المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة يونس صلى الله عليه وسلم


كيف حالك ؟

البلوشي
05-17-2006, 06:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة يونس صلى الله عليه وسلم
وهو من أنبياء بني إسرائيل العظام ، بعثه الله إلى أهل نينوى - من أرض الموصل - فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا عليه ، ثم كرر عليهم الدعوة فأبوا ، فوعدهم العذاب وخرج من بين أظهرهم ، ولم يصبر الصبر الذي ينبغي ، ولكنه أَبَقَ مغاضبا لهم ، وهم لما ذهب نبيهم ألقي في قلوبهم التوبة إلى الله والإنابة بعدما شاهدوا مقدمات العذاب ، فكشف الله عنهم العذاب .
والظاهر أن يونس علم انكشاف العذاب عنهم ، واستمر في ذهابه عنهم ، ولهذا قال تعالى :
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا [الأنبياء : 87] .
وقال تعالى : إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [الصافات : 140] .
فركب في سفينة موقرة من الركاب والأحمال ، فلما توسطوا البحر شارفت على الغرق ، ودار الأمر بين أن يبقوا جميعا فيها فيهلكوا ، وبين أن يلقوا بعضهم بمقدار ما تخف السفينة فيسلم الباقون ، فاختاروا الأخير لعدلهم وتوفيقهم ، فاقترعوا فأصابت القرعة أناسا منهم ، ومنهم يونس صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال :
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات : 141] .
أي : المغلوبين في القرعة ، فألقوا فابتلعه حوت في البحر ابتلاعا ، لم يكسر له عظما ، ولم يمضغ له لحما .
فلما صار في جوف الحوت في تلك الظلمات نادى :
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء : 87] .
فأمر الله الحوت أن تلقيه بالعراء ، فخرج من بطنها كالفرخ الممعوط من البيضة في غاية الضعف والوهن ، فلطف الله به ، وأنبت عليه شجرة من يقطين ، فأظلته بظلها الظليل حتى قوي واشتد ، وأمره الله أن يرجع إلى قومه فيعلمهم ويدعوهم ، فاستجاب له أهل بلده مائة ألف أو يزيدون ، فآمنوا فمتعناهم إلى حين .
وفي هذه القصة عتاب الله ليونس صلى الله عليه وسلم اللطيف ، وحبسه في بطن الحوت ؛ ليكون كفارة وآية عظيمة وكرامة ليونس ، ومن نعمة الله عليه أنه استجاب له هذا العدد الكثير من قومه ، فكثرة أتباع الأنبياء من جملة فضائلهم .
وفيها استعمال القرعة عند الاشتباه في مسائل الاستحقاق والحرمان إذا لم يكن مرجح سواها ، وفي عمل أهل السفينة هذا العمل دليل على القاعدة المشهورة أنه يرتكب أخف الضررين لدفع الضرر الذي هو أكبر منه ، ولا ريب أن إلقاء بعضهم وإن كان فيه ضرر ، فعطب الجميع إذا لم يلق أحد أعظم .
وفيها أن العبد إذا كانت له مقدمة خاصة مع ربه وقد تعرف إلى ربه في حال الرخاء ، أن الله يشكر له ذلك ، ويعرفه في حال الشدة بكشفها بالكلية أو تخفيفها ، ولهذا قال في قصة يونس :
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات : 143 و 144] .
وفيها ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله عنه : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
وفيها أن الإيمان ينجي من الأهوال والشدائد لقوله تعالى :
وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء : 88] .
أي : إذا وقعوا فيها لإيمانهم .
منقول من كتاب تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام العلامةعبدالرحمن السعدي رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==