المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشفاعة


كيف حالك ؟

قاسم علي
06-08-2006, 07:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه العظيم التوحيد {وقول الله تعالى: (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ)وقوله: (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) وقوله: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) وقوله: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى) وقوله: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) الآيتين.
قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولاً، ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفع.
وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله.
وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود. فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.
قال الشيخ العلامة الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله { إنما ذكر المصنف الشفاعة في تضاعيف هذه الأبواب لأن المشركين يبررون شركهم ودعاءهم للملائكة والأنبياء والأولياء بقولهم نحن ندعوهم مع علمنا أنهم مخلوقون مملوكون , ولكن حيث أن لهم عند الله جاها عظيما ومقامات عالية ندعوهم ليقربونا إلى الله زلفى وليشفعوا لنا عنده كما يتقرب إلى الوجهاء عند الملوك والسلاطين ليجعلوهم وسائط لقضاء حاجاتهم وإدراك مآربهم . وهذا من أبطل الباطل , وهو تشبيه لله العظيم ملك الملوك الذي يخافه كل أحد , وتخضع له المخلوقات بأسرها , بالملوك الفقراء المحتاجين للوجهاء والوزراء في تكميل ملكهم ونفوذ قوتهم , فأبطل الله هذا الزعم وبين أن الشفاعة كلها له كما أن الملك كله له , وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه , ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله , ولا يرضى إلا توحيده وإخلاص العمل له . فبين أن المشرك ليس له حظ ولا نصيب من الشفاعة , وبين أن الشفاعة المثبتة التي تقع بإذنه إنما هي الشفاعة لأهل الإخلاص خاصة وأنها كلها منه , رحمة منه وكرامة للشافع , ورحمة منه وعفوا عن المشفوع له , وأنه هو المحمود عليها في الحقيقة وهو الذي أذن لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها وأناله المقام المحمود فهذا ما دل عليه الكتاب والسنة في تفصيل القول في الشفاعة .
وقد ذكر المصنف رحمه الله كلام الشيخ تقي الدين في هذا الموضع وهو كاف شاف , فالمقصود في هذا الباب ذكر النصوص الدالة على إبطال كل وسيلة وسبب يتعلق به المشركون بآلهتهم , وأنه ليس لها من الملك شيء : لا استقلالا ولا مشاركة ولا معاونة ومظاهرة , ولا من الشفاعة شيء , وإنما ذلك كله لله وحده , فتعين أن يكون المعبود وحده .
قال الشيخ العلامة الإمام صالح الفوزان حفظه الله {والشافعة المثبتة ستة أنواع: النوع الأول: الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود، وهي التي تكون من الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف، إذا طال الوقوف على أهل الموقف التمسوا من يشفع لهم إلى الله في القضاء بينهم، وإراحتهم من الموقف، فيأتون إلى آدم عليه السلام ثمّ إلى الأنبياء نبيًّا نبيًّا كلهم يعتذرون، حتى ينتهوا إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم، فيقول: "أنا لها، أنا لها" ثمّ يخر ساجداً بين يدي ربه عزّ وجل، ويفتح الله عليه بمحامد، فلا يزال ساجداً حتى يقال له: "يا محمَّد ارفع رأسك، وسَلْ تعط، واشفع تشفّع"، هذا فيه أن الرسول لا يشفع ابتداءً، وإنما يشفع بعد الاستئذان، بعد أن يخر ساجداً لله، ولا يشفع إلاّ بعد أن يؤذن له، ويقال: اشفع تشفّع، ثمّ يشفع في أهل الموقف، فيحاسبون، ثمّ ينصرفون من الموقف إما إلى الجنة وإما إلى النار.
هذه الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود الذي قال تعالى فيه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}، لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون -عليه الصلاة والسلام-، وهذه لم يخالف فيها أحد وحقيقتها أن الخلائق يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم بأن يريحهم من الموقف الطويل.
النوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة في أن يدّخلوا الجنة.
النوع الثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في بعض أهل الجنة في رفعة درجاتهم في الجنة.
النوع الرابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمّه أبي طالب، وذلك أن أبا طالب كانت مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأييده له، وحمايته من أذى قومه، كلها معروفة، وأنه صبر معه على الأذى وعلى الحصار والضيّق، فهو بذل مع الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً عظيماً من الحماية والنُّصرة والدفاع عنه، وهذا من تسخير الله سبحانه وتعالى، وتيسير الله، حيث سخّر هذا الكافر لحماية النبي صلى الله عليه وسلم، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايته، ودخوله في الإسلام، حتى إنه زاره وهو يُحتضر، وقال له: "يا عم، قل: لا إله إلاّ الله، كلمة أحاج لك بها عند الله" إلاّ أنه كان عنده حَضْرة من المشركين قالوا له: أترغب عن مِلّة عبد المطلب؟. فأخذته النّخوة- والعياذ بالله-، والحَمِيَّة الجاهلية وقال: هو على ملّة عبد المطلب، ومات ولم يقل لا إله إلاّ الله، فصار من أهل النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم
يشفع له في تخفيف العذاب عنه يوم القيامة، لا في إخراجه من النار، فلا يتعارض هذا مع قوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ(48)}، لأنها لم تنفع أبا طالب بالخروج من النار، وإنما نفعته في تخفيف العذاب عنه.
النوع الخامس: الشفاعة فيمن استحق النار من أهل التّوحيد أن لا يدخلها.
النوع السادس: الشفاعة فيمن دخل النار من أهل التّوحيد أن يخرج منها، وهاتان الشفاعتان الأخيرتان ليستا خاصتين بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل هما عامتان في الأنبياء والأولياء، والصالحين، والأفراط. فالأولياء يشفعون، والصالحون، والأفراط- وهم الأولاد الصغار- يشفعون لآبائهم.
وهذه الشفاعة يثبتها أهل السنّة والجماعة للأحاديث الواردة الصحيحة فيها، ويخالف فيها المبتدعة من المعتزلة، والخوارج الذين يقولون إن من دخل النار لا يخرج منها، ويخالفون بذلك الأحاديث الصحيحة الواردة فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذه أنواع الشفاعات الثابتة الصحيحة التي توفر فيها الشرطان المذكوران.
وأمر الشفاعة أمر عظيم، لأنه غلط فيها أمم من النّاس قديماً وحديثاً، وفهموها على غير المقصود، فجمهور المشركين- أو كل المشركين- فهموها على غير المقصود، وبعض المبتدعة من المسلمين أنكروا بعضها، فحصل الغلط، فلابد من التفصيل والإيضاح في أمر الشفاعة، لأنها أصبحت مزلة أقدام، يجب على طلبة العلم أن يهتموا بهذا الأمر، لأن فيها مغالطات عند القبوريين والخرافيين، لأنهم لا يفقهون معنى الشفاعة، أو أنهم يتعمّدون المعاندة والمخالفة، ويصرون على ما كان عليه آباؤهم وأجدادهم ومشايخهم من الضلال في هذا الباب.
فالشفاعة ليست منفية مطلقة، ولا مثبتة مطلقة، بل فيها تفصيل، وفيها إيضاح لابد من معرفته، ولذلك عقد المصنف رحمه الله هذا الباب لها من أجل هذا الغرض.

12d8c7a34f47c2e9d3==