المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقعة بدر الكبرى يوم الفرقان


كيف حالك ؟

البلوشي
05-09-2006, 06:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
فلما كان في رمضان : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع أبي سفيان ، فيها أموال قريش . فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها ، فخرج مسرعاً في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان : فرس للزبير ، وفرس للمقداد بن الأسود ، وكان معهم سبعون بعيراً، يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، واستخلف على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم .
فلما كان بالروحاء : رد أبا لبابة بن عبد المنذر ، واستعمله على المدينة .
ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، والراية إلى علي ، وراية الأنصار إلى سعد بن معاذ .
ولما قرب من الصفراء ، بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء إلى بدر يتجسسان أخبار العير .
وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، وبعثه حثيثاً إلى مكة ، مستصرخاً قريشاً بالنفير إلى عيرهم ، فنهضوا مسرعين . ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب . فإنه عوض عنه رجلاً بجعل . وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب . ولم يتخلف عنهم من بطون قريش إلا بني عدي ، فلم يشهدها منهم أحد . وخرجوا من ديارهم ، كما قال تعالى : " بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله " ، فجمعهم الله على غير ميعاد ، كما قال تعالى : " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " .
ولما بلغ رسول الله خروج قريش ، استشار أصحابه ، فتكلم المهاجرون ، فأحسنوا .
ثم استشارهم ثانياً ، فتكلم المهاجرون فأحسنوا . ثم ثالثاً ، ففهمت الأنصار : أن رسول الله إنما يعنيهم ، فقال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله ! -وكان إنما يعنيهم ، لأنهم بايعوه على أن يمنعوه في ديارهم- وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليهم : أن لا ينصروك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار ، وأجيب عنهم . فأمض بنا حيث شئت ، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت . وأعطنا منها ما شئت ، وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت . فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك .
وقال المقداد بن الأسود : إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ، ولكن نقاتل من بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك .
فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع منهم ، "وقال : سيروا وأبشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين. وإني قد رأيت مصارع القوم" .
وكره بعض الصحابة لقاء النفير ، وقالوا : لم نستعد لهم ، فهو قوله تعالى : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " إلى قوله : " ولو كره المجرمون " .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر .
وخفض أبو سفيان ، فلحق بساحل البحر . وكتب إلى قريش : أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ، فأتاهم الخبر ، فهموا بالرجوع ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدراً ، فنقيم بها ، نطعم من حضرنا ونسقي الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا تزال تهابنا أبداً وتخافنا .
فأشار الأخنس بن شريق عليهم بالرجوع ، فلم يفعلوا . فرجع هو وبنو زهرة . فلم يزل الأخنس في بني زهرة مطاعاً بعدها .
وأرادت بنو هاشم الرجوع ، فقال أبو جهل : لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع ، فساروا ، إلا طالب بن أبي طالب ، فرجع .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر ، فقال الحباب بن المنذر: إن رأيت أن نسير إلى قلب -قد عرفناها- كثيرة الماء عذبة ، فننزل عليها . وتغور ما سواها من المياه ؟ وأنزل الله تلك الليلة مطراً واحداً ، صلب الرمل ، وثبت الأقدام ، وربط على قلوبهم .
ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة وجعل يشير بيده ، ويقول : هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان إن شاء الله ، فما تعدى أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم .
فلما طلع المشركون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها ، جاءت تحادك ، وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني . اللهم أحنهم الغداة ، وقام ورفع يديه ، واستنصر ربه ، وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه . وقال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إني أنشدك عهدك ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد، فالتزمه أبو بكر الصديق من ورائه ، وقال : حسبك مناشدتك ربك ، يا رسول الله ! فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك . واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فأوحى الله إلى الملائكة : " أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " ، وأوحى الله إلى رسوله : " أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " ، بكسر الدال وفتحها ، قيل : إردافاً لكم ، وقيل : يردف بعضهم بعضاً ، لم يجيئوا دفعة واحدة .
فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها ، وقلل الله المسلمين في أعينهم ، حتى قال أبو جهل -لما أشار عتبة بن ربيعة بالرجوع، خوفاً على قريش من التفرق والقطيعة ، إذا قتلوا أقاربهم- إن ذلك ليس به ولكنه -يعني عتبة- عرف أن محمداً وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه ، فقد تخوفكم عليه .
وقلل المشركين أيضاً في أعين المسلمين ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً .
وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي -أخا عمرو بن الحضرمي- أن يطلب دم أخيه ، فصاح ، وكشف عن استه يصرخ : واعمراه ، واعمراه ، فحمي القوم . ونشبت الحرب .
وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ، ثم انصرف وغفا غفوة ، وأخذ المسلمين النعاس وأبو بكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسه ، وعنده سعد بن معاذ ، وجماعة من الأنصار على باب العريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، ويتلو هذه الآية : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " .
ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين ، فتناولوهم قتلاً وأسراً ، فقتلوا سبعين ، وأسروا سبعين .
وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة : يطلبون المبارزة ، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار ، فقالوا : أكفاء كرام ، ما لنا ما بكم من حاجة ، إنما نريد من بني عمنا . فبرز إليهم حمزة ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقتل علي قرنه الوليد ، وقتل حمزة قرنه شيبة . واختلف عبيدة وعتبة ضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه . فكر حمزة وعلي على قرن عبيدة فقتلاه ، واحتملا عبيدة ، قد قطعت رجله ، فقال : لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أولى منه بقوله :
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ومات بالصفراء ، وفيهم نزلت : " هذان خصمان اختصموا في ربهم " الآية ، فكان علي رضي الله عنه يقول : "أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عز وجل يوم القيامة" .
ولما عزمت قريش على الخروج : ذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك، فقال: " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم " ، فلما تعبؤوا للقتال ، ورأى الملائكة : فر ونكص على عقبيه ، فقالوا : إلى أين يا سراقة !؟ فقال : " إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب " .
وظن المنافقون ، ومن في قلبه مرض : أن الغلبة بالكثرة ، فقالوا : " غر هؤلاء دينهم " ، فأخبر الله سبحانه : أن النصر إنما هو بالتوكل على الله وحده .
ولما دنا العدو : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوعظ الناس ، وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر ، وأن الله قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيله . فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح تمرات من قرنه يأكلهن ، ثم قال : "لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة" ، فرمى بهن ، وقاتل حتى قتل ، فكان أول قتيل .
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه تراباً ، فرمى به في وجوه القوم. فلم تترك رجلاً إلا ملأت عينيه ، فهو قوله تعالى: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " .
واستفتح أبو جهل ، فقال : اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة .
ولما وضع المسلمون أيديهم في العدو -يقتلون ويأسرون- وسعد بن معاذ واقف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من الأنصار في العريش -رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهية ، فقال : كأنك تكره ما يصنع الناس ، قال : أجل والله يا رسول الله ! كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين ، وكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال .
ولما بردت الحرب ، وانهزم العدو ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟ ، فانطلق ابن مسعود ، فوجده قد ضربه معوذ وعوف -ابنا عفراء- حتى برد ، فأخذ بلحيته ، فقال : أنت أبو جهل ؟ فقال : لمن الدائرة اليوم ؟ قال : لله ورسوله ، ثم قال له : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : وهل فوق رجل قتله قومه ؟ فاحتز رأسه عبد الله بن مسعود . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : قتلته ، آلله الذي لا إله إلا هو ؟ -ثلاثاً- ثم قال : "الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ، انطلق فأرنيه ، فانطلقنا ، فأريته إياه ، فلما وقف عليه ، قال : هذا فرعون هذه الأمة" .
وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف ، وابنه علياً . فأبصره بلال -وكان أمية يعذبه بمكة- فقال : رأس الكفر أمية ؟ لا نجوت إن نجا . ثم استحمى جماعة من الأنصار ، واشتد عبد الرحمن بهما ، يحجزهما منهم ، فأدركوهم . فشغلهم عن أمية بابنه علي ، ففرغوا منه ، ثم لحقوهما ، فقال له عبد الرحمن : ابرك . فبرك ، وألقى عليه عبد الرحمن بنفسه . فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه ، وأصاب بعض السيوف رجل عبد الرحمن .
وكان أمية قد قال قبل ذاك : من المعلم في صدره بريش النعام ؟ فقال له : ذاك حمزة بن عبد المطلب ، قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل .
وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطب ، فلما أخذه وهزه : عاد في يده سيفاً طويلاً ، فلم يزل يقاتل به حتى قتل يوم الردة .
ولما انقضت الحرب : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى ، فقال : بئس عشيرة النبي كنتم ، كذبتموني ، وصدقني الناس . وخذلتموني ، ونصرني الناس . وأخرجتموني وآواني الناس .
ثم أمر بهم فسحبوا حتى ألقوا في القليب -قليب بدر- ثم وقف عليهم ، فقال : "يا عتبة بن ربيعة ! ويا شيبة بن ربيعة ! ويا فلانة ، ويا فلان : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فقال عمر : يا رسول الله ! ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟ فقال : ما أنت بأسمع لما أقول منهم [ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا]" .
ثم ارتحل مؤيداً منصوراً ، قرير العين ، معه الأسرى والمغانم .
فلما كان بالصفراء : قسم الغنائم ، وضرب عنق النضر بن الحارث .
ثم لما نزل بعرق الظبية ، ضرب عنق عقبة بن أبي معيط .
ثم دخل المدينة مؤيداً منصوراً ، قد خافه كل عدو له بالمدينة .
فأسلم بشر كثير من أهل المدينة ، ودخل عبد الله بن أبي رأس المنافقين وأصحابه في الإسلام .
وجملة من حضر بدراً : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، واستشهد منهم أربعة عشر رجلاً .
قال ابن إسحاق : كان أناس قد أسلموا ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسهم أهلهم بمكة ، وفتنوهم فافتتنوا ، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر ، فأصيبوا فأنزل الله فيهم :" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " .
منقول من كتاب {بداية سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)}للشيخ الاسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله

الناصر
05-09-2006, 07:52 PM
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

12d8c7a34f47c2e9d3==