المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة لوط عليه السلام


كيف حالك ؟

البلوشي
04-30-2006, 08:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وقصة لوط عليه السلام تبع لقصة إبراهيم ، لأنه تلميذه وقد تعلم من إبراهيم ، وكان له بمنزلة الابن ، فنبأه الله بحياة الخليل ، وأرسله إلى قرى سدوم من غور فلسطين ، وكانوا مع شركهم بالله يلوطون بالذكور ، ولم يسبقهم أحد إلى هذه الفاحشة الشنعاء ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده ، وحذرهم من هذه الفاحشة ، فلم يزدادوا إلا عتوا وتماديا فيما هم فيه ، ولما أراد الله هلاكهم أرسل الملائكة لذلك ، فمروا بطريقهم على إبراهيم وأخبروه بذلك ، فجعل إبراهيم يجادل في إهلاكهم - وكان رحيما حليما - وقال :
إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ [العنكبوت : 32] .
فقيل : يا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [هود : 76] .
ولما ذهب الملائكة إلى لوط بصورة أضياف آدميين شباب ساء لوطا ذلك وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [هود : 77] .
لعلمه بما عليه قومه من هذه الجراءة الشنيعة ، ووقع ما خاف منه ، فجاءه قومه يهرعون إليه يريدون فعل الفاحشة بأضياف لوط ، فقال : يا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود : 78] .
لعلمه أنه لا حق لهم فيهن ، كما عرض سليمان للمرأتين حين اختصمتا في الولد فقال : ائتوني بالسكين أشقه بينكما ، ومن المعلوم أنه لا يقع ذلك ، وهذا مثله ، ولهذا قال قومه :
لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود : 79] .
وأيضا يريد بعض العذر من أضيافه ، وعلى هذا التأويل لا حاجة إلى العدول إلى قول بعض المفسرين هَؤُلَاءِ بَنَاتِي يعني : زوجاتهم ، يعني : لأن النبي أب لأمته ، فإن هذا يمنعه أمران :
أحدهما : قوله : هَؤُلَاءِ بَنَاتِي يشير إليهن إشارة الحاضر .
ثانيا : هذا الإطلاق على زوجاتهم لا نظير له ، وأيضا النبي إنما هو بمنزلة الأب للمؤمنين به ، لا للكفار ، والمحذور الذي توهموه يزول بما ذكرنا ، وأنه يعلم أنه لا حق لهم فيهن ، وإنما يريد مدافعتهم بكل طريق ، فاشتد الأمر بلوط وقال :
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود : 80] .
أي : لدافعتكم ، فلما رآهم جازمين على مرادهم الخبيث قال لقومه : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود : 78] .
فاستلجوا في طغيانهم وسكرهم ، فحينئذ أخبرته ملائكة الرحمن بأمرهم ، وأنهم أرسلوا لإهلاكهم ، فصدم جبريل أو غيره من الملائكة الذين يعالجون الباب ليدخلوا على لوط فطمس بهذه الصدمة أعينهم ، فكان هذا عذابا معجلا وأنموذجا لمن باشروا مراودة لوط على أضيافه ، وأمروا لوطا أن يسري بأول الليل بأهله ويلح في السير حتى يخلف ديارهم ، وينجو من معرة العذاب ، فخرج بهم فما أصبح الصباح حتى خلفوا ديارهم ، وقلب الله عليهم ديارهم ، فجعل أعلاها أسفلها ، وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك ، وما هي من الظالمين الذين يعملون عملهم ببعيد .
وفي هذه القصة أكبر دليل على أن فاحشة اللواط من أشنع القبائح ، وأنها توجب العقاب الشديد ، وأن من ابتلي بهذه الفاحشة فمع ذهاب دينه قد انقلب عليه الحسن بالقبيح ، فاستحسن ما كان قبيحا ، ونفر من الطيب ، وذلك دليل على انحراف الأخلاق .
وفيها وفي قصة إبراهيم ، جواز التعريض ، أما قصة إبراهيم ففي قوله : فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات : 88 و 89] .
وأما لوط ففي قوله : هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ والتعريض يكون في الأقوال ، ويكون في الأفعال ، وهو أن يقصد المتكلم أو العامل لعمل أمرا من الأمور التي لا بأس بها ، ويوهم السامع والرائي أمرا آخر ؛ ليستجلب منفعة ، أو يدفع مضرة .
ومنها : أن من علامة الرجل الرشيد أنه هو المسدد في أقواله وأفعاله ، ومن ذلك أنه ينصر المظلومين ، ويفرج الكرب عن المكروبين ، ويأمر بالخير ، وينهى عن الشر ، هذا هو الرشيد حقيقة ، فلهذا قال لوط : أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ؟ أي : فيأمر بمعروف ، وينهى عن منكر ، ويدفع أهل الشر والبغي .
ومنها : الحث على السعي في الأعوان على أمور الخير ودفع الشر ، ولو كان المعاون على ذلك من أهل الشر ، فإن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم عند الله ، ولهذا قال لوط : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، وأكثر الأنبياء يبعثهم الله في أشراف قومهم ، ويحصل بذلك من تأييد الحق وقمع الباطل ، والتمكن من الدعوة ما لا يحصل لو لم يكن كذلك ، واعتبر هذا بحال شعيب وقول قومه له :
وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [هود : 91] وكذلك نبينا محمد بعث في أشرف بيت في قريش وأعزه ، وقد رماه قومه بالعداوة البليغة ، وعقدوا المجالس المتعددة في إبطال قوله ودينه ، بل وفي كيفية الفتك به ، ومن الأسباب التي أوقفتهم عند حدهم خوفهم من قبيلته ، وانظر إلى حالته في تضييقهم عليه بالشعب ، وانحياز قبيلته معهم - مسلمهم وكافرهم - ولم يخطر ببالهم أنهم يصلون إلى الفتك بشخصه الكريم حتى مكروا ذلك المكر العظيم ، إذ اتفق رأيهم على أن ينتدب لقتله من كل قبيلة رجل ليتفرق دمه في القبائل ، فيعجز قومه عن الأخذ بثأره ، ولكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .

منقول من كتاب تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام العلامةعبدالرحمن السعدي رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==