المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة لشيخنا الشيخ أبي عبد الرحمن الشَّيْخ فَوْزِيّ بن عبد الله بن محمد الحُمَيْدِيّ


كيف حالك ؟

أبو عبدالعزيز الأثري
09-04-2006, 02:57 PM
الْقَطْفُ الثَّمَرِيّ
فِي تَرْجَمَةِ
الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَوْزِيِّ الحُمَيْدِيّ الأَثَرِيّ
بقلم
طلبة العلم بمملكة البحرين
شرفها الله تعالى
بيان
بأن العالم يعتبر عالماً بعلمه سواء كان صغيراً في السِّن أم كبيراً، فيطلق عليه اسم العالم فهذا هو الفهم الصحيح عند علماء أهل السنة والجماعة
فمن عُرِفَ بعلمِهِ، واستفاد من مشايخِهِ، ولازم بطلب علمِهِ، وعَمل بعلمِهِ، وكتب بقلمِهِ، فهو العالم بعلمِهِ، وإن كان صغيراً في سِنِّهِ...
وهذا من لَدُنْ زمن الصَّحابة (رضي الله عنهم)، هلمّ جرَّا لا يَنْكر ذلك إلاّ جاهل.
وإليك أقوال العلماء في ذلك:
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج3ص150): (( إن العلماء لم يزالوا يتناظرون، ولم يَزَل منهم الكبير – يعني العالم - لا يرتفع على الصغير -يعني العالم - ، ولا يمنعون الصغير – يعني العالم - إذا علم أن يَنْطقَ بما عَلِمَ، ورُبّ صغيرٍ في السِّنِّ كبيرٌ في عِلْمِهِ، والله يمنّ على من يشاء بحكمته، ورحمته)).اهـ
فقوله رحمه الله: ((ورُبّ صغيرٍ في السنِّ كبيرٌ في عِلْمِهِ)).فهذا واضح بأن الصغير في السِّن يطلق عليه اسم العالم لعلمه بالكتاب والسُّنة، ولا يلزم أن يكون كبيراً في السِّن ، ففهم هذا.( )
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الفرق بين النصيحة والتعيير (ص26): ((فلهذا كان أئمةُ السَّلف المجُمع على علمهِم، وفضلهِم، يَقْبلون الحقّ ممن أورده عليهم وإنْ كان صغيراً – يعني العالم في ذلك العهد-، ويوصون أصحابهم، وأتباعهم بَقبول الحقّ إذا ظهر في غير قولهم... )).اهـ
وقوله رحمه الله: ((وإن كان صغيراً....)). فهذا يوضح بأن الصَّغير من العلماء إن كان يتكلم بالحقِّ فالسّلف من الكبار يَأْخذون الحقّ منه دون النَّظر إلى صِغَرِ سِنِّهِ أو كِبَرِهِ. ( )
وللعلم لا يتكلم في زمن السَّلف إلاَّ أهل العلم كبارهم وصغارهم فتنبه.
ولذلك يجب طاعته في الحق وإن كان صغيراً لما يحمله من العلم كما أمر الله تعالى في كتابه فقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ).( )
قال العلامة الفقيه الشَّيْخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في العلم (ص17):((إنَّ أهلَ العلم هم أحدُ صِنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ )( )، فإنَّ ولاةَ الأُمور هنا تَشْمل ولاة الأمور من الأمراء، والحكام، والعلماء وطلبة العلم )).اهـ
وقال الحافظ السِّجْزي رحمه الله في الرسالة (ص220): (( فالمتبع للأثر يجب تقدمه وإكرامه، وإن كان صغيرَ السِّن غير نَسِيب، والمُخالف له يلزم اجْتنابه، وإنْ كان مُسِّناً شريفاً)).اهـ
فالعلماء هم فقهاء الإسلام ، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خُصوا باسْتنباط الأحكام، وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام. ( )
فيعُرف العبد بأنَّه من العلماء بالعلم صغيراً كان أم كبيراً.
قال شَيْخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في الفتاوى (ج11ص43): (( ومَنْ له في الأُمة لسان صدقٍ عامٍ، وشَهِدتْ له الأُمة ( ) بالعلم فهو عالم ( ) ، وإذا ظهر على إنسان بحيث يُثني عليه، ويُحمد في جماهير أَجْناس الأمة، فهولاء أئمة الهُدى، ومصابيح الدُّجى)).اهـ
وعلى ذلك السلف الصالح رضي الله عنهم، فكانوا يَسْتشرون العالم الصَّغير في أحكام الدِّين لأنه يعتبرونه من العلماء ، ولم يشترطوا كبر السِّن.
وإليك الدليل:
عَنِ ابن عَبّاسٍ رضي الله عنهما قال: ((كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ ، فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِى نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ . فَدَعَاه ذَاتَ يَوْمٍ - فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ - فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ . قَالَ مَا تَقُولُونَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (      ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا . وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِى أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لاَ . قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ لَهُ ، قَالَ ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ) فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَقُولُ )). ( )
قلت: هكذا كانَ السَّلف يُعظمون العالم ولو كان صغير السِّن، ولله الحمد والمِنَّة.
إن هذا الفهمَ السَّامي من السّلف الصّالح هو الذي يجب أن يسُود العالم الإسلامي إذا أُرِيد لهذه الأُمة أنْ تتوحد كلمتها، وألا تكون شيعاً وأحزاباً كما هو مشاهد والله المستعان.
فعلى الناس أنْ يُوفوا حقّ العلماء سواء كانوا كِباراً في السِّن أو صِغاراً من التوقير والاحترام وغيرِ ذلك ، والرجوع إليهم فإنهم الحصن الحصين إن شاء الله تعالى.
ومن الناس من الحزبِّيين والمذبذبِّين من يُنكر ذلك، ولا وجه لإنكاره، لأنَّ يحملَه ذلك الحسد، وَأَكَل البغض قلبه على أهل العلم كِبارهم وصِغارهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولله درُّ القائل:
قُلْ لِمَنْ لا يَرَى المُعَاصِرَ شيئاً * ويَرَى للأَوَائِـلِ التَّقْدِيَما
إنّ ذَاكَ القَدِيمَ كانَ حَـدِيثاً * وَسَيبقى هَذَا الحديثُ قَدِيماً







I
الــمــقــدمــة
إن الحمد لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا، ومن سيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )(آل عمران: 102) .
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )(الأحزاب: 70-71) .
أما بعدُ:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله تعالى، وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلّ محدثةٍ بدعةٍ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النّار.( )
فإنَّ الله عزّ وجلّ وتقدَّست أسماؤُه اختصَّ من خلقهِ من أحبَّ، فهداهُم للإيمانِ، ثم اختصَّ مِنْ سائر المؤمنين مَنْ أحبّ، فتفضَّلَ عليهم، فعلَّمهم الكتاب والحكمة، وفقّههم في الدينِ، وعلّمهم التأويلَ، وفضّلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كلِّ زمانٍ وأوانٍ.
رفعَهم بالعلمِ، وزيّنهم بالحِلْم، بهم يعرفُ الحلالُ من الحرامِ، والحقُّ من الباطلِ، والضَّارُّ من النافع، والحسنُ من القبيحِ.
فضلُهم عظيمٌ، وخطرُهم جزيلٌ، ورثةُ الأنبياء، وقرةُ عين الأولياء.
الحيتانُ في البحارِ لهم تستغفرُ، والملائكةُ بأجنحتها لهم تخضعُ.
والعلماءُ في القيامة بعد الأنبياء تشفعُ، مجالسُهم تفيد الحكمة، وبأعمالِهم ينزجر أهل الغفلة.
هم أفضلُ من العُبّاد، وأعلى درجةً من الزّهاد، حياتُهم غنِيمةٌ، وموتُهم مصيبةٌ، يذكَّرون الغافلَ، ويعلَّمون الجاهلَ، لا يُتوقع لهم بائقةٌ، ولا يُخاف منهم غائلةٌ.
بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون.
جميعُ الخلقِ إلى علمهم مُحتاج، والصَّحيح على مَن خالف بقولهم محجاج.
الطاعةُ لهم من جميع الخلق واجبةٌ، والمعصيةُ لهم محرّمة.
مَن أطاعهم رَشَدَ، ومن عصاهم عَنَدَ.
ما ورد على إمامِ المسلمين من أمرٍ اشتبه عليه حتى وقفَ فيه، فبقولِ العلماء يعملُ، وعن رأيهم يصدر. وما ورد على أمراءِ المسلمين من حُكمٍ لا علمَ لهم به، فبقولهم يعملون، وعن رأيهم يصدرون.
وما أشكلَ على قضاة المسلمين من حُكْمٍ، فبقول العلماء يحكُمُون، وعليه يعوّلون، فهم سراجُ العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة.
هم غيظُ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحقّ، وتموت قلوب أهل الزيغ.
مثلُهم في الأرض كَمَثلِ النّجومِ في السماء، يُهتدى بها في ظُلمات البرّ والبحر، إذا انطمستِ النجومُ تَحَّيروا، وإذا اسفرَ عنها الظلامُ أبصروا. ( )
ولقد عَرَفَ الصّحابة رضي الله عنهم، وعَرَف التابعون لهم بإحسان منزلة العلم، وأهميته، وأنَّ البشرية إذا جَهِلَت وتَركت العلم زاغت، وضلَّت، وتَنكبت الصَّراط المستقيم، فقاموا بواجب العلم، والتعليم، وحَمَلُوا إلى الأمة هدي الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) كاملاً مُكملاً، مُجملاً ومُفصلاً.
وقد ضَرَبَ الصّحابة، والتابعون لهم بإحسان على مّر العصور أروع الأمثلة في الحرص على طلب العلم، والتفنن في صيانته، وتنقيته، وتعليمه للأجيال المؤمنة. ( )
يقول ابن القيمِّ رحمه الله في إعلام الموقعين (ج1ص4) : (( ولما كان التَّلقي عنه (صلى الله عليه وسلم) على نوعين، نوع بواسطة وكان التَّلقي بلا واسطة حظّ أصحابه الذين حازوا قَصبات السِّباق، واستولوا على الأمد، فلا طمع لأحد من الأُمة بعدهم في اللِّحاق، ولكنّ المبرز من اتَّبع صراطهم المستقيم، واْقتفى منهاجهم القَوِيم، والمتخلف: مَنْ عَدَلَ عن طريقهم ذاتَ اليمين وذات الشِّمال، فذلك المنُقطع التائه في بَيْداء المهالك والضلال، فأيّ خِصلةٍ خير لم يسبقوا إليها، وأيّ خطة رشد لم يَسْتولوا عليها.
تالله لقد وردوا رأسَ المال من عَين الحياة، عَذباً صافياً زُلالاً، وأيدوا قواعد الإسلام، فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالاً، فتحُوا القلوبَ بعدلهم بالقرآن والإيمان، والقُرى بالجهاد بالسّيف والسِّنان، وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مِشْكاة النُّبوة خالصاً صافياً، وكان سندهم فيه عن نبيهم (صلى الله عليه وسلم) عن جبريل عن رب العالمين سنداً صحيحاً عالياً، وقالوا هذا عهد نبياً إلينا وقد عهدنا إليكم، وهذه وصية ربِّنا وفرضه علينا، وهي وصيتهُ وفرضه عليكم، فَجَرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم القويم، واقتفوا على آثارهم صراطهم المستقيم، ثم سلك تابعو التابعين هذا المسلك الرشيد، وهُدوا الطيب من القول وهُدوا إلى صراط الحميد وكانوا بالنسبة إلى من قبلهم كما قال أصدق القائلين ( ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) ( ).
ثم جاءت الأئمة من القَرْن الرَّابع المفضَّل في إحدى الروايتين، كما ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد وابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وعمران بن حصين، ليسلكوا على آثارهم اقتصاصاً، واقْتََبسُوا هذا الأمر عن مِشْكاتهم اقتباساً، وكان دين الله سبحانه أجل في صدورهم، وأعظم في نفوسهم من أن يقدموا عليه رأياً، ومَعْقولاً، أو تقليداً، أو قياساً، فصار لهم الثناء الحسن في العالمين، وجعل الله سبحانه لهم لسان صدق في الآخرين، ثم سار على آثارهم الرَّعِيل الأول من أتباعهم، ودَرَجَ على منهاجهم الموفَّقون من أشياعهم )).اهـ
لذا نقدم للمسلمين جميعاً تَرْجَمةً مُوجزةً ( ) لواحد من هؤلاء الذين دَرَجُوا على آثار أولئك الأعلام السَّلف الصَّالح، وَحَمَلُوا علمهم المؤصل بالآثار، وساروا على منوالهم، واقتدوا بهم، وذبُّوا عن كتاب الله تعالى، وسُنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، ونصُروا الدِّين، وقمعُوا أعداءه، ألا وهو شيخُنا العالم المجاهد النَّاقد المحدث الفاضل أبو عبد الرحمن فَوْزِي بن عبد الله بن محمد الحُمَيْدِيّ الأَثَرِيّ حفظه الله ورعاه ونفع به المسلمين فما ذكرناه ليس حديثاً يُفترى، أو كلاماً يكتب، بل سيرة رائعة، وتَرْجَمة ماتِعة، وحقيقة ناصِعة، وحُجة واضحة، أبانت عن حياة شيخِنا العلمية والدَّعوية تَرَى فيها الصِّدق، والصَّفاء، والعلم، والإخلاص، وسلامة الصدر، والبذل، والعطاء، والكرم، والوفاء، وغيرَ ذلك من الصِّفات الحميدة، والأخلاق الرَّشيدة.
وقد قيّضه( ) الله تعالى لهذا الدِّين مُجاهداً فيه، وقد اجتمعت فيه كثير من صفات العلماء الربانيّين، فنفع الله به، وبارك في علمه، فبلَّغ هذا الدِّين أحسن البلاغ، ووضحه أتم الإيضاح، بحكمة وعلم، ومَوْعظة حسنة، وإتباع للسنة الغَرَّاء، وآثار السّلف النُبلاء، وأقوال العلماء الفُضلاء، فاهتدى به خلقاً من المسلمين من طلبة العلم وغيرِهم في العالم، وهو يعتبرُ مرجعاً للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في العلم. ( )
ورفع رايةَ التوحيد والسُّنة( ) ، وقَضَى على البدعة وأهلها( )، وهتك أستارها، ونصح لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، فهو بحق من أهل الأثر والحديث.
فَعَقَد المجالس العلمية في حِله وترحاله، ومن هذه المجالس العلمية، والندوات الدينية التي اشترك فيها في العالم، والتي منَّ الله تعالى عليه بإقامتها منها : ابريطانيا، وأمريكا، وايرلندا، واستراليا، وفرنسا، وألمانيا، وقطر، والإمارات، والكويت، والسعودية، وبلجيكا، والدنمارك، والسويد، وكندا وغيرها من البلدان.
إنَّ في منهاجه القويم، وعطائه العظيم، وسَيْرِهِ الحكيم، دروساً رائعة فائقة، حريٌّ بأرباب العلم أنْ يقتبسوا من نورها. ( )
وامتاز الشَّيْخ حفظه الله تعالى بالدعوة إلى الله تعالى على منهج السلف الصالح رضي الله عنهم بعد أن منَّ الله تعالى عليه في دراسته عند العلامة الفقيه المفسر الأصولي الزاهد الشُّيْخ محمد بن صالح العُثَيْمين رحمه الله في الجامع الكبير بعُنَيْزهَ( )، وفي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القَصِيم بالمملكة العربية السعودية.
وله قَلَمٌ سيّالٌ يدل على ذلك مُؤلفاته العلمية الكثيرة التي تَزِيد على الخمسين مُؤلفاً كلّها في العلوم الشرعية الأثرية منها كتاب: (( الورد المقطوف في وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف )) هذا الكتاب الذي قدم له العلامة الفقيه الشَّيْخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله، وهو من كِبَارِ علماء المملكة العربية السُّعودية، ولأهمية هذا الكتاب أَوْصَى به كثيرٌ من علماء أهل السنة والجماعة، قالوا هو من أفضل الكُتُب التي في السّاحة في هذه المادة لاستدلالاتِهِ القوية من الكتاب والسُّنة والأثر، وقد طُبِعَ عدة طبعات في السُّعودية والإمارات ولبنان والجزائر وغيرِ ذلك، لذا ننصح الأُمة بقراءةِ هذا الكتاب.
والشَّيْخ حفظه الله نَالَ بالهمةِ العاليةِ بعد توفيق الله تعالى المطالب العالية( )، كيف لا وهو الذي لا يَعْرف الكَلَل، ولا يقعد به الكَسَل، ليله ونهاره في جهد جهيد، وعمل علمي سديد، يَقرأ ويُحقق، ويكتُب ويُخرج، ويُصحح، ويُضعف، ويُراجع ويُوثق، ويُرتب ويُنسق، ويُعلم ويَشْرح( ) ، ويَنْصَح ويُوجه.
يَسْعَى بالإصْلاح، ويمضي في الشفاعات، ويَزُور المرضى، ويُعين المحتاج، ويُساعد الفقير، ويَصل الرحم، ويُربي الشباب على حبّ السُّنة النَّبوية، والآثار السّلفية.
وهو منهاجٌ شرعيّ في الحثِ على القُدوة، والإقتداء، والأُسوة، والتَّأسي.
وكان يحث النَّاسَ على الاقتداءِ بالنَّبي (صلى الله عليه وسلم) قولاً وفعلاً.
قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) . ( )
وقد أكدَ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) الاقتداء بُسنته، وسنة الخلفاء الرَّاشدين، ومُبَيناً كذلك مزية القُرون الفاضلة المتقدمة.
عَنِ العِرْباضِ بن سَارِية رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : (( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ...)) ( ). الحديث
وعَنْ عبدِ الله بنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): ((خَيْرُ النَّاسُ قَرْنِى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)) ( ).الحديث
وعَنْ أَبِي واقِدٍ اللَّيثي رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)قالَ ونحنُ جُلوسٌ على بِساطٍ: (( إنّها ستكونُ فِتنةٌ ))، قالوا: كيفَ لنا يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: (( فردَّ يَدَهُ على البِسَاطِ فأمسكَ به، قالَ: تَفْعلونَ هَكَذا ))، وَذَكَرَ لهم رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يوماً إنَّها سَتكوُن فِتْنَةٌ، فَلَمْ يَسْمْعهُ كثيرٌ من النَّاسِ، فقالَ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ: تَسْمَعُونَ ما يقولُ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)؟ قالوا: ما قالَ: يقول: (( إنَّها ستكونُ فِتْنَةٌ ))، قالوا: فكيفَ لنا يا رسولَ اللهِ؟ أو كيف نَصْنَعُ؟ قالَ: (( تَرْجِعُونَ إلى أمِركُمُ الأَّوَّلِ)). ( )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قِيل للنَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) يا رسولَ اللهِ، أي النَّاسِ خيرٌ؟ قالَ: (( أَنَا وَمَنْ مَعِي)) قال: قِيل له ثُمّ مَنْ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : (( الَّذِينَ عَلَى الأَثرِ )) قِيل له: ثُمّ مَنْ يَا رسولَ اللهِ ؟ قالَ: (( فَرَفَضَهُم )). ( )
وعَن الأَوْزَاعِيِّ رحمه الله قالَ: (( عليكَ بآثارِ مَنْ سَلَفَ، وإنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وإيَّاكَ ورأيِّ الرِّجالِ، وإنْ زَخْرفُوهُ لك بالقولِ، فإنّ الأمْرَ يَنْجَلِي وأنتَ منه عَلَى صِرَاطٍ مُسْتقيم )). ( )
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في الفرقان (ص85): (( ولم يَسْتوعب الحقَّ إلاّ من اتّبع المهاجرين والأنصار، وآمن بما جاءَ به الرسول(صلى الله عليه وسلم) على وَجْهِهِ )).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في الفتوى الحموية الكبرى (ص109): ((السُّنة هي ما كانَ عليه الرَّسولُ (صلى الله عليه وسلم) وأصحابُهُ اعتقاداً، واقتصاداً، وقولاً، وعملاً)).اهـ
والأُمةُ اليوم بأشد الحاجة إلى معرفةِ المتمسكين والمتبعين للقرون الفاضلة، ومعرفة سيرهم، ليقتدوا بهم في الدِّين.
وهو منهاجٌ شرعيّ في الحث على القُدوة، ويُعْرف بذلك أهل العلم من أهل التعالم.
ومعرفة سِيَرِ أهل العلم في كل عصر حق للأمة، ومن هؤلاء كما أسلفنا فضيلة الشَّيْخ فَوْزِيّ بن عبد الله بن محمد الحُمَيْدِيّ الأَثَرِيّ حفظه الله، فهو القُدوة والمرُبي، فهو أشبه حالاً بالرَّعيل الأول، وأقرب سمتاً بالقُرون الفاضلة في دعوتهِ الأثريَّة السَّلفية.
لذا نذكر لإخواننا المسلمين تَرْجَمةً وافيةً كاملةً لشيخِنا سميناها ( القَطْفُ الثَّمَرِيّ في تَرْجَمة الشَّيْخ أبي عبد الرحمن فَوْزِيّ الحُمَيْدِيّ الأَثَرِيّ ) وهي من باب الوفاء ، وأنزال أهل العلم منازلهم.
ولذلك رأينا تسطيرَ هذه الكلمات لتكون قوة للمُسترشد، وبياناً للسَّائل، وتبصرةً للمُهتدي، ومقتلاً للحاسدين الحزبيين والمذبذبين، ونصحاً لإخواننا المسلمين.
ولسنا والله نبرأ شيخنا من الخطأ والزَّلل الذي هو من طبيعةِ البشر، فهو بشرٌ يخطئ ويُصيب، ولا نتعصب له، بل نتعصب للكتاب والسُّنة، فما أصاب فيه أخذنا به، وما أخطأ فيه لم نأخذ به مع احترامِهِ وتوقيرِهِ، ولكنْ لا نجعل من خطئه فتنة، ونَهضم حقه، ونَهدر جهوده الخيرية والعلمية فإنَّ ذلك ليس سبيل أهل العلم فافهم هذا.
لأنَّ مكانتهم عالية، ولمكانتهم جعل الله تعالى وجوب طاعتهم في طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله(صلى الله عليه وسلم) لأنهم من ( ولاة الأمر ) وهم الحكام والعلماء وطلبة العلم.
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).( )
قال الشَّيْخُ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في العلم (ص17): (( إن أهل العلم هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله تعالي: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) فإنَّ ولاةَ الأُمور هنا تَشْمل ولاة الأمور من الأُمراءِ والحكامِ، والعلماءِ وطلبةِ العلم )).اهـ
والذي لا يَطيع لأهل العلم في المعروف فهو آثمٌ طبعاً لمخالفته للأمر الرَّباني، والأمر كما هو مَعْروف مقرر في الأُصول الفقه أنه يَقْتضي الوجوب فافهم هذا تفلح والسلام.
هذا وإننا قد قسّمنا الكتابَ إلى عِدة فصولٍ ومقدمةٍ وخاتمةٍ، نسأل الله أنْ يَنْفع به، وأن يجعله خالصاً لوجههِ الكريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول: في ذكر اسمه ونسبه
اسمه: هو أبو عبد الرحمن فَوْزِيّ بن عبد الله بن محمد الحُمَيْدِيّ ثم الأَثَرِيّ السَّلَفِيّ.
نسبه: الحُمَيْدِيُّ: بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء المنقوطة، وفي آخره دال مُهْملة، وهذه النِّسبة إلى ( آل حُمَيْد ) وهم لهم أَصْل في الحِجَاز، ولهم نَسَب في بني تَمِيمٍ.( )( )
فالشَّيْخ حفظه الله حُمَيْدِيّ النِّسبة.
والأَثَرِيُّ: بفتح الألف، والثاء المثلثة، وفي آخرها الرَّاء، وهذه النِّسبة إلى أَثَرِ النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) يعني الحديث، وطلبه، وإتباعه قولاً، وفعلاً وفق الكتاب والسُّنة، ومنهج السَّلف الصَّالح.( )
ويُسَمَّى المُنتسب إلى ( أَهْلِ الأَثَرِ ) أثريّاً نسبة للأثر، وهو المُشْتغل بدراسةِ الآثار النَّبويةِ. ( )
والسَّلَفِيّ: بفتح السِّين واللام، وفي آخرها الفاء، هذه النِّسبة إلى السَّلَف الصَّالح من الصَّحابةِ والتابعين، وأتباع التابعين، وانتِحال مذهبهم.
ويُسَمّى الممنتسب إلى ( السَّلف الصَّالح ) سَلفيّاً نِسبة إلى السَّلف رضي الله عنهم. ( )
وفي هذا قال سماحة الشَّيْخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله عندما سُئِلَ عن ذلك: ما تقولُ فيمن تَسمى بالسَّلفي والأثري، هل هي تزكية ؟
فأجاب سماحته: ( إذا كان صادقاً أنه أثريّ أو سلفيّ لا بأس، مثل ما كان السَّلف يقولون فُلان سلفي، فلان أثريّ، تزكية لابدّ منها، تزكية واجبة ) ( ).اهـ
الفصل الثاني: في ذكر مولده ونشأته.
مولده: ولِدَ الشَّيْخ حفظه الله في مدينة المُحرَّقِ إحدى مُدن مملكة البحرين عام (1380) الموافق (1961)، والشيخ حفظه الله إذاً بحريني الجنسية.
نشأته: نَشَأَ الشَّيْخ بمملكة البحرين في بيئة، وأُسْرة مُتواضعة دنيّا، ودِيناً، في قَرْيةٍ تُسَمَّى ( قَلالِيّ ) أكثر أهلها في تواضع دنيّا، ودِيناً، وهي من ضَواحي مدينة المُحَرَّقِ.
والمجتمع الذي نَشَأَ فيه الشيخ مُجتمع مُسلم، الأصل فيهم أنّهم على الفِطْرة.
وللعلم بأن العبد تزداد منزلته عند الله تعالى بتواضعه له في الدُّنيا والدِّين.
وقد شرَّف الله تعالى نبيه مُحمداً صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا التَّواضع في الدُّنيا والدِّين.
واقْتدت القُرون الفاضلة بهذا النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) في تواضعِهِ في الدُّنيا والدِّين، وعاشتْ هذه الأجيال على التَّواضع لله تعالى فنالت الخيرية، والفضل، والسَّبق، ولحق بهم ثُلة من الآخرين هُداةً إلى دِين ربِّ العالمين، ونَحْسب منهم، ولا نُزكي على الله أحداً فضيلة الشِّيْخ فَوْزِيّ بن عبد الله بن محمد الحُمَيْدِيّ الأَثَرِي السَّلَفِي.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مالٍ، وما زَادَ اللهُ عبداً بِعَفْوٍ إلاّ عِزّاً، وما تَوَاضَعَ أحدٌ للهِ إلاّ رَفَعَهُ اللهُ )).
أخرجه مسلم في صحيحه (ج4ص2001) والترمذي في سننه (ج4ص376) وأحمد في المسند (ج2ص386) وابن حبان في روضة العقلاء (ص59) والطبراني في مكارم الأخلاق (ص58) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (ج1ص141) والبغوي في شرح السنة (ج6ص123) وابن أبي الدنيا في التواضع (ص133) والخرائطي في مكارم الأخلاق (ج1ص383) وابن حجر في الأمالي المطلقة (ص92) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (( إنَّكم لتَغْفِلُون، أَفْضَلَ العِبادةِ التَّواضُع )).
أثر صحيح.
أخرجه وكيع في الزهد (ج2ص463) وابن أبي شيبة في المصنف (ج13ص365) وأحمد في الزهد (ص164) وأبو نعيم في الحلية (ج3ص47) وأبو داود في الزهد (ص330) والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص540) وفي الشعب (ج4ص301) وابن المبارك في الزهد (ص132) والجرجاني في تاريخ جرجان (ص78) وابن أبي الدنيا في التواضع (ص137) وابن حجر في الأمالي المطلقة (ص96) من طريق مِسْعر عن سعيد بن أَبِي بُرْدَة عن أبيه عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
وهذا سنده صحيح.
وعَنْ عِيَاضِ بنِ حِمار رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) : (( إنَّ الله أَوْحَى إليَّ أنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يَبْغي ( ) أحدٌ على أحد )) ( ) .
أخرجه مسلم في صحيحه (ج3ص2168) والبخاري في الأدب المفرد (ص115) وأبو داود في سننه (ج5ص203) وابن ماجه في سننه (ج2ص1399) وأبو عبد الرحمن السلمي في آداب الصحبة (ص64) وأبو نعيم في الحلية (ج2ص17) والطبراني في المعجم الكبير (ج17ص264) والبيهقي في شعب الإيمان (ج5ص285) وفي السنن الكبرى (ج10ص234) والخطيب في تاريخ بغداد (ج4ص168) وابن حجر في الأمالي المطلقة (93) من طريقين عن عِيَاض به.
فهو في هذه القُرون المتأخرة مِثالاً، وقُدوة لمن حَمَلَ الأمانة فأداها، وطهرَ النَّفسَ فزكاها (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا). ( )
الفصل الثالث : طلبه للعلم الشرعي.
بداية طلب العلم : لقد حَبب الله تعالى للشَّيْخ طلبَ العلم في العِشْرينات من عمرِه، وهذا السِّن مُناسباً للتلقي للحفظ والقراءة والفهم والعمل.
فكان مُحباً لطلب العلم خاصة في هذه الفترة، وهو يُسميها ( الفترة الذَّهبية ) لطلب العلم الشَّرعي لأنها فترة بين الصِّغَرِ وبين الكِبَرِ، فهي فرصةٌ لا تُعوض في هذا العُمْرِ لطلب العلم الشَّرعي.
وقد دفعته هذه الرَّغبة للعلم إلى السِّير في تحصيله والسَّعي وراءه في هذه المرحلة من عِمره.
لأنَّ طريق طلب العلم من أفضل القُربات عند الله تعالى، ولذلك فالشَّيطان حريص على صَرْفِ طالب العلم عن هذا الطريق بشتى الوسائل، فقد يتسلَّط الشَّيطان على طالب العلم، أو يُسلِّط عليه بعضَ جنودِهِ من أهل الأهواء والبدع من الجنّ والأنس، فيعترضون طريق طالب العلم، إما بإغرائه له بالدُّنيا وملذاتها، أو يُثبطّونه، ويُعظمون عليه الطريقَ، ويجعلونه أنه لا يستطيع أنْ يصل إلى ما وَصَلَ إليه غيره، فلا يبالي طالب العلم بمن يُثَبِّطه عن طلب العلم الشَّرعي.
والشَّيْخ حفظه الله كان لا يبالي بمن يُثَبِّطه، أو يحاول أن يُهَبِّطَ من همَّته. ( )
فالتحق بالعلامة الفقيه المفسِّر الأُصولي السَّلفي الأَثَرِي الشَّيْخ محمد بن صالح العُثَيْمين رحمه الله( )، المدرس في حياته في كلِّيتي الشَّريعة، وأُصول الدِّين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم، وإمام وخطيب الجامع الكبير بمدينة عُنَيْزَةَ، وعضو بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
والتحق بالشَّيْخ رحمه الله في سنة (1404هـ ) إلى سنة (1414هـ ) ما يقارب (10) سنوات، في مدينة عُنَيْزَةَ بالجامع الكبير.
فَدَرَسَ على يد العلامة ابن عُثَيْمين رحمه الله العلم الشَّرعي في الجامع الكبير بمدينة عُنَيْزَةَ ما يلي:
أولاً": الحديث:
1) بلوغُ المَرام من أدلة الأحكام لابن حَجَر رحمه الله.
2) صحيح الإمام البُخاري رحمه الله.
3) نَيل الأوطار شرح مُنتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للشَّوكاني رحمه الله.
ثانياً: مصطلح الحديث.
1) المنظومة البيقُونية للبيقُوني رحمه الله.
2) نُزْهة النَّظر شرح نُخبة الفِكَرِ لابن حجر رحمه الله.
ثالثاً: الفقه.
زاد المُسْتَقْنِع على المقُنِْع للحَجَّاوِي المقدسي رحمه الله.
حيث اشتمل الكتاب على مهمات مسائل المذهب الحنبلي، لذا أعتنى فقهاء الحنابلة رحمهم الله بدراسته، وتدريسه، وحفظه، وشرحه، والاستدلال لمسائله، والتحشية عليه.
حيث أجتهد مؤلفه رحمه الله في جمعه، وترتيبه، وإيجازه، وتقريبه.
رابعاً: أصول الفقه، والقواعد الفقهية.
1) الأصول من علم الأصول لشيخه العلامة ابن عُثَيمين رحمه الله.
2) قواعد ابن رجب رحمه الله.
خامساً: التوحيد.
التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
سادساً: العقيدة.
1) الحَموية لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله.
2) الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله.
3) التَّدمُرِية لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله.
4) القواعد المُثْلَى في صفات الله وأسمائه الحُسْنى لشيخه العلامة ابن عُثَيْمين رحمه الله.
سابعاً: التفسير.
1) تفسير القرآن الكريم.
2) تفسير الجلالين.
ثامناً: أصول التفسير.
1) مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله.
2) أصول في التفسير لشيخه العلامة ابن عُثَيْمين رحمه الله.
تاسعاً: النحو والصرف.
1) الأجرومية في النَّحْو.
2) ألفية ابن مالك رحمه الله.
3) النحو الواضح في الصَّرْف.
عاشراً: الفرائض.
البُرهانية في علم الفرائض.
فصبر الشَّيْخ حفظه الله على شدائد العلم، والتحصيل من شيخه رحمه الله، فتحمَّل في سبيل تَحْصِيل العلم النَّافع المشاق والمتاعب حين كان طالباً، حتى أنه في أكثر أيام السنة يسهر إلى أن يؤذن الفجر وهو في كتابة العلم، وقراءة في الكتب وما زال على ذلك.
ولقد لازم الشَّيْخ حفظه الله شيخه العلامة ابن عُثَيْمين رحمه الله في جلساته في الجامع الكبير بمدينة عُنَيْزَةَ كلها زمناً ما يقارب بـ(10) سنين. ( )
فالشَّيْخ حفظه الله تَتَلْمَذَ على يد العلامة الفقيه المفسِّر الأُصولي السَّلَفِيّ الأَثَرِيّ الشَّيخ محمد بن صالح العُثَيْمين رحمه الله رحمة واسعة.
وهذا المسلكُ في طلب العلم هو الذي كان ينتهجه علماؤُنا السَّابقون الذين يَطْلبون العلم الشَّرعي.
ولذلك كان من المهم لطالب العلم أنْ يبني طلبه للعلم على أُصول، ولا يَتَخبط خَبْطَ عَشْواء، فمن لم يتقن الأُصول حُرِمَ الوصول. ( )
قال العلامة الشيخ ابن عُثَيْمين رحمه الله في كتاب العلم (ص67): ( ولنيل العلم طريقان:
أحدهما: أن يتلقَى ذلك من الكُتب المَوْثوق بها، والتي أَلَّفَهَا علماء معروفون بعلمهم، وأمانتهم، وسلامة عقيدتهم من البدع والخرافات... ( )
الثاني: أنْ تتلقَى ذلك من مُعلم مَوْثوق في علمه، ودينه، وهذا الطريق أَسْرع، وأتقن للعلم لأنَّ الطريق الأول قد يَضل فيه الطالب، وهو لا يَدْري إما لسوء فهمه، أو قصور علمه، أو غير ذلك من الأسباب...).اهـ
وكذلك التحق الشَّيْخ حفظه الله أيضاً بالدِّراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم بكلية الشَّريعة في سنة 1406 هـ ، ليزداد عِلْماً فوق علمه ومن بابِ قوله تعالى : ( وقل ربِ زدني علماً )( )، وكان ذلك تَشْجيعاً من شيخه العلامة ابن عُثَيْمين رحمه الله لِيَشْغل وقت الصَّباح في دراسة العلم بالجامعة.
فدرس في الجامعة ما يلي:
1) الحديث وأصوله: من ((سُبل السَّلام شرح بُلوغ المرَام من أدلة الأحكام)) للصنعاني، و (( تَيْسير مُصْطلح الحديث)) للطَّحان، و (( مقدمة صحيح مسلم)).
2) الفقه وأصوله: من (( الرَوْض المُرْبِع شرح زاد المُسْتَقْنِع)) للبَهُوتي، و ((رَوْضة النّاظِر وجُنَّة المُناظِر)) في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لابن قُدَامة المقدسي، و (( الوَجِيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية )) للبُورْنُو.
3) التفسير : من (( فتح القدير الجامع بين فَنِّي الرِّواية والدِّراية من علم التفسير)) للشَّوكاني.
4) العقيدة: من (( شرح العقيدة الطحاوية )) للحنفي.
5) النَّحْو: من (( أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك )) لابن هشام.
6) الفرائض : من (( التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية)) للشيخ الفوزان، و ((الفرائض)) للاحم.
هكذا قَضَى الشَّيْخ حفظه الله هذه السَّنوات في عُنَيْزَةَ بالقَصِيم، لقد تحمَّلَ في سبيل تحصيل العلم النّافع المشاق حين كان طالباً، فقد صَبَرَ، واسْتَمر في طلب العلم، وصبّر نفسه وجاهدها ( )، وصبّر نفسه على الغربة عن بلده وأهله حرصاً على تعليم نفسه علوم الكتاب والسُّنة. ( )
فالعلم من أفضل الأعمال الصّالحة، وهو من أفضلِ وأجلّ العبادات، عبادات التَّطوع لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله تعالى.
ولذلك لا يَسْتوي الذي يَعْلَم، والذي لا يَعْلَم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصِير والأَعْمَى، والعلم نور يهتدي به العبد، ويخرج به من الظلمات إلى النور، والعلم يرفع الله به من يشاء من خلقه. ( )
قال تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ( )
وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ( )
قال الإمام مالك رحمه الله : في قوله: (   • ( ) قال:(بالعِلْم).( )
قال ابن القيِّم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (ج1ص221): ( أنه سبحانه نفى التسوية بين أهله وبين غيرهم...فقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)( )وهذا يدلُّ على غاية فضلِهم وشرفهم ).اهـ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : ((مَنْ سَلَكَ طريقاً يَلْتَمِسُ فيه علماً سَهّلَ الله له إلى الجنَّةِ طريقاً )).
أخرجه مسلم في صحيحه (ج3ص2074) وأبو داود في سننه (ج5ص235) والترمذي في سننه (ج5ص195) وابن ماجة في سننه (ج1ص82) وأحمد في المسند (ج2ص252) وابن حبان في صحيحه (ج1ص284) وزهير بن حرب في العلم (ص11) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة به.
قال ابن القيِّم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (ج1ص274):(( وقد تظاهر الشرع والقدر على أنَّ الجزاء من جِنْسِ العمل، فكما سلك طريقاً يطلبُ فيه حياة قلبه ونجاته من الهلاك، سَلَكَ به طريقاً يحصلُ له ذلك )).اهـ
وعَنْ مُعَاوِية بن أبي سُفيان رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ النّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ :(( مَنْ يُردِ اللهُ به خيراً يُفَقههُ في الدِّين )).
أخرجه البخاري في صحيحه (ج6ص217) و مسلم في صحيحه (ج2ص719) وابن ماجة في سننه (ج1ص80) وابن حبان في صحيحه (ج1ص152) وأحمد في المسند (ج4ص101) من طرق عن معاوية بن أبي سفيان به.
قال الآجُريِّ رحمه الله في أخلاق العلماء (ص26):( فلما أراد الله تعالى بهم خيراً فقههم في الدين، وعلمهم الكتاب والسنة، وصاروا سِراجاً للعباد ومَناراً للبلاد)).اهـ
وقال ابن القيِّم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (ج1ص274): ( وهذا أشرف علم على الإطلاق ).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميِّة رحمه الله في الفتاوى (ج11ص396):( والعلم الممدوح الذي دل عليه الكتاب والسنة وهو العلم الذي ورثه الأنبياء كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (( إنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثُوا دِرْهماً ولا دِيناراً، وإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ )) ) ( ).اهـ
والعلمُ ما قامَ عليه الدَّليل، والنَّافع منه ما جاءَ به الرسولُ (صلى الله عليه وسلم). ( )
إنَّ العابدَ حقاً هو الذي يَعْبد ربَّه على بَصِيرة، وهذه سبيلُ النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).( )
الفصل الرابع : في ذكر شيوخه.
لا يشك العارف بالعلم الشَّرعي، وبتاريخ الأَمْصار، والواقف على أخبار الرواة، وآثار العلماء الأخيار أنَّ الأصلَ في تَلقي العلم النَّافع على علماءِ أهل السُّنة والجماعة والأثر والحديث.
والأخذُ عن العلماء لا يَقْتصر على مُجرد العلم، ومَسائل العلم، بل يُؤخذ عنهم الهُدي الظاهر والسَّمت، والتطبيق العَمَلِي، وهذا لا يكون إلا بملازمتِهم والجلوس إليهم.
إن العلماءَ هم وَرثة الأنبياء، فمن أراد أنْ ينال شيئاً من إرْثِ النُّبوة فعليه بمجالسة العلماء، والأخذ عنهم، والآخذ عن العلماء السالك في طريق العلم يُسهل الله له طريقاً إلى الجنَّة. ( )
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )).
أخرجه مسلم في صحيحه (ج3ص2074) وأبو داود في سننه (ج5ص235) والترمذي في سننه (ج5ص252) وأحمد في المسند (ج2ص252) والبغوي في شرح السنة (ج1ص272) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (ج1ص13) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة به.
إنَّ الأخذَ عن الشُّيوخ هو طريقِ العلم، وهو طريق صُنْع الأوائلِ من أهل العلم وطلبتهم. ( )
عن وَاصِل بن حَيّان عن امرأة يقال لها : عَائِذةٌ قالت: رأيتُ ابنَ مَسْعودٍ رضي الله عنه يُوصي الرِّجال والنِّساءَ ويقول: ( مَنْ أدركَ مِنكم من امرأةٍ أو رَجُلٍ، فالسَّمْتَ الأوّلَ، السَّمْتَ الأوَّلَ، فإنّكم على الفِطْرةِ ).
قال عبد الله بن مَسْعُودٍ: السَّمْتُ: الطّريق.
أثر حسن
أخرجه الدرامي في المسند (ج1ص294) وابن سعد في الطبقات الكبرى (ج8ص358) وابن أبي شيبة في المصنف (ج14ص133) من طريقين عن سفيان الثوري عن واصل به.
وإسناده حسن، وعَائِذة ترجمها ابن سعد فقال في الطبقات الكبرى (ج8ص358) : (امرأة من بني سعد، روى عنها واصل بن حيان، وأثنى عليها خيراً ).
ولقد ضَرَبَ الشَّيْخ حفظه الله أبلغ المثل في الحرص على طلب العلم، والسَّعي في الأخذ عن شُيوخ العلم الربانيين، تَشْهد لذلك رحلته في طلب العلم إلى مدينة عُنَيْزَةَ بالقَصِيمِ في بلد الحرمين الشريفين من سنة 1404 هـ إلى سنة 1414 هـ .
ورحلته هذه كانت على طريقة السَّلف الصَّالح الأوائلِ في الحرص على طلب العلم والحديث، والسَّعْي في الأخذ عن الشُّيوخ، والرِّحلة إليهم والاستفادة من علمهم وسمتهم وأَخْلاقهم وهديهم وصبرِهم ودعوتِهم. ( )
ولما كان العلم الشَّرعي هو المصدر لفهم الكتاب والسُّنة، وكان منه بهذه المثابة فقد أعطاه العلماء غاية اهتمامهم، وبذلوا من أجل العلم النافع كلَّ ما في وسعهم، حتى رحلوا المسافات البعيدة ( ) ، على بعد الشُّقة وعظم المَشقة، طلباً للقرآن وعلومه، وللحديث وعلومه، امتثالاً لآمر الله تعالى، وتحقيقاً لما حث عليه النبي(صلى الله عليه وسلم) المسلمين.
قال تعالى : (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ( )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )).
أخرجه مسلم في صحيحه (ج3ص2074) وأبو داود في سننه (ج5ص235) والترمذي في سننه (ج5ص252) وأحمد في المسند (ج2ص252) والبغوي في شرح السنة (ج1ص272) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (ج1ص13) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة به.
وعَنْ زِرٍّ بن حُبَيْشٍ قالَ : أتيتُ صَفْوان بن عَسّال المُرَادِي ، فقالَ: ما جاءَ بكَ ؟ قلت: جئتُ أبتغي العلم، قالَ: إنِّي سَمِعْتُ رسول اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ : ((مَا مِنْ خَارِجٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يطَلَبُ الْعِلْمَ إِلاَّ وَضَعَتْ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ )).
حديث حسن
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (ج1ص95) وفي السنن الصغرى (ج1ص98) وأحمد في المسند (ج4ص239) وابن ماجة في سننه (ج1ص82) وعبد الرزاق في المصنف (ج1ص205) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1ص177) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1ص276) من طرق عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش به.
وإسناده حسن.
وقد كانت الرحلة في طلب العلم من لوزام طريقة أهل العلم ومنهجهم في التحصيل العلمي.
قال ابن الصَّلاح رحمه الله في علوم الحديث (ص222) : ( وإذا فَرَغَ من سَماع العوالي والمهمات التي ببلده فليرحل إلى غيره ).اهـ
وقال ابن خلدون رحمه الله في مقدمته (ص478) : ( أنَّ الرحلة في طلب العلوم ولقاء المَشْيخة مَزِيد كمال في التَّعلم( )، والسبب في ذلك أنّ البشرَ يأخذون مَعَارفهم وأخلاقهم، وما يَنْتحِلون به من المذاهب والفضائل تارة علماً وتعليماً والقاء، وتارة محاكاة وتلقيناً بالمباشرة، وإلاّ أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقي أشد استحكاماً وأقوى رُسوخاً، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها...وهذا لمن يسر الله عليه طرق العلم والهداية، فالرّحلة لا بدّ منها في طلب العلم لا كتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرِّجال، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ).اهـ
ولذلك رَحَلَ الشَّيْخ حفظه الله لطلب العلم ( ) إلى مدينة عُنَيْزَةَ بالقَصِيم في سنة 1404هـ ، فالتحق بدروس الإمام الجليل، والعالم النبيل المفسِّر الفقيه الأُصولي العلامة الشيخ محمد بن صالح العُثَيْمين رحمه الله رحمة واسعة في الجامع الكبير، وهو شيخه الأول والأخير.
فقرأ عليه العلوم الشرعية في التوحيد والعقيدة والفقه والحديث والتفسير والنحو والفرائض وأصول الفقه والقواعد الفقهية كما بينا تفصيل ذلك فيما سبق.
فاستفاد الشَّيْخ حفظه الله من علمه، وسمته، وخلقه، وزهده، وصبره، وتعليمه، ودعوته.
ثم التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بكلية الشَّريعة في سنة 1406هـ ، واستفاد من مشايخ الجامعة فقرأ عليهم القرآن الكريم والتوحيد والعقيدة والفقه والحديث والتفسير والنحو والفرائض وأصول الفقه.
فكان الشَّيْخ حفظه الله في طلب العلم لفهم الكتاب والسُّنة متميِّز في قُوة تحصيل العلم النافع، ورَوْعة في تأصيله، والاهتمام بمعرفة الأصول والقواعد لفهم الكتاب والسُّنة الفهم الصحيح، والتأكيد على ضوابط العلم. ( )
وقد أخذ في تحصيل الأصول في طلب العلم على شيخه العلامة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العُثَيْمين رحمه الله.
حيث قال الشَّيْخ ابن عُثَيْمين رحمه الله في العلم (ص67) : ( فالأصولُ هي العلم، والمسائل فُروع، كأصل الشَّجرة وأغصانِها إذا لم تكن الأغصان جيد فإنها تَذْبل وتتهالك، لكن ما هي الأصول ؟ هل هي الأدلة الصَّحيحة ؟ أو هي القواعد والضَّوابط ؟ أو كلاهما ؟
الأصول: هي أدلة الكتاب والسُّنة، والقواعد والضَّوابط المأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسُّنة، وهذه من أهم ما يكون لطالب العلم.
مثلاً: المَشَقّة تَجلب التَّيْسير، هذا من الأصول، مأخوذة من الكتاب والسنة.
من الكتاب: من قوله تعالى : (        )( )
ومن السُّنة : قوله (صلى الله عليه وسلم) لعِمْران بن حُصَيْن رضي الله عنه: (( صَلِّ قائماً، فإنْ لم تَسْتَطِعْ فَقاعداً، فإنْ لم تَسْتَطِعْ فعلى جَنْبٍ)). ( )
وقوله (صلى الله عليه وسلم): (( إذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ)). ( )
هذا أصل، لو جاءتك ألف مسألة بصور متنوعة لأمكنك أن تحكم على هذه المسائل بناءً على هذا الأصل، لكن لو لم يكن هناك عندك هذا الأصل وتأتيك مسألتان أشكل عليك الأمر ).اهـ

المفرق
09-04-2006, 06:36 PM
بارك الله فيك

الاموي
09-04-2006, 08:37 PM
إذن صدق من قال فيه:
كتمت الهوى حتى أضر بي الفكر*****وذقت آلامـه حـرا كالنـار تستعـرُ
كم جاش قلبي بالهوى حينا فيتركني*****غريقا في وجد الحشا والقلب ينفطـرُ
وكيف يطيق الناس للهوى وصفا*****وفيه السهد والوجـد والشجـو والكـدرُ
قد كنت أحسب أن العاشقين غلوا******في وصفه لمّا عراهـم الهـم والسهـرُ
دع ذكر الهوى واسمع مقالة واصف****في مقالته وصف فيه المدح منحصـر
أنا صادع بكلمة حق أدين الله بها*****في الشيخ فوزي أقول الحـق وأفتخـر
هو درة البحرين حقـا أشهـد أنه*****بالعلـم نـال العـلا والخيـر ينتظـر
أشهدكم أنى لست غاليا أبدا *****فهذا الحـق لـذوي الألبـاب إن نظـروا
هو السني الهمام الخـدن السميدع****لـه رايـة الصفـراء يقدمهـا النصـر
إذا خفقت في الأفق هدت بنورها****هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر
وإن نشرت مثل الأصائيل في الوغى****جلى النقع من لآلاء طلعتهـا البـدر
وان يممت زرق العدى سار تحتها*****كتائب خضر دوحها البيض والسمـر
كان مثـار النقـع ليـل وخفقها*****بـروق وأنـت البـدر والفلـك الحثـر
خفتت لهيبت صوتك الأصوات خاشعة*****كساها الحيا جاءتك تسعى ولا مهر
ملأت السمع حديث الهادي المصطفى****كسحاب غديق لم يخل من قطره قطر
فوائد في التوحيد زانت مجالسه*****كيف الصلاة وكيـف الصـوم والطهـر
غاظ أهل العدى كمدا فصارحوه أذى******قد طاوعوا أمر العدو وفلوبهم جمر
أعوذ بالله من طاعن عليه بسوء*****وتعس البائس شانيه مـا خلـى الدهـر
كيف اعتدى الجاهل وتمادى وافترى******تبا لعقل قد أحاط به الجهل يا غدر
سيف صقيل على أهل الضلال وصارم****سالت مضاربه بالحق فانتهك الستر
واها لشيخ في العلم فردا محاسنه ***** بالحزم والعزم هان الصعب والعسـر.
بلى قد صدق.. بلى قد صدق..

القصاب الجزائري
09-05-2006, 12:07 PM
جزاك الله خيرا على هذه الترجمة وبارك الله في الشيخ فوزي.

أبو علي السلفي
09-06-2006, 12:35 AM
الترجمة قديمة وليست جديدة

ولكن ثبتها في هذا الوقت لكي يقف عليها كل شخص لايعرف الشيخ فوزي الأثري حفظه الله

أبو عمر الدوسري
09-06-2006, 01:10 PM
جزاكم الله خيرا وبارك الله في شيخ فوزي وما نقول في الشيخ إلا كما قيل :
ما إزداد أحدٌ منه قــُربا إلا إزداد له حباً .
فقد كان ولا يزال ردءاً لأخيه الشيخ فالح بن نافع - ثبتنا الله واياه على السنة والاسلام

12d8c7a34f47c2e9d3==