المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الشرك النذر لغير الله والدليل على أن النذر عبادة


كيف حالك ؟

قاسم علي
05-03-2006, 05:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه العظيم التوحيد {من الشرك النذر لغير الله وقول الله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) وقوله (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ)
وفي (الصحيح) عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).
فيه مسائل:
الأولى: وجوب الوفاء بالنذر.
الثانية: إذا ثبت كونه عبادة لله فصرفه إلى غيره شرك.
الثالثة: أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
قال الشيخ العلامة الإمام صالح الفوزان حفظه الله {وإذا كان كذلك فهو من أنواع العبادة، لأن العبادة كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة"، فكل أنواع الطاعات التي أمر الله بها، أو أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم ومنها الوفاء بالنذر عبادة، فمن صرف شيئاً من هذه الأنواع لغير الله صار مشركاً الشرك الأكبر الذي يُخرجه من المَلَّة.
والشيخ رحمه الله في هذه الأبواب إنما يحكي أنواعاً تقع من بعض الناس وهي من الشرك، يريد أن يحذر المسلمين منها، ومن ذلك: النذر لغير الله من الجن، أو الأولياء والصالحين، أو أصحاب القبور، وهذا عبادة لغير الله عزّ وجلّ فهو شرك، وهذا واقع في هذه الأمة بكثرة، من حين وُجدت الأضرحة، وبُنيت على القبور، وصار كثير من الناس يتجهون إليها، لأنهم قيل لهم: إن هذه القبور فيها بركة، وفيها نفع، وفيها دفع ضرر، وإنها مجرَّبة، فمن نذر للقبر الفلاني، أو للشيخ الفلاني، فإنه يحصل له مقصوده، إن كان مريضاً يُشفى، وإن كانت امرأة تريد الحمل فإنها إذا نذرت للشيخ الفلاني أو للقبر الفلاني تحمل، وإذا حصل بالناس تأخر مطر ونذروا لهذه القبور نزل المطر، إلى غير ذلك من المُغْريات.
وقد يفعلون هذا ويحصل لهم مقصودهم ابتلاءً وامتحاناً من الله سبحانه وتعالى، أو أن هذا يصادف قضاءً وقدراً فيحصل، ويظنوا أنه بسبب النذر لهذا الميت أو لهذا القبر أو هذا الوليّ- بزعمهم-.
وحصول المقصود لا يدل على جواز الفعل، فيجب أن يُتنبّه لهذه الشبهة، لأنهم أهلكوا بها كثيراً من الناس، يقولون: القبر الفلاني مجرَّب، إذا فعل الإنسان عنده نذراً أو ذبح ذبيحة يحصل له مقصوده، فبذلك انصرفت قلوب كثير من العوام والجُهَّال، أو حتى بعض من العلماء غير المحقِّقين إلى فعل هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين"، فالخطر شديد من هذه الأمور، لأنها كثُرت في الأمة، بسبب وجود هذه الأوثان التي يسمونها الأضرحة: ضريح السِتِّ نفيسة، ضريح البدوي، ضريح لفلان، صُرفت لها العبادات، من نذور، وذبح لغير الله، وتبرّك بها، وطواف بها، ودعاء عندها، إلى غير ذلك، أو استغاثة بها من دون الله عزّ وجلّ، يدعونها: المدد يا فلان، المدد يا سيّدي فلان، أو يا رسول الله، أو يا عليّ، أو يا أي شخص ينادونه، حتى في حالة الشدائد التي كان المشركون الأولون يُخلصون فيها الدعاء لله، هؤلاء كلما اشتد بهم الكَرْب زاد شركهم، فصاروا يستغيثون بالأولياء، فالسفينة- أو المركب- إذا كرق في البحر- أو أشفى على الغرق- صاروا ينادون عليًّا، أو فلاناً، أو فلاناً؛ أدركنا، المدد يا فلان، ولا يقولون: يا الله، مع أن المشركين الأوّلين إذا مسّهم الضر في البحر ضل من يدعون إلاَّ الله سبحانه وتعالى، فينادون الله، ويُخلصون له الدين، فإذا أنجاهم إلى البر عادوا إلى الشرك .
والنذر على قسمين. نذر طاعة، ونذر معصية.
فنذر الطاعة مثل: الاعتكاف في المسجد الحرام، أو الصلاة في المسجد الحرام، أو المسجد الأقصى، أو المسجد النبوي أو غيرها من المساجد ينذر أن يصلي في أحد المساجد الثلاثة، ويسافر إليه من أجل ذلك، هذا نذر طاعة، وهو في الأصل غير واجب، لكن لما نذره وجب عليه بنذره، والدخول في النذر ابتداءً غير مرغّب فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، قال: "لا تنذروا، فإن النذر لا يأتي
وقوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ}.
بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل"، وذلك لأن الإنسان في سَعَة في أمور الطاعة غير الواجبة، إن شاء فعلها وله أجر، وإن شاء تركها ولا حرج عليه، والله لا يحب لنا أن نكلف أنفسنا شيئاً لم يوجبه علينا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وإدخال الإنسان نفسه في نذر غير واجب عليه في الأصل، قد يعجز، وقد يشق عليه، وعلى هذا تُنزَّل الأدلة التي تمدح الذين يوفون بالنذر، قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} هذا مدح لهم، بعد أن ينذروا، ليس مدحاً للدخول في النذر، وإنما هو مدح للوفاء به بعد لزومه، فالإنسان إذا التزم شيئاً لله من الطاعة وجب عليه الوفاء، قال صلى الله عليه وسلم: "اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء".
ونذر الطاعة دَين في ذمة المسلم؛ يجب عليه الوفاء به، ومن هنا مدحهم الله.
فوجه الاستدلال من الآية الكريمة على أن النذر لغير الله شرك: لأنها دلّت على أن النذر عبادة، لأن الله مدح الموفين به، وإذا كان عبادة فصرفه لغير الله شرك.

12d8c7a34f47c2e9d3==