المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث حول الحديث الصحيح


كيف حالك ؟

أبوقدامة
04-27-2006, 07:22 PM
المقصود من علم الحديث وشرفه:
أما المقصود من علم الحديث فقد بينه الإمام النووي – رحمه الله تعالى – أتم البيان في شرح خطبة مسلم حيث يقول:"إن المراد من علم الحديث تحقيق معاني المتون ،وتحقيق علم الإسناد والمعلل، والعلة عبارة عن معنى في الحديث خفي يقتضي ضعف الحديث ، مع أن ظاهره السلامة منها ، وتكون العلة تارة في المتن وتارة والإسناد ، وليس المراد من هذا العلم مجرد السماع ولا الإسماع ولا الكتابة ، بل الاعتناء بتحقيقه، والبحث عن خفي معاني المتون و الأسانيد والفكر في ذلك ودوام الاعتناء به ، ومراجعة أهل المعرفة به ، ومطالعة كتب أهل التحقيق فيه ، تقييد ما حصل من نفائسه وغيرها ، فيحفظها الطالب بقلبه ، ويقيدها بالكتابة ، ثم يديم مطالعة ما كتبه ، ويتحرى التحقيق فيما يكتبه ويتثبت فيه ، فإنه فيما بعد ذلك يصير معتمدا عليه ، ويذاكر بمحفوظاته من ذلك من يشتغل بهذا الفن ، سواء كان مثله في المرتبة أو فوقه أو تحته ، فإن بالمذاكرة يثبت المحفوظ ويتحرر، ويتأكد ويتقرر، ويزداد بحسب كثرة المذاكرة ، ومذاكرة حاذق في الفن ساعة ، أنفع من المطالعة والحفظ ساعات ، بل أياما ، وليكن في مذاكرته متحريا الإنصاف قاصدا الاستفادة والإفادة ، غير مترفع على صاحبه بقلبه ولا بكلامه ولا بغير ذلك من حاله ، مخاطبا له بالعبارة الجميلة اللينة ، فبهذا ينمو علمه وتزكو محفوظاته ، والله أعلم"
أما من حيث شرف هذا العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في موعظته التي وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون »أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ضلالة « ،رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال :حديث حسن .
وقال الإمام النووي أيضا: "إن من أهم العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات ، أعنى معرفة متونها ، صحيحها وحسنها وضعيفها وبقية أنواعها المعروفات ...". وقال العلامة الشهاب أحمد المنيني الدمشقي الحنفي في القول السديد :" إن علم الحديث علم رفيع القدر ، عظيم الفخر، شريف الذكر لا يعتني به إلا كل حبر ولا يحرمه إلا كل غمر ، ولا تفنى محاسنه على ممر الدهر ..." . وقال الإمام أبو الطيب السيد صديق خان الحسيني الأثري - عليه رحمة الله تعالى – في كتابه الخطة :"اعلم أن آنف العلوم الشرعية ومفتاحها ومشكاة الأدلة السمعية ومصباحها ، وعمدة المناهج اليقينية ورأسها ، ومبنى شرائع الإسلام وأساسها ، ومستند الروايات الفقهية كلها و مآخذ الفنون الدينية دقها وجلها وأسوة جملة الأحكام وأسها وقاعدة جميع العقائد وأسطقسها ، وسماء العبادات وقطب مدارها ومركز ا لمعاملات ومحط حارها وقارها، هو علم الحديث الشريف الذي تعرف به جوامع الكلم..."
بيان أن الحديث من الوحي:
عن المقدام ابن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله « رواه أبو داود والدار مي وابن ماجه .
قال أبو البقاء في كلياته :"والحاصل أن القرآن والحديث يتحدان في كونهما وحيا منزلا من عند الله ، بدليل ﴿إن هو إلا وحي يوحى ﴾ النجم{4}، إلا أنهما يتفا رقان من حيث أن القرآن هو المنزل للإعجاز والتحدي به بخلاف الحديث ، وإن ألفاظ القرآن مكتوبة في اللوح المحفوظ وليس لجبريل –عليه السلام – ولا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصرف فيها أصلا ..."


فضل راوي الحديث :
إن لراوي الحديث مكانة عالية مرموقة حيث أنه داخل تحت دعوته صلى الله عليه وسلم : »نضر الله امرءا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها « رواه الشافعي والبيهقي عن ابن مسعود .
وقال سفيان ابن عيينة :" ليس من أهل الحديث أحد إلا وفي وجهه نضرة لهذا الحديث ".
وقال صلى الله عليه وسلم: »اللهم ارحم خلفائي ، قيل: ومن خلفاؤك ؟، قال : الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها الناس « . رواه الطبراني وغيره.
وكان الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى- يقول :"لولا أهل المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر".
بيان المجموع من أنواعه:
فقد قال الشيخ محمد جمال الدين القاسمي :"اعلم أن أئمة المصطلح سردوا في مألفاتهم من أنواعه ما أمكن تقريبه ، وجملة ما ذكره النووي والسيوطي في التدريب خمس و ستون نوعا ، وقال ذلك بآخر الممكن في ذلك ، فإنه قابل للتنويع إلى مالا يحصى ، إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم ولا أحوال متون الحديث وصفاته ، وقال الحازمي في كتاب العجالة :" علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تعد مئة كل منها علم مستقل ". ومع ذلك فأنواع الحديث لا تخرج عن ثلاث: حسن صحيح ، وحسن ، وضعيف. لأنه إن اشتمل من أوصاف القبول على أعلاها فالصحيح، وعلى أدناها فالحسن أولم يشتمل على شيء منها فالضعيف.
الفصل الأول : ما يتعلق بالحديث الصحيح .
المبحث الأول :تعريف الحديث الصحيح وأقسامه
فقد عرف ابن الصلاح الحديث الصحيح بأنه :" الحديث المسند الذي بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولم يكن شاذا ولا معللا ".
وعرفه ابن كثير تعريفا أفصح فيه عن المنتهى المراد في كلام ابن الصلاح فبين" أنه الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو إلى منتهاه من صحابي أومن حوله ، ولا يكون شاذا ولا مردودا ولا معللا بعلة قادحة"
وقد نقل الشيخ جمال الدين عن أئمة الفن هذا التعريف الجامع فقال :" الصحيح ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ، وسلم عن شذوذ وعلة ، ونعني بالمتصل ما لم يكن مقطوعا بأي وجه كان، فخرج المنقطع والمعضل والمرسل على رأي من لا يقبله ، وبالعدل من لم يكن مستور العدالة ولا مجروحا ، فخرج ما نقله مجهول عينا أوحالا أو معروف بالضعف والضابط من يكون حافظا متيقظا فخرج ما نقله مغفل كثير الخطأ ، وبالشذوذ ما يرويه الثقة مخا لفا لرواية الناس ، وبالعلة مافيه أسباب خفية قادحة ، فخرج الشاذ والمعلل .
أما أقسامه فقد قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى- :" الصحيح أقسام : أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ، ثم ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم ، ثم ماكان على شرطهما وإن لم يخرجاه ، ثم على شرط البخاري ، ثم على شرط مسلم ، ثم ما صححه غيرهما من الأئمة ، فهذه سبعة أقسام ".
المبحث الثاني: مراتب الصحيح:
قال جمال الدين : " تتفاوت رتب الصحيح بسبب تفاوت الأوصاف المقتضية للتصحيح في القوة ، فإنها لما كانت مفيدة لغلبة الظن الذي عليه مدار الصحة ، اقتضت أن يكون لها درجات بعضها فوق بعض ، بحسب الأمور المقوية ، وإذا كان كذلك فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات التي توجب الترجيح ، كان أصح مما دونه ، فمن المرتبة العليا في ذلك ما أطلق عليه بعض الأئمة أنه أصح الأسانيد ".
وقال ابن الصلاح في فوائده :" الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ، ومختلف فيه ، كما سبق ذكره، ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ، ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصى إحصاؤها على العاد الحاصر".
المبحث الثالث:الثمرات المجتباة من شجرة الحديث الصحيح ( كما في كتاب قواعد التحديث )
وقد نقلت هذه الثمرات الهامة والمفيدة بشيء من الاختصار .
أما الثمرة الأولى :فإن صحة الحديث توجب القطع به ، كما اختاره ابن الصلاح في الصحيحين وجزم بأنه هو القول الصحيح . وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة :" والخبر المتحف بالقرائن أنواع : منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ حد التواتر، فإنه احتفت به قرائن منها: جلا لتهما في هذا الشأن ، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما ، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول ، إلا أن هذا يختص بما لم ينقضه أحد من الحفاظ مما في الكتابين وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما وقع في الكتابين ، حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر ، وماعدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته . وبذلك نلخص إلى أن صحة الحديث التي توجب القطع به ثلاثة مذاهب :
الأول : إيجابها ذلك مطلقا ، ولو لم يخرجه الشيخان ، وهو ما قاله ابن طاهر والمقدسي .
الثاني : إيجابها ذلك فيما روياه ، أو أحدهما وهو ما اعتمده ابن الصلاح وغيره .
الثالث : إيجابها ذلك في الصحيحين ، وفي المشهور، وفي المسلسل بالأئمة ، وهو ما اعتمده ابن حجر كما بينا .
الثمرة الثانية: قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة :" اتفق العلماء على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجه الشيخان "
الثمرة الثالثة: في حصول المأمول من علم الأصول ما نصه :" اعلم أنه لا يضر الخبر الصحيح عمل أكثر الأئمة بخلافه لأن قول الأكثرية ليس بحجة وكذا عمل أهل المدينة بخلافه ، خلافا لمالك وأتباعه ، لأنهم بعض الأئمة ، ولجواز أنهم لم يبلغهم الخبر" .
الثمرة الرابعة : قال الإمام شمس الدين ابن القيم الدمشقي في كتاب الروح :" أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده ، من غير غلو ولا تقصير فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يقصر به عن مراده و ما قصده من الهدى والبيان . وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد ، فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده وسوء القصد من التابع ، في محنة الدين وأهله ، والله المستعان.

الثمرة الخامسة: قال الشافعي –رحمه الله تعالى – في رسالته :" ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق"
الثمرة السادسة: قال علم الدين الفلاني في ( إيقاظ الهمم ) نقلا عن الإمام السندي الحنفي ما ملخصه : " أنه يجب على من وصله نص صريح وصحيح من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمل به حسب فهمه مجتهدا كان أولا وهذا ظاهر قوله تعالى: ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ الحشر7
الثمرة السابعة: قال ابن السمعاني :" متى ثبت الخبر ، صار أصلا من الأصول لا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر ، لأنه إن وافقه فذاك ، وإن خالفه لم يجز رد أحدهما لأنه رد للخبر بالقياس ، وهو مردود بالاتفاق ، فإن السنة مقدمة على القياس.
الثمرة الثامنة: لا يضر صحة الحديث تفرد الصحابي به .
الثمرة التاسعة: ما كل حديث صحيح نحدث به العامة وذلك لقول ابن مسعود –رضي الله عنه- :" ما أنت محدث قوما حديثا إلا كان لبعضهم فتنة ".
المبحث الرابع: أصح الأسانيد
قال صاحب كتاب (لمحات في أصول الحديث)الدكتور محمد أديب صالح : " تنقل إلينا كتب أصول الحديث اتجاهات العلماء في الحكم على الأسانيد ، وما هو أصحها ، فجنح البعض إلى الإطلاق فعبر بأصح الأسانيد دون قيد، والمروى عن أحمد وإسحاق ابن ر اهويه أن أصحها : الزهري عن سالم عن أبيه، و يقول يحيي ابن معين : أصحها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود كما نقل عن البخاري : أصح الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر، ويرى أبو منصور التميمي أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، لإجماع أهل الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي ، وبنى بعض المتأخرين على ذلك أن أجلها رواية أحمد ابن حنبل عن الشافعي لاتفاق أهل الحديث على أن أجل من أخذ عن الشافعي من أهل الحديث الإمام أحمد .
ولكن الذي انتهى إليه التحقيق عندهم وكان هو المذهب المختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا من غير قيد بل يقيد بصحابي أو بلد مخصوص ، فيقال مثلا : أصح أسانيد أبي بكر ، وأصح أسانيد المدينة ...، وإنما طلب التقييد لعسر الإطلاق في هذا ، إذ يتوقف الأمر على وجود درجات القبول في كل فرد من أفراد الرواة في السند المحكوم له .
- ولقد يقع الباحث على أسانيد جمعها النقاد بعد طول بحث وتمحيص ومما قالوه :
*أصح الأسانيد عن أهل البيت جعفر ابن محمد ابن علي ابن الحسين عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة .
*وأصح الأسانيد عن أبي بكر : إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن أبي بكر ،إلى غير ذلك من الصحابة .
- وفي شأن الحكم على الأسانيد المنسوبة إلى بلد مخصوص أو إقليم من الأقاليم (...) فقد نقل مثلا عن الشافعي – رحمه الله تعالى – قوله : " إذا لم يوجد للحديث من الحجاز أصل ذهب نخاعه" ، وقوله : "كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز فلا تقبله وإن كان صحيحا ، ما أريد إلا نصيحتك" وقال عبد الله ابن المبارك :" حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب .





الفصل الثاني: في تدوين الحديث الصحيح.
المبحث الأول: أول من دون الصحيح .
قال النووي في ( التقريب) : "أول مصنف في الصحيح المجرد البخاري " واحترز بالمجرد عن الموطأ للإمام مالك ، فإنه وإن كان أول مصنف في الصحيح لكن لم يجرد فيه الصحيح ، بل أدخل المرسل والمنقطع والبلاغات وذلك حجة عنده .
وتعقبه السيوطي بأن ما في الموطأ من المراسيل مع كونها عنده حجة بلا شرط ، وعند من وافقه من الأئمة هي حجة عندنا لأن المرسل حجة عندنا إذا اعتضد، وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد وقد صنف ابن عبد البر كتابا سماه (التمهيد) وقد وصل فيه ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل ".
المبحث الثاني: ذكر من صنف في أصح الأسانيد
قال جما ل الدين القاسمي:" جمع أبو الفضل عبد الرحيم العراقي فيما عد من أصح الأسانيد كتابا في الأحكام رتبه على أبواب الفقه سماه (تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد) وهو كتاب لطيف جمعه من تراجم ستة عشر ، قيل فيها : إنها أصح الأسانيد ، إما مطلقا أو مقيدا ومع ذلك فقد فاته جملة من الأحاديث كما قال ابن حجر .
المبحث الثالث: بيان أن الصحيح لم يستوعب في مصنف
ودليله قول البخاري نفسه:" أحفظ مائة ألف حديث من الصحيح ومائتي ألف حديث من غيره " ولم يوجد في الصحيحين بل ولا في بقية الكتب الستة هذا القدر من الصحيح .
وقال النووي – رحمه الله تعالى- :"إن البخاري ومسلم لم يلتزما استيعاب الصحيح ،بل صح عنهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله لكنهما إذا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه ، فالظاهر من حالهما أنهما اطلعا فيه على علة إن كانا رأياه ، ويحتمل أنهما تركاه نسيانا أو إيثارا لترك الإطالة أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده أو لغير ذلك والله أعلم ".
المبحث الرابع: أثبت البلاد في الصحيح في عهد السلف
قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- (في تدريب الراوي) :" اتفق أهل العلم بالحديث ، على أن أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة ثم أهل البصرة ثم أهل الشام "
وقال هشام ابن عروة :" إذا حدثك العراقي بألف حديث فألق تسع مائة وتسعين وكن من الباقي في شك".
وقال الخطيب :" أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة ، فإن التدليس عنهم قليل والكذب ووضع الحديث عندهم عزيز ، ولأهل اليمن روايات جيدة ، وطرق صحيحة إلا أنها قليلة ، ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضا ، ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع إكثارهم ، والكوفيون مثلهم في الكثرة ، غير أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة من العلل ، وحديث الشاميين أكثر مراسيل و مقاطيع وما اتصل منه مما أسنده الثقات فإنه صالح والغالب عليه مما يتعلق بالمواعظ"
المبحث الخامس : بيان أن الأصول الخمسة لم يفتها من الصحيح إلا القليل
قال النووي:" الصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة من الصحيح إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي "
قال المحقق مصطفي شيخ مصطفي في التعليق على هذا الأثر :" و أيا كان الأمر فالصحيح أنه فات الأئمة الخمسة كثير ويدل عليه المشاهدة وكثيرا ما كان يسأل الترمذي شيخه البخاري عن حديث ، فيقول البخاري : هو صحيح ومع ذلك لم يذكره في صحيحه ، لأنه لم يلتزم استيعاب الصحيح كله ، وما يقال عن الإمام البخاري يقال عن غيره من الأئمة أصحاب الأصول الخمسة.

الخاتمة : بعض المسائل المهمة:
*المسألة الأولى: متى يوصف الصحيح بأنه متواتر؟وفيه المتواتر اللفظي والمتواتر المعنوي
فالمتواتر هو الحديث الصحيح الذي يرويه جمع يستحيل على العقل والعادة تواطؤهم على الكذب ، عن جمع مثلهم في السند كله ، وإنما قلنا هذا لنتخلص من تلكم الآراء المتضاربة حول تحديد عدد هذا الجمع من أربعة رواة إلى خمسة إلى عشرة إلى غير ذلك. فالأرجح في تعريف المتواتر أن يلاحظ فيه مجرد روايته عن جمع يحيل على العقل والعادة تواطؤهم على الكذب ، وقد قال ابن حجر:" لا معنى لتعيين العدد على الصحيح "، و ينقسم المتواتر إلى لفظي و معنوي :
فالأول هو الذي رواه الجمع المذكور في السند كله بلفظ واحد وصورة واحدة و هو كما يقول ابن الصلاح :" عزيز جدا ، بل لا يكاد يوجد ومن سئل عن إبراز مثال ذلك أعياه تطلبه "
والثاني هو ما لا يشترط في روايته المطابقة اللفظية ، وإنما يكتفى فيه بأداء المعنى ولو اختلفت رواياته وهو كثير جدا .
*المسألة الثانية: قولهم أصح شيء في الباب
قرر الإمام النووي أن قول المحدثين أصح شيء في الباب كذا لا يلزم منه صحة الحديث فإنهم يقولون "هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفا ومرادهم أرجح ما في الباب أو أقله ضعفا .
*المسألة الثالثة: هل يحكم المتأخرون بصحة الحديث إذا صح السند ؟
من الفوائد التي ذكرها ابن الصلاح عند بحثه للحديث الصحيح الاقتصار في الحكم بصحة الحديث على ما اعتمده السابقون ، وعدم اعتبار الحديث صحيحا بمجرد صحة إسناده ، ما لم يوجد في مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة ،فأغلب الظن أنه لو صح عندهم ما أهملوه لشدة فحصهم واجتهادهم .
*المسألة الرابعة: قولهم حديث صحيح الإسناد
(الفرق بين قولهم هذا حديث صحيح الإسناد وهذا حديث صحيح )
قول المحدثين هذا 'حديث صحيح' أرقى من قولهم هذا 'حديث صحيح الإسناد' لأنهم قد يعدلون إلى هذا الأخير بغية الحكم بصحة السند من غير أن يستلزم ذلك صحة المتن لاحتمال أن يكون في المتن شذوذ أو علة .
و ختاما أسأل الله العظيم أن يجزيني وكل من أعانني على إنجاز هذا العرض المحتشم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و سلم تسليما كثيرا.

الاموي
04-28-2006, 12:06 AM
قال أخونا في الله أبو قدامة:و ختاما أسأل الله العظيم أن يجزيني وكل من أعانني على إنجاز هذا العرض المحتشم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و سلم تسليما كثيرا.
أقول:جمعك هذا ليس محتشما وإن قلت ذلك عنه تواضعا منك حفظك الله بل الحقيقة أنه مقال قيم جدا لما جمعت فيه من الفوائد العظيمة والنكت الكريمة،وبينت فيه أمورا ومسائل جليلة، فجزاك الله عن هذا العمل خيرا وجعله في ميزان حسناتك.
وأود أن أعلق تعليقات بسيطة عن مقالك أخي أبو قدامة لأذكر بعض الفوائد المتعلقة بما ذكرته بارك الله فيك لتعم الفائدة ويعم الأجر بإذن الله:
قلت أخي أحسن الله إليك:
الفصل الثاني: في تدوين الحديث الصحيح.
المبحث الأول: أول من دون الصحيح .
قال النووي في ( التقريب) : "أول مصنف في الصحيح المجرد البخاري " واحترز بالمجرد عن الموطأ للإمام مالك ، فإنه وإن كان أول مصنف في الصحيح لكن لم يجرد فيه الصحيح ، بل أدخل المرسل والمنقطع والبلاغات وذلك حجة عنده .
وتعقبه السيوطي بأن ما في الموطأ من المراسيل مع كونها عنده حجة بلا شرط ، وعند من وافقه من الأئمة هي حجة عندنا لأن المرسل حجة عندنا إذا اعتضد، وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد وقد صنف ابن عبد البر كتابا سماه (التمهيد) وقد وصل فيه ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل ".
*أقول:اختلف أهل العلم فيمن كان أول من صنف في الحديث،وأحسن ما قيل فيه أن مالك أول من صنف في المدينة وابن جريج في مكة وسفيان الثوري في الكوفة وحماد ابن سلمة بالبصرة والأوزاعي في الشام ومعمر في اليمن وابن المبارك في خراسان وجرير بن عبد الحميد بالري مع العلم أن من بدأ في تدوين الآثار وتبويب الأخبار هو الربيع بن صبيح وسعيد ابن ابي عروبة وغيرهما لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري القدر،ولكنهم كانوا يصنفون كل باب على حدة،حتى جاء من سبق ذكرهم من الأئمةفدونوا في الأحكام ومزجوها بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم،ومع العلم أيضا أن أول من صنف في علم أصول الحديث هو القاضي الرامهرمزي رحمه الله.
*تعقب السيوطي على النووي كان قد قرره بعض أئمة الحديث كالقاضي أبو بكر بن العربي حيث قال في شرح الترمذي:الموطأ هوالأصل الأول واللباب،وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي.انتهى،وقال الحافظ مغلطاي:أول من صنف في الصحيح مالك.انتهى،وابن حجر كذلك قال عن الموطأ مثلما قال النووي رحمة الله على الجميع.
*قول السيوطي عن تمهيد ابن عبد البر أنه وصل أحاديث الموطأ يستثنى منه ما ذكره السيوطي نفسه في تنوير الحوالك أن أربع أحاديث لم يجدوا لها إسنادا متصلا لها وهي :حديث:"فتلك عين غديقة"وحديث:"إني لا أَنسى ولكن أًنسى لأًسن"وحديث:"حسن خلقك للناس يا معاذ" وحديث:" أنه صلى الله عليه وسلم راى أعمار الناس أو ماشاء الله منها فكأنه تقاصر أعمار أمته فأعطاه الله ليلة القدر".
*أقول بحمد الله أني وجدت من أئمة الحديث من وصل هذه الأحاديث التي عجز عنها ابن عبد البر وغيره والسيوطي تبعا له رحمة الله على الجميع،وهو العلامة الحافظ الأنماطي كما ذكر العلامة الأبناسي في الشذا الفياح،فالحديث الأول ذكره ابن ابي الدنيا متصلا في كتابه:المطر الرعد والبرق ،والحديث الثالث أخرجه ابن ابي الدنيا كذلك في كتابه:التقوى،والرابع أخرجه ابن منده متصلا،والحديث الثاني قال الأبناسي فيه:
قال الأنماطي:بحثت عنه فلم أظفر به غير أن بعض طلبة الحديث ذكر لي أنه وجده مسندا ولم يحضر ما يدل على قوله.انتهى،قلت:قال الألباني - رحمه الله تعالى -:
( باطل لا أصل له .و قد أورده بهذا اللفظ الغزالي في " الإحياء " ( 4 / 38 ) مجزوما بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم فقال العراقي في " تخريجه " : ذكره مالك بلاغا بغير إسناد , و قال ابن عبد البر : لا يوجد في " الموطأ " إلا مرسلا لا إسناد له , و كذا قال
حمزة الكناني : إنه لم يرد من غير طريق مالك , و قال أبو طاهر الأنماطي : و قد طال بحثي عنه و سؤالي عنه للأئمة و الحفاظ فلم أظفر به و لا سمعت عن أحد أنه ظفر به , قال : و ادعى بعض طلبة الحديث أنه وقع له مسندا . قلت : فالعجب من ابن عبد البر كيف يورد الحديث في " التمهيد " جازما بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضع منه , فانظر ( 1 / 100 و 5 / 108 و 10 /
184 ) ? ! . قلت : الحديث في " الموطأ " ( 1 / 161 ) عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني لأنسى أو أنسى لأسن " . فقول المعلق على " زاد المعاد " ( 1 / 286 ) , و إسناده منقطع ليس بصحيح بداهة لأنه كما ترى بلاغ لا إسناد له , و لذلك قال الحافظ فيما نقل الزرقاني في " شرح الموطأ " ( 1 / 205 ) : لا أصل له .و ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لا ينسى بباعث البشرية و إنما ينسيه الله ليشرع , و على هذا فهو مخالف لما ثبت في " الصحيحين " و غيرهما من حديث ابن مسعود مرفوعا : " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون , فإذا نسيت فذكروني " , و لا ينافي هذا أن يترتب على نسيانه صلى الله عليه وسلم حكم و فوائد من البيان
و التعليم , و القصد أنه لا يجوز نفي النسيان الذي هو من طبيعة البشر عنه صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث الباطل ! لمعارضته لهذا الحديث الصحيح ) . السلسلة الضعيفة: ( رقم: 101 ).
.........يتبع

12d8c7a34f47c2e9d3==