي الحليفة وسيأتي شرحه . قوله إذا صلى بالغداة أي صلى الصبح بوقت الغداة وللكشميهني إذا صلى الغداة أي الصبح قوله فرحلت بتخفيف الحاء قوله استقبل القبلة قائما أي مستويا على ناقته أو وصفه بالقيام لقيام ناقته وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ فإذا استوات به راحلته قائمة وفهم الداودي من قوله استقبل القبلة قائما أي في الصلاة فقال في السياق تقديم وتأخير فكأنه قال أمر براحلته فرحلت ثم استقبل القبلة قائما أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب حكاه بن التين قال وإن كان ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة انتهى ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا والاستقبلال إنما وقع بعد الركوب وقد رواه بن ماجه وأبو عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائما أهل قوله ثم يمسك الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية وكأنه أراد بالحرم المسجد والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا وسيأتي نقل الخلاف في ذلك وأن ابن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه بن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم ويراجعها بعد ما يقضي طوافه بين الصفا والمروة وأخرج نحوه من طريق القاسم بن محمد عن ابن عمر قال الكرماني ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة لكن يشكل عليه قوله في رواية إسماعيل بن علية إذا دخل أدنى الحرم والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك حتى إذا جاء ذا طوى فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا والله أعلم .
قوله ذا طوى بضم الطاء وبفتحها وقيدها الأصيلي بكسرها واد معروف بقرب مكة ويعرف اليوم ببئر الزاهر وهو مقصور منون وقد لا ينون ونقل الكرماني أن في بعض الروايات حتى إذا حاذى طوى بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال قال والأول هو الصحيح لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط قوله وزعم هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح وسيأتي من رواية بن علية عن أيوب بلفظ ويحدث قوله تابعه إسماعيل هو بن علية قوله عن أيوب في الغسل أي وغيره لكن مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب عن يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن علية به ولم يقتصر فيه على الغسل بل ذكره كله إلا القصة الأولى وأوله كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية والباقي مثله ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد وإنما احتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها والله أعلم وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه ليس فيه للاستقبال ذكر قال المهلب استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب لأنها إجابة لدعوة إبراهيم ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره بل يستقبله قال وإنما كان بن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للإحرام .
الشيخ : المشكل يكون إذا أراد يلبي أن يستقبل القبلة ، هل نقول إذا أردت أن تُحرك اتجه إلى القبلة ويكون هذا مشروعاً أو نقول هي مصادفة لأن الذي يتجه إلى مكة من أي مكان يكون مستقبل القبلة ؟ فإذا استوت به راحلته وأراد ينطلق فقد استقبل القبلة ، وهذه لم أعلمها مكتوبة عند الفقهاء .
1452 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا فُليْحٌ عَنْ نَافِعٍ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا إِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ إِلى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ ليْسَ لهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الحُليْفَةِ فَيُصَلي ثُمَّ يَرْكَبُ وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ ثُمَّ قَال هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ يَفْعَلُ(1 )
29 ـ بَاب التَّلبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الوَادِي
1453 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَال حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّال أَنَّهُ قَال مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ لمْ أَسْمَعْهُ وَلكِنَّهُ قَال أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِليْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الوَادِي يُلبِّي( 2)
(1 ) يعني ولم يذكر صفاته .
(2 ) وادي ذي الحليفة أو وادي إيش ؟ اقرأ في الفتح .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 414 :
قوله باب التلبية إذا انحدر في الوادي أورد فيه حديث بن عباس أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي وفيه قصة وسيأتي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس وقوله أما موسى كأني أنظر إليه قال المهلب هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج وإنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي ويدل عليه قوله في الحديث الآخر ليهلن ابن مريم بفج الروحاء انتهى وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال أن الراوي غلط فزاده وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا أصبعيه في اليسرى مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية قاله لما مر بوادي الأزرق واستفيد منه تسمية الوادي وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس .
الشيخ : الدجال فإنه لا يدخل مكة والمدينة كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة ، وهو أيضاً مكتوب بين عينيه كافر يقرأه المؤمن وإن كان جاهلاً في القراءة ، ويخفى على المنافق وإن كان يعرف القراءة .
( ) يعني ولم يذكر صفاته .
( ) وادي ذي الحليفة أو وادي إيش ؟ اقرأ في الفتح .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 414 :
قوله باب التلبية إذا انحدر في الوادي أورد فيه حديث بن عباس أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي وفيه قصة وسيأتي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس وقوله أما موسى كأني أنظر إليه قال المهلب هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج وإنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي ويدل عليه قوله في الحديث الآخر ليهلن ابن مريم بفج الروحاء انتهى وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال أن الراوي غلط فزاده وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا أصبعيه في اليسرى مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية قاله لما مر بوادي الأزرق واستفيد منه تسمية الوادي وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس .
الشيخ : الدجال فإنه لا يدخل مكة والمدينة كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة ، وهو أيضاً مكتوب بين عينيه كافر يقرأه المؤمن وإن كان جاهلاً في القراءة ، ويخفى على المنافق وإن كان يعرف القراءة .
وَسَلمَ فَقَال انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ وَدَعِي العُمْرَةَ فَفَعَلتُ فَلمَّا قَضَيْنَا الحَجَّ أَرْسَلنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَال هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ قَالتْ فَطَافَ الذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا(1 )
30 ـ بَاب مَنْ أَهَل فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
كَإِهْلال النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
( 1) في هذا الحديث من الفوائد أن الحائض إذا قدمت مكة وهي حائض لا تطوف ولا تسعى ؛ لأنها رضي الله عنها قالت : ( لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ) .
وفيه دليل على ما ذكر الفقهاء رحمهم الله من أن السعي لا يصح إلا بعد طواف نسك ، وإلا لقدمت السعي لأن السعي يجوز للحائض . وفيه أيضاً دليل على أن القارن لا يحل إلا يوم النحر ، يحل من العمرة والحج جميعاً . وفيه أيضاً دليل على القول الراجح أن المتمتع لا يكفيه سعي واحد بل لا بد من طوافين وسعيين : طواف وسعي للعمرة ، وطواف وسعي للحج ، لقولها رضي الله عنها : ( فَطَافَ الذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا ) تريد بذلك السعي لأن الذين جمعوا بين العمرة والحج طافوا طوافين طواف القدوم وطواف الإفاضة ، لكن مرادها بالطواف هنا يعني بين الصفا والمروة .
قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
1455 حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال عَطَاءٌ قَال جَابِرٌ رضي الله عنه أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ عَليًّا رضي الله عنه أَنْ يُقِيمَ عَلى إِحْرَامِهِ وَذَكَرَ قَوْل سُرَاقَةَ.(1 )
(1 ) كان علي رضي الله عنه قد أهل بما أهل به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبقي على إحرامه قارناً ، وأما أبو موسى فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجعل إحرامه بالحج عمرة لأنه لم يسق الهدي .
وفيه دليل على سعة النسك وأنه يصح الإحرام بالشيء المجهول ؛ لأنك إذا قلت أحرمت بما أحرم به فلان فهو مجهول لا تدري أكان أحرم بعمرة أم بحج وعمرة ، لكن الحج واسع في النية .
طيب ، هل من قال الآن : أحرمت بما أحرم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يصح أو لا يصح ؟ البخاري رحمه الله قال : ( من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كإهلال النبي ) فهل هذا القيد من البخاري يدل على أن الإنسان لو قال : أحرمت بما أحرم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، اليوم هل يصح أو لا يصح ؟ ظاهر كلام البخاري أنه لا يصح ، ولكن الظاهر أنه يصح ؛ لأن مراد القائل قوة التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول أحرمت بما أحرم به النبي . فنقول له : إن كنت عالماً فمعنى قولك هذا أنك أحرمت قارناً وإن كنت جاهلاً فتُعلم فيُقال إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان قارناً . شوف الترجمة ، قيد البخاري هذا فيه إشكال .
تعليق من فتح الباري ج3 ص 416 :
قوله : ( باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ) أي فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فجاز الإحرام على الإبهام ، لكن لا يلزم منه جواز تعليقه إلا على فعل من يتحقق أنه يعرفه كما وقع في حديثي الباب ، وأما مطلق الإحرام على الإبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم لما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وهذا قول الجمهور . وعن المالكية لا يصح الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيين .
الشيخ : يعني أصحاب أبي حنيفة رحمه الله .
متابعة التعليق : قال ابن المنير : وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار بالترجمة إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن ؛ لأن عليا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإحرام فلا يصح ذلك والله أعلم . وكأنه أخذ الإشارة من تقييده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : هذا الفتح أو العيني ؟
القارئ : هذا فتح الباري ، العيني غير هذا .
الشيخ : نعم إيش يقول ؟
القارئ : يقول : أي هذا باب في بيان من أهل أي أحرم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، وأشار بهذا إلى جواز الإحرام على الإبهام ثم يصرفه المحرم لما شاء لكون ذلك وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك . وقيل : كأن البخاري لما لم ير إحرام التقييد ولا الإحرام المطلق ثم يعين بعد ذلك أشار بهذه الترجمة بقوله : ( باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلاله ) إلى أن هذا خاص بذلك الزمن فليس لأحد أن يُحرم بما أحرم به فلان بل لابد أن يُعين العبادة التي يراها ودعت الحاجة إلى إطلاق والحوالة على إحرامه صلى الله عليه وسلم لأن علياً وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالا على النبي صلى الله عليه وسلم . فأما الآن وقد استقرت الأحكام وعُرفت مراتب وكيفيات الإحرام . ا.هـ.
قلت : هذا الذي قاله سلمناه في بعضه ولم نسلم في قوله : كأن البخاري لم ير إحرام التقييد ولا الإحرام المطلق أشار بهذه الترجمة إلى أن هذا خاص بهذا الزمن ؛ لأنه ذكر في الترجمة مطلقاً من أهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن أين تأتي هذه الإشارة إلى ما ذكره ؟ فالترجمة ساكتة عن ذلك ولا يُعلم رأي البخاري في هذا الحكم ما هو فافهم .
الشيخ : الظاهر أن كلام ابن حجر أصح ، ووجهه أنه إذا كان الإنسان جاهلاً لا يدري أي الأنساك أفضل فعلقه بما أحرم به فلان لأنه يثق به ، وهذا له وجه لكن لو أن أحداً قال : أحرمت بما أحرم به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهل هذا صحيح ؟ نقول : أما إن كان عالماً بما أحرم به فكأنه قال أحرمت قارناً ، وإن لم يكن عالماً فلمحبته للتأسي قال هذا ويسأل كيف كان حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . طيب وإذا سأل وقيل كان قارناً فهل يبقى على أنه قارن ؟ لا .. نقول : اجعله متعة إلا أن تكون قد سقت الهدي ، إن كنت قد سقت الهدي فاستمر في قرانك وإلا فاجعله عمرة لتصير متمتعاً .

1456 حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ الخَلالُ الهُذَليُّ حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَليمُ بْنُ حَيَّانَ قَال سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَال قَدِمَ عَليٌّ رضي الله عنه عَلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ مِنَ اليَمَنِ فَقَال بِمَا أَهْللتَ قَال بِمَا أَهَل بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَقَال لوْلا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْللتُ ، وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال لهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِمَا أَهْللتَ يَا عَليُّ قَال بِمَا أَهَل بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَال فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ.
1457 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ إِلى قَوْمٍ بِاليَمَنِ فَجِئْتُ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَال بِمَا أَهْللتَ قُلتُ أَهْللتُ كَإِهْلال النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَال هَل مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ قُلتُ لا فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْللتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلتْ رَأْسِي فَقَدِمَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَال اللهُ ( وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ ) وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ.( 1)
(1 ) قوله رضي الله عنه : ( فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي ) هذا مشتبه هل هي محرم أو غير محرم ، فماذا نعمل ؟ نحملها على المحكم وأنه كان محرماً لها ؛ لأنه لا يجوز لإنسان أن يمكن امرأة غير محرم أن تمشط رأسه .
وفيه أيضاً قوله : ( فَقَدِمَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَال اللهُ تعالى : { وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ } وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ ) يريد رضي الله عنه منع المتعة ، وكان رضي الله عنه يمنع الناس من المتعة بحجة أنه لو تمتع الناس بعمرة تامة ثم أحرموا بالحج في اليوم الثامن اقتصروا على هذا العمل وقالوا حصل لنا عمرة وحج والحمد لله نبقى في بيوتنا ، فرأى رضي الله عنه أن يمنع الناس من المتعة من أجل أن يأتوا بعمرة في غير أشهر الحج فيكون البيت دائماً معموراً بالعمار ، لكن قوله رضي الله عنه مرجوح ، بماذا ؟ بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقال في الاستدلال بالآية : { وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ } أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيَّن بالسنة كيف إتمامها ، فإتمام الحج والعمرة إذا كان قارناً أن يتمتع ويفسخ القرآن إلا إذا كان معه هدي ولا ينافي الآية الكريمة ؛ لأن الذي يأتي بعمرة أولاً ثم بحج ثانياً أتم الحج وأتم العمرة . وأما قوله : (وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ ) فنعم ، إذا كان الإنسان معه هدي لا يمكن أن يحل .

31 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال فِي الحَجِّ )
وَقَوْلهِ ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلةِ قُل هِيَ مَوَاقِيتُ للنَّاسِ وَالحَجِّ )
وَقَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا أَشْهُرُ الحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحَجَّةِ وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لا يُحْرِمَ بِالحَجِّ إِلا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ وَكَرِهَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ .
1458 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَال حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ وَليَاليَ الحَجِّ وَحُرُمِ الحَجِّ فَنَزَلنَا بِسَرِفَ قَالتْ فَخَرَجَ إِلى أَصْحَابِهِ فَقَال مَنْ لمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلهَا عُمْرَةً فَليَفْعَل وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْيُ فَلا قَالتْ فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لهَا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالتْ فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْل قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمُ الهَدْيُ فَلمْ يَقْدِرُوا عَلى العُمْرَةِ قَالتْ فَدَخَل عَليَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَال مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ قُلتُ سَمِعْتُ قَوْلكَ لأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ قَال وَمَا شَأْنُكِ قُلتُ لا أُصَلي قَال فَلا يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللهُ عَليْكِ مَا كَتَبَ عَليْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا قَالتْ فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالبَيْتِ قَالتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَل المُحَصَّبَ وَنَزَلنَا مَعَهُ فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَال اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ فَلتُهِل بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي قَالتْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَال هَل فَرَغْتُمْ فَقُلتُ نَعَمْ فَآذَنَ بِالرَّحِيل فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَل النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلى المَدِينَةِ . ضَيْرِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا(1 )
( ) شوف الآثار التي في الترجمة .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 419 :
قوله : ( باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات إلى قوله في الحج وقوله يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) قال العلماء : تقدير قوله : { الحج أشهر معلومات } أي الحج حج أشهر معلومات أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه . وقال الواحدي : يمكن حمله على غير إضمار وهي أن الأشهر جُعلت نفس الحج اتساعا لكون الحج يقع فيها كقولهم ليل نائم . وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب : المراد وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أن المراد وقت الإحرام به . وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال ولكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكاملها ، وهو قول مالك ونقل عن الإملاء للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة .
وهل يدخل يوم النحر أو لا ؟ قال أبو حنيفة وأحمد نعم ، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ، واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب ؟ فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي ، وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب ، واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح ؛ لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض وأما الصلاة فلو أحرم قبل الوقت انقلب نفلا بشرط أن يكون ظاناً دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين .
قوله : ( وقال بن عمر رضي الله عنهما أشهر الحج ... إلخ ) وصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه قال : (الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ) وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله والإسنادان صحيحان ، وأما ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : ( من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الحج فقد استمتع ) فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعاً بين الروايتين والله أعلم .
ش4 ـ وجه ب :
قوله : ( وقال ابن عباس وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحاكم عن مقسم عنه قال لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج ) ورواه بن جرير من وجه آخر عن ابن عباس قال : ( لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج ) قوله : ( وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان ) وصله سعيد بن منصور : ( حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد أخبرنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه ) وقال عبد الرزاق : ( أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال أحرم عبد الله بن عامر من خراسان فقدم على عثمان فلامه وقال غزوت وهان عليك نسكك ) وروى أحمد بن سيار في تاريخ مرو من طريق داود بن أبي هند قال : ( لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع ) وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضا وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قُتل فيها عثمان . ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين خراسان ومكة أكثر أشهر الحج فيستلزم أن يكون أحرم أشهر الحج فكره ذلك عثمان ، وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني .
ثم أورد المصنف في الباب حديث عائشة في قصة عمرتها وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب الذي بعده .
الشيخ : أقرب ما يقال قول مالك رحمه الله أنها ثلاثة أشهر وليس المعنى أنه يمكن أن يؤتى الحج بعد عرفة ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( الحج عرفة )) لكن المراد أنه يجوز أن يؤخر أفعال النسك التي لم تُقيد بوقت معين إلى آخر الشهر ، فمثلاً الطواف طواف الإفاضة ليس مخصوصاً بوقت معين فلك أن تؤخره إلى آخر الشهر ولا يجب أن تؤخره إلى ما بعده إلا بعذر كامرأة نفساء مثلاً لا تستطيع أن تطوف . كذلك السعي لك أن تؤخره إلى آخر الشهر شهر ذي الحجة ، كذلك الحلق لك أن تؤخره إلى آخر ذي الحجة ، وأما الرمي والمبيت فهو مُقيد بزمن معين فيختص به .
ولا يستقيم القول بأنه إلى العاشر من ذي الحجة لأنه مشكل ؛ لأن بعد عاشر ذي الحجة تقع أعمال من الحج من أعمال النسك كالرمي والمبيت ولا يصح الإحرام بالحج من بعد عرفة على كل الأقوال، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( الحج عرفة )).
وقوله : (ضَيْرِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا ) هذا يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا يضير)) ، وفي هذا الحديث حسن خُلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أهله وتسلية الإنسان بما يكون مع غيره لأن الإنسان يتسلى إذا وقع الضر عليه وعلى غيره ، وإلى هذا يشير قوله تبارك وتعالى : { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } مع أنه في الدنيا ينفع يهون عليه الأمر . وأيضاً المعذب في النار ـ آجارنا الله وإياكم منها ـ يرى أنه لا أحد أشد من تعذيبه ، ولو رأى أن أحداً أشد من تعذيبه لهان عليه الأمر .

قاسم علي
12-09-2006, 06:03 PM
بَاب التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بِالحَجِّ وَفَسْخِ الحَجِّ
لمَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ
1459 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَلا نُرَى إِلا أَنَّهُ الحَجُّ فَلمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ مَنْ لمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْيَ أَنْ يَحِل فَحَل مَنْ لمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لمْ يَسُقْنَ فَأَحْللنَ قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله عَنْهَا فَحِضْتُ فَلمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ فَلمَّا كَانَتْ ليْلةُ الحَصْبَةِ ( 1) قَالتْ يَا رَسُول اللهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ قَال وَمَا طُفْتِ ليَاليَ قَدِمْنَا مَكَّةَ قُلتُ لا قَال فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهِلي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا قَالتْ صَفِيَّةُ مَا أُرَانِي إِلا حَابِسَتَهُمْ قَال عَقْرَى حَلقَى أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالتْ قُلتُ بَلى قَال لا بَأْسَ انْفِرِي
(1 ) ليلة الحصبة في ليلة الرابع عشر من شهر ذي الحجة وسميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل فيها بالمحصب وهو مكان معروف فسُميت ليلة الحصبة .
قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله عَنْهَا فَلقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَليْهَا أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا (1 )
1460 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِالحَجِّ وَأَهَل رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَل بِالحَجِّ أَوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ(2 )
(1 ) هذا شك ، سياق الحديث يعارض المعروف من أن عائشة رضي الله عنها حاضت بسرف وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل عليها وهي تبكي وأمرها أن تُدخل الحج على العمرة وتكون قارنة . قم أنها فيها أيضاً من الشيء الغريب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن حالها بعد قدومها مكة هل طافت أو لا ؟ ومثل هذا لا يخفى عليه غالباً ، ففيه إشكال .
(2 ) هذا واضح هذا أقسام النسك ثلاثة: إحرام بالعمرة، إحرام بالحج، إحرام بهما جميعاً . ولكن قولها رضي الله عنها : ( أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ) يُحمل على أنه ابتدأ الإحرام بالحج ثم قيل له قل حجاً وعمرة فقرنهما بعد أن أحرم بالحج ، وهذا جائز على مذهب بعض أهل العلم أن يُدخل العمرة على الحج ، كما أنه يجوز بالاتفاق أن يُدخل الحج على العمرة . وعلى هذا فيكون صفة القران على هذا القول الذي هو ظاهر حديث عائشة يكون صفة القران كم ؟ ثلاث صفات :
الصفة الأولى : أن يحرم بهما جميعاً ، يقول لبيك عمرة وحج .
والثانية : أن يُحرم أولاً بالحج ثم يُدخل العمرة عليه ليصير متمتعاً . وهذا انفسخ الحج .
والثالثة : أن يُحرم أولاً بالعمرة ثم يُدخل الحج عليها ، وهذا ما فعلته عائشة رضي الله عليها .
الرابع من أقسام النسك : أن يحرم أولاً بالحج ثم يدخل العمرة عليه ويبقى في إحرامه يعني لا يتحلل ، وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله وجماعة من العلماء .
1461 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ عَنْ عَليِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَال شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَليًّا رضي الله عنهمَا وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ المُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلمَّا رَأَى عَليٌّ أَهَل بِهِمَا لبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ قَال مَا كُنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ لقَوْل أَحَدٍ( 1)
(1 ) لكن قول علي رضي الله عنه ليس بحجة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل بحج وعمرة ولم يتمتع حيث كان معه الهدي ، ولا شك أن من كان معه الهدي الأفضل أن يكون قارناً وأما من ليس معه هدي فالأفضل أن يكون متمتعاً ، وأما نهي عثمان رضي الله عنه عن المتعة فكما أسلفت أنه رضي الله عنه وعمر وأبا بكر نهوا عن ذلك من أجل أن يعمر البيت الحرام بالزائرين لأن الناس في ذلك الوقت إذا كان تهيأ لهم أن يأتوا بعمرة وحج في سفر واحد كان سهلاً عليهم ، وإذا أُنشئ السفر من بلاد بعيدة على الإبل ففيه صعوبة ، فخاف هؤلاء الخلفاء أن يتهاون الناس في زيارة البيت . ولكن لا شك أن الأولى ما دلت عليه السنة وهو الأمر بالمتعة وأن الأفضل أن يتمتع الإنسان على كل حال إلا إذا ساق الهدي فالأفضل القران.
1462 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَال كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَأ الدَّبَرْ وَعَفَا الأَثَرْ وَانْسَلخَ صَفَرْ حَلتِ العُمْرَةُ لمَنِ اعْتَمَرْ(1 )
قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلينَ بِالحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُول اللهِ أَيُّ الحِل قَال حِلٌّ كُلُّهُ(2 )
(1 ) هذا استنتاج باطل ( إذا برأ الدبر ) يعني دبر الإبل الذي يكون بسبب التحميل عليها تكون جروح على ظهورها ، يكون إذا برأ الدبر ، ومتى يبرأ ؟ بعد أشهر أو شهر أو شهرين . الثاني يقول : ( إذا برأ الدبر وعفا الأثر ) عفا الأثر يعني انمحى ، والمراد أثر الإبل ؛ لأنه كان في الأول هناك ما يسمونه بالطرق والجواب من آثار خفاف الإبل وحوافر الحمير والخيل . والثالث : ( وانسلخ صفر ) المراد صفر محرم ، انسلخ محرم ( حلت العمرة لمن اعتمر ) فيقال هذا كلام باطل والعمرة تحل في أشهر الحج وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم للتمتع بالحج .
(2 ) يعني هو حل كله حتى أوردوا عن النبي صلى الله عليه وسلم إيراداً وقالوا : يا رسول الله نخرج إلى منى وذكر أحدنا يقطر منياً ؟ ماذا أُريد بهذا ؟ جماع الإماء ، كيف نجامع بين العمرة والحج ونخرج إلى منى وذكر أحدنا يقطر منياً ؟ قال : (( افعلوا ما أمرتكم به )) وهذا يدل على أن الحل بين العمرة والحج للتمتع حلٌ كامل تحل به النساء ويحل به الطيب واللباس وكل المحظورات .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال قَدِمْتُ عَلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَأَمَرَهُ بِالحِل . 1464 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ ح ، وحَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ أَنَّهَا قَالتْ يَا رَسُول اللهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلمْ تَحْلل أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَال إِنِّي لبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلدْتُ هَدْيِي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ(1 )
1465 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَال تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ فَسَأَلتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا فَأَمَرَنِي فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلةٌ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَال سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَقَال لي أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَل لكَ سَهْمًا مِنْ مَالي قَال شُعْبَةُ فَقُلتُ لمَ فَقَال للرُّؤْيَا التِي رَأَيْتُ(2 )
(1 ) وهكذا من ساق الهدي لا يمكن أن يجعلها عمرة يجب أن يبقى على إحرامه إلى يوم العيد . وقوله : ( لبدت رأسي ) إنما لبده لطول المدة لأنه لن يقصره ولن يحلقه إلا يوم العيد وهو قدم في اليوم الرابع ، بقي على العيد كم ؟ ستة أيام ، وهو قد خرج في آخر ذي القعدة فلبد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأسه لأجل أن لا يحتاج إلى حلق أو إلى تقصير .
( 2) في هذا دليل على أن ما أفتاه به عبد الله بن عباس هو الصواب لأنه رأى في المنام أن رجلاً دعا له بقبولها ، ولو كانت غير صواب لكانت مردودة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . وفي هذا دليل على مكافأة من بشرك بما يسرك ؛ لأن ابن عباس كافأه بأن يقيم عنده فيجعل له سهماً من ماله ، وفيه دليل على أن الرؤيا قد تكون ضرب أمثال وقد تكون باللازم بلازم الشيء وقد تكون بالصريح ، وهذه التي حصلت لهذه الرجل باللازم لأن من لازم القبول أن يكون العمل صحيحاً .
1466 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَال قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلنَا قَبْل التَّرْوِيَةِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ فَقَال لي أُنَاسٌ مِنْ أَهْل مَكَّةَ تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً فَدَخَلتُ عَلى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَال حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهمَا أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ يَوْمَ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالحَجِّ مُفْرَدًا فَقَال لهُمْ أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ البَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلالا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالحَجِّ وَاجْعَلُوا التِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً فَقَالُوا كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ فَقَال افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ فَلوْلا أَنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لفَعَلتُ مِثْل الذِي أَمَرْتُكُمْ وَلكِنْ لا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ فَفَعَلُوا . قَال أبو عَبْد اللهِ أَبُو شِهَابٍ ليْسَ لهُ مُسْنَدٌ إِلا هَذَا(1 )
1467 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَال اخْتَلفَ عَليٌّ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهمَا وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي المُتْعَةِ فَقَال عَليٌّ مَا تُرِيدُ إِلا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَلمَّا رَأَى ذَلكَ عَليٌّ أَهَل بِهِمَا جَمِ( 2)
( 1) هذا فيه من الفوائد بيان ضرر المفتين بغير علم حيث قالوا : إن حجتك حجة مكية ، يعني ليست متمتعاً ، فدخل على عطاء رحمه الله وهو من أفقه الناس في علم المناسك وسأله فذكر هذا الحديث .
وفيه جواز الاستفهام من العالم إذا أبان علماً لقولهم رضي الله عنهم : ( كيف نجعلها بمتعة وقد سمينا الحج ) يعني أحرمنا بالحج ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( افعلوا ما أمرتكم )) وهذا مما يؤيد وجوب التمتع على الصحابة رضي الله عنهم الذين وجههم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأمر (( فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم )) وفي هذا دليل على أن سوق الهدي يمنع من الحل لقول الله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } (( ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله )) ففعلوا .
(2 ) في هذا دليل على أن اختلاف الكبار في العلم والمرتبة ، يجري بينهما اختلاف ولكن هذا لا يؤثر اختلافاً في القلوب ، خلاف ما كان عليه بعض الناس اليوم تجده إذا خالفه صاحبه في شيء من الأشياء ثأر في قلبه عليه وهذا من نزغات الشيطان ، والواجب أن أخاك إذا خالفك في شيء أن تناقشه وتنظر ما عنده فقد يكون عنده من العلم ما ليس عندك ، ثم إذا توصلتم إلى اتفاق فهذا المطلوب . يعني اتفقت معه على اتفقا في الرأي فهذا المطلوب وإلا فلكل رأي وفي هذه الحال لا يقال إنكما اختلفتما لأن كلاً منكما سلك طريقاً ظنه الحق فليعذر كل واحد منكما الآخر .
بَاب مَنْ لبَّى بِالحَجِّ وَسَمَّاهُ
1468 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَال سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهمَا قَال قَدِمْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَنَحْنُ نَقُولُ لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ بِالحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فَجَعَلنَاهَا عُمْرَةً(1 )
(1 ) في هذا دليل على أن الإنسان يسمي نسكه في حال التلبية ، إن كان في عمرة قال لبيك اللهم عمرة، وإن كان في حج قال لبيك اللهم حجاً، وإن كان في حج وعمرة قال لبيك اللهم حجاً وعمرة ، لكن هل يكرر هذا مع تكرار التلبية أو أحياناً وأحياناً ؟ الأمر في هذا واسع فيما أرى إن كرر مع كل تلبية فهذا خير وإن صار يقول ذلك أحياناً فالأمر واسع .
طيب ، فإذا قال قائل : أليس الله تعالى يقول : { وأتموا الحج والعمرة والعمرة لله } وهذا أحرم بالحج ، كيف نقول حوله إلى عمرة ؟ نقول : هذا من كمال الحج ؛ لأنك إذا كنت محرماً بالحج ماذا يحصل لك من نسك ؟ حج فقط ، لكن إذا حولته إلى عمرة حصل لك عمرة وحج . هذه واحدة .
ثانياً : إذا قال قائل : وإذا كان محرماً بحج وعمرة قارناً أتقولون إنه يحوله إلى عمرة ليصير متمتعاً ؟ فالجواب : نقول نعم . فإذا قال هذا إذاً ما استفاد شيئاً لأن حجه وعمرته قد أتى بهما بنية واحدة ؟ فالجواب : لكن التمتع يحصل على عمرة كاملة وعلى حج كامل ، وأما القارن فإن فعله كفعل المفرد تماماً لا يزيد . يؤخذ من هذا أن انتقال الإنسان من الفاضل إلى المفضول ولو كان الفاضل واجباً فإنه لا حرج إذا انتقل إليه من جنسه ، ولهذا لو أنه أحرم بحج مفرداً ثم لما رأى الزحام وشدة الحج حوله إلى عمرة ليتحلل ، هل يجوز أو لا يجوز ؟ لا يجوز لأن هذا تحيل على إبطال النسك الذي شرع فيه لا إلى ما هو أفضل منه .
ولهذا قيَّد الفقهاء هذه المسألة فقالوا : يسن لقارن ومفرد أن يجعلا ذلك عمرة ليصيرا متمتعين . بهذا القيد ( ليصيرا متمتعين ) أما إذا حوله إلى عمرة ليطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم ينصرف إلى أهله فهذا لا يجوز. فصار تحويل الإقران والإفراد إلى تمتع من إتمام الحج والعمرة لأن الرجل انتقل من فاضل إلى أفضل .

قاسم علي
12-13-2006, 07:19 PM
34 ـ بَاب التَّمَتُّعِ عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ
1469 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَال حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ رضي الله عنه قَال تَمَتَّعْنَا عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فَنَزَل القُرْآنُ قَال رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ( 1)
(1 ) قيل إنه عمر رضي الله عنه ( قال برأيه ما شاء ) وهو أنه كان ينهى عن التمتع ، وسر نهيه من أجل أن يكون البيت معموراً في كل السنة فتكون العمرة في وقت آخر غير أشهر الحج ، والمتمتع متى تكون عمرته؟ في أشهر الحج وفي سفر واحد ، فرأى رضي الله عنه أن يمنع التمتع ونهى عنه ، وهذا عكس رأي ابن عباس ، ابن عباس رضي الله عنه يرى وجوب التمتع ، بل قال : إن الرجل إذا طاف وسعى وقصَّر حل شاء أو أبى . لكن رأيه رضي الله عنه في قوله : ( شاء أم أبى ) فيه نظر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة ولم يقل انقلب إحرامكم عمرة ولو كان ينقلب عمرة شاء أو أبى لم يكن لأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بجعلها عمرة ولم يكن لغضبه عليهم حين تأخروا لم يكن له معنى .
فالصواب أن تحويل الحج المفرد أو الحج المقرون بالعمرة إلى تمتع أفضل فقط ، وأما الوجوب ففيه نظر .
35 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى : ( ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ )
وَقَال أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ البَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ البَرَّاءُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا أَنَّهُ سُئِل عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَال أَهَل المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأَهْللنَا فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ اجْعَلُوا إِهْلالكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلا مَنْ قَلدَ الهَدْيَ فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَال مَنْ قَلدَ الهَدْيَ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لهُ ( حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ ) ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِل بِالحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَليْنَا الهَدْيُ كَمَا قَال اللهُ تَعَالى ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) إِلى أَمْصَارِكُمُ الشَّاةُ تَجْزِي فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى أَنْزَلهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَبَاحَهُ للنَّاسِ غَيْرَ أَهْل مَكَّةَ قَال اللهُ ( ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ ) وَأَشْهُرُ الحَجِّ التِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالى فِي كِتَابهِ شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَذُو الحَجَّةِ فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَليْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ وَالرَّفَثُ الجِمَاعُ وَالفُسُوقُ المَعَاصِي وَالجِدَالُ المِرَاءُ( 1)
( ) هذا من أجمع السياقات في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ولنتكلم عليه ، قال الله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تلك عشرة كاملة ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ } المشار إليه هل هو وجوب الهدي أو هو التمتع ؟ في هذا قولان للعلماء ، فقيل إنه الهدي أو بدله ، وعلى هذا فيكون لأهل مكة تمتع ، وقيل إنه عائد على التمتع ووجوب الهدي فرع منه ، وعلى هذا فليس على أهل مكة تمتع . وهذا هو الصواب أن أهل مكة ليس لهم تمتع لكن لو فُرض أن المكي قدم من المدينة إلى مكة فهنا يمكن أن يتمتع فيُحرم بالعمرة من ذي الحليفة وإذا أتى مكة طاف وسعى وقصر ويُحرم بالحج يوم التروية وليس عليه هديه ؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام . أما أن يخرج من مكة ويأتي بعمرة ثم يقول أنا متمتع فلا ، وقد استدل بهذا الحديث من قال : إن أهل مكة لا عمرة لهم ولا تصح منهم العمرة لأن العمرة هي الزيارة ، والزيارة لابد أن تكون من مكان غير المزور فلا بد أن يأتي بها من الحل ، ولم يُعهد في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرجل من أهل مكة يخرج إلى الحل ويأتي بعمرة إلا قصة عائشة وقد عرفتم ما فيها .
وفيه أيضاً يقول : ( أَهَل المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأَهْللنَا ) قوله المهاجرون والأنصار هذا من باب التوكيد على الإجماع لأن المهاجرون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة إلى الله ولرسوله ، والأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ، وأزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معروفات .
( فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ اجْعَلُوا إِهْلالكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلا مَنْ قَلدَ الهَدْيَ ) يعني ساقه مقلداً إياه ، والمهم السوق بالقطيع ، بمعنى لو أنه ساق الهديه ولم يقلده فإنه يمتنع أن يحل ، ( فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لهُ حتى يبلغ لمحله ) وفي قول : ( { حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ } ) .
في هذا الحديث والذي قبله دليل على أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا أحل حتى أنحر )) أي حتى يبلغ الهدي محله ، وعليه فيحل إذا رمى وحلق وإن لم ينحر .
( ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِل بِالحَجِّ ) سمى ذلك عشية التروية ، أولاً التروية : معنى التروية يعني تروية الماء ، وكانو في ذلك الوقت يترون الماء من منابعهم إلى منى من أجل شرب الحجاج ، ويسمى ذلك اليوم يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية ، والتاسع يوم عرفة ، والعاشر يوم النحر ، والحادي عشر يوم القر لأن الناس قارين في منى لا أحد ينفر ، والثاني عشر يوم النفر الأول ، والثالث عشر يوم النفر الثاني ، هذه الأيام الخمسة كل واحد له اسم . وقوله : ( عشية التروية ) ظاهره أنه أمرهم أن يحرموا بعد الزوال لأن العشي يكون بعد الزوال ، والأمر ليس كذلك فإن الناس يحرمون بالحج يوم التروية قبل الزوال ويخرجون إلى منى ويصلون فيها الظهر لكن أطلق على ما قبل الزوال عشية لقربه من الزوال .
ش5 ـ وجه أ :
يقول : (عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِل بِالحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَليْنَا الهَدْيُ ) وهذا صريح في وجوب السعي للمتمتع بمعنى أن المتمتع يلزمه طوافان وسعيان ، الطواف الأول والسعي الأول للعمرة ، والطواف الثاني والسعي للحج ، وهذا هو المتعين ؛ لأن العمرة منفصلة عن الحج تماماً بينها وبين الحج حل تام . وأما قول شيخ الإسلام رحمه الله : إن المتمتع يكفيه سعي واحد السعي الأول فقول ضعيف غير سديد ، وما دام النص رقي يستدل على وجوب السعي في الحج فلا عبرة بقول أحد كائن من كان .
يقول : (فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَليْنَا الهَدْيُ كَمَا قَال اللهُ تَعَالى : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ) طيب صيام ثلاثة أيام في الحج متى ؟ قال أهل العلم : يبتدئ صيام الثلاثة من أول يوم يحرم بالعمرة من حين العمرة إلى أيام التشريق ولا يؤخر عن أيام التشريق ، فمثلاً لو أحرم بالعمرة في عشرين من ذي القعدة وهو متمتع يجوز أن يصوم الثلاثة في ذي القعدة ؟ نعم يجوز . فإن قال قائل : إن الله تعالى قال : { فِي الحَجِّ } وهذا إلى الآن ما شرع في الحج ؟ فالجواب على هذا من أحد وجهين أو منهما جميعاً : أولاً أن العمرة عمرة متمتع داخلة في الحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( دخلت العمرة في الحج )) ، وثانياً : أن قوله في الحج أي في سفر الحج وسفر الحج يبتدئ قبل أن يتلبس به . فإن قال قائل : على قولك هذا على هذا التقدير تُجَوِّز أن يصوم الثلاثة في سفره من بلده إلى مكة قبل أن يصل الميقات ؟ فالجواب : لا أُجوِّز ، لماذا ؟ لأن السبب لم يوجد فلو صام الإنسان قبل أن يُحرم بالعمرة فقد صام قبل وجود سبب الصوم، وتقدير الشيء قبل سببه لاغي كما لو أراد الإنسان أن يحلف على شيء وقدم الكفارة قبل أن يحنث أيجزئه ؟ لا يجزئه . إذاً يبتدئ وقت صيام الثلاثة من وقت إحرامه بالعمرة .
وقوله : { إذا رجعتم } قال ابن عباس رضي الله عنهما : إلى أمصاركم ، والآية مطلقة { إذا رجعتم } ، هل المراد إذا رجعتم من الحج بمعنى أتممت أفعاله ولو كنتم في مكة أو المراد إذا رجعتم إلى أهليكم ؟ الأفضل إلى أهليكم ، الأفضل أن لا يصوم السبعة إلا إذا وصل إلى أهله لأن بذلك يكون تمام الرخصة ، وإن صامها بعد فراغ جميع أفعال الحج ولو في مكة فلا حرج .
قال : ( الشَّاةُ تَجْزِي ) سبع البدنة والبقرة يجزئ أو لا ؟ يجزئ ، فإذاً الهدي في قوله تعالى : { ما استيسر من الهدي } يشمل الشاة الواحدة أو سبع البدنة أو سبع البقرة .( فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ ) يعني جمعوا بين الحج والعمرة في عام واحد ، بل أخص من هذا في سفر واحد . ( فَإِنَّ اللهَ تَعَالى أَنْزَلهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَبَاحَهُ للنَّاسِ غَيْرَ أَهْل مَكَّةَ ) ثم استدل بقوله : { ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ } الآية واضحة والاستدلال واضح .
قال رضي الله عنه : ( وَأَشْهُرُ الحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَذُو الحَجَّةِ ) قاله ابن عباس الذي يُلقب بترجمان القرآن . وقد سبق إن هذا هو القول الراجح أن أشهر الحج ثلاثة شوال وذو الحجة وذو القعدة ، لكن متى يُفعل الحج هل يفعل من أول شوال إلى آخر ذي الحجة ؟ لا لأنه وقت معين فلا يتعدى الوقت لكن هذه محله. (فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَليْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ). أو هدي ليس للتخيير ولكنها للتنويع ، دم إن وجد ، أو صوم إن لم يجد ، إن لم يجد ماذا ؟ إن لم يجد هدي أو لم يجد الدراهم ؟ هذا أو هذا ، إذا كان الإنسان عنده دراهم لكن ما وجد شاة لأن ليس في السوق شيء يصوم ، إذا كان السوق مملوءاً بالمواشي لكن ليس معه دراهم يصوم أيضاً. ولهذا حذف الله عز وجل المفعول في قوله : { فمن لم يجد } إشارة إلى العموم أي لم يجد الهدي أو ثمنه . شوف الترجمة في الشرح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب قول الله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ) أي تفسير قوله وذلك في الآية إشارة إلى التمتع ؛ لأنه سبق فيها { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } إلى أن قال : {ذلك} واختلف السلف في المراد بحاضري المسجد فقال نافع والأعرج : هم أهل مكة بعينها ، وهو قول مالك واختاره الطحاوي ورجحه .
الشيخ : مكة فقط إن صغيرة فهي صغيرة وإن واسعة فهي واسعة ، وعلى هذا فما خرج عن حدود مكة ولو كان داخل الحرم أي داخل حدود الحرم فليس من حاضري المسجد الحرام .
متابعة التعليق :
وقال طاوس وطائفة : هم أهل الحرم وهو الظاهر .
الشيخ : أهل الحرم يعني ما كان داخل حدود الحرم وتسمى الأميال ، فهذا من حرم المسجد الحرام ولو كان خارج مكة ، وما وراءه ليس من حاضري المسجد الحرام . طيب التنعيم الآن متصل بمكة تماماً والبيوت متصلة إلى خارج الحرم إلى الحل ، فهل نقول إن الذي في التنعيم خارج الحرم من أهل المسجد الحرام أو لا ؟ على الخلاف ، إن قلنا حاضري المسجد الحرام أهل مكة قلنا مكة لو تصل إلى الطائف يعني لو تعدت الحل فمن كان فيها فهو من حاضر المسجد الحرام ، وإذا قلنا إنهم أهل الحرم صار الذين في التنعيم خارج حدود الحرم ليسوا من حاضر المسجد الحرام.
متابعة التعليق : وقال مكحول : من كان منزله دون المواقيت ، وهو قول الشافعي في القديم ، وقال في الجديد : من كان من مكة على دون مسافة القصر ، ووافقه أحمد .
الشيخ : الآن عندنا قولين أخيران :
الأول يقول : حاضر المسجد الحرام من كان دون المواقيت ، وعلى هذا فأهل البدو من حاضر المسجد الحرام ، وكل من كان دون ذي الحليفة من طريق المدينة فهم من حاضر المسجد الحرام .
القول الرابع : من كان بينه وبين مكة مسافة القصر يعني يومين ، ما دون ذلك فهو من حاضر المسجد الحرام وما وراء ذلك فليس من حاضر المسجد الحرام .
وأقرب الأقوال القولان الأولان إما أن نقول هم أهل مكة سواء اتسعت مكة أو تقلصت أو نقول ممن كان داخل حدود الحرم ، والمسألة عندي متعادلة بالنسبة للأدلة ؛ لأنك إذا نظرت أو تأملت من كان داخل الأميال لكن خارج مكة قلت هذا حاضر المسجد الحرام لأنه في حدوده فيكون من حاضره ، وإذا تأملت أن المقصود هو أن يأتي الإنسان إلى مكة من خارج مكة قلت الأولى أن نجعل حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة ، فالمسألة عندي متعادلة وفي هذا يُفتي الإنسان بما يرى أنه أحوط .
متابعة التعليق : وقال مالك أهل مكة ومن حولها سوى أهل المناهل كعسفان وسوى أهل منى وعرفة .
الشيخ : أما أهل عرفة خارج حدود الحرم وخارج مكة أيضاً ، أما أهل منى فهم داخل حدود الحرم لكن هل هم خارج مكة ؟ في وقتنا الحاضر قد تقول إنهم ليسوا خارج مكة لأن المباني متصلة ، فيكون أهل منى من حاضري المسجد الحرام بلا شك .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( التي ذكر الله ) أي بعد آية التمتع حيث قال الحج أشهر معلومات وقد تقدم نقل الخلاف في ذي الحجة هل هو بكماله أو بعضه ؟
الشيخ : طيب ما تقولون في رجل أحرم بالعمرة آخر يوم من رمضان وأتمها أول يوم من شوال ، هل يكون متمتعاً أو لا ؟ ليس متمتعاً لأنه لابد أن يأتي بالعمرة من أولها إلى آخرها بعد دخول شهر شوال .
متابعة التعليق : وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال ولكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكاملها وهو قول مالك ونقل عن الإملاي للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة ، وهل يدخل يوم النحر أو لا ؟ قال أبو حنيفة وأحمد نعم ، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا ، وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ . واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي ، وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب . واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح ؛ لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض وأما الصلاة فإن أحرم قبل الوقت انقلب نفلا بشرط أن يكون ظانا دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين .
الشيخ : القول بأنه لا يجزئ الإحرام بالحج قبل أشهره قول قوي جداً لأنه حصر { الحج أشهر معلومات } فمن قال في آخر رمضان لبيك اللهم حجاً . قلنا هذا عمرة ولا يمكن أن تحرم بالحج قبل أشهره كما أنه لا يمكن أن تحرم بالصلاة قبل دخول وقتها .
36 ـ بَاب الاغْتِسَال عِنْدَ دُخُول مَكَّةَ
1470 حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا إِذَا دَخَل أَدْنَى الحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى ثُمَّ يُصَلي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلكَ( 1)
37 ـ بَاب دُخُول مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ ليْلا
بَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِذِي طِوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَل مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا يَفْعَلُهُ.
1471 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ قَال حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا قَال بَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِذِي طُوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَل مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا يَفْعَلُهُ( 2)
( 1) قوله رضي الله عنه : ( كَانَ يَفْعَلُ ذَلكَ ) يعني الاغتسال لا الإمساك عن التلبية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ، وفيه دليل يعني في سياق الحديث أن الإشارة قد ترجع إلى بعض المشار إليه ، وإلا لو أخذنا بظاهرها لقلنا إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقطع التلبية إذا دخل الحرم .
(2 ) يقولون إن ذا طوى هي بئر مطوية ، وتسمى الآن في مكة الزاهر ، حي الزاهر . عندك تكرار ؟
القارئ : يقول : بذي طوى بضم الطاء وفتحها .
الشيخ : فقط .
القارئ : موجودة ومكتوب عليها لوحة بئر طوى .
ـ بَاب مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ
1472 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَال حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُليَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى(1 )
39 ـ بَاب مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ
1473 حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ البَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل مَكَّةَ مِنْ كَدَا مِنَ الثَّنِيَّةِ العُليَا التِي بِالبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى قَال أبو عَبْد اللهِ كَانَ يُقَالُ هُوَ مُسَدَّدٌ كَاسْمِهِ قَال أبو عَبْد اللهِ سَمِعْتُ
( 1) وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المخالفة كما خالف الطريق في صلاة العيد إظهاراً للشعائر وليشهد له الطريقان يوم القيامة بأنه مر بهما في طاعة الله عز وجل . والعليا هي الثنية ريع الحجون وهي مشهورة معروفة، كما قال الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسْمُر بمكة سامرٌ
وأما السفلى فهي التي من طريق الجعر ، ويقال : كَدا وكُدا أو كُدي فافتح وادخل وضم واخرج ، مناسبة تماماً ، الإنسان إذا بغى يدخل يفتح ويقال كدى ، وإذا انصرف يغلق الباب فيضم ، يعني إذا أشكل عليك انتبه لهذا المعنى .
ـ بَاب مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ
1472 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَال حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُليَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى( 1)
39 ـ بَاب مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ
1473 حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ البَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل مَكَّةَ مِنْ كَدَا مِنَ الثَّنِيَّةِ العُليَا التِي بِالبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى قَال أبو عَبْد اللهِ كَانَ يُقَالُ هُوَ مُسَدَّدٌ كَاسْمِهِ قَال أبو عَبْد اللهِ سَمِعْتُ
(1 ) وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المخالفة كما خالف الطريق في صلاة العيد إظهاراً للشعائر وليشهد له الطريقان يوم القيامة بأنه مر بهما في طاعة الله عز وجل . والعليا هي الثنية ريع الحجون وهي مشهورة معروفة، كما قال الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسْمُر بمكة سامرٌ
وأما السفلى فهي التي من طريق الجعر ، ويقال : كَدا وكُدا أو كُدي فافتح وادخل وضم واخرج ، مناسبة تماماً ، الإنسان إذا بغى يدخل يفتح ويقال كدى ، وإذا انصرف يغلق الباب فيضم ، يعني إذا أشكل عليك انتبه لهذا المعنى .
يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ لوْ أَنَّ مُسَدَّدًا أَتَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ فَحَدَّثْتُهُ لاسْتَحَقَّ ذَلكَ وَمَا أُبَالي كُتُبِي كَانَتْ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ مُسَدَّدٍ( 1)
1474 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمَّا جَاءَ إِلى مَكَّةَ دَخَل مِنْ أَعْلاهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلهَا .
1475 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ المَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلى مَكَّةَ( 2)
1476 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ
( 1) الله أكبر ، ثناء عظيم .
(2 ) بينهما فرق واضح ، الأول كدا بالمد والفتح ، والثانية كُدى بالضم والقصر ، هي مناسبة أيضاً القصر كأن المسافر قصر إقامته في مكة أو ما أشبه ذلك .
دَخَل عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا أَعْلى مَكَّةَ قَال هِشَامٌ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلى كِلتَيْهِمَا مِنْ كَدَا وَكُدًا وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَا وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلى مَنْزِلهِ .
1477 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ دَخَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا مِنْ أَعْلى مَكَّةَ وَكَانَ عُرْوَةُ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَا وَكَانَ أَقْرَبَهُمَا إِلى مَنْزِلهِ .
1478 حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ دَخَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِليْهِمَا وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَا أَقْرَبِهِمَا إِلى مَنْزِلهِ قَال أبو عَبْد اللهِ كَدَا وَكُدًا مَوْضِعَانِ(1 )
( ) شوف الفتح ما تكلم على الحكم ، يعني فعل عروة ؟
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( من كدا ) بفتح الكاف والمد ، قال أبو عبيد : لا يصرف وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلا مقبرة أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم ، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ، ثم سُهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة ، وكل عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية .
قوله : ( الثنية السفلى ) ذكر في ثاني حديثي الباب وخرج من كُدا وهو بضم الكاف مقصور وهي عند باب شبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع .
الشيخ : الحكم لعله في الباب الذي قبله ( من أين يدخل ) . هو عادة يستنبط الأحكام في آخر .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وكانت أقربهما إلى منزله ) فيه اعتذار هشام لأبيه لكونه روى الحديث وخالفه ؛ لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم لازم وكان ربما فعله وكثيرا ما يفعل غيره بقصد التيسير ، قال عياض والقرطبي وغيرهما اختلف في ضبط كَدا وكُدا فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد والسفلى بالضم والقصر ، وقيل بالعكس ، قال النووي وهو غلط ، قالوا واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وسلم بين طريقيه فقيل ليتبرك به كل من في طريقه فذكر شيئا مما تقدم في العيد وقد استوعبت ما قيل فيه هناك وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا والله أعلم . وقيل الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه ، وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها ، وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظاهرا عاليا ، وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت . ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كدا فقلت ما هذا قال شيء طلع بقلبي وأن الله لا يطلع الخيل هناك أبدا . قال العباس فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل .
الشيخ : ما أشار إلى أنه أسهل للدخول والخروج .
40 ـ بَاب فَضْل مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا
وَقَوْلهِ تَعَالى : ( وَإِذْ جَعَلنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلى وَعَهِدْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ قَال وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَليلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلمَيْنِ لكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلمَةً لكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَليْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )(1 )
( ) قوله : ( بَاب فَضْل مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا ، وَقَوْلهِ تَعَالى : { وَإِذْ جَعَلنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنَّاسِ وَأَمْنًا ... } ) أي اذكر ( إذ جعلنا البيت ) أي صيرناه (مثابة للناس) يثوبون إليه ( وأمناً ) يأمنون فيه ؛ لأن هذا البيت فيه إقامة المناسك، ولولا إلقاء الأمن عليه لكان فيه الفوضى والنزاع والقتال ، لاسيما في وقتنا هذا أمم مختلفة في أجناسها وأحوالها وعاداتها ولكن الله تعالى جعله آمناً .
{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلى } قيل إن المراد بمقام إبراهيم كل موضع وقف فيه فيشمل عرفة ومزدلفة ومنى ، وقالوا المراد بالمصلى هنا الدعاء لأن الصلاة في اللغة الدعاء . ولا شك أن أول ما يدخل في ذلك هو المقام المعروف وأول ما يدخل في معنى المصلى الصلاة { وَعَهِدْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل } أي أوصيناهما { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } الطائف بدأ به أولاً لأن الطواف لا يمكن إلا في هذا المكان ، ( العاكفين ) ثنى به لأن الاعتكاف لا يمكن إلا في المساجد ، (الركع السجود ) أخره لأن الركوع والسجود يكون في كل الأرض ((جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) فبدأ بالأخص فالأخص .
ويُذكر أن ملكاً من الملوك نذر أن يقوم بعبادة لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد من البشر ، واستفتى العلماء قال أفتوني في هذا النذر ، قالوا : كيف نفتيك ؟ إن كنت تصلي فربما تصادف ناس يصلون، إن صمت كذلك، إن تصدقت كذلك ، فقال أحد العلماء : أخلوا له المطاف ، يعني امنعوا الناس من الطواف وخلوه يطوف هو وحينئذٍ يوفي بنذره . صحيح هذا أو غير صحيح ؟ صحيح لأن ما في مكان يطاف به إلا هذا ، وربما يكون هذا الملك قد وقع في قلبه هذا أو لا يكون الله أعلم لكن هذا حل واضح .
بدأ بالطائفين لأنه أخص ما يكون عند هذا المسجد ، العاكفين على جميع المساجد ، الركع السجود على الأرض كلها، ثم قال عز وجل : { وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلدًا آمِنًا ) وفي الآية الثانية : { هَذَا البَلدَ آمِنًا } والثانية تدل على أنه قام هذا البد وتكون ، ( آمناً ) وصفه البلد بالأمن ليأمن كل من فيه فالبلد نفسه آمن وما فيه آمن حتى الأعجم بمعنى حتى البهائم العجم ، حتى الأشجار ، حتى اللقطة الضائعة آمنة لأنها لا تحل إلا لمنشد . فاستجاب الله دعاءه .
{ وَارْزُقْ أَهْلهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ } ارزق أهله أي أعطهم من الثمرات ، ولا يلزم من هذا أن تكون الثمرات في نفس مكة ، يُجبى إليه كل شيء ، ولكن إبراهيم علية الصلاة والسلام قيَّد قال : {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ } وهذا من تمام أدبه صلى الله عليه وسلم لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما سأل الإمامة في أول الآيات : { قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي } فقيد الله الإجابة فقال : { لا ينال عهدي الظالمين } يعني أجعل من ذريتك إماماً لكن بشرط ألا يكون ظالماً . في الدعاء الثاني تأدب إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال : { وَارْزُقْ أَهْلهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ } لكن الله قال: { وَمَنْ كَفَرَ } فصارت إجابة الله في السؤال الثاني أعم وإجابة الله في السؤال الأول أخص. { قال وَمَنْ كَفَرَ } فهذا الواقع أهل الجاهلية كلهم كفار إلا من شاء الله ومع ذلك هذا البلد آمن ومرزوق أهله من الثمرات ، لكن الكافر قال فيه : { فَأُمَتِّعُهُ قَليلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ } أعوذ بالله ، وعلى هذا فيمكن أن يكون الكفار في مكة يرزقون كما يُرزق المسلمون ولكن مآلهم إلى النار . بعد هذا يعني هذه الشريعة الإسلامية مُنع الكافر من دخول الحرم قال الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } .
ثم قال : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ } يعني اذكر يا محمد لهذه الأمة { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } سبحان الله القرآن في غاية البلاغة { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } لم يقل عز وجل وإذ يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت ، إشارة إلى أن مشاركة إسماعيل تبع ما هي أصل ، والأصل إبراهيم عليه الصلاة والسلام . {القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} في كلمة القواعد من البيت إشارة إلى عمل هندسي وهو أنه يجب أن يكون للبناء إذا أُريد بقاؤه قواعد تثبته ما يُبنى على سطح الأرض { رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ } هما يرفعان القواعد ويقولان هذا { رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ } لأن الله إذا لم يتقبل من العبد صار عمله خساراً وصار سعيه تعباً . ولهذا ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً قبول العمل . وقول : { إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ } أي المجيب كقوله تعالى : { إن ربي لسميع الدعاء } والعليم ذو العلم الواسع . { رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلمَيْنِ لكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا } الله أكبر ، إبراهيم وإسماعيل يسألان الله عز وجل أن يجعلهما مسلمين له عز وجل لأن الإسلام له سبحانه وتعالى هو العزة والكرامة والعلو والرفعة ، واجعل من ذريتنا {أُمَّةً مُسْلمَةً لكَ } وحصل والحمد لله كان من ذرية إبراهيم وإسماعيل هذا النبي الكريم وهذه الأمة المسلمة { وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلمَةً لكَ } وهل المراد من ذرية أمة مسلمة لك يعني العرب فقط الذين هم بني إسماعيل أم من ذريتنا أمة مسلمة لك العرب في الأصالة وغيرهم بالتبع ؟ هذا هو المتعين ، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يحمل أحد هذا الدين مثلما يحمله العرب بنو إسماعيل وإن كان يوجد من غيرهم من يحمله لكن الأصل العرب ، لا شك في هذا ، وإلا فقد حمله غيرهم كما قال الله تبارك وتعالى : { وآخرين من دونهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم } على أحد التفاسير .
يقول : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أرنا يعني بينها لنا حتى نراها ، والمناسك جمع منسك وهو مكان النسك أي العبادة ، وأراهم الله عز وجل ذلك : عرفة ، مزدلفة ، منى ، مكة ، أراهم الله ذلك { وَتُبْ عَليْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } أي تب علينا توفيقاً أو تب علينا تجاوزاً أو الأمران ؟ الأمران كما قال الله عز وجل : { ثم تاب عليهم ليتوبوا } هذه تاب عليهم أي توبة توفيق ، والمراد بقوله : { تُبْ عَليْنَا } توبة التوفيق يعني وفقنا للتوبة التي هي توبة التوفيق وللتوبة التي هي توبة التجاوز { إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } وهذا لا يخفى أنه من باب التوسل بأسماء الله تعالى المناسبة للدعاء .
سؤال : ...............؟
الجواب : الأنساك ثلاثة أنواع : إفراد وقران وتمتع وأن أفضلها التمتع إلا من ساق الهدي فالأفضل القران ، بل يتعين القران لأنه لا يمكن أن يحل كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وما هو الذي فيه الهدي من هذه الثلاثة ؟ التمتع بنص القرآن والقران على رأي أكثر العلماء ، ولكنه ليس كالتمتع في وجوب الدم كما قال الإمام أحمد رحمه الله بأنه ليس مثله لكنه يجب الهدي . والذي ليس فيه هدي الإفراد ، وسبق لنا أن القول الراجح أن المتمتع عليه طوافان وسعيان : طواف وسعي للعمرة وطواف وسعي للحج ، وأما القول بإجزاء سعي واحد ضعيف ؛ لأن حديث عائشة وابن عباس صريح في هذا والمعنى يقتضي ذلك لأن العمرة منفردة عن الحج تماماً مستقلة وبينهما حلٌ كامل ، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( دخلت العمرة في الحج )) فمراده أن الصحابة لما سموا الحج وأحرموا بالحج ثم أمرهم أ يجعلوها عمرة أشكل عليهم فقال : (( دخلت العمرة في الحج )) يعني أنها ليست بعيدة منه حتى تستنكروا هذا الشيء .
ش5 ـ وجه ب :
1479 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَال أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْها قَال لمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلانِ الحِجَارَةَ فَقَال العَبَّاسُ للنَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اجْعَل إِزَارَكَ عَلى رَقَبَتِكَ فَخَرَّ إِلى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلى السَّمَاءِ فَقَال أَرِنِي إِزَارِي فَشَدَّهُ عَليْهِ(1 )
(1 ) في هذا دليل على أن أحجار الكعبة أحجار عادية من مكة وأما الحجر الأسود فقيل إنه حجر عادي وقيل إنه نزل من الجنة أشد بياضاً من اللبن وأنه سودته خطايا بني آدم ، فإن صح هذا فليس بغريب وإن لم يصح فالأصل أن الأحجار الأرضية بعضها من بعض ولا نجزم بشيء إلا بيقين في مثل هذه الأمور العظيمة الهامة .
وفيه حياء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، شدة حيائه حتى أنه لما جعل إزاره على كتفه من أجل أن يهون عليه نقل الحجارة خر عليه الصلاة والسلام إلى الأرض ، لم يتحمل هذا ، وكانوا في الجاهلية لا يهتمون كثيراً بستر العورة ولهذا يطوفون عراة ليس عليهم شيء والمرأة الحيية التي فيها الحياء كامل تجعل يدها على فرجها وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله . إذا كانت يدها صغيرة فيبدوا منه كثيرٌ ، وإن كانت كبيرة لا يبدو منه ، الله أعلم ، المهم أنها تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أُحله
تمشي أمام الناس عارية وتقول لا أحله ؟! كل الناس بينظر، هذا من جهلهم . وجه مناسبة هذا الحديث للباب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شارك في بناء الكعبة .

12d8c7a34f47c2e9d3==