أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
08-09-2006, 06:36 PM
من كتاب الدر المنتقى للشيخ فوزي الأثري حفظه الله
(1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنـَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : ( التـَّفَثُ : حَلْقُ الرَّأْسِ ، وأخـْذُ مِنَ الشـَّارِبَيْنِ ، ونَتْفُ الإبِطِ وحَلْقُ العَانَةِ ، وَقَصُّ الأظْفَارِ ، والأخـْذُ مِنَ العَارِضَيْنِ(2) ( وَفِـي رِوَايَةٍ : اللـِّحْيَة)، وَرَمْيِ الجِمَارِ ، وَالمَوْقِفُ بِعَرَفَةَ والمُزْدَلِفَةَ ).
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ أَبـِي شَيْبَةَ فِي المُصَنَّفِ [ج4ص85] وابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] والمَحَامِلِيُّ فِي الأمَالِي [ص164] مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ المَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ .
1) سـُـورَة الحَجِّ آية [29] .
2) العَـارِضَان : نَاحـِـيَـتـَا الوَجْهِ ، والعَارِض مِنَ اللـِّحْيَةِ : مـَا يـَنْـبـُتُ عَلـَى عُرْضِ اللَّحْيِّ فَوْقَ الذَّقــْنِ .
انظُرْ النـِّهَايَةَ لابـْنِ الأثــِيرِ [ج3ص212] .
قــُلْـتُ : وَهَذَا سَنَدُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ عَبْدِ المَلِكِ وَهُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتـَّحْدِيثِ .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعْرِيفِ أهْلِ التـَّقْدِيسِ [ص95] : ( قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : شَرُّ التـَّدْلِيسِ ،تَدْلِيسُ ابْنِ جُرَيْجٍ فــَإنـَّهُ قَبِيحُ التَّدْلِيسِ لاَ يُدَلِّسُ إلاَّ فِيمَا سَمِعَهُ مِن مَجْرُوحٍ ).اهـ
قــُلْتُ : فَلاَ تُحْمَلُ عَنْعَنَتُهُ هُنـَا عَلَى السـَّمَاعِ لأنـَّهُ أتـَى بِمُنْكَرٍ مُخَالِفاً للسـُّنـَّةِ ، فَمَا جَاءَ عَنْهُ مُخَالِفاً للسـُّنـَّةِ فَلاَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ .
وَقَدْ بَيـَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي ( قَلاَئِدِ المُرْجَانِ فِي تَخْرِيجِ حَدِيثِ : إذَا اجْتَمَعَ عِيدَان ) [ص22] وللهِ الحَمْدُ والمـِنـَّةُ .
ثـُمَّ إنـَّهُ اضْطَرَبَ فِي مَتْنِهِ أيْضاً فَمَرَّةً يَقُولُ ( والأخـْذُ مِنَ العَارِضَيْنِ ) وَمَرَّةً يَقُولُ ( الأخـْذُ مِنَ اللـِّحْيَةِ ) وَهَذا يُوجِبُ ضَعْفَ الحَدِيثِ .
قــُلْتُ : وإِنْ ثَبَتَتْ صِحـَّتُهُ عَنْهُ فَلاَ دَلاَلَةَ فِيهِ عَلَى الأخـْذِ مِنَ اللِّحْيَةِ لأنـَّهُ لاَ تـُعَارَضُ سـنـَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بـِتـَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ .
عـِـلْماً بـِأنـَّهُ يَخُصُّ الأخـْذَ مِنَ اللِّحْيَةِ فِي الحَجِّ كَمَا هُـو ظَاهِرٌ ، إذاً هَذا خَاصٌّ فِي النـُّسُكِ ، وَسَبَقَ الإشَارَةَ إليَهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَبَقَ الأخـْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ فِي فِـعْلِ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ .
(2) وَعـَنْ مُـحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيُّ أنـَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَة :"ثم ليقضوا تفثهم" (رَمْيُ الجِمَارِ ، وذبْحُ الذَّبـِيحَةَ ، وأخـْذٌ مِنَ الشَّارِبَيْنِ واللـِّحْيَةِ والأظْفَارِ والطَّوَافِ بـِالبَيْتِ وَبـِالصـَّفَا والمَرْوَةَ ).
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فـِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو صَخْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ القُرَظِيُّ بِهِ .
قــُلـْتُ: وَهَذَا سَنَدُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ أبُو صَخْرٍ وَهُوَ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الخَرَّاط وَهُوَ وإنْ كَانَ صَدُوقاً لَكِنـَّهُ يَهِمُ كَمَا فِي التـَّقْرِيبِ لابْنِ حَجَرٍ [ص274] .
وَقَدْ ضَعـَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ .
انظُرْ تَهْذِيبَ الكَمَالِ لِلْمِزِّيِّ [ج7ص368] .
وَخَالَفَهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ المَدَنِيُّ ، فَذَكَرَهُ بِدُونِ ( ذكْرِ اللِّحْيَةِ ).
أخْرَجَهُ ابْنُ أبـِي شَيْبَةَ فِي المُصَنَّفِ [ج4ص84] مِنْ طَرِيقِ العُكْلِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ القُرَظِيُّ قَالَ : ( التـَّفَـثُ : حَلْقُ العَانَةِ وَنَتْفُ الإبِطِ وأخـْذٌ مِنَ الشَّارِبِ وتَقْلِيمِ الأظْفَارِ ).
وإسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ المَدَنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي التـَّقْرِيبِ لابْنِ حَجَرٍ [ص983] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1) وَقــَعَ عِنْدَ ابْنِ أبـِي شَيْبَةَ ( مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ) بَدَل ( مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ ) وَهُو تَصْحِيفٌ ، والصَّحِيحُ مَا أثـْبـَتـْـناهُ . لِعــِلْمِنَا أنَّ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لَمْ يَرْو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ القُرَظِيُّ شَيْئاً.
(3) وَعَنْ مُجَاهِدٍ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : ( حَلْقُ الرَّأْسِ وَحَلْقُ العَانَةِ وَقَصُّ الأظْفَارِ وقَصُّ الشَّارِبِ وَرَمْيُ الجِمَارِ وَقَصُّ اللِّحْيَةِ ).
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص150] مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أبـِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وهُوَ فِي تَفْسِيرهِ [ص480] بـِهِ.
قــُلـْتُ : وَهَذَا سَنَدُهُ فِيهِ وَرْقَاءَ بْنُ عُمَرَ اليَشْكُرِيِّ تَكَلـَّمُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ أبـِي نُجَيْحٍ .
انظُرْ تَهَذِيبَ الكَمَالِ للْمِزِّيِّ [ج30ص433] .
وَخَالَفَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى العَبْسِيُّ وَهُوَ ثِـقَةٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ لابْنِ حَجَرٍ[ص645] بِدُونِ ( ذِكْرِ اللِّحْيَةِ ) ، وَهُوَ الأصَحُّ .
أخْرَجَهُ ابْنُ أَبـِي شَيْبَةَ فِي المُصَنَّفِ [ج4ص84] مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى عَنْ عـُثـْمَانَ بْنِ الأسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قالَ : ( الحَلْقُ وأخـْذٌ مِنَ الشَّوَارِبِ وَتَقْلِـيمِ الأظْـفَارِ وَنَتْفِ الإبِطِ ).
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَرَوَايَةُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى أرَجْحُ مَنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ ، فَهِيَ مُنْكَرَةٌ .
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنـَّى قَالَ ثـَنـَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ثـَنـَا شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ أنـَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : ( هـُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ ، وذَكَرَ أشْيَاءَ مِنَ الحَجِّ ). ولَمْ يَذْكُرِ الأخـْذَ مِنَ اللِّحْيَةِ . وهـُوَ الأصـَحُّ عَنْهُ .
وَإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص150] مِنْ طَرِيقِ الحُسَيْنِ قَالَ ثـَنـَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ إلاَّ أنـَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِهِ ( وَقَصُّ اللِّحْيَةِ).
وإسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .
وأخْرَجَهُ سُفْيَانُ الثــَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ [ص211] وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ِي تَفْسِيرِهِ [ق1/ب/ط] مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ( قَصُّ اللـِّحْيَةِ ).
وإسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أيْضاً.
وَاعْلَمْ أنـَّهُ ثَبَتَ عَنْ بَعْضِ السـَّلَفِ والعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ "ثم ليقضوا تفثهم" أنـَّهُ قَضَاءُ مَنَاسِكِ الحَجِّ وإزَالَةِ الشـَّعْثَ والدَّرَنَ ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي حَدِيثِهِمْ ( وَقَصُّ اللِّحْيَةِ ) وَهُوَ الأصَحُّ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ وإلَيْكَ أقْوَالَهُمْ.
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبـِي رَبـَاح : ( الحَلْقُ والذبْحُ وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ وَمَنَاسِكُ الحَجِّ).
أخْرَجَهُ ابْنُ أَبـِي شَيْبَةَ فِي المُصـَنَّفِ [ج4ص84] مِنْ طَرِيقِ أبـِي خَالِدٍ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ .
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : (التـَّـفـَثُ : حُرُمَهُمْ ).
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص150] مِنْ طَرِيقِ يُونُسٍ قَالَ أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ بِهِ .
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أنـَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : (هـُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ ، وذَكَرَ أشْيَاءَ مِنَ الحَجِّ ). ولَمْ يَذْكُرِ الأخـْذَ مِنَ اللِّحْيَةِ .
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنـَّى قَالَ ثـَنـَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ثـَنـَا شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ .
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطــَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] : ( وَقَوْل "ثم ليقضوا تفثهم" يَقُولُ : تَعَالَى ذِكْرُهُ : ثـُمَّ لِـِيـَقْضُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِ حَجـِّهِمْ : مِنْ حَلْقِ شَعْرٍ وأخـْذِ شَارِبٍ ، وَرَمْيِ جَمْرَةٍ ، وَطَوَافٍ بِالبَيْتِ ).اهـ
وَقَالَ ابْنُ عَطِيـَّةَ فِي المُحَرَّرِ الوَجِيزِ [ج11ص196] : ( والتـَّفَثُ : مَا يَصْنَعُهُ المُحْرِمُ عِنْدَ حِلـِّهِ مِنْ تَقْصِيرِ شَعْرٍ وَحَلْقِهِ وإزَالَةِ شَعْثٍ وَنَحْوِهِ ).اهـ
وَقَالَ القـُرْطُبـِيُّ فِي الجَامِعِ لأحْكَامِ القُرْآنِ [ج12ص49] : ( قَـوْلُـهُ تَعَالَى "ثم ليقضوا تفثهم" أي ثـُمَّ لِتـَقْضُوا بَعْدَ نَحْرِ الضـَّحَايَا والهَدَايَا مَا بَقِيَ مِنْ أمْرِ الحَجِّ كَالحَلْقِ وَرَمْيِ الجِمَارِ وإزَالَةِ شَعْثٍ وَنَحْوِهِ ).اهـ
وَقَالَ أبـُو الـمُظـَفــَّرِ السـَّمْعَانِيُّ فِي تـَفـْسِيرِ القـُرْآنِ [ج3ص435] : (قَوْلُهُ تَعَالَى "ثم ليقضوا تفثهم" التـَّفَثُ : هَاهُنَا هُوَ حَلْقُ الرَّأسِ، وَقَلْمُ الظُّفْرِ ونَتْفُ الإبِطِ وإزَالَةُ الوَسَخٍ ).اهـ
وقَالَ ابْنُ الجَوْزِيُّ فِي زَادِ المَسِيرِ [ج5ص427] : ( وَالقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ ، لأنَّ التـَّفَثَ : الوَسَخُ ، والقَذارَةُ ، مِنْ طُولِ الشـَّعْرِ والأظْفَارِ والشـَّعْثِ ، وقَضَاؤُهُ: نَقْضُهُ ، وإذْهَابُهُ ، والحَاجُّ مُغـَبَّرٌ شَعْثٌ ).اهـ
وَقَالَ ابْنُ السـَّعْدِيِّ فِي تَفْسِـيـرِهِ [ج5ص290] :"ثم ليقضوا تفثهم" أي يَقْضُوا نُسُكَهُمْ ، ويُزِيلُوا الوَسَخَ والأذَى الذِي لَحِقَهُمْ فِي حَالِ الإحْرَامِ ).اهـ
وقَالَ ابْنُ الأثــِيرِ فِي النـِّهَايَةِ [ج1ص191] : ( التــَّفَثُ هُوَ مَا يَفْعَلُهُ المُحْرِمُ بِالحَجِّ إذَا حَلَّ ، كَقَصِّ الشَّارِبِ والأظْفَارِ ونَتْفِ الإبِطِ وَحَلْقِ العَانَةِ .
وَقِيلَ : هُوَ إذْهَابُ الشـَّعْثَ والدَّرَنَ مُطْلَقاً ).اهـ
وقَالَ البـَغـَوِيُّ فِي مَعَالِمِ التــَّنْزِيلِ [ج3ص284] :"ثم ليقضوا تفثهم" ، التـَّفَثُ الوَسَخُ والقَذارَةُ مِنْ طُولِ الشـَّعْرِ والأظْفَارِ والشـَّعْث ، تَقُولُ العَرَبُ لِمَنْ تَسْتَقْذِرَهُ : مَا أتـْفـْثــَكَ : أي مَا أوْسَخَكَ ، والحَاجّ أشْعَثَ أغْبَرَ أي: لَمْ يَحْلِقْ شَعْرَهُ وَلَمْ يُقـَلِّمْ ظُفْرَهُ فَقَضَاءُ التــَّفَثِ إزَالَةُ هَذِهِ الأشْيَاءَ لِيَقْضُوا تَفَـثـَهـُمْ أي : لِيُزِيلُوا أدْرَانَهُمْ ، والمُرَادُ مِنْهُ الخُرُوجَ عَنِ الإحْرَامِ ) .اهـ
وَقَالَ الوَاحِدِيُّ فِي الوَسِيطِ [ج3ص268] : ( قَوْلُهُ التـَّفَثُ : الوَسَخُ والقَذارَةُ مِنْ طُولِ الشـَّعْرِ والأظْفَارِ والشـَّعْثِ وقَضَاؤُهُ نَقْضُهُ وإذْهَابُهُ والحَاجّ مُغـَبَّرٌ شَعْثٌ لَمْ يَدْهِنْ وَلَمْ يَسْتَحِدْ فَإذَا قَضَى نُسُكَهُ وَخَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ بـِالقَلْمِ والحَلْقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ ولُبْسِ الثــِّيَابِ وَنَتْفِ الإبِطِ وَحَلْقِ العَانَةِ فَهُوَ قَضَاءُ التــَّفَثِ ).اهـ
وَقَالَ الإمَامُ مَالِكٍ فِي المُوَطَّأِ [ج1ص318] : (التــَّفَثُ حـِلاَقُ الشـَّعْرِ ، ولُبْسُ الثــِّيَابِ ، ومَا يَتْبَعُ ذلِكَ ).اهـ
فـَإذَا تَبَيـَّنَ هَذَا ، فَالمـَسْألَةُ التِي مَعَنَا قَدْ نُقِلَ عَنِ السـَّلِفِ والعُلَمْاءِ عَدَمُ وُجُودِ ( ذِكْرُ اللـِّحْيَةِ ) فِي النـُّسُكِ ، لأنَّ اللـِّحْيَةَ لاَ تَعَلـُّقَ لَهَا بالنـُّسُكِ ، وَلَوْ كَانَ الأخـْذُ مِنَ اللـِّحْيَةِ لَهـَا تَعَلُّقٌ بِالنـُّسُك لَكَانَ مَعْرُوفاً عِنْدَهُمْ ، وَفِيهِمْ مَنْ رَوَى العُمُومَ المَذْكُورَ ، كَابْنِ عُمَرَ ، وأَبـِي هُرَيْرَةَ ، وأَبـِي أمَامَةَ ، وسَبَقَتِ الأخْبَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ أنـَّهُمْ كَانُوا لاَ يـَأخُذُونَ مِنَ اللِّحْيَةِ لاَ فِي النـُّسُكِ ولاَ فِي غَيْرِهِ للنـَّصِّ ، والنـَّصُّ يَـأمُرُهُمْ بـِإعْفَاءِ اللـِّحْيَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الرَّأيِ .
قـُلْتُ : وَعَلَى هَذَا التـَّفْسِيرِ يُطَابِقُ مَدْلُولَ الآيَةِ وَبهِ صَحَّ عَنِ السـَّلَفِ .
وَيُؤَيِّدُهُ ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجـَّةِ الوَدَاعِ ). ولَمْ يَـأخُذْ مِنْ لِحْيَتِهِ .
أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ [ج3ص561] ومُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ [ج2ص947] مِن طَرِيقِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ .
وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أتـَى مِنًى ، فـَأتَى الجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ، ثـُمَّ أتـَى مَنْزِلَهُ بِمَنًى وَنَحَرَ ، ثـُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ خـُذْ ، وَأشَارَ إلَى جَانِبِهِ الأيْمَنِ ، ثـُمَّ الأيْسَرِ ، ثـُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النـَّاسَ ). وَلَمْ يَأخُذْ مِنْ لِحْيَتِهِ .
أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ[ج3ص947] مِن طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أنَسٍ بِهِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( حَلَقَ النـَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ وَقَـصـَّرَ بَعْضُهُمْ ). وَلَمْ يَأخُذُوا مِنْ لِحَاهُمْ .
أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ [ج3ص561] مَنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللهِ بِهِ .
قـُلْتُ: وَفِي هَذِهِ الأحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ قَصَّ اللِّحْيَةِ أوِ الأخْذِ مِنْهَا فِي الحَجِّ لَمْ يَكُنْ أمْراً مَعْرُوفاً عِنْدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ .واللهُ وَلِيُّ التـَّوْفِيقِ
(1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنـَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : ( التـَّفَثُ : حَلْقُ الرَّأْسِ ، وأخـْذُ مِنَ الشـَّارِبَيْنِ ، ونَتْفُ الإبِطِ وحَلْقُ العَانَةِ ، وَقَصُّ الأظْفَارِ ، والأخـْذُ مِنَ العَارِضَيْنِ(2) ( وَفِـي رِوَايَةٍ : اللـِّحْيَة)، وَرَمْيِ الجِمَارِ ، وَالمَوْقِفُ بِعَرَفَةَ والمُزْدَلِفَةَ ).
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ أَبـِي شَيْبَةَ فِي المُصَنَّفِ [ج4ص85] وابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] والمَحَامِلِيُّ فِي الأمَالِي [ص164] مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ المَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ .
1) سـُـورَة الحَجِّ آية [29] .
2) العَـارِضَان : نَاحـِـيَـتـَا الوَجْهِ ، والعَارِض مِنَ اللـِّحْيَةِ : مـَا يـَنْـبـُتُ عَلـَى عُرْضِ اللَّحْيِّ فَوْقَ الذَّقــْنِ .
انظُرْ النـِّهَايَةَ لابـْنِ الأثــِيرِ [ج3ص212] .
قــُلْـتُ : وَهَذَا سَنَدُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ عَبْدِ المَلِكِ وَهُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتـَّحْدِيثِ .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعْرِيفِ أهْلِ التـَّقْدِيسِ [ص95] : ( قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : شَرُّ التـَّدْلِيسِ ،تَدْلِيسُ ابْنِ جُرَيْجٍ فــَإنـَّهُ قَبِيحُ التَّدْلِيسِ لاَ يُدَلِّسُ إلاَّ فِيمَا سَمِعَهُ مِن مَجْرُوحٍ ).اهـ
قــُلْتُ : فَلاَ تُحْمَلُ عَنْعَنَتُهُ هُنـَا عَلَى السـَّمَاعِ لأنـَّهُ أتـَى بِمُنْكَرٍ مُخَالِفاً للسـُّنـَّةِ ، فَمَا جَاءَ عَنْهُ مُخَالِفاً للسـُّنـَّةِ فَلاَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ .
وَقَدْ بَيـَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي ( قَلاَئِدِ المُرْجَانِ فِي تَخْرِيجِ حَدِيثِ : إذَا اجْتَمَعَ عِيدَان ) [ص22] وللهِ الحَمْدُ والمـِنـَّةُ .
ثـُمَّ إنـَّهُ اضْطَرَبَ فِي مَتْنِهِ أيْضاً فَمَرَّةً يَقُولُ ( والأخـْذُ مِنَ العَارِضَيْنِ ) وَمَرَّةً يَقُولُ ( الأخـْذُ مِنَ اللـِّحْيَةِ ) وَهَذا يُوجِبُ ضَعْفَ الحَدِيثِ .
قــُلْتُ : وإِنْ ثَبَتَتْ صِحـَّتُهُ عَنْهُ فَلاَ دَلاَلَةَ فِيهِ عَلَى الأخـْذِ مِنَ اللِّحْيَةِ لأنـَّهُ لاَ تـُعَارَضُ سـنـَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بـِتـَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ .
عـِـلْماً بـِأنـَّهُ يَخُصُّ الأخـْذَ مِنَ اللِّحْيَةِ فِي الحَجِّ كَمَا هُـو ظَاهِرٌ ، إذاً هَذا خَاصٌّ فِي النـُّسُكِ ، وَسَبَقَ الإشَارَةَ إليَهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَبَقَ الأخـْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ فِي فِـعْلِ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ .
(2) وَعـَنْ مُـحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيُّ أنـَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَة :"ثم ليقضوا تفثهم" (رَمْيُ الجِمَارِ ، وذبْحُ الذَّبـِيحَةَ ، وأخـْذٌ مِنَ الشَّارِبَيْنِ واللـِّحْيَةِ والأظْفَارِ والطَّوَافِ بـِالبَيْتِ وَبـِالصـَّفَا والمَرْوَةَ ).
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فـِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو صَخْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ القُرَظِيُّ بِهِ .
قــُلـْتُ: وَهَذَا سَنَدُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ أبُو صَخْرٍ وَهُوَ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الخَرَّاط وَهُوَ وإنْ كَانَ صَدُوقاً لَكِنـَّهُ يَهِمُ كَمَا فِي التـَّقْرِيبِ لابْنِ حَجَرٍ [ص274] .
وَقَدْ ضَعـَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ .
انظُرْ تَهْذِيبَ الكَمَالِ لِلْمِزِّيِّ [ج7ص368] .
وَخَالَفَهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ المَدَنِيُّ ، فَذَكَرَهُ بِدُونِ ( ذكْرِ اللِّحْيَةِ ).
أخْرَجَهُ ابْنُ أبـِي شَيْبَةَ فِي المُصَنَّفِ [ج4ص84] مِنْ طَرِيقِ العُكْلِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ القُرَظِيُّ قَالَ : ( التـَّفَـثُ : حَلْقُ العَانَةِ وَنَتْفُ الإبِطِ وأخـْذٌ مِنَ الشَّارِبِ وتَقْلِيمِ الأظْفَارِ ).
وإسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ المَدَنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي التـَّقْرِيبِ لابْنِ حَجَرٍ [ص983] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1) وَقــَعَ عِنْدَ ابْنِ أبـِي شَيْبَةَ ( مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ) بَدَل ( مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ ) وَهُو تَصْحِيفٌ ، والصَّحِيحُ مَا أثـْبـَتـْـناهُ . لِعــِلْمِنَا أنَّ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لَمْ يَرْو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ القُرَظِيُّ شَيْئاً.
(3) وَعَنْ مُجَاهِدٍ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : ( حَلْقُ الرَّأْسِ وَحَلْقُ العَانَةِ وَقَصُّ الأظْفَارِ وقَصُّ الشَّارِبِ وَرَمْيُ الجِمَارِ وَقَصُّ اللِّحْيَةِ ).
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص150] مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أبـِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وهُوَ فِي تَفْسِيرهِ [ص480] بـِهِ.
قــُلـْتُ : وَهَذَا سَنَدُهُ فِيهِ وَرْقَاءَ بْنُ عُمَرَ اليَشْكُرِيِّ تَكَلـَّمُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ أبـِي نُجَيْحٍ .
انظُرْ تَهَذِيبَ الكَمَالِ للْمِزِّيِّ [ج30ص433] .
وَخَالَفَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى العَبْسِيُّ وَهُوَ ثِـقَةٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ لابْنِ حَجَرٍ[ص645] بِدُونِ ( ذِكْرِ اللِّحْيَةِ ) ، وَهُوَ الأصَحُّ .
أخْرَجَهُ ابْنُ أَبـِي شَيْبَةَ فِي المُصَنَّفِ [ج4ص84] مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى عَنْ عـُثـْمَانَ بْنِ الأسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قالَ : ( الحَلْقُ وأخـْذٌ مِنَ الشَّوَارِبِ وَتَقْلِـيمِ الأظْـفَارِ وَنَتْفِ الإبِطِ ).
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَرَوَايَةُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى أرَجْحُ مَنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ ، فَهِيَ مُنْكَرَةٌ .
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنـَّى قَالَ ثـَنـَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ثـَنـَا شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ أنـَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : ( هـُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ ، وذَكَرَ أشْيَاءَ مِنَ الحَجِّ ). ولَمْ يَذْكُرِ الأخـْذَ مِنَ اللِّحْيَةِ . وهـُوَ الأصـَحُّ عَنْهُ .
وَإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص150] مِنْ طَرِيقِ الحُسَيْنِ قَالَ ثـَنـَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ إلاَّ أنـَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِهِ ( وَقَصُّ اللِّحْيَةِ).
وإسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .
وأخْرَجَهُ سُفْيَانُ الثــَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ [ص211] وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ِي تَفْسِيرِهِ [ق1/ب/ط] مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ( قَصُّ اللـِّحْيَةِ ).
وإسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أيْضاً.
وَاعْلَمْ أنـَّهُ ثَبَتَ عَنْ بَعْضِ السـَّلَفِ والعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ "ثم ليقضوا تفثهم" أنـَّهُ قَضَاءُ مَنَاسِكِ الحَجِّ وإزَالَةِ الشـَّعْثَ والدَّرَنَ ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي حَدِيثِهِمْ ( وَقَصُّ اللِّحْيَةِ ) وَهُوَ الأصَحُّ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ وإلَيْكَ أقْوَالَهُمْ.
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبـِي رَبـَاح : ( الحَلْقُ والذبْحُ وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ وَمَنَاسِكُ الحَجِّ).
أخْرَجَهُ ابْنُ أَبـِي شَيْبَةَ فِي المُصـَنَّفِ [ج4ص84] مِنْ طَرِيقِ أبـِي خَالِدٍ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ .
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : (التـَّـفـَثُ : حُرُمَهُمْ ).
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص150] مِنْ طَرِيقِ يُونُسٍ قَالَ أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ بِهِ .
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أنـَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ "ثم ليقضوا تفثهم" قَالَ : (هـُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ ، وذَكَرَ أشْيَاءَ مِنَ الحَجِّ ). ولَمْ يَذْكُرِ الأخـْذَ مِنَ اللِّحْيَةِ .
أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنـَّى قَالَ ثـَنـَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ثـَنـَا شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ .
وإسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطــَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ [ج17ص149] : ( وَقَوْل "ثم ليقضوا تفثهم" يَقُولُ : تَعَالَى ذِكْرُهُ : ثـُمَّ لِـِيـَقْضُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِ حَجـِّهِمْ : مِنْ حَلْقِ شَعْرٍ وأخـْذِ شَارِبٍ ، وَرَمْيِ جَمْرَةٍ ، وَطَوَافٍ بِالبَيْتِ ).اهـ
وَقَالَ ابْنُ عَطِيـَّةَ فِي المُحَرَّرِ الوَجِيزِ [ج11ص196] : ( والتـَّفَثُ : مَا يَصْنَعُهُ المُحْرِمُ عِنْدَ حِلـِّهِ مِنْ تَقْصِيرِ شَعْرٍ وَحَلْقِهِ وإزَالَةِ شَعْثٍ وَنَحْوِهِ ).اهـ
وَقَالَ القـُرْطُبـِيُّ فِي الجَامِعِ لأحْكَامِ القُرْآنِ [ج12ص49] : ( قَـوْلُـهُ تَعَالَى "ثم ليقضوا تفثهم" أي ثـُمَّ لِتـَقْضُوا بَعْدَ نَحْرِ الضـَّحَايَا والهَدَايَا مَا بَقِيَ مِنْ أمْرِ الحَجِّ كَالحَلْقِ وَرَمْيِ الجِمَارِ وإزَالَةِ شَعْثٍ وَنَحْوِهِ ).اهـ
وَقَالَ أبـُو الـمُظـَفــَّرِ السـَّمْعَانِيُّ فِي تـَفـْسِيرِ القـُرْآنِ [ج3ص435] : (قَوْلُهُ تَعَالَى "ثم ليقضوا تفثهم" التـَّفَثُ : هَاهُنَا هُوَ حَلْقُ الرَّأسِ، وَقَلْمُ الظُّفْرِ ونَتْفُ الإبِطِ وإزَالَةُ الوَسَخٍ ).اهـ
وقَالَ ابْنُ الجَوْزِيُّ فِي زَادِ المَسِيرِ [ج5ص427] : ( وَالقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ ، لأنَّ التـَّفَثَ : الوَسَخُ ، والقَذارَةُ ، مِنْ طُولِ الشـَّعْرِ والأظْفَارِ والشـَّعْثِ ، وقَضَاؤُهُ: نَقْضُهُ ، وإذْهَابُهُ ، والحَاجُّ مُغـَبَّرٌ شَعْثٌ ).اهـ
وَقَالَ ابْنُ السـَّعْدِيِّ فِي تَفْسِـيـرِهِ [ج5ص290] :"ثم ليقضوا تفثهم" أي يَقْضُوا نُسُكَهُمْ ، ويُزِيلُوا الوَسَخَ والأذَى الذِي لَحِقَهُمْ فِي حَالِ الإحْرَامِ ).اهـ
وقَالَ ابْنُ الأثــِيرِ فِي النـِّهَايَةِ [ج1ص191] : ( التــَّفَثُ هُوَ مَا يَفْعَلُهُ المُحْرِمُ بِالحَجِّ إذَا حَلَّ ، كَقَصِّ الشَّارِبِ والأظْفَارِ ونَتْفِ الإبِطِ وَحَلْقِ العَانَةِ .
وَقِيلَ : هُوَ إذْهَابُ الشـَّعْثَ والدَّرَنَ مُطْلَقاً ).اهـ
وقَالَ البـَغـَوِيُّ فِي مَعَالِمِ التــَّنْزِيلِ [ج3ص284] :"ثم ليقضوا تفثهم" ، التـَّفَثُ الوَسَخُ والقَذارَةُ مِنْ طُولِ الشـَّعْرِ والأظْفَارِ والشـَّعْث ، تَقُولُ العَرَبُ لِمَنْ تَسْتَقْذِرَهُ : مَا أتـْفـْثــَكَ : أي مَا أوْسَخَكَ ، والحَاجّ أشْعَثَ أغْبَرَ أي: لَمْ يَحْلِقْ شَعْرَهُ وَلَمْ يُقـَلِّمْ ظُفْرَهُ فَقَضَاءُ التــَّفَثِ إزَالَةُ هَذِهِ الأشْيَاءَ لِيَقْضُوا تَفَـثـَهـُمْ أي : لِيُزِيلُوا أدْرَانَهُمْ ، والمُرَادُ مِنْهُ الخُرُوجَ عَنِ الإحْرَامِ ) .اهـ
وَقَالَ الوَاحِدِيُّ فِي الوَسِيطِ [ج3ص268] : ( قَوْلُهُ التـَّفَثُ : الوَسَخُ والقَذارَةُ مِنْ طُولِ الشـَّعْرِ والأظْفَارِ والشـَّعْثِ وقَضَاؤُهُ نَقْضُهُ وإذْهَابُهُ والحَاجّ مُغـَبَّرٌ شَعْثٌ لَمْ يَدْهِنْ وَلَمْ يَسْتَحِدْ فَإذَا قَضَى نُسُكَهُ وَخَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ بـِالقَلْمِ والحَلْقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ ولُبْسِ الثــِّيَابِ وَنَتْفِ الإبِطِ وَحَلْقِ العَانَةِ فَهُوَ قَضَاءُ التــَّفَثِ ).اهـ
وَقَالَ الإمَامُ مَالِكٍ فِي المُوَطَّأِ [ج1ص318] : (التــَّفَثُ حـِلاَقُ الشـَّعْرِ ، ولُبْسُ الثــِّيَابِ ، ومَا يَتْبَعُ ذلِكَ ).اهـ
فـَإذَا تَبَيـَّنَ هَذَا ، فَالمـَسْألَةُ التِي مَعَنَا قَدْ نُقِلَ عَنِ السـَّلِفِ والعُلَمْاءِ عَدَمُ وُجُودِ ( ذِكْرُ اللـِّحْيَةِ ) فِي النـُّسُكِ ، لأنَّ اللـِّحْيَةَ لاَ تَعَلـُّقَ لَهَا بالنـُّسُكِ ، وَلَوْ كَانَ الأخـْذُ مِنَ اللـِّحْيَةِ لَهـَا تَعَلُّقٌ بِالنـُّسُك لَكَانَ مَعْرُوفاً عِنْدَهُمْ ، وَفِيهِمْ مَنْ رَوَى العُمُومَ المَذْكُورَ ، كَابْنِ عُمَرَ ، وأَبـِي هُرَيْرَةَ ، وأَبـِي أمَامَةَ ، وسَبَقَتِ الأخْبَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ أنـَّهُمْ كَانُوا لاَ يـَأخُذُونَ مِنَ اللِّحْيَةِ لاَ فِي النـُّسُكِ ولاَ فِي غَيْرِهِ للنـَّصِّ ، والنـَّصُّ يَـأمُرُهُمْ بـِإعْفَاءِ اللـِّحْيَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الرَّأيِ .
قـُلْتُ : وَعَلَى هَذَا التـَّفْسِيرِ يُطَابِقُ مَدْلُولَ الآيَةِ وَبهِ صَحَّ عَنِ السـَّلَفِ .
وَيُؤَيِّدُهُ ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجـَّةِ الوَدَاعِ ). ولَمْ يَـأخُذْ مِنْ لِحْيَتِهِ .
أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ [ج3ص561] ومُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ [ج2ص947] مِن طَرِيقِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ .
وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أتـَى مِنًى ، فـَأتَى الجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ، ثـُمَّ أتـَى مَنْزِلَهُ بِمَنًى وَنَحَرَ ، ثـُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ خـُذْ ، وَأشَارَ إلَى جَانِبِهِ الأيْمَنِ ، ثـُمَّ الأيْسَرِ ، ثـُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النـَّاسَ ). وَلَمْ يَأخُذْ مِنْ لِحْيَتِهِ .
أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ[ج3ص947] مِن طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أنَسٍ بِهِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( حَلَقَ النـَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ وَقَـصـَّرَ بَعْضُهُمْ ). وَلَمْ يَأخُذُوا مِنْ لِحَاهُمْ .
أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ [ج3ص561] مَنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللهِ بِهِ .
قـُلْتُ: وَفِي هَذِهِ الأحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ قَصَّ اللِّحْيَةِ أوِ الأخْذِ مِنْهَا فِي الحَجِّ لَمْ يَكُنْ أمْراً مَعْرُوفاً عِنْدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ .واللهُ وَلِيُّ التـَّوْفِيقِ